التصنيفات » المجلة الفصلية

العدد الخامس والعشرون - شتاء - ربيع 2009





شهدت الأشهر الماضية تطوّراتٍ سياسية وأمنيّة-عسكرية خطيرة، سواء داخل فلسطين المحتلّة، أو خارجها، وكلّها أثّرت –وتؤثّر- في مسار الصراع مع العدوّ الصهيوني، ومستقبل القضية الفلسطينية ومصيرها. 
فمن المحرقة الإسرائيلية التي نفّذتها قوّات الاحتلال في قطاع غزة، والتي ذهب ضحيّتها أكثر من 1400 شهيد، معظمهم من المدنيين، وعدّة آلافٍ من الجرحى والمعوقين؛ إلى التغيير السياسي الكبير الذي حصل في الولايات المتحدة، -الرّاعية الأولى للكيان الإسرائيلي- بوصول باراك أوباما إلى سدّة الرئاسة، وما تركه هذا التحوّل من "آمالٍ" عربيةٍ وإقليميةٍ بحصول تغييرٍ ملموسٍ في السياسات الأميركية العدوانيّة ضدّ شعوب المنطقة وقواها المقاومة، عطفاً على الأزمة الاقتصادية-المالية الكبرى التي انكشف بعض مظاهرها خلال الفترة الماضية؛ بدءاً من الولايات المتحدة نفسها؛ كلّ هذه المتغيّرات سوف تترك آثاراً وتداعيات على الصراع العربي-الإسرائيلي، وبالأخص في مركز هذا الصراع، فلسطين المحتلّة، بغضّ النظر عن حجم وحدود هذه التداعيات، وفقاً لتحليل كلّ دولةٍ أو طرفٍ لطبيعة ما حصل في أمريكا، وماهيّة الخطط أو المشاريع السياسية والأمنيّة التي تعدّها إدارة أوباما، فيما يتعلّق بمنطقتنا تحديداً!
ولا ينكر أيّ عاقلٍ أو متابعٍ للتحوّلات المتسارعة في المنطقة، تأثير أو دور المقاومة الحاسم في بلورة هكذا تحوّلات؛ فمن صمود المقاومة في لبنان،  قبل وبعد حرب تموز 2006 العدوانيّة؛ إلى صمود المقاومة في فلسطين، قبل وبعد عدوان ك1 2008- ك2 2009؛ ناهيك عن تواصل حرب الاستنزاف "المؤلمة" ضدّ قوّات الاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان، بما يؤكّد عمق المأزق الأمريكي وجدّيته، ويرسّخ قناعة لدى الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة بأن "الأمور" يجب أن تتغيّر في هذه المنطقة تحديداً؛ لكن ليس بالضّرورة لصالح شعوب هذه المنطقة والدول الرّافضة للهيمنة الأمريكية المطلقة عليها!
وما يهمّنا في هذا السياق هو التأكيد على أن تضحيات المقاومة في فلسطين ولبنان، لم تذهب هدراً، وأن التراجع الأمريكي الحالي قد يشكّل –إذا ما أحسنّا الاستفادة منه- مقدّمة لتراجعاتٍ أكبر للمشروع الأمريكي-الصهيوني في فلسطين والمنطقة عموماً. ولا يجب أن تثنينا تهديدات العدوّ، ولا الخسائر الكبيرة التي أوقعها في طرفنا،  طيلة العقود الفائتة، عن متابعة  مسيرة المقاومة والتصدّي لهذا المشروع العدواني؛ لا سيّما وأن البديل القائم على استمرار  التفاوض بلا شروطٍ وبلا سقفٍ قد أثبت فشله وعقمه للمرّة الألف!
إن المقاومة العربية والإسلامية، بكلّ تجلّياتها، لم تعد رقماً صعباً في المعادلة الفلسطينية والإقليمية فحسب، بل صارت بدعم دول الممانعة القويّ والشّامل لها- الندّ المقابل للكيان الإسرائيلي الإرهابي وراعيته الولايات المتحدة. 
لقد أثبت الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في قطاع غزة أن "العين تقاوم المخرز" فعلاً، فضلاً عن أنه فضح ادّعاء الكيان بأنه لا يستهدف إلاّ من يسمّيهم "الإرهابيين"، حيث شهد العالم على الاستهداف الإسرائيلي المتعمّد للمدنيين الفلسطينيين ولمؤسّسات الأمم المتحدة معاً، في دلالةٍ على وحشيّة وعنصريّة هذا الكيان من جهة، وعلى جبن جيشه الجرّار الذي لم يستطع، رغم حملات القصف المدمّر والتهويل النفسي، أن يقتحم أسوار غزة الصّامدة  والصّابرة... 
في هذا العدد الخاصّ المزدوج من دوريّة (دراسات باحث)، عدّة أبحاثٍ ومقالاتٍ تعرض بموضوعيّةٍ للمحرقة الصهيونية في غزة، التي هزّت ضمائر الملايين في العالم؛ وذلك من النّواحي السياسية والقانونية على وجه التحديد. ويستهلّ العدد الخاصّ بمقابلةٍ سياسيةٍ-فكريةٍ شاملةٍ مع الدكتور ماهر الطّاهر، مسؤول الخارج في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول الأوضاع الفلسطينية والعربية، من ضمن سلسلة اللّقاءات مع أبرز مسؤولي الفصائل الفلسطينية، تليها ندوة سياسية  موسّعة عقِدت في القاهرة برعايةٍ مشتركةٍ من مركز باحث للدراسات ومركز البحوث العربية والأفريقية في مصر، حيث ساهم عددٌ كبيرٌ من الباحثين المتخصّصين في الشؤون العربية والصراع العربي-الإسرائيلي في تقديم أفكارٍ ورؤىً مستقبليةٍ لما بعد التغيير الذي حصل في أمريكا وتداعيات العدوان الصهيوني على غزة، على مستقبل القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الإسرائيلي الغاصب. 
إن ما حصل في غزة  يندرج ضمن سلسلةٍ متواصلةٍ  من تجلّيات العدوان الذي يزخر به الفكر الصهيوني، وتجسّده  مؤسسات الحركة الصهيونية، العسكرية والأمنيّة والسياسية والدينية على حدٍ سواء ، ولم يكن بسبب صواريخ المقاومة التي يسمّيها البعض "عبثيّة"!  إنّ على جميع حكّام وقادة دول المنطقة التنبّه إلى خطر هذا الكيان العنصري، الذي خرق بممارساته ومجازره كلّ القواعد والأعراف الدولية، منذ نشأته "الغريبة" على أرض فلسطين، وصولاً إلى محرقة غزة؛ وإن الصّراع أو "الجهد" العسكري والسياسي والثقافي والإعلامي والقانوني يجب أن يتركّز على درء وإزالة  هذا الخطر المميت، وليس في أيّ اتجاهٍ آخر مزعوم، كما يحاول قادة الكيان -ورعاته التسويق- له في هذه المرحلة التاريخية من الصراع المستمرّ!





2013-09-26 09:58:21 | 1843 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية