التصنيفات » المجلة الفصلية

العدد العشرون - خريف/شتاء 2008





شهدت فلسطين والمنطقة تطورات بالغة الأهمية خلال الشهور القليلة الفائتة، كان من أبرزها انعقاد "مؤتمر" أنابوليس للسلام بين كيان العدو والسلطة الفلسطينية، والذي تلته زيارة جورج بوش المشؤومة لبعض دول المنطقة، حيث ضيّق العدو بعد انتهائها مباشرة حصاره الإجرامي على قطاع غزة الصامد بذريعة وقف صواريخ المقاومة على مستوطناته القريبة من القطاع والدفاع عن "مدنييه الأبرياء"، ومن أجل البدء في تنفيذ "خارطة الطريق" الأمريكية من دون "تهديد" المقاومة! 

ولا يخفى على المراقب الموضوعي أن الأهداف الحقيقية للقاء "أنابوليس" وزيارة بوش المتمّمة له، لم تتعلق بإنجاز "اتفاق سلام" بين العدو وسلطة محمود عباس في الضفة الغربية المحتلة، بقدر ما استهدفت حثّ العرب "المعتدلين" على تطبيع علاقاتهم مع الكيان في إطار الهدف القديم-الجديد للإدارات الأمريكية المتعاقبة، من أجل جعل هذا الكيان العنصري الغريب جزءاً من نسيج المنطقة العربية-الإسلامية من ناحية، ولاستكمال تشكيل ما يسمّى بمحور "الاعتدال والخير" في مواجهة ما سمّي (زوراً وبهتاناً) بمحور "التطرف والإرهاب"، المتمثّل بإيران وسوريا وحماس وحزب الله!

أما الهدف الآخر لإدارة بوش، التي تعاني من ضغط الزمن (كونها سترحل مع نهاية هذا العام) والفشل الذريع لسياساتها في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان، فيتمثّل في السعي الحثيث، وبكل الوسائل المتاحة (الدموية منها والدبلوماسية)، من أجل تحقيق مكاسب مادية (مالية) واستراتيجية على مستوى الشرق الأوسط عموماً (صفقات أسلحة خيالية بموازاة اتفاقات أمنية-دفاعية)، قد تعيد لبوش جزءاً من شعبيته المنهارة داخل الولايات المتحدة، بما يمهّد لنجاح الحزب الجمهوري في الاحتفاظ بالسلطة في العام 2009!

إذاً، لا تقع القضية الفلسطينية في رأس أولويات إدارة بوش المتصهينة، كما زعم المسؤولون الأمريكيون، وصدّقهم في مزاعمهم مسؤولو السلطة الفلسطينية وبعض الحكام العرب؛ اللهم إلا إذا كان المقصود من أي "اتفاق سلام" قد يوقّع هذا العام بين حكومتي أولمرت وأبو مازن الضعيفتين (على عدة مستويات)، أن يتم التخلّص من عبء القضية الجوهرية والمركزية في الصراع بين "إسرائيل" ودول وشعوب المنطقة، ما يعني حكماً إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين (في الشتات) إلى ديارهم، وتكريس "يهودية" الكيان بما يهدّد أيضاً مصير مئات الآلاف من عرب 1948، ويثبّت القدس العربية كعاصمة للكيان الغاصب. وهذه كلّها أهداف أعلن عنها بوش صراحة خلال زيارته المشؤومة، بعدما كانت مستترة أو مضمرة في سياسات الإدارات الأمريكية السابقة!

إن ما يعانيه قطاع غزة اليوم لأكبر شاهد على خبث وحقد إدارة بوش وعدم إيمانها بطروحات السلام إلا إذا كانت تعني أن يستسلم الفلسطينيون والعرب (والمسلمون) لمشيئتها ومشيئة "إسرائيل" في السيطرة على كل موارد ومقدّرات المنطقة، مع اعترافٍ نهائيٍ وحاسمٍ بالكيان الإسرائيلي وبهيمنته العسكرية والسياسية والاجتماعية (وحتى الثقافية) على محيطه القريب والبعيد؛ وفي ذلك الواقع -إذا ما تحقق بالدبلوماسية أو بالقوة- تجاهل فاضح ومهين ليس فقط لتضحيات وعذابات الملايين من أبناء شعب فلسطين والشعوب العربية، على مدى نحو قرنٍ من الزمان، بل لقيم ومعتقدات هذه الشعوب المظلومة التي يتكالب عليها الطامعون والمستعمرون "والمزوّرون" في كل مرحلة تاريخية، ليصطدموا بحائطها الصلب المكوّن من عقيدتها السامية (الإسلام) ومن دماء مقاوميها وأهلها الشرفاء. 

والمثير للسخرية والأسى في الوقت نفسه أن إدارة بوش التي قتلت وأصابت (بشكل مباشر أو غير مباشر) خلال أعوامٍ قليلةٍ في أفغانستان والعراق مئات الآلاف من الناس (بحسب تقارير دولية وعربية رسمية)، وحليفتها إسرائيل التي لا يحتاج المرء إلى أدلّة لإثبات إجرامها وإرهابها وعنصريتها، تقدّمان إلى العالم العربي رؤية جديدة لا أساس موضوعياً لها، بأنهما رأس الحربة في مواجهة أطماع إيران في المنطقة، وأن على العالم مساندة هذا الحلف الإرهابي المدعوم مؤخّراً من فرنسا-ساركوزي..!
 
ونقول هنا أنه قد تكفي قراءة تاريخية موجزة لأفعال وممارسات الولايات المتحدة وإسرائيل (ومن خلفهما بعض الدول الأوروبية) خلال العقود الماضية، والمرتكزة على رؤى ومعتقدات دينية توراتية زائفة، لنكتشف أن هذه القوى المتجبّرة هي من أبعد الكيانات السياسية عن قيم الحق والحرية والعدالة التي ترفعها في كل زمان ومكان، في وقت لا تزال تلك القوى تزيد في تسلّحها بكل أنواع الأسلحة (المحرّمة وغير المحرّمة دولياً)، لكي تزيد في مبيعاتها منها لدول "العالم الثالث" بالخصوص من جهة، ولكي تضمن حماية أكبر وأفعل ولمصالحها على مستوى العالم من جهة أخرى، بموازاة المساعي المحمومة من قبل تلك القوى الشيطانية لحرمان إيران وغيرها من الدول الرافضة لتسلّطها من أي قدرات تكنولوجية أو تصنيعية (نووية أو غير نووية)، بذريعة أنها لا تؤتمن على هكذا مقدّرات!

في المحور الأول من هذا العدد الخاص من (دراسات باحث)، حلّل بعض الخبراء والباحثين الفلسطينيين واللبنانيين، خلفيات وتداعيات "لقاء أنابوليس" على صعيدي القضية الفلسطينية والمنطقة   -والتي بدأنا نرى نُذرها فيما يجري في قطاع غزة بالخصوص (المزيد من المجازر والحصار المحكم ...)- من خلال ندوة خاصة (حلقة نقاش) عقِدت في مركز باحث، ومقالات تطرقت إلى مختلف أبعاد "مهرجان" أنابوليس وانعكاساته المحتملة. 

وفي المحور الثاني المتعلق بالواقع الفلسطيني المأزوم، أوردنا عدة لقاءات ومقالات تناولت بالبحث والتحليل أسباب انفجار الصراع بين حماس وفتح في حزيران 2007، والمقترحات الرامية لإعادة بناء اللحمة بين الطرفين، وتفعيل أو إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتكون بحقّ الممثل الشرعي والوحيد لهذا الشعب المقهور والصامد (داخل الأراضي المحتلة وفي الشتات).
 
أما المحور الثالث المتعلق بكيان العدو، ففيه بحث لآفاق المشروع الصهيوني المتأرجح بين استعادة القدرة على التوسّع والهيمنة وبين الانكفاء والتراجع، بفعل الهزائم المتكرّرة له على أيدي المقاومين الشرفاء؛ بالإضافة إلى مقالتين مترجمتين حول توسيع علاقات الكيان الصهيوني بحلف شمال الأطلسي وأهدافه الحقيقية، ودور الإعلام الإسرائيلي في الدفاع عن جرائم "إسرائيل" وممارساتها ضد الفلسطينيين، بما يضلّل الرأي العام العالمي والعربي، حين يضع الكيان في موقع المدافع عن نفسه وعن مصالحه ضد "إرهاب" حماس وحزب الله وإيران، كما يزعم معدّو هذه المقالة!


2013-09-25 11:16:17 | 1874 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية