التصنيفات » المجلة الفصلية

العدد الثالث عشر - شتاء/ربيع 2006

 

أحدث فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 25-1-2006، صدمة حقيقية لدى الدوائر الغربية والصهيونية بالدرجة الأولى، ولدى معظم  الأنظمة العربية بالدرجة الثانية، باعتبار أن هذا التحوّل جسّد نجاح الإسلام الحركي المقاوم في أسر قلوب وعقول الناس الذين ذاقوا الأمرّين من تحكّم الأعداء بمصائرهم، من ناحية؛ والقوى المحلّية التي تعتبر نفسها ممثّلة لهم ومدافعة عن قضاياهم ، من ناحية أخرى!

نعم، إن فوز حماس هو فوز لكلّ عربي ومسلم ضحى وعانى منذ عقود من السنين – ومايزال- في مواجهة أعتى أنظمة الظلم والاستغلال والاحتلال، والتي توحّدت اليوم فيما يسمّى المجتمع الدولي الذي يقاد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والحركة الصهيونية العالمية، إلى حدٍ كبير. إن انتصار حماس هو عقائدي قبل أن يكون سياسياً؛ وانتصار إنساني قبل أن يكون انتصاراً مادياً. وهو استكمال لحلقات أو دوائر الممانعة والمقاومة التي صارت إيران مركزها الأساس في  العصر الراهن. من هنا نفهم شدّة أو "هستيرية" الهجمة الدولية الإسرائيلية على حركة حماس، والتي تسعى إلى إفشال تجربتها السياسية في مهدها، من دون طائل حتّى الآن.

لكن ما يدعو للاستنكار والاستهجان هو تورّط بعض القوى الفلسطينية والأنظمة العربية في دعم محاولات إسقاط  تجربة حماس، على أساس أن الإسلام المقاوم يهدّد الاستقرار الإقليمي والدولي، ويتجاوز المسلّمات اليت رست عليها أحوال فلسطين والمنطقة منذ عقود.

إن الخطر الرئيسي الذي يهدّد كلّ دول وشعوب ما يسمّى بالشرق الأوسط، يتأتّى واقعاً وفعلاً من الكيان الصهيوني وراعيته الإدارة الأمريكية المتغطرسة التي تسعى لإنجاح مشروعها في "شرق أوسط جديد"، يتيح لها من خلال النظم الديموقراطية الجديدة التي ستنشأ- هيمنة كاملة وشاملة على هذه المنطقة لأعوام أو عقود مديدة، تكون أمريكا خلالها قد استنفدت مواردها وإمكاناتها لصالح اقتصاد الرأسمالي المتوحّش، والذي يعاني من أزمات خطيرة وحادّة!

وعليه، فإن المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتق دول أو شعوب منطقتنا هي جسيمة ومصيرية، من أجل مواجهة الضغوط والمخطّطات الصهيونية الأمريكية الجديدة، بموازاة قضية دعم حماس على كلّ المستويات والصعد في المراحل المقبلة من الصراع والمواجهة، وبالأخص على المستويين المالي والإعلامي، لأن فشل هذه التجربة – لا قدّر الله- سيؤثّر سلباً بالتأكيد على الحركات الإسلامية المقاومة من جهة وسيدفع في المقابل المشروع المعادي قدماً إلى الأمام من جهة أخرى، حيث لن يكون للقوى الفلسطينية أو العربية المنخرطة في هذا المشروع أي مواطئ قدم، يتيح لها تنفيذ أجندتها أو أهدافها السياسية "المعتدلة" كما تعلن قيادات هذه القوى، في كلّ مناسبة!

إن بلورة مشروع استراتيجي متاكمل يمكّن حماس (وباقي القوى الإسلامية أو الوطنية في فلسطين) من التعاطي مع التحدّيات المتتالية ، هي مهمة كلّ حرّ وشريف في المنطقة، وهي توازي في الأهمّية دعم حماس مالياً ومعنوياً، ومن ركائز هذا المشروع (مقترحات وأفكار):

1-    عدم الاعتراف بكيان العدوّ بتاتاً.

2- حفظ المقاومة (العسكرية والمدنية) هو ركيزة أساس من ركائز نجاح حكومة حماس، بحيث أن الجمع بين دعم المقاومة وحمايتها وبين ممارسة السلطة وإدارة شؤون الناس، لم يعد أمراً غريباً أو مستحيلاً، كما يروّج البعض!

3-    رفض الالتزام الرسمي بالاتفاقات السابقة (الفاشلة) مع العدوّ من دون التصادم مع موجبات الواقعية!

4- بحث بلورة طرح "الهدنة الدائمة" مع العدوّ، ولكن بعد الانسحاب إلى حدود 4 حزيران 67، في إطار سياسي-قانوني شامل!

5- تقديم نموذج راق في الأراضي الفلسطينية المحرّرة على الصعد الإدارية، الأمنية، الاقتصادية والاجتماعية، للشعب الفلسطيني أولاً؛ ولشعوب المنطقة ثانياً؛ وللعالم ثالثا.

6- حفظ وتمتين الوحدة الفلسطينية الداخلية، واعتبار التصادم الأهلي خطاً أحمراً لا يمكن لأي فلسطيني تجاوزه مهما علا شأنه.

7- التخفّف، أو حتّى التخلّص من القيود الدولية المرتبطة بالدعم المالي (الأمريكي-الأوروبي) مقابل تفعيل الدعم العربي (الرسمي-الشعبي والأهلي) والإسلامي (إيران وغيرها)، كإطار ثابت جديد يمكن للشعب الفلسطيني الاعتماد عليه من أجل الاستمرار في مواجهة العدوّ ومخطّطاته.

8- إطلاق حملات منظّمة ومركّزة تجاه الرأي العام العالمي لكشف سياسات العدو وممارساته (خطّة الفصل العنصري كنموذج)، ولجلب أنواعد الدعم المالي والتاييد للقضية العادلة.

9- الاستفادة من إمكانات وطاقات الشتات الفلسطيني لإنجاح تجربة المقاومة في السلطة، والتي وضعت حق العودة في صميم برنامجها السياسي، على خلاف السلطة السابقة!

هذا العدد الجديد (المزود) من مجلّة (دراسات باحث) يبح في أسباب وتداعيات فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي  الفلسطيني، وآفاق المرحلة المقبلة بعد تشكيل الحركة للحكومة الجديدة، إن على مستوى العلاقة مع رئاسة السلطة المتناقضة مع نهج حماس وخياراتها، أو على صعد إصلاح الأوضاع الداخلية على كل المستويات ( الأمنية، الإدارية الاقتصادية ...) ؛ والأهم كيفية إدارة حماس للصراع المتجدّد مع المشروع الصهيوني  إلى نسج علاقات  مختلفة مع المحيط العربي والإسلامي، بما يؤمّن العمق الاستراتيجي  المطلوب  لخوض هذا الصراع والخروج نهائياً من شعار "يا وحدنا"!

المحور الأوّل من العدد يتضمّن مداولات ومناقشات ندوة خاصّة عقدت في بيروت، وأخرى عقدت في دمشق، بمشاركة مجموعة كبيرة من الباحثين والمختصّين فيما يتضمّن المحور الثاني عدّة مقالات وأبحاث حلّلت ودرست الواقع الفلسطيني (والإقليمي) أثناء وبعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية.

وفي صدارة العدد مقابلة هامّة وشاملة مع نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، الدكتور موسى أبو مرزوق، يحدّد فيها بشكل واضح مواقف حركته من كل ما جرى منذ الفوز المدوّي لحماس، مؤكّداً أنها ستواجه التحدّي الجديد بكل جرأة حكمة ودراية، وبدعم من القوى والدول والحركات التي تتفق معها في تحقيق أهداف الحرية والعدالة لأبناء  فلسطين والمنطقة كلها.  

 

2013-09-25 08:25:09 | 1486 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية