التصنيفات » ندوات

عقيدة بوتين.. سورية مدخل المياه الدافئة




عقِدت في مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية في بيروت، بتاريخ 14/10/2015، ندوة سياسية حول الدور الروسي الجديد في سورية. وقد حاضر فيها الدكتور عماد رزق، مدير عام الاستشارية للدراسات الاستراتيجية، بمشاركة جمع من الباحثين والمختصّين بالقضية الفلسطينية وقضايا المنطقة.
وقد قدّم الأستاذ وليد محمد علي، مدير مركز باحث للدراسات، للمحاضِر، بقوله: إن الحضور الروسي (العسكري والسياسي) المتنامي في المنطقة، عبر سورية تحديداً، يشكّل تغيّراً كبيراً في معادلات الصراع الإقليمي. وربما يعتبره البعض امتداداً للصراع الروسي ـ العثماني، ويفهمه البعض الآخر بأنه محاولة روسية لكسر الأحادية القطبية المتمثلة في الهيمنة الأميركية على العالم، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في بداية تسعينات القرن الماضي.
بدأ الدكتور عماد رزق محاضرته بتقديم لمحة تاريخية عن الحضور الروسي في المشرق (أو الشرق الأوسط)، أو في جوار ما يسمّى المياه الدافئة، مع شرح موجز لبعض مفاهيم السياسة الدولية ومرتكزاتها، وأسس العلاقات بين الدول، والتي تنظّمها القوانين والأعراف والمواثيق والمعاهدات الثنائية..





وتحدث المحاضِر بإسهاب عن مبدأ أو عقيدة بوتين التي ظهرت في العام 1999 وليس في العام 2000، وتطوّرت بعد غزو أميركا للعراق في العام 2003، بأفق يمتدّ إلى العام 2020 وأبعد حتى!
وترتكز عقيدة بوتين على قاعدتين: استراتيجية أوراسيا والقومية الأرثوذكسية، بالاستناد إلى تاريخ روسيا الديني والتنوّع العرقي والقومي الموجود فيها منذ مئات السنين، وصولاً إلى احتكاكها المباشر، وعلى عدّة مستويات، بالنسيج المشرقي، وخصوصاً في دائرة ما يسمّى بلاد الشام (أو الأراضي المقدّسة).
إن للعلاقة الروسية بالمشرق العربي ـ الإسلامي أبعاد متعدّدة، حسب د. رزق، وهي تشمل السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، وصولاً إلى البعد الاستراتيجي الذي يتضمن الموارد الحيوية التي تطمح كلّ دولة للوصول إليها، مثل النفط والغاز والممرّات البحرية والمضائق التي تؤمّن التجارة المفتوحة بين الدول.
بعدها تطرّق المحاضِر إلى تطوّر العلاقات الروسية ـ الأميركية، في مرحلة الاتحاد السوفياتي وبعد سقوطه، والتي تميّزت عموماً بالصدام والتنافس مع بعض محطات التعاون أو المهادنة التي كانت تفرضها موازين القوى والمصالح والظروف المحيطة بالقوّتين الأعظم.
وقد اتسمت هذه العلاقات بأرجحيّة للطرف الأميركي منذ العام 1945 (إنشاء عصبة الأمم بعد الحرب العالمية) وحتى العام 2011، مع تراجع متواصل في النفوذ الروسي الدولي حتى مع البدء بترجمة رؤية بوتين للأمن القومي الروسي، منذ العام 2000، ومصادقة الرئيس الروسي (السابق) ميدفيديف على عقيدة بوتين العسكرية والاستراتيجية في العام 2009، والتي كان ـ وما زال ـ فيها لمنطقة بحر قزوين (وأبعد منها) أهمية كبرى في قلب هذه العقيدة الروسية الجديدة.
وأعطى المحاضِر أمثلة على انطلاق روسيا نحو الخارج بلغة مختلفة خلال السنوات الماضية، سواء في جوارها الإسكندنافي والآسيوي، أو في المجال الحيوي الشرق أوسطي (تحليق طائرات قاذفة فوق النروج وفنلندا وبريطانيا وتوسيع الدعم الروسي للنظام السوري الحليف لها، عسكرياً وأمنياً وسياسياً، كما الحال مع إيران والصين وغيرهما من الدول الآسيوية الناهضة).




وأوضح أن عقيدة بوتين تمثّل تطويراً لمبدأ بريماكوف (1996) الذي يدعو إلى إبقاء روسيا كدولة عظمى تقارع الغرب سياسياً، من خلال ما يسمّى توازن الصراع وحفظ حدود وأمن الاتحاد الروسي، سواء من خلال تطوير القدرات العسكرية والاستراتيجية والتحالفات الإقليمية والدولية، أو عبر الحضور الروسي الفاعل في المؤسسات والهيئات الدولية، مثل الأمم المتحدة وغيرها، والتي تحوّلت إلى أداة بيد أميركا وحلف شمال الأطلسي.
وتحدث د. رزق عن الحرب الروسية ـ الجورجية والنزاع الروسي الأوكراني وسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، كمصاديق على التحفّز الروسي للدفاع عن المصالح الروسية عبر القوّة العسكرية بالدرجة الأولى.
وبعدما مارست روسيا البراغماتية خلال السنوات الفائتة، في إطار علاقاتها مع الولايات المتحدة، عادت إلى مرحلة الصراع معها، وخصوصاً من البوّابة السورية، منذ العام 2010، على أساس القراءة السلبية للقادة الروس لتجربتي التدخل العسكري الغربي في ليبيا والعراق، من خارج إطار الأمم المتحدة. وقد وثّق الروس تحالفهم العسكري ـ وحتى الاستراتيجي ـ مع النظام السوري منذ ذلك الحين، وأمدّوا النظام بمختلف الأسلحة والمعدّات العسكرية والذخائر، وبكميّات كبيرة (12 ألف طن)، لتمكينه من مواجهة القوى المسلّحة التي تواجهه منذ العام 2011، والتي تتلقى دعماً كاملاً من أميركا والدول الغربية، فضلاً عن دعم تركيا والسعودية ودول الخليج الأخرى.
وكشف د. رزق أن روسيا تدعم حرب النظام السوري ضدّ القوى الإرهابية منذ بدء الصراع، عبر عمليات استخباراتية وتنصّت واستطلاع وتشويش إلكتروني، ظهر مؤخراً من خلال الحملة العسكرية الجوّية الكبرى التي بدأتها روسيا على امتداد الأراضي السورية؛ ليس بهدف منع سقوط نظام الأسد، كما يروّج الإعلام العربي والغربي، بل من ضمن استراتيجية روسيا الشاملة، والتي تعتمد النَفَس الطويل والتخطيط الدقيق والنظرة الكلّية للتطوّرات والتحوّلات الإقليمية والدولية المتسارعة..
وخلص المحاضِر إلى أن الرؤية الروسية الاستراتيجية تشمل في الواقع مصر وتركيا وإيران، وأن الروس يعملون بجدٍ لتوثيق مختلف أوجه التعاون مع أنظمة هذه الدول، في المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية والأمنية، وتحديداً لمواجهة الإرهاب التكفيري الذي بات يهدّد بتفكيك دول المنطقة، وهو ما تعمل روسيا على منعه.





أما ركائز هذه الحرب الروسية المفتوحة على الإرهاب فهي: ترسيخ الوعي الوطني والقومي لدى الشعب الروسي/ احترام القيم والقوانين الدولية/ مواجهة حملات تزييف الوعي التي تُشنّ من قِبل الغرب ضدّ الدور الروسي، مشيراً في هذا الصدد إلى ما كشفته وثائق (ويكيليكس) والمراسلات الدبلوماسية السرّية التي كشف عنها (عميل الاستخبارات الأميركية السابق (إدوارد سنودن)، والتي تؤكد بأن أميركا تتدخل في كلّ الدول لحفظ مصالحها، معتمدة أقذر الوسائل، وحيث تشكّل سورية اليوم نموذجاً لهذا التدخل الذي أعدّت له دوائر الغرب الاستخباراتية والعسكرية منذ سنوات طويلة!
وبعدما أشار إلى دور مراكز الدراسات والأبحاث في الاتحاد الروسي وتأثيرها المباشر في صنع القرارات الاستراتيجية (أكثر من 400 باحث يعملون فيها)، أكد أن روسيا تخوض حالياً حرباً تكنولوجية وثقافية وإعلامية وسياسية ضدّ الغرب لإعادة التوازن معه، بعدما خرق الأميركيون والأوروبيون الخطوط الحمراء في أوكرانيا وجورجيا ودول آسيا الوسطى وصولاً إلى ليبيا والعراق وسورية.
وختم الدكتور رزق محاضرته بالقول إن العلاقة الروسية بالصين ممتازة، وكذلك الأمر مع إيران والعديد من القوى المؤثّرة في العالم عموماً، وفي دول المشرق خصوصاً. وهذه العلاقة تتطوّر في كافة المجالات، وهي تتبلور بشكل دوري في اجتماعات عالية المستوى (منظمة شنغهاي/ قمة دول البريكس)، وبما يصبّ في الاستراتيجية الروسية المعلنة في الوصول إلى المياه الدافئة (من الإسكندرون حتى الإسكندرية)، أو ما يسمّى (باب السلام)، ولحفظ أمن روسيا القومي.
وفي ردوده على أسئلة ومداخلات بعض المشاركين في الندوة، أكد رزق أن روسيا لم تتأثر كثيراً بالعقوبات الغربية التي فرِضت عليها بسبب مواقفها من أزمة أوكرانيا، ولا بالتهديدات التي توجّه إليها من حينٍ لآخر، بسبب علاقاتها الجيّدة بالنظام السوري وبحزب الله وإيران، والتي كانت سبباً في انتصار المقاومة في تموز 2006 وصمود النظام السوري حتى اليوم...
في المقابل، اعترف المحاضِر بأن أمام روسيا ظروف وعوامل تقيّد حركتها الدولية، ومنها النفوذ الصهيوني في الاتحاد الروسي نفسه، ومدى تجاوب الأطراف المتحالفة مع روسيا وقدرتها على التأثير والفعل الميداني بما يتناسب والتوجهات المرسومة مسبقاً بين روسيا وتلك الأطراف ـ الدول.
لكن د. رزق أكد أن الميل الروسي ما يزال نحو دعم محور الممانعة والمقاومة في المنطقة؛ وهذا توجّه مبدئي واستراتيجي وليس توجهاً مرحلياً أو تكتيكياً، مشيراً إلى تنامي العلاقات العسكرية والأمنية مع العراق (المكتب المعلوماتي الجديد الذي يضمّ إيران وسوريا وروسيا والعراق خير دليل)، وكذلك الحال مع نظام "السيسي" في مصر، والذي يؤيّد ضرب الإرهاب في سورية، برغم الضغوط التي تمارسها السعودية عليه، والتي ستندم على دورها التخريبي في سورية.
ولفت المحاضِر إلى أن التكفير في المنطقة بات حالة راسخة مع الأسف، وأن لديه بيئة حاضنة في العراق وسوريا وغيرها، وهو مؤيّد من قِبل أنظمة قوية (تركيا والسعودية....) وأن على القوى والحركات والأنظمة مسؤولية رئيسية في مواجهة هذا الوحش التكفيري الذي بات يهدّد العالم بأسره، وخاصة دور المرجعيات الدينية في الأزهر وغيرها...






2015-10-17 11:32:33 | 6347 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية