التصنيفات » دراسات

الكتب المدرسية "الإسرائيلية" حاضنة للحقد والعنصرية




آسا وينستانلي
إعداد عمر عدس: في ذروة عدوان “إسرائيل” الوحشي عام 2008-2009 على قطاع غزة، ادعت وزيرة الخارجية “الإسرائيلية” يومئذٍ أن “الفلسطينيين يعلمون أطفالهم الحقد علينا ونحن نعلم أطفالنا أن يحبّوا جيرانهم”.
ويجري ترويج الشطر الأول من هذه الخرافة، على أيدي أناس مثل وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلنتون، وفي وقت أقرب، نيوت غينغريتش، اللذين نشرا الادعاء الذي لا أساس له، بأن كتب المناهج الدراسية الفلسطينية تعلم اللاسامية . وقد بدأ هذا الافتراء مع مروّجي دعاية مناهضين للفلسطينيين، مثل المستوطن “الإسرائيلي” ايتامار ماركوس، ومنظمته التي يسميها “مراقبة الإعلام الفلسطيني”.
وفي كتاب مهمّ جديد، بعنوان “فلسطين في الكتب المدرسية “الإسرائيلية””، تدفن الأستاذة الجامعية “الإسرائيلية” المتخصصة في اللغة والتربية نوريت بيليد - ايلهانان، الشطر الثاني من خرافة ليفني بصورة حاسمة.
وتقول الكاتبة، إن بيليد ايلهانان، تفحصت 17 كتاباً مدرسياً “إسرائيلياً” مقرراً، في مواد التاريخ، الجغرافيا والدراسات المدنية . وكانت النتائج التي توصلت إليها، إدانة لنظام التلقين العقائدي “الإسرائيلي”، وقيامه بغرس العنصرية المناوئة للعرب منذ سنّ مبكرة: حيث تقول مؤلفة الكتاب: “إن الكتب التي تمت دراستها هنا، تسخّر الماضي لخدمة السياسة التوسعية “الإسرائيلية”، سواء تم نشر هذه الكتب في عهد وزارات التربية اليسارية أو اليمينية”.
وتدخل المؤلفة في أدق التفاصيل، لتتفحص وتكشف الأساليب المعقدة والبارعة التي يتم بها تحقيق ذلك . وتتجلى في ذلك خبرتها في علم الرموز والعلامات.
ويتحقق في الكتب غرس العقيدة المناوئة للفلسطينيين في أذهان الشبان “الإسرائيليين”، من خلال استخدام الإقصاء والتغييب: “إذ لا يتضمن أي من الكتب المدرسية التي شملتها الدراسة، سواء من الناحية الشفوية أو المرئية، أي جانب ايجابي من جوانب الحياة الثقافية أو الاجتماعية الفلسطينية: فليس هنالك أي ذكر، لأدب أو شعر، أو تاريخ أو زراعة، ولا ذكر للفن ولا العمارة، ولا العادات ولا التقاليد”.
وفي المناسبات التي يرد فيها ذكر الفلسطينيين (بمن فيهم المواطنون الفلسطينيون في “إسرائيل”)، يكون ذلك على ضوء استشراقي ينضح بالازداء والسلبية الساحقة: “جميع الكتب تقدّم الفلسطينيين برموز عنصرية، وتصنفهم في صور تحطّ من قدرهم، كأن يكونوا إرهابيين، أو لاجئين أو مزارعين بدائيين - وهم في الحالات الثلاث، “مشكلة” بالنسبة إلى “إسرائيل”.
“وعلى سبيل المثال”، في كتاب التاريخ المقرر، الذي يحمل عنوان “مودرن تايمز-2”، هنالك صورتان فوتوغرافيتان فقط للفلسطينيين، واحدة لأطفال فلسطينيين ملثمين، يقذفون الحجارة “على قواتنا”- كما تقول المؤلفة- والصورة الثانية، ل”لاجئين”، موضوعين في شارع ليس له اسم”.
وهذا ما تسميه المؤلفة “استراتيجيات التمثيل السلبي” . وتوضح ذلك قائلة، إن “الفلسطينيين كثيراً ما يُشار إليهم بتعبير “المشكلة الفلسطينية” . وبينما يُستخدم هذا التعبير حتى من قبل كتّاب يُعتبَرون “تقدميين”، فإنه “كان بارزاً في الأيديولوجيا والدعاية اليمينية المتطرفة، لدى مئير كاهانا”، السياسي والحاخام “الإسرائيلي” الراحل الذي كان يدعو علناً إلى طرد الفلسطينيين. وتجد بيليد ذلك مقلقاً، إذ يأتي بعد 60 سنة فقط من الزمن الذي كان يُدعى اليهود فيه بتعبير “المشكلة اليهودية” . وتُضمن المؤلفة كتابها أمثلة من الرسوم الكاريكاتورية الاستشراقية الفجة التي تمثل العرب، “تمّ جلبها للكتب المدرسية “الإسرائيلية” من الرسومات التوضيحية الأوروبية لكتب مثل “ألف ليلة وليلة”. حيث يقف الرجال العرب، في زيّ استشراقي، ممتطين الجمال على الأغلب . والرسوم الكاريكاتورية للنساء العربيات، تظهرن جالسات بإذعان، بثيابهن التقليدية. وفي الوقت نفسه يظهر “إسرائيليان” في الصفحة ذاتها، حيث يُصوران زوجين غربيين “عاديين” - وإن يكن بصورة كاريكاتورية- من دون أن تميزهما أي علامات، يهودية أو غيرها . والرسالة في الصورة واضحة: وهي تفيد أن العرب لا ينتمون إلى هذا المكان مع “نا”.
وتخلص بيليلد - ايلهانان إلى أن “الكتب التي تمت دراستها هنا تمثل الثقافة اليهودية، باعتبارها أرفع من الثقافة الفلسطينية، وأن المفاهيم “الإسرائيلية”  اليهودية للتقدم متفوقة على أسلوب الحياة الفلسطيني  العربي، وأن السلوك “الإسرائيلي”  اليهودي منسجم مع القيم العالمية”.
وعلى الرغم من أن جرائم الحرب “الإسرائيلية” غير مهملة تماماً، فإن الكتب المقررة تفعل كل ما في وسعها للتهوين، من شأن/ أو تبرير المذابح والتطهير العرقي . وكما تقول المؤلفة “يجري سرد الرواية “الإسرائيلية” للأحداث باعتبارها حقائق موضوعية، بينما تُذكر الروايات الفلسطينية  العربية كاحتمال، يتحقق في افتتاحيات من قبيل “وفق النسخة العربية، أصبحت دير ياسين أسطورة في الرواية العربية، صورة سلبية فظيعة للظافر اليهودي في نظر عرب “إسرائيل”.
وتقول الكاتبة، إن دير ياسين كانت قرية فلسطينية، حدثت فيها عام ،1948 مذبحة شائنة راح ضحيتها نحو 100 شخص، على أيدي إرهابيين من المنظمات الصهيونية، إرغون، وليحي وهاغاناه . ومع ذلك فإن “الفظيع” في المثال السابق، هو صورة “إسرائيل” السلبية فقط . أمّا ذبح العزل من رجال ونساء وأطفال، فليس مسألة تثير الاهتمام.
وبالرجوع إلى دراسات سابقة للكتب المدرسية المقررة في “إسرائيل”، تجد بيليلد - ايلهانان، على الرغم من علامات التحسن في تسعينات القرن الماضي، أن الكتب الأحدث التي تفحصتها، قد غدت أسوأ . فمسألة النكبة، أو الطرد الإجباري للفلسطينيين من وطنهم عام ،1948 لا يجري تجاهلها، بل يتم تبريرها بدلاً من ذلك . وعلى سبيل المثال، في الكتب التي تذكر دير ياسين، يتم تبرير المذبحة بالقول: “إن ذبح فلسطينيين مسالمين، أدى إلى فرار فلسطينيين آخرين، ما مكّن إقامة دولة يهودية متماسكة”، وتلك نتيجة طيبة على نحو واضح لا يحتاج إلى شرح.
وخلافاً لما كانت تأمل فيه الدراسات السابقة، من “ظهور رواية جديدة في كتب التاريخ المقررة في “إسرائيل”، ينكص بعض أحدث الكتب المدرسية (2003-2009)، إلى روايات “الجيل الأول” - أي جيل خمسينات القرن الماضي - عندما كانت فرصة الوصول إلى المعلومات الأرشيفية أقل - وأن تلك الكتب، مثل تلك المعلومات، “غاصة بالتحيز والتحامل والأخطاء، والتحريفات”، كما تقول مؤلفة الكتاب.
وتقول الكاتبة، إن الكتب الدراسية “الإسرائيلية” تخضع لتحريف الحقائق، وأن اللغة الأكاديمية تنزلق أحياناً إلى مستوى التضليل والتعمية . ولكن كتاب بيليد ايلهانان، هو القول الفصل في الكيفية التي يجري بها غسل أدمغة تلاميذ المدارس في “إسرائيل” من قبل الدولة والمجتمع، لكي يكرهوا الفلسطينيين والعرب، تماماً قبل الوقت الذي يُفترض فيه أن يدخلوا الجيش كمجندين شبان. - موقع “الانتفاضة الإلكترونية” (13-8-2012)

2012-08-25 11:03:20 | 1848 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية