التصنيفات » المجلة الفصلية

العدد الثامن عشر - ربيع/صيف 2007



يستدعي تفاقم الأوضاع السياسية والأمنية في قطاع غزة والضفة الغربية، بين حركتي فتح وحماس، منذ عدة أشهر، قراءات مختلفة لما جرى من أحداث دامية بين الطرفين على إثر سقوط اتفاق مكة وحكومة الوحدة الوطنية التي شكّلت على أساسه؛ فما حصل كبير وخطير جداً، وهو أحدث صدمة لدى الشارع الفلسطيني المكتوي بنار الاحتلال الصهيوني البغيض –ولا يزال-؛ كما لدى أبناء الشعوب العربية والمسلمة، الذين يعتبرون القضية الفلسطينية قضيتهم الأساس، وأن كل خسارة أو مصيبة تحلّ بالشعب الفلسطيني، إنما هي تصيبهم في الصميم. 

وليس مجافياً للمنطق أو للواقع اتهام إدارة بوش المجرمة وحكومة العدو الإرهابية، بالوقوف وراء ما حصل في قطاع غزة، بغضّ النظر عن نتائج الأحداث الدامية وتداعياتها؛ من هنا تبرز أهمية العمل الحثيث والمخلص من قبل جميع المعنيين بالشأن الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، من أجل إعادة لغة الحوار بين القوى الفلسطينية، لإحداث تغييرات جوهرية في الواقع السياسي الفلسطيني، تمهّد لاستئناف مسيرة المواجهة مع المشروع الأمريكي-الإسرائيلي، من خلال رؤية موحّدة تمتلك قواعد سياسية وشعبية واجتماعية صلبة وجامعة. 

نعم، لقد تمكّن الحلف المعادي من تعويض (ولو نسبي ومرحلي) خساراته المتتالية منذ أعوام، في كل من العراق ولبنان وفلسطين (وحتى أفغانستان)، عبر إحداث صدع خطير داخل الجسم الفلسطيني، ظهر مباشرة بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، مطلع العام 2006، لإجهاض مفاعيل هذا الفوز السلبية على المشروع المعادي؛ وهذا ما جرّب في وقت سابق في لبنان بعد إصدار القرار الدولي 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري، لإسقاط تداعيات تحرير لبنان في أيار من العام 2000 وتذويبها في بحر الانقسامات والنزاعات السياسية والأمنية... 

وليس المشهد العراقي "الدموي بامتياز"، سوى ترجمة حقيقية للأهداف الأمريكية-الغربية والإسرائيلية، والتي تتمحور حول تفتيت كل دول المنطقة وإغراق شعوبها في سلسلة لا تنتهي من الحروب والصراعات، بما يؤدي إلى إضعاف أو محاصرة كل قوى المقاومة والممانعة من جهة، وإلى تخفيف الضغط عن الجبهة المعادية، بحيث تتجدّد فرصها لرسم خارطة جديدة للمنطقة خلال المرحلة القادمة، تؤمّن مصالح وأطماع هذه القوى الإرهابية العنصرية، بعد انكفاء أو انتهاء حالات المقاومة؛ وفي قلبها المقاومة الفلسطينية التي بقيت عصيّة على محاولات التطويع والتذويب والتصفية، طيلة الأعوام الماضية. 

 
في هذا الإطار، يجب أن يحلّل أو يقرأ المعنيون ما حصل في قطاع غزة ، والتي لا زالت تداعياته مستمرة حتى اليوم؛ لأن الغرق في تفاصيل الأحداث وإلقاء التهم جزافاً، مع التركيز على الأبعاد المحلية أو الداخلية (على أهميتها)، يؤدي حكماً إلى تضييع الفاعل أو المتسبّب أو المحرّض أو الداعم لهذا النزاع الدامي، بما يخدم العدو وحليفته إدارة بوش، وهما يعيشان حالة من الإرباك والضياع بفعل هزائمهما المشتركة في العراق ولبنان وفلسطين، على السواء! 

وهنا نسأل؛ أيعقل أن يندفع أتباع نهج التسوية، بعد كل ما حصل من تغيّرات وتطورات (وانتصارات)، في الداخل الفلسطيني أو في المحيط الإقليمي، كي يجددوا رهاناتهم البائسة على العدو الضعيف والمربك، لإحياء عملية التسوية التي قد تستطيع -حسب تصوّر هؤلاء- الإطاحة بخيار المقاومة الذي حصد خلال الأعوام الأخيرة تزايداً ملموساً في شعبيته، بعد سقوط خيار التسوية في كامب ديفيد واندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول من العام 2000. 

إن أهداف المشروع الأمريكي –الإسرائيلي لا تلتقي أو لا تتقاطع، في أي مفصل، مع أهداف المشروع الوطني الفلسطيني الذي يدّعي أنصار التسوية تبنّيه، وسقفه إقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود 4 حزيران 1967، وإزالة المستوطنات وإيجاد "حلٍ عادل" لقضية اللاجئين الفلسطينيين! وإذا أراد هؤلاء فعلاً الوصول إلى هدفهم المعلن عبر أسلوب التفاوض فحسب، وبعيداً عن أسلوب العمل المقاوم، فهم لن يحصدوا من الحلف المتغطرس سوى الخيبة والفشل، وهذا ما قد يلمسونه في مؤتمر "خريف التسوية" في تشرين الثاني من العام الجاري، إذا ما عقِد أصلاً! 

لقد أثبتت التحولات والأحداث المتسارعة الأخيرة، أن نهج المقاومة الرشيدة والواعية والصلبة هو النهج الأفضل من أجل الدفاع عن الحقوق والأرض والمكتسبات، مهما كانت تضحيات هذا الخيار كبيرة وعظيمة، في مواجهة عدو لا يؤمن (بسبب بنيته التاريخية والثقافية) إلا بالقوة كسبيل لتحقيق مطامعه ومصالحه، ويعتبر أن التفاوض مع الآخرين ليس إلا من أجل الإخضاع والإذلال وتحقيق المزيد من الإنجازات لصالح العدو! 

لذا، فإن السبيل الوحيد لتجاوز كل ما جرى في قطاع غزة والضفة الغربية، هو الانطلاق في عملية سياسية-تنظيمية جذرية وشاملة لكل مكوّنات شعبنا الصابر في الداخل والخارج، تؤدي إلى إنشاء منظمة تحرير جديدة تكون المرجعية الواقعية والممثّلة بحق للشرائح والقوى المتنوعة على اختلافها، كي تقود هي مسيرة التصدي "السياسي" والعسكري (المقاوم) والاجتماعي والثقافي، خلال المراحل المقبلة من الصراع؛ فتمنع تفرّد جهة باتخاذ القرارات المصيرية، ما يمنع بالتالي تجدد الصدامات في كل فترة، ويؤدي بالتأكيد إلى إضعاف قوى الفساد والارتباط بالعدو والتي تعيش اليوم مرحلتها الذهبية! 
في هذا العدد الخاص من (دراسات باحث) عدة أبحاث فكرية تتناول المجتمع الفلسطيني الذي اكتوى بنار الاقتتال الداخلي (وما يزال)، في محاولة لاستكشاف نقاط الضعف والقوة –إذا صحّ التعبير- التي قد  تتيح للمعنيين تحديد السبل المناسبة لإخراج هذا المجتمع الحاضن للمقاومة منذ نحو مئة سنة، من براثن التنازع والتباغض والتقاتل التي برزت بشكل مقلق خلال السنوات الفائتة، وليست يد العدو ببعيدة عنها مؤكداً. 

أما في القسم السياسي، فقد عالجت ندوة خاصة عقِدت في مركز باحث للدراسات خلفيات وتداعيات  أحداث غزة بعد الحسم العسكري من قبل حماس للأوضاع  التي تردّت إلى حدٍ خطير هناك، مع اقتراحات حلول بناء على مسودّة أولى طرحها المركز، قدّمت من قبل المشاركين في الندوة؛ إضافة إلى بحثين سياسيين يصبّان في السياق ذاته. 

وفي الختام؛ قراءة موسّعة للكتاب الهام الذي ألّفه النائب السابق في الكنيست الإسرائيلي، الدكتور عزمي بشارة، حول طبيعة الكيان الصهيوني والمتغيرات التي طرأت عليها، منذ نشأة الكيان وحتى حكم الإرهابي آرييل شارون؛ إضافة إلى خلاصة لمحاضرة ألقاها بشارة في بيروت في ذكرى عدوان تموز 2006 على لبنان، والتي لاقت استحسان جمهور عريض من المثقفين والسياسيين، الفلسطينيين واللبنانيين. 





2013-09-25 11:09:31 | 1880 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية