التصنيفات » المجلة الفصلية

العدد التاسع - شتاء 2005





شكّلت وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات منذ أسابيع فرصة ذهبية لكلّ القوى والأطراف  المعنية بالقضية الفلسطينية كي تعيد حساباتها من جديد في سبيل التقدّم نحو أهدافها التي رسمتها لنفسها مسبقاً. وهذه الأطراف تمثّلت أساساً في إسرائيل، السلطة الفلسطينية، الفصائل الفلسطينية، الولايات المتحدة وأوروبا، إضافة إلى الأنظمة العربية التي تتأثّر بشكل مباشر بما يجري على الساحة الفلسطينية. بالنسبة للحلف الأمريكي-الإسرائيلي الذي يحظى بغطاء أوروبي-أممي إلى حدٍ ما فإن توجّهات هذا الحلف  حيال خلفية عرفات، محمود عباس، رئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة الجديد هي توجّهات مكشوفة وواضحة، وتتمحور حول دفعه لاستهداف القوى المقاومة للاحتلال وضربها وتصفية كوادرها وتدمير بناها التحتية، وصولاً إلى الهدف الأكبر، أي إلغاء إرادة المقاومة من أذهان الشعب الفلسطيني مرة واحدة وإلى الأبد.
مقابل ذلك، لا يُعدّ التحالف الأمريكي – الإسرائيلي الفلسطيني بأكثر من "رزمة" مساعدات مالية واقتصادية وأمنية، تصب كلّها في إطار التوجّه الذي ذكرناه آنفاً، مع تجديد خادع لوعد "الدولة الفلسطينية  المستقلّة" لا يرتكز على أية وقائع أو حقائق ملموسة، كما كانت الحال في المراحل التي سبقت  وفاة عرفات، شريك "السلام" الذي أصبح زعيم "الإرهاب" الأول بنظر هذا الحلف غير المقدس! 
على الجهة المقابلة، لاحظنا اندفاعة فلسطينية (رسمية) وعربية (مصر-الأردن) نحو ملاقاة الحلف المذكور، ليس في منتصف الطريق كما يقال، بل في بدايته، أي أن سلطة عباس مدعومة من النظامين المصري والأردني تريد التجاوب (ولو على مراحل) مع الإملاءات الأمريكية الإسرائيلية واستغلال فرصة وفاة عرفات، الذي كان "عقبة" في وجه انطلاق مسار التسوية، حتى في ذهن بعض الفلسطينيين والعرب، لكن من دون الاضطرار للاصطدام مباشرة مع الفصائل المقاومة التي باتت رقماً صعباً في معادلة الصراع منذ اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة قبل أكثر من أربع سنوات، وإنما عبر الالتفاف على حركة المقاومة وفعالياتها، مع الاستفادة قدر الإمكان من منجزاتها، لقبض أثمان من العدو قبل استئناف المسار السياسي معه، وهي أثمان لا تساوي الكثير إذا ما قيست بتضحيات الشعب الفلسطيني ومقاومته والأهداف التي حدّدها هذا الشعب لنضاله منذ أمد بعيد!
 ومع يقيننا بعقم تجديد الرهان الفلسطيني – العربي على أن عملية التسوية مع حكومة شارون المتطرفة قد تنتج تنازلات جوهرية تعيد حقوق الفلسطينيين ولو في إطار حدود العام 1967، إتكاء على الوعود الأمريكية، وعلى دعم ما يسمّى المجتمع الدولي لهذه الحقوق، فإننا نرى أن خيار المقاومة والانتفاضة لا يزال هو خيار الأنسب من أجل دفع العدوّ المتغطرس إلى التنازل والتراجع، وما الانسحاب غير المشروط من قطاع غزة في الأسابيع المقبلة سوى أحد الإنجازات الأوّلية لهذا الخيار ... لكن ذلك، لا يعني أن بحث ومعالجة الواقع الفلسطيني بكل تشعّباته وتعقيداته ليس مسألة جوهرية وملحة، بعد وفاة الرئيس الفلسطيني عرفات على وجه الخصوص،كون الراحل اختصر هذا الواقع بشخصه، وعلى كافّة المستويات؛ إن مطالب إصلاح منظمة التحرير أو السلطة بأجهزتها ومؤسساتها وتوحيد قوى الشعب الفلسطيني الحية على اختلاف توجهاتها، هي مطالب مشروعة لأنها تمسّ حاجات ومتطلّبات الفلسطينيين الذين يواجهون في هذه المرحلة التاريخية أخطر تحدٍ، وهم إذا نجحوا في هذا الامتحان سيتمكنون من رسم معالم مستقبلهم في أرضهم على مدى العقود المقبلة، بعيداً عن الاحتلال الإسرائيلي والانتداب الأمريكي-الأوروبي الجديد! هذا العدد من دورية "باحث للدراسات" يقدم مقاربات أولية في الإطار المذكور آنفاً، علّها تشكال حافزاً لكل المعنيين بالأبعاد السياسية-الفكرية للصراع مع العدو "الإسرائيلي" من أجل تقديم تصورات موضوعية تسهم في دعم خيار المقاومة بكل أشكالها، من النواحي الأخلاقية والسياسية  والعملية على حدٍ سواء. 
في المحور الأوّل من هذا العدد استصرحنا مسؤولي عدد من الفصائل الفلسطينية، حول معالم "مرحلة ما بعد عرفات"، ومستقبل منظمة التحرير على وجه الخصوص، والتي يراد لها أن تصبح ظلاً للسلطة الفلسطينية المحكومة بالإملاءات الإسرائيلية الأمريكية؛ فيما تطرّق مختصّون بالشأن الفلسطيني ضمن المحور الثاني إلى تحليل الواقع الفلسطيني الذي شهد تغيرات هامّة قبل  وبعد رحيل عرفات، على الصعد السياسية والاجتماعية تحديداً سيكون لها بالتأكيد تأثيرات هامّة في المستقبل القريب (الانتخابات الرئاسية والبلدية) خاصّة على المسار السياسي التفاوضي بين سلطة أبي مازن وحكومة شارون، الذي سيكون مساراً صعباً ومعقّداً ومليئاً بالألغام، في ظلّ التوجّهات "الإسرائيلية" التي لم تتغيّر جوهرياً بعد رحيل عرفات، والتي يسندها ويرسخّها جدار الضم والعزل العنصري في الضفة الغربية (وهو شارف على الانتهاء) ومحاولات حثيثة مدعومة دولياً من أجل تصفية قضية حقّ العودة للاجئين الفلسطينيين، بما تمثّله من معانٍ وما تتركه من تداعيات تتعلّق بوحدة الشعب الفلسطيني ومستقبله على أرضه المقدّسة. 


2013-09-24 13:07:35 | 1551 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية