التصنيفات » ندوات

تركيا في ظلّ المتغيرات الداخلية والإقليمية





عقِدت في مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية في بيروت، بتاريخ 4/11/2015، ندوة سياسية حول الدور التركي في المنطقة، خاصة بعد الانتخابات التشريعية التي أجرِيت في الأول من تشرين الثاني الجاري في تركيا.

وقد حاضر في الندوة الخبير في الشؤون التركية، الدكتور محمد نور الدين، بحضور باحثين ومهتمين بقضايا المنطقة وقضية فلسطين.

بداية عرّف الأستاذ وليد محمد علي، مدير مركز باحث، بالمحاضِر، مشيراً إلى أن لفوز أردوغان "المفاجئ" إلى حدٍ ما انعكاسات سلبية على الداخل التركي، نحو المزيد من القمع والتحول إلى النظام الرئاسي ذي الصلاحيات المطلقة، وخارجياً نحو المزيد من التورّط التركي في الحرب السورية وتوثيق العلاقة مع حلف الأطلسي والكيان الإسرائيلي.

بدأ الدكتور نور الدين محاضرته بتقديم لمحة تاريخية عن الواقع التركي منذ دخول التيّار "الإسلامي" في المعترك السياسي في العام 2002، عبر رجب طيّب أردوغان تحديداً، وسعيه الدؤوب لضرب النظام العلماني وإسقاط هيمنة الجيش على الدولة، بهدف إقامة نظام ديني إسلامي، لا يخرج تركيا من حلف الأطلسي ويرسّخ الهوية القومية (والعثمانية) للشعب التركي، كما يراها أردوغان وحزبه (حزب العدالة والتنمية)!
وقد تحقّق هدف أردوغان بكسر هيمنة الجيش في العام 2012، بفعل الاستفتاء الذي قلّص من صلاحيات تدخله في شؤون الدولة، بموازاة اندفاع حزب العدالة نحو أوروبا، رغم قرارات الصدّ الكثيرة التي تلقّاها خلال السنوات الماضية، مع تعزيز موقع تركيا العسكري والأمني في حلف شمال الأطلسي.




إن الذهنيّة التركية العثمانية لم تتغيّر ـ برأي المحاضِر ـ في مرحلة ما سمّي (الربيع العربي) أو بعده، والتي تحاول أن تبلور ـ وبإصرار شديد ـ مشروع عثمنة تركيا "السلجوقية والإخوانية" معاً، والذي يعني مزيداً من توثيق العلاقة التركية مع أوروبا الأطلسية وكيان الاحتلال في فلسطين، مقابل توسيع دوائر الصدام أو المواجهة مع دول وقوى محور الممانعة والمقاومة في المنطقة، وبما يؤدي إلى المزيد من حالات التفكك والتشرذم، والتي تخدم المشروع الأميركي ـ الصهيوني في نهاية المطاف؛ بغضّ النظر عن المواقف والتبريرات التي يقدّمها أردوغان وحزبه، في كلّ مناسبة!

حول انتخابات حزيران 2015، قال نور الدين إنها شكّلت صدمة لأردوغان الذي كان يطمح في الحصول على أغلبية تتيح له تحويل النظام إلى نظام رئاسي، وذلك بفعل خسارته الأصوات الكردية وأخرى للمستقلين ورجال الأعمال. لكن قوّة أردوغان السياسية وتحكّم حزبه بمؤسسات الدولة لم تتأثر بهذه الخسارة من الناحية العملية.

لاحقاً، وقبيل الوصول إلى الانتخابات الأخيرة، وبعد سلسلة من الخطوات السياسية والعسكرية والأمنية والدعائية (التخويفية)، التي اتخذتها حكومة أردوغان في الداخل (ضدّ حزب العمّال الكردي وحزب الشعوب والقوى الأخرى المعارضة)، تمكن أردوغان من استعادة الأغلبية البرلمانية (نحو 50% من أصوات المقترعين)، مستفيداً من "نجاحاته" الأمنية والعسكرية التي جذبت الكثير من الأصوات المحايدة أو المتردّدة، وحتى من الأصوات الكردية التي باتت ترى في أردوغان ضمانة لأمنها بعدما جرى خلال السنوات الماضية على المستوى العام للأقليّة الكردية (في سوريا والعراق وتركيا)!

وكان لانقسام القوى التركية المعارضة لأردوغان الأثر الأبرز في نجاح الأخير، فضلاً عن تأثير استراتيجية (القتل والترويع والتهديد) التي استعادها نظام أردوغان من الحقب السوداء الماضية للأنظمة التي تعاقبت على الحكم في البلاد.

فيما يتعلق بالمستقبل، أكد المحاضِر أن نجاح حزب أردوغان قد يدفعه باتجاه تعديل الدستور أو إجراء استفتاء شعبي، بحسب الكتلة النيابية التي سيتمكن من تأمينها لاحقاً. لكن، المسار العام المتوقع لسلطة أردوغان "المنتصرة"، هو في استمرار النهج السابق لها، داخلياً وإقليمياً، من دون تغييرات جوهرية، لأن موازين القوى هي التي تتحكم بالسياسات الأساسية لأية دولة، مهما كانت رغبات أو توجهات هذه الدولة، وطبيعة النظام الذي يحكم فيها.



إن اتجاه تركيا نحو المزيد من "التديين والعثمنة" هو المرجّح في المرحلة المقبلة، مع التركيز على معالجة الأزمات الداخلية المتفاقمة (مشكلة اللاجئين السوريين، تمدّد (داعش)، تراجع النموّ في الاقتصاد التركي...)؛ فضلاً عن استمرار المسار التركي الخطير حيال الأزمة السورية: استهداف النظام ودعم القوى العسكرية المعارضة له، وتأمين الغطاء لداعش، مع تركيز على إضعاف القوى الكردية السورية وفرض منطقة عازلة في الشمال السوري "تريح" تركيا من مشكلة اللاجئين وتضعِف سيطرة النظام السوري عموماً.

لكن، سوف يواجه أردوغان في المرحلة المقبلة مأزق التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، والذي أربكه كما أربك حلفاءه الإقليميين والدوليين، والذي حدّ من طموحات أردوغان، خاصة مع تصاعد الكراهية الكردية له (في تركيا والدول المجاورة).

أما حول الكيان الإسرائيلي، فحزب أردوغان سيواصل تعزيز علاقاته به على كلّ المستويات، برغم دعمه المعنوي أو اللفظي لحماس وقطاع غزّة (قدّمت حكومته مساعادت مالية محدودة للقطاع)، فيما ستراوح علاقة تركيا بالسعودية (الوهابية المعادية للإخوان المسلمين) وبمصر (السيسي المعادي أيضاً للأخوان)، مكانها، ما بين صعود وهبوط، بسبب طموحات كلّ دولة من هذه الدول، على صعيد المنطقة، ولعوامل سياسية واقتصادية عديدة لا مجال لحصرها، وفي مقدّمتها الموقف من النزاع السوري.

في الردود على مداخلات بعض المشاركين في الندوة، أكد نور الدين أن السياسة التركية "الأردوغانية" خدمت ـ وتخدم ـ المشروع الغربي ـ الصهيوني في المنطقة، وأن موقع تركيا في حلف شمال الأطلسي يتعزّز باستمرار، وأن الخلافات مع الأميركيين حول (داعش) أو المنطقة العازلة تكتيكية وليست استراتيجية، وقد دخلت ضمنها المحاولات الأميركية لدعم جماعة "غولن" المعارضة لأردوغان (وهي معادية لإيران والشيعة بالمطلق)...

أما داخلياً، فأردوغان ما زال قوياً كونه يحوز على ما يسمّى (الكتلة الحرجة) في البلاد (40% من الأصوات السنّية المتدينة)، ولديه "إرث" من النجاحات الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت بالاقتصاد التركي إلى الأمام في عهد حزب العدالة والتنمية، خصوصاً خلال السنوات الأولى من حكم هذا الحزب؛ في موازاة عداء تركي شعبي متزايد للأقليّة الكردية، وخوف مستديم من قِبل الأقليّة العلوية من بطش النظام التركي (يعيش 15 مليون علوي + 12 مليون كردي في تركيا).



هذا كلّه في مقابل مؤشّرات سلبية هدّدت ـ وما تزال ـ الحكم التركي الحالي، مثل قضية رهن الاقتصاد التركي بالعجلة الغربية والخليجية، والتدخل التركي المتمادي في شؤون سورية والعراق، وتذبذب العلاقة مع إيران، على أهميتها الكبرى بالنسبة لتركيا، اقتصادياً وتجارياً وسياسياً؛ ناهيك عن فتح جبهة ضدّ حزب العمّال الكردي منذ السنة الماضية، بموازاة حرب (وهمية) ضدّ (داعش) لإرضاء الأصوات داخل وخارج تركيا، والمنادية باستهداف هذه الجماعة الإرهابية التي بدأت تهدّد أمن تركيا القومي، بعد سلسلة من التهديدات الصادرة عن قادتها، والتفجيرات الدموية الأخيرة ضد قوى تركية معارضة، يبدو أن (داعش) هي من تقف وراءها!

وأخيراً، دعا المحاضِر دول محور الممانعة والمقاومة إلى التشدّد في التعامل مع أردوغان، واستخدام الأوراق الاقتصادية والعسكرية والأمنية المتاحة لكبح جماح تدخله في سورية، والذي أدّى إلى تدمير هذا البلد وتقوية قوى المعارضة المسلّحة والتكفيرية، طيلة أعوام الصراع السوري.

 

 

2015-11-09 13:47:41 | 6059 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية