التصنيفات » المجلة الفصلية

العدد 33 - شتاء/ربيع 2011





شهدت بعض الدول العربية خلال الأشهر الماضية توتّرات واضطرابات لا سابق لها، يصحّ أن نطلِق على بعضها عنوان الثورة الشعبية العارمة، التي تسعى لتحقيق تغييرٍ شاملٍ في أوضاع البلدان التي اندلعت فيها تلك الثورات، بعد عقودٍ مديدةٍ من تحكّم الظلم والاستبداد والفساد والتبعية في مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية لهذه البلدان العربية!
وكان للقضية الفلسطينية نصيبٌ من تداعيات تلك الثورات، وخاصّة المصرية، فيما ستكون هناك تداعياتٌ أوسع وأشمل على المستويين المتوسط والبعيد، سوف تصبّ حتماً في صالح هذه القضية المقدّسة لدى جميع العرب والمسلمين، على مختلف انتماءاتهم القومية والسياسية. وقد حاول قادة الكيان الصهيوني العنصري في فلسطين، ومن ورائهم قادة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية المؤثّرة، التقليل من خطورة ما يحصل من انتفاضاتٍ أو ثوراتٍ عربية؛ بل وصل سوء التقدير أو الخبث ببعض قادة أو محلّلي هذه القوى المتغطرسة إلى مستوى الجزم بأن تلك الثورات الشعبية المنادية بالديموقراطية ستكون في صالح الغرب والكيان الإسرائيلي، وسيتصالح قادتها الشباب مع هذا الغرب المستعمِر ومع حليفته "إسرائيل" الغاصبة، باعتبار أن الشعوب العربية قد "ملّت" من حالة الصراع الذي لا طائل منه مع هؤلاء الغاصبين والمحتلّين، وأن أغلبية شبابية عربية تنحو في اتجاه التسليم بقوّة و"عظمة" الغرب، وأنه لا بدّ من التساوق مع هذا الغرب من أجل تحقيق التغيير المنشود في الدول التي تحصل فيها اضطرابات أو ثورات حالياً! 
وفي حال وُجِدت قوىً ثورية معادية لأمريكا وللكيان الإسرائيلي، فإن مخطّطات التآمر وزرع الفتنة والانقسامات جاهزة لتفكيك الدول أو المجتمعات التي يمكن أن تسلك سبيل العداء للغرب المستعمِر وربيبته "إسرائيل"، التي تسعى جاهدة، ومنذ بدء الثورات العربية، إلى التقليل من مخاطرها على الكيان، بهدف استيعابها أو تحويل مسارها الثوري المعادي في مضمونه الشعبي والسياسي لهذا الكيان العنصري البغيض، برغم عدم وضوح هذا العداء على المستوى الإعلامي والدعائي، لأن للشعوب العربية المنتفِضة اليوم أولويّات وأساليب تفرضها الظروف الميدانية والمحيطة! 
إن ما يحصل اليوم في مصر وتونس ما بعد الثورة، وما يجري في ليبيا من حربٍ داخليةٍ وتدخّل عسكري غربي فاضح، وما يحصل في اليمن والبحرين والمغرب والسعودية والأردن، وصولاً إلى المؤامرة التي تتعرّض لها سوريا حالياً تحت عنوان الثورة الشعبية لإسقاط النظام (الممانِع المقاوِم)، كلّه يدلّ على أن أميركا وفرنسا وبريطانيا على وجه الخصوص، ومن ورائهم الكيان المحتلّ في فلسطين، يسعون إلى تدارك تداعيات وانعكاسات "الزلزال العربي"، وإخفاء تأثّره بالزلزال الإيراني الإسلامي الذي حدث في شباط من العام 1979، كما بمعجزة انتصار المقاومة في لبنان وفلسطين على جيش الكيان الذي كان "لا يُقهر"، مع محاولاتٍ مستميتةٍ ومدروسةٍ ومموّلةٍ بشكلٍ "جيّد"، لسرقة دماء ونضالات وشعارات الشعوب الثائرة، أو اعتماد خيار إغراق هذه الثورات في الفتن والاضطرابات والصراعات الطائفية والمذهبية والعِرقية، خصوصاً في ظلّ انكفاءٍ أمريكي-غربي وصهيوني واضحٍ عن سياسة الهجوم والابتداء بالعدوان وتكريس الاحتلال الشامل للبلدان "المتمرّدة"، بسبب الخسائر الفادحة التي تلقّاها الغرب المعتدي، والفشل السياسي الظاهر للعيان، في البلدان التي احتلّها خلال السنوات الماضية. 
وفي عودةٍ إلى القضية المركزية للعرب والمسلمين، فإن فلسطين استفادت بشكلٍ مباشرٍ ممّا جرى خلال الأشهر الماضية في مصر وتونس وغيرها، من خلال إعلان اتفاق المصالحة بين فتح وحماس، الذي كان يعرقله الضغط الأمريكي المغطّى من نظام حسني مبارك البائد، وفتح معبر رفح بشكلٍ نهائي مع قطاع غزة المحاصر؛ فضلاً عن تصاعد التحرّكات الشعبية المصرية المعادية لكيان الاحتلال، وطرح مصير اتفاقية كامب ديفيد مجدّداً!
أما على المستوى المتوسّط والبعيد، فستكون للزلزال العربي آثاراً إيجابية كبرى على قضية فلسطين، باعتبار دخول العامل الشعبي العربي على خطّ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، كما صرّح بعض المسؤولين الصهاينة، بعد اندلاع مظاهرات الغضب والتحرير في ذكرى النكبة والنكسة، على امتداد الحدود مع الاحتلال، في سوريا ولبنان وقطاع غزة والضفة الغربية، حيث سقط العشرات من الشهداء والجرحى الفلسطينيين والسوريين، في مشهدٍ استثنائيٍ مهيبٍ قد يتكرّر في أيّ وقت!
في هذا العدد الخاصّ من مجلّة (دراسات باحث)، ثلاثة محاور رئيسية عالجت ما يلي: 
- المحور الأوّل: التداعيات السياسية والاستراتيجية لما يحصل من ثورات في العالم العربي، على قضية فلسطين والصراع مع الكيان الإسرائيلي، من منظور باحثين عرب وفلسطينيين. 
- المحور الثاني: التداعيات الاستراتيجية للثورات العربية على الصراع العربي-الصهيوني، من منظور باحثين صهاينة، اختلفوا فيما بينهم على تقدير انعكاسات "الزلزال العربي" على أمن كيانهم ومخطّطاته العدوانية المستقبلية!
- المحور الثالث: وفيه بحوث أو دراسات إسرائيلية تتعلّق بالصراع بين مفهومي الدّين والدولة في كيان الاحتلال، وانعكاساته على الصعيدين السياسي والاجتماعي وعلى مستقبل الصراع في المنطقة!
إضافة إلى التقرير الفلسطيني الفصلي، الذي يرصد أهمّ التطوّرات على الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلّة وقطاع غزة  المحاصر.

2013-09-26 10:16:29 | 1955 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية