التصنيفات » ندوات

النزاعات الإقليمية وتأثيرها على القضية الفلسطينية: اليمن نموذجاً




عقِدت في مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية في بيروت ندوة سياسية بتاريخ 25/11/2015 تحت عنوان (النزاعات الإقليمية وتأثيرها على القضية الفلسطينية اليمن نموذجاً). وقد حاضر فيها العميد الركن المتقاعد الياس فرحات بحضور عدد من الباحثين والمتخصصين والمتابعين لقضايا المنطقة والصراع العربي ـ الصهيوني.
في البداية، عرّف مدير مركز باحث، الأستاذ وليد محمد علي، بموضوع الندوة وبالمحاضِر، رابطاً بين المشروع الصهيوني العنصري والمشروع التكفيري الإلغائي، من الناحيتين الفكرية والسياسية، كما في الجوانب العملية والهدف المشترك لأصحاب هذين المشروعين بتدمير دول المنطقة وشعوبها.
بدأ العميد فرحات محاضرته بنبذة تاريخية حول اليمن والدور السعودي المبكر في محاولات الهيمنة عليه، بالتوازي مع المساعي الإنجليزية آنذاك لتحقيق نفس الهدف، وفي إطار المخطّط الشامل لاحتلال دول المنطقة وتقسيمها بحسب مصالح ورغبات المحتلّين الأجانب وأدواتهم المحلية.
وبعد إشارته إلى نشوء تيار إسلامي في مطلع سبعينات القرن الماضي، مناهض للتيّارين الجمهوري والملكي اللذين كانا يهيمنان على الحياة السياسية اليمنية، والذي سبقه استقلال جنوب اليمن عن الشمال في العام 1967، كشف المحاضِر أن السعودية صعّدت من تدخلها في شؤون اليمن بعدما تحوّل جنوبه المستقل إلى قاعدة عسكرية وشعبية قوية مؤيدة للثورة الفلسطينية، وباعتباره امتداداً للاتحاد السوفياتي والحركة الشيوعية آنذاك.




ولفت العميد فرحات إلى محاولة توحيد "اليمنين" التي تمت في العام 1989، والتي حاول علي سالم البيض نقضها في العام 1994، حيث قمعها الرئيس علي عبدالله صالح الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة وبعلاقات وثيقة مع السعودية، والتي دعمت التيار الإسلامي (الإخواني) المتمثل بحزب الإصلاح في مواجهة التيار القومي والماركسي، لتتغير المواقع والأدوار بشكل كامل في مرحلة لاحقة، وتحديداً بعد اندلاع الثورات العربية فيما سُمّي (الربيع العربي)، في أواخر العام 2010.
لقد انقلبت التحالفات الني نسجتها السعودية داخل اليمن، وتحوّل علي عبدالله صالح إلى عدو لها مع الحوثيين، بعد تنفيذ ما سمّي المبادرة الخليجية لحلّ الأزمة الداخلية في اليمن وإنهاء المظاهرات والاضطرابات التي وقعت، ليتسلّم على إثرها نائب عبدالله صالح هادي عبد ربه الحكم بدعم من النظام السعودي، الذي بدا مربكاً بسبب المتغيرات المتسارعة، لجهة تنامي قوّة حزب الإصلاح والحوثيين وصالح، فيما كان الحراك الجنوبي يجدّد المطالبة بالانفصال عن الشمال. ومع تسلّم الملك سلمان الحكم، وإعادة الحسابات في السعودية، بدأت الحملة الجوّية السعودية على اليمن في 26 مارس/ آذار 2015، والتي شملت أهدافاً عسكرية حيوية وبنى تحتية، مع توقع باستسلام أنصار الله (الحوثيون) خلال عشرة أيام؛ وهذه الحملة ما تزال مستمرة حتى اليوم، من دون تحقيق نتائج حاسمة!
إن عواقب ما يجري في اليمن من حرب حقيقية دمّرت وقتلت وشرّدت الملايين تطال بالتأكيد قضية العرب المركزية، أي القضية الفلسطينية، والتي خسرت داعماً شعبياً وسياسياً ولوجستياً قوياً، بسبب هذه الحرب من جهة، ولتغيّر الأولويات لدى الدول الرئيسية في المنطقة، وعلى رأسها السعودية ومصر، وسوريا التي غرقت في حرب داخلية دموية يزيدها التدخل الخارجي (الأميركي والسعودي والتركي) اشتعالاً في كلّ يوم.
لقد تراجع الدعم السعودي لمنظمة التحرير، وللشعب الفلسطيني عموماً، على الصعد المالية والإعلامية والسياسية، فيما انكفأ اليمنيون لمواجهة الحرب السعودية الشرسة عليهم، مع أنهم كانوا ـ وما زالوا ـ من أشدّ المؤيدين لقضية فلسطين، قولاً وعملاً، منذ ثلاثينيات القرن الماضي، كما تثبت تضحيات الشباب اليمني في لبنان والأردن في صفوف المقاومة الفلسطينية. أما عن قضية باب المندب والهجمات السعودية الهادفة للسيطرة عليه، فقدّم المحاضِر لمحة عن الصراع حوله منذ عقود، وخاصة لأنه مكمّل لقناة السويس وتعبره نحو 20 ألف سفينة سنوياً، ولأهميته في حركة التجارة العالمية؛ حتى أن مصر تعتبر أن الملاحة في باب المندب هي جزء من أمنها القومي؛ كما أنه نافذة لإيران للتجارة مع أوروبا وحوض البحر المتوسط.


كذلك، الكيان الإسرائيلي يعتمد في أغلب حركته التجارية نحو أفريقيا وآسيا على باب المندب، فيما أنشأت الولايات المتحدة في جيبوتي قوّة عمل بحرية وجوّية للحفاظ على أمن باب المندب ومنع قرصنة السفن وتأمين حريّة الملاحة فيه. ومعلومٌ أن وصول أنصار الله إلى السلطة أو مشاركتهم المفترضة فيها (من خلال تسوية ما) سيعيق الإبحار الآمن للسفن الإسرائيلية عبر باب المندب، باعتبار ذلك من مطالب الحوثيين الرئيسية والجدّية.
وأخيراً، توقع العميد فرحات أن تطول الحرب في اليمن، طالما عجزت السعودية عن تحقيق أهدافها الأساسية حتى الساعة، فيما لم يتمكن الحوثيون وجيش علي عبدالله صالح من تحقيق توازن مع الآلة العسكرية الهائلة والمدمّرة للقوات السعودية وحلفائها، برغم الصمود العسكري والشعبي الكبير للحوثيين والجيش اليمني حتى تاريخه، وذلك بانتظار تبلور نظام سياسي يمني جديد في جيرة العرب سيكون مختلفاً عن النظام الحالي!
وفي ردوده على مداخلات بعض المشاركين في الندوة، شدّد العميد فرحات على ثبات نظام القيادة والسيطرة لدى قوات أنصار الله وصالح مما يسمح لها بالاستمرار في استنزاف القوات السعودية والحليفة في مختلف المناطق؛ وهذا ما بدأنا نلمسه في الداخل السعودي، على الصعد المالية والضرائبية والاجتماعية مع تقلص الصندوق السعودي المالي الاحتياطي والإجراءات الحكومية الجديدة.
وأيّد المحاضِر آراء المداخلين في الندوة حول عمق وتجذّر التأييد الشعبي اليمني لقضية فلسطين، وأنه سيستمرّ في المستقبل بغضّ النظر عن الحرب اليمنية الحالية، مشيراً إلى احتياج الشعب الفلسطيني لكلّ أنواع الدعم والمساندة، خصوصاً في هذه المرحلة العصيبة من تاريخه؛ هذا الشعب المسيّس والواعي والذي ينتج باستمرار قيادات مناضلة تكافح بلا هوادة ضدّ المشروع الصهيوني، كما أثبتت انتفاضة القدس الأخيرة.
كما أيّد العميد فرحات فكرة أن الصراع الدائر في اليمن وفي بعض دول المنطقة ليس طائفياً أو دينياً، بل هو صراع سياسي تستخدم القوى المؤثّرة فيه السلاح المذهبي لخدمة أهدافها التقسيمية المعروفة.


2015-11-27 14:52:48 | 6429 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية