التصنيفات » المجلة الفصلية

العدد الحادي عشر - صيف / خريف 2005






بات مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ملفاً أساسياً وذات أولوية، خصوصاً بالنسبة للحلف الأمريكي-"الإسرائيلي" الذي كان وراء إصدار القرار الدولي المشؤوم 1559 (ومعه فرنسا بالطبع)، والذي يهدف -كما بات الجميع يدرك- إلى تصفية المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، إضافة إلى ضرب الدور السوري المقاوم للطموحات الأمريكية-"الإسرائيلية" على مستوى منطقة الشرق الأوسط ككل.
لم يتطرق المجتمع الدولي من خلال القرار المذكور إلى طبيعة الأزمات القائمة سواء في لبنان أو في محيطه (المسبّبات والظروف)، بل ذهب إلى معالجة بعض تداعيات هذه الأزمات مباشرة، مقابل تجاهل تام من قبل هذا المجتمع (مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة) لكل القرارات الدولية التي توالت منذ اغتصاب العدو "الإسرائيلي" لفلسطين في العام 1948، ومنها حق العودة للاجئين الفلسطينيين المشتتين في أصقاع الأرض منذ عقود، وبالأخص في جوار فلسطين السليبة، أي في لبنان وسوريا والأردن، وهم عانوا –وما زالوا يعانون- بسبب تهجيرهم وارتكاب أفظع الجرائم الموصوفة ضدهم، شتى أنواع المعاناة، وعلى كل المستويات الإنسانية والاجتماعية والنفسية، برغم المساعدات والخدمات التي تقدم لهم من قبل جمعيات ومؤسسات دولية ومحلية، تصب في معظمها في إطار سياسي مشبوه يهدف إلى "تهدئة" هذا الشعب المعذب وتسكين ثورته تمهيداً لتصفية قضيته المحقة بتوطين ملايين اللاجئين في أماكن تواجدهم أو في بلدان أخرى، بما يرضي مزاعم العدو ومطامعه في احتلال كامل فلسطين أو في تهويدها، كما نشهد في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة من الصراع العربي-"الإسرائيلي". 
من هنا يكتسب ملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أهمية خاصة، كون "المجتمع الدولي" يسعى عبر إصراره على تنفيذ كامل بنود القرار 1559 إلى تلبية الأهداف الأمريكية-"الإسرائيلية" في المنطقة، حيث يقف سلاح حزب الله والشعب الفلسطيني في لبنان كعائق أساسي وجدي أمام تحقيق هذه الأهداف، فيما تستمر بعض الأطراف الإقليمية والمحلية (اللبنانية) في التعامل مع هذا الملف السياسي المعقد بأساليب تقليدية ثبت فشلها في المحطات الماضية من العلاقات اللبنانية-الفلسطينية الملتبسة، وهذا التعاطي قد يخدم –بقصد أو من دون قصد- المخطط المعادي الذي تحدثنا عن ملامحه آنفاً. 
هذا العدد من دورية (دراسات باحث) يتطرق إلى جوانب حساسة من الملف الفلسطيني في لبنان، حيث يحلل ويعالج عدد من الباحثين أو المعنيين بهذا الهدف الأوضاع الاجتماعية والتعليمية والصحية والقانونية للاجئين، فيما يتطرق باحثون آخرون إلى الأبعاد السياسية للقرار 1559 وتأثيراته المباشرة على واقع اللاجئين ومستقبلهم في المدى المنظور. 
وفي باب الوثائق يتضمن  العدد نصوص المذكرات  التي قدمت  من قبل منظمة التحرير، السلطة الفلسطينية وتحالف  القوى الفلسطينية، كلٌ على حدة، إلى رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة  في إطار  معالجة أوضاع الفلسطينيين المزرية  في لبنان،  ولعدم اختصار  العلاقة اللبنانية-الفلسطينية في مسألة  نزع سلاح  المخيمات فقط! 
كما نقدم في إطار  تعزيز ملف هذا العدد المزدوج من (دراسات  باحث) نص البيان  الختامي (مقررات  وتوصيات) الذي صدر في ختام اللقاء  الفلسطيني الموسع الذي عقد في بيروت (30/9-3/10/2005) تحت عنوان: ماذا يريد اللاجئون الفلسطينيون في لبنان؟ 
وبرغم ملامح قاتمة تبرزها بعض مقالات ودراسات العدد، إلا أن تاريخ هذا الشعب الصلب والعنيد والمضحي، والذي يشكل اندحار العدو الصهيوني عن قطاع غزة مؤخراً أبرز تجليات تضحياته، يجعلنا متفائلين بقدرة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على تجاوز المحن التي تتوالى عليهم، سواء على المستوى الاجتماعي-الإنساني بعد مبادرة وزير العمل اللبناني (الذي نفتتح العدد بمقابلة هامة معه) إلى إفساح المجال للاجئين في العمل بعدة مهن كانت محظورة عليهم سابقاً، أو على المستوى السياسي من خلال تكتل القوى اللبنانية والفلسطينية (المدعومة عربياً وإسلامياً) التي ترفض نزع سلاح حزب الله والمخيمات كونه سلاحاً دفاعياً وموجهاً بالأساس ضد المحتل الصهيوني، كما أثبتت تطورات الأعوام الماضية. 
والأمل، كل الأمل، في أن يسعى أركان السلطة اللبنانية "الجديدة" الذين يؤكدون على رفضهم توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وعلى دعم حق هؤلاء في العودة إلى وطنهم، إلى بدء معالجة سياسية شاملة وعميقة لملف اللاجئين، تسمح للدولة ببسط سيطرتها الأمنية، كما تتيح للاجئين العيش بكرامة وبحرية، حتى يحين الوقت المناسب لعودتهم إلى ديارهم (إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً...).

2013-09-25 08:22:17 | 1574 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية