التصنيفات » المجلة الفصلية

العدد الثامن - خريف 2004



يتذكّر الجميع الوعد الذي قطعه آرييل شارون فوز تسلّمه رئاسة الحكومة الصهيونية بالعمل على إنهاء الانتفاضة والقضاء عليها في مهلة أقصاها مئة يوم، وقد هللت جماهير الدم في الكيان الصهيوني حينها للبلدوزر الذي أتت به القواعد الشعبية أملاً في تحقيق هذا الهدف بعد عجز أسلافه عن ذلك.

ومع أن شارون قد أخذ الضوء الأخضر من الشارع الصهيوني ومن الولايات المتحدة لمخيّلته الإجرامية وآلة جيشه العسكرية  دون رادع من قيم أو ضمير، أو وازع من قانون دولي أو قوة عظمى تحترم العهود والمواثيق بين الدول والأمم، إلاّ أن انتفاضة، بإرادة شعبها وصمود مجاهديها ودعاء الثكالى والأيتام والأطفال والعجزة، وإيمان المؤمنين بها، استطاعت أن تفرض خياراتها وتلزم المحتل بوجودها، وتعيق حد السيف المسلط على شعبها بقاني الدم وعزيمة الموقف والثبات وخيار المقاومة والاستشهاد. 

نعم ... لقد استطاعت الانتفاضة، وبعد أربع سنوات من انطلاقتها، وحوال ثلاث سنوات من وصول شارون إلى رئاسة الحكومة وإطلاقة وعده المشؤوم بالقضاء عليها، أن تبقى وتستمرّ، وأن تلزم المحتل بالتراجع. 
لقد استطاعت الانتفاضة المباركة التي تعيش أجواء ميلادها الخامس؛ 
1- أن تعيد القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث الدولية. 
2- أن تعيد إحياء الحق الفلسطيني في الوجدان العالمي، بعدما ظنّ البعض أن اتفاقات التسوية قد أعادت للفلسطينيين حقّهم المسلوب. 
3- أثبتت عقم التسوية والرهانات عليها وزيف الوعود "الإسرائيلية" بالسلام وإعادة الحقوق. 
4- كشفت القناع عن الوجه البشع للصهيونية وكيانها المصطنع على أرض فلسطين، وهذا ما ظهر جلياً من خلال استطلاعات الرأي التي جعلت إسرائيل  أولى الدول في ممارسة الإرهاب في العالم بنظر الأوروبيين. 
5- أسهمت الانتفاضة في إيجاد جوّ من اللحمة الوطنية بين الأطراف والفصائل الفلسطينية المتعددّة. 
6- حقّقت انخفاضاً كبيراً ومهماً في عدد المهاجرين إلى الكيان الصهيوني من يهود العالم، وفي المقابل كانت المساهم الأبرز في زيادة الهجرة المعاكسة من الكيان الصهيوني إلى الخارج. 
7- أربكت الواقع الاقتصادي "الإسرائيلي"، وعمّقت الأزمة الاقتصادية الموجودة في كيان العدوّ، وقد كان من أبرز معالم تأثير الانتفاضة في اقتصاديات العدو؛ انخفاض عدد السياح، إفلاس العديد من الشركات والمصانع خاصّة تلك التي كانت تعتمد على أسواق  الضفة الغربية وقطاع غزّة، فرا رؤوس الأموال الكبرى من الكيان إلى الخارج، وتقلّص نسبة الاستثمارات الخارجية في الكيان الصهيوني...إلخ. 
8- ضعف واختلال الشعور بالأمن الشخصي والاجتماعي لدى مستوطني الكيان الصهيوني. 
9- الشعور العام في إسرائيل بنوع من العجز أمام الانتفاضة وأعمالها، فالقلق دائم من عمل مقاوم هنا أو هناك، والحل مفقود "لأن سلطات الأمن قادرة على إيقاف أي مجرم ومواجهة أي مشكلة لكنها عاجزة عن إيقاف شخص يطلب الموت"، كما عبّر أحد قادة العدوّ تعليقاً على العمليات الاستشهادية... 
10- ولعل أبرز وأهم النتائج  التي استطاعت الانتفاضة أن تحقّقها هي تلك المتعلّقة بالمشروع السياسي والفكر السياسي الصهيوني، حيث أن مجريات الأعوام الأربعة من عمر الانتفاضة أدّت إلى: 
- فشل حزب العمل في التعاطي مع الانتفاضة أن تحقّقها هي تلك المتعلّقة بالمشروع السياسي والفكر السياسي الصهيوني، حيث أن مجريات الأعوام الأربعة من عمر الانتفاضة أدّت إلى: 
- فشل حزب العمل في التعاطي مع الانتفاضة وتراجع مشروعه السياسي لصالح مشروع اليمين "الإسرائيلي" المتطرّف. 
- فشل أرييل شارون في إنهاء الانتفاضة في المهلة التي حدّدها لذلك. 
- فشل كلّ "الحلول الإبداعية" التي حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وخاصّة حكومة الليكود الحالية، إنتاجها للقضاء على الانتفاضة، وإيجاد مشروع سياسي "إسرائيلي" موحّد لآليات التعاطي معها ومحاصرتها وإيقافها، رغم استخدام كلّ الأساليب السياسية والأمنية والعسكرية الأكثر عنفاً ودموية في العالم. 
- تبدل التحالفات السياسية الداخلية ومواقع الأحزاب ومشاريعها وإجراء تعديلات عليها، والتخبّط الداخلي في أروقة الأحزاب السياسية إزاء الانتفاضة والموقف من إيجاد الحلول للقضية الفلسطينية. 
- وصول المشروع السياسي الصهيوني إلى نقطة "اللاعودة حيث أن الناخب "الإسرائيلي" يعتبر أن إيصاله أرييل شارون إلى رئاسة الحكومة هو آخر الخيارات الإسرائيلية لإيقاف الانتفاضة،  وكسر شوكتها، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على فشل المشروع الصهيوني في فلسطين الذي بدأ يصل إلى عنق الزجاجة أو هو على الأقل اقترب من هذا العنق، خاصّة في حال رحيل شارون الذي يُنظر إليه على أنه آخر ملوك بني إسرائيل، أو بمعنى آخر كونه أول رئيس حكومة إسرائيلي يتمتّع بهيبة وثقة وتأييد واسع في الشارع الصهيوني. أي أن المشروع بعده سيشهد بدايات التقلّص والقوقعة، إن لم نقل الانهيار والسقوط. 
إن أبرز معالم الأزمة السياسية التي أنتجتها الانتفاضة داخل الكيان الصهيوني هي تلك الأزمة داخل حزب الليكود الذي يعتبر عصب الحكومة الإسرائيلية الحالية، حول مشروع الانسحاب من عزة، حيث أن شارون قدم إلى مؤتمر الليكود خطّة الانسحاب وطلب الموافقة عليها، علماً أن هذه الخطة تتعارض مع أهم مبادئ وبنود النظام الداخلي للحزب الذي ينص، في مادّته الثانية من الفصل الثاني الذي يتناول الأهداف، على: 
- الحفاظ على حق الشعب اليهودي في أرض "إسرائيل"، حقاً أبدياً، لا يقبل الاستئناف ... وفرض سيادة الدولة على كل أجزاء هذه الأرض". 
- وتعتبر مدينة غزة بموجب النظام الداخلي لليكود  جزءاً أساسياً من أراضي الكيان الصهيوني. 

هذه الخطّة التي تقدم بها شارون أحدثت شرخاً واسعاً داخل الليكود، وهدّدت عقده بالانفراط ، حيث انقسم  الحزب إلى قسمين ولم يحصل شارون إلاّ تأييد 40% فقط من مؤتمر الليكود لخطته في حين عارضها البقية ومن بينهم كبار قيادات الحزب ورموزه.  
تلك الخطّة التي تشكل إحدى تداعيات الأزمة الكبرى التي تعيشها "إسرائيل"، جرّاء الانتفاضة ، قد لا تكون مطروحة أساساً من أجل التنفيذ العاجل لكنها بالتأكيد طرحت نتيجة أزمة سياسية-أمنية تعيشها "إسرائيل"، والوضع الخاصّ الذي تمثّله مدينة غزّة وقطاعها في هذا المجال. 



2013-09-24 13:05:44 | 1560 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية