التصنيفات » دراسات

افكار للترتيبات الأمنية للقوات الإسرائيلية في وادي الأردن



مايكل آيزنشتات وروبرت ساتلوف
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
24 شباط/فبراير 2014

في الوقت الذي يعمل فيه الدبلوماسيون الأمريكيون من أجل الوصول إلى "إطار متفق عليه" للمفاوضات المستقبلية بين الإسرائيليين والفلسطينيين قبل انتهاء موعد المحادثات الحالية في نيسان/أبريل، ظهرت مشكلة الترتيبات الأمنية على طول نهر الأردن كنقطة خلاف رئيسية .
ويذكر أن كلا الطرفين قد حسما قرارهما فيما يتعلق بمواقفهما، مدخلين العاطفة والانفعال في إحدى القضايا المحددة في برنامج العمل والتي - خلافاً لقضايا القدس واللاجئين - كان من المتوقع حلها عبر نقاشات فنية بين خبراء عسكريين محترفين.

مواقف مبدئية
وحتى الآن، يتمسك كل طرف بموقفه الذي يستند على المبدأ. فبالنسبة للإسرائيليين، يكمن المبدأ في حتمية بقاء نهر الأردن ولفترة طويلة الحدود الأمنية الشرقية لبلادهم. ويعني ذلك استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي ليس فقط للحراسة ضد تسلل الإرهابيين وتهريب الأسلحة، بل أيضاً لإمكانية توفيره الأساس لخط الدفاع الأول ضد التهديدات التي قد تطل برأسها يوماً ما في مناطق شرق نهر الأردن. وفي حين ترحب إسرائيل بقيام ترتيبات أمنية تعاونية مع الأردن والفلسطينيين في هذا الجهد، إلا أنها تمتعض من وجود قوات غير فعالة تابعة لطرف ثالث على حدودها الأخرى - وخاصة "قوة الامم المتحدة المؤقتة في لبنان" )"اليونيفيل"(، و "قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك" )"أوندوف"( في مرتفعات الجولان، و "قوة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة" )"أونتسو"(، التي لا تزال تعمل في القدس بعد ستة عقود من إنشائها - كما أنها ترفض فكرة إمكانية حلول قوات دولية، حتى من حلف شمال الأطلسي، محل قواتها.
كما تريد إسرائيل أيضاً أن تكون هناك معايير معينة تحدد مدة وجودها العسكري على طول نهر الأردن، وأن لا تكون تلك المدة مقيدة ب "تاريخ معين" يتم تحديده دون اعتبار للحقائق الاستراتيجية القائمة.
وبالنسبة للفلسطينيين، يكمن المبدأ الذي يستندون إليه في الشرط الذي يقضي بأن استقلالية وسيادة دولتهم المستقبلية يتطلب إزالة كافة بقايا الاحتلال العسكري الإسرائيلي. ويقول زعماء السلطة الفلسطينية أنهم يدركون مدى الحاجة إلى فترة انتقالية تحتفظ خلالها إسرائيل ببعض الوجود العسكري في المنطقة؛ وقد قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مؤخراً لكاتب العمود في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان إن هذه الفترة يمكن أن تصل إلى خمس سنوات "تصبح دولتي بعدها نظيفة من الاحتلال" على حد قوله.
وبالإضافة إلى ذلك، قال إنه يرحب بنشر قوات دولية ، بما في ذلك من حلف شمال الأطلسي  على طول نهر الأردن وفي جميع أنحاء الدولة الفلسطينية المستقبلية كوسيلة لضمان الأمن و تهدئة المخاوف الإسرائيلية. 
لكنه ]من جهة أخرى[ كان قد صرح في مناسبات عديدة، بأنه لن يكون هناك "جندي إسرائيلي واحد" على الأراضي الفلسطينية في نهاية الفترة الانتقالية.


وقد حاولت الولايات المتحدة سد هذه الفجوة من خلال تقديم اقتراحات مبتكرة صاغها الجنرال جون آلن، القائد السابق للقوات الدولية في أفغانستان، ونائب الرئيس السابق للقيادة المركزية الأمريكية.  ورغم أن تفاصيل أفكاره لم يتم الإعلان عنها، إلا أنه قيل أنها تقوم على تفهم يكتنفه التعاطف مع المتطلبات الأمنية الإسرائيلية إلى جانب الاستفادة من تجربة
الولايات المتحدة في أفغانستان تتمثل بإدخال كمية كبيرة من الأجهزة التقنية المزودة بمستويات متعددة من أجهزة الاستشعار، والطائرات بدون طيار، والأسوار ذات التقنية العالية، وغيرها من التدابير المقترحة كوسيلة لتقليل الوجود الإسرائيلي على امتداد نهر الأردن في الفترة التي تتبع المرحلة الانتقالية. ورغم أن إسرائيل لم ترفض هذه المقترحات
بشكل رسمي - والبعض منها كان قد اقتُرح في جولات سابقة من المفاوضات تعود إلى فترتي كامب ديفيد وأنابوليس -إلا أن العديد من التصريحات التي أدلى بها قادة إسرائيليون كانت قد استهجنت الاعتماد المفرط على التكنولوجيا كبديل عن الأشخاص .

تخفيض حدة النقاش
هناك عنصر واحد مفقود في هذا النقاش العام المتعلق بالترتيبات الأمنية وهو إجراء مناقشة واقعية حول الانتشار الحالي للجنود الإسرائيليين. فكافة التصريحات العلنية والتقارير الصحفية تقريباً بشأن هذه الموضوع تشير إلى "القوات الإسرائيلية" الموجودة في وادي الأردن دون تفصيل حجمها وتكوينها.  كما يفوت على معظم الصحفيين التمييز بين
القوات الإسرائيلية المنتشرة في أنحاء الضفة الغربية )أي "الاحتلال العسكري" التقليدي( والقوات المنتشرة في وادي الأردن وعلى طول نهر الأردن، والتي تكمن مهمتها الرئيسية في تأمين الحدود .  ونتيجة لذلك، فمن السهل الإستنتاج في النهاية أن الوجود العسكري الإسرائيلي في وادي الأردن يتألف من تشكيلات بحجم ألوية - أو حتى فرق – عسكرية ، تضم آلاف الجنود، وأن إسرائيل تسعى إلى الاحتفاظ بوجود عسكري بهذه الضخامة بعد المرحلة الانتقالية من اتفاق الوضع النهائي.
وفي الواقع أن التواجد العسكري الإسرائيلي الحالي في وادي الأردن أصغر بكثير من الانطباع السائد عنه على نطاق  واسع .
+فهو يتشكل من مجموعة صغيرة من سرايا المشاة )يبلغ مجموعها ما بين 200الى 500جندي) .
الى جانب مجموعة صغيرة من أفراد الأمن على المعابر الحدودية، والكثير منهم لا يرتدون الزي العسكري. وفي حين لا تخفي إسرائيل حجم هذه الوحدات، إلا أنها لا تعلنه أيضاً. وتستطيع الحفاظ على هذه القوة المحدودة، بسبب التنسيق الوثيق القائم مع قوات الأمن الأردنية ذات الدرجة العالية من الاحتراف، فضلاً عن علاقات العمل التعاونية مع قوات الأمن الفلسطينية التي لا تزال في مرحلة التطوير، بالإضافة إلى الاستخدام التكميلي للتكنولوجيا المتقدمة.

التطور خلال الفترة الإنتقالية
يمكن للمرء أن يتوقع أن يكون الوجود العسكري الإسرائيلي في وادي الأردن - خلال الفترة الانتقالية لتنفيذ اتفاق سلام نهائي - متماشياً تقريباً مع حجمه الحالي. وقد يكون هناك بعض التقلب في الوقت الذي تعدّل فيه إسرائيل مستويات القوة للتعامل مع التهديدات المحتملة المنبعثة من الشرق والغرب .
وعلى أي حال، فإن ترتيباتها الأمنية في وادي الأردن ستتحول في النهاية من الاعتماد بشكل رئيسي على الأشخاص المجهزين بالوسائل التكنولوجية )على سبيل المثال،المفتشون في المعابر الحدودية ودوريات المشاة المترجلة( إلى الاعتماد بشكل أساسي على التكنولوجيا التي يديرها الأشخاص )على سبيل المثال الماسحات الضوئية وأجهزة الكشف عن المواد المتفجرة وأجهزة الاستشعار عن بُعد(  مع نقل مسؤوليات أمنية معينة إلى السلطة الفلسطينية والأردن بشكل تدريجي.
إن القيام بذلك، سيجبر إسرائيل على الانتقال أيضاً من قبول معدل الخطر الصفري في مسعاها لتحقيق الأمن المطلق إلى قبول مجموعة من المخاطر والحسابات الأمنية الأكثر تعقيداً من أجل جني الثمار الاستراتيجية التي يؤمل أن يحققها أي اتفاق سلام منتظر.
وقد ترغب إسرائيل في الفترة التي تلي المرحلة الانتقالية - سواء كانت مُعرّفة مسبقاً وفقاً لمعايير محددة )كما تطالب إسرائيل( أو عن طريق جدول زمني محدد )كما تطالب السلطة الفلسطينية( - في الإبقاء على مجموعة صغيرة من المراقبين "غير المرئيين" عند المعابر الحدودية )يعملون وراء مرايا عاكسة للأوضاع من الجانبين أو يراقبون شاشات
فيديو في غرف مجاورة(، فضلاً عن وحدة من القوات للقيام بدوريات في ممر على طول نهر الأردن. وسوف تكون هذه القوة بنفس الحجم تقريباً لتلك المنتشرة حالياً في المنطقة، ومن المتوقع أن تعمل مع الأردنيين والفلسطينيين لتوفير منطقة عازلة ضد عمليات التسلل والنشاط الإرهابي. ومع ذلك، وكما ذُكر أعلاه، فقد استبعد مسؤولون في السلطة الفلسطينية أي نوع من الوجود الإسرائيلي المستمر في وادي الأردن بمجرد انتهاء الفترة الانتقالية.

تربيع الدائرة الأمنية؟
لم يكن من المفترض أن تكون القضايا الأمنية المشكلة الأصعب في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، ولكنها احتلت مركز الصدارة في جهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري العازم على تحقيق تقدم. ففي الواقع أن مسألة حجم القوات الإسرائيلية المتبقية في وادي الأردن ووضعها القانوني هي واحدة من العديد من القضايا الأمنية الشائكة التي لا تزال دون حل، وتشمل هذه: طلب إسرائيل بناء محطات إنذار مبكر على قمم التلال الاستراتيجية في الضفة الغربية مأهولة بعدد قليل من الأفراد؛ ووضع ترتيبات خاصة بالطرق الجوية المؤدية لمطار بن غوريون الدولي؛ والوصول إلى الطرق والممرات الرئيسية في شرق وغرب الضفة الغربية والسيطرة عليها؛ وإدارة ومراقبة المجال الجوي والطيف الكهرومغناطيسي في الأراضي الفلسطينية؛ وتفاصيل متعلقة بنزع سلاح الدولة الفلسطينية.
ومرة أخرى، فإن التركيز على تفاصيل الانتشار الفعلي والمتوقع للقوات الإسرائيلية على امتداد نهر الأردن قد يوفر وسيلة لنزع فتيل التوترات بشأن هذه المسألة والترويج إلى قيام مناقشات عامة أكثر تحررية وهدوء اً. وقد يتبنى الفلسطينيون وجهة نظر مختلفة إذا أوضح لهم قادتهم أن مسألة الوجود العسكري المستقبلي في وادي الأردن لن يتعدي بضع مئات من الأفراد العسكريين وليس الآلاف كما هو مفهوم غالباً.
كما يمكن أن تُستخدم التجربة الإقليمية أيضاً في تخفيف حدة النقاش. فعلى سبيل المثال، ليس من الصعب أن يتخيل المرء أن التطورات المستقبلية في المنطقة - لا سيما الاحتمالات الكبيرة بحدوث تغيير كبير وعاصف في الأردن – قد تدفع السلطة الفلسطينية إلى الترحيب ببعض الوجود الخارجي في وادي الأردن، وليس فقط تحمّله. وحتى في الأوقات الحالية، غالباً ما ترى السلطة الفلسطينية أنه من المناسب سياسياً قيام القوات الاسرائيلية باعتقال العناصر المشتبه بها  من حركة حماس ، في "المنطقة أ" - وهي الأقسام الخاضعة للسيطرة المدنية والأمنية الكاملة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية - بدلاً من قيام قوات السلطة نفسها بهذه المهمة، على الرغم من أنه من الصعب تصور استمرار هذه الممارسة بعد حصول الفلسطينيين على دولة مستقلة.

وبالمثل، كانت مصر مترددة في قبول قيود كبيرة على سيادتها في سيناء كجزء من معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979 ، كما رفض القادة الإسرائيليون طلبات القاهرة الماضية التخفيف من بعض تلك القيود. ومع ذلك، فإن إسرائيل حريصة اليوم على تعزيز الوجود العسكري المصري في شبه الجزيرة بما يتجاوز ما مسموح به بموجب المعاهدة، لمواجهة التهديد الجهادي المتزايد هناك. وربما غضت القاهرة الطرف عن غارات الطائرات الإسرائيلية بدون طيار التي شُنّت ضد هؤلاء الجهاديين )وربما حرّضت على القيام بها( - وهي انتهاك للسيادة، التي لم يكن من الممكن التغاضي عنها من قبل أي حكومة مصرية قبل عقد أو عقدين من الزمن. والدرس المستفاد من ذلك هو أن الترتيبات الأمنية تتطور مع مرور الوقت ومع تغيّر الظروف الإقليمية.
وعند وضع كافة هذه الأمور في الاعتبار، فقد تُثبِت القضايا الأمنية أنها نقطة الخلاف الأصعب التي تحول دون التوصل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين . ولكن قبل الوصول إلى هذه النقطة، حري بالأطراف - بمن فيهم الوسيط الأمريكي - الترويج إلى إجراء نقاش عام يستند على الحقائق، وليس على المبالغات أو التحوير في عرض الأمور.
مايكل آيزنشتات هو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن
- روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي للمعهد .



2014-03-06 12:06:35 | 1705 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية