التصنيفات » مقالات سياسية

قراءة تحليلية في ذكرى قرار تقسيم فلسطين


     تأتي ذكرى قرار تقسيم فلسطين، الذي تحوّل إلى يوم للتضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، تأتي هذا العام لتؤكد القرار الصائب برفض هذا القرار من قِبل الشعب الفلسطيني في تلك الفترة، ولتؤكد أن إمكانية تقاسم فلسطين مع الأعداء الصهاينه مستحيلة: فالأطماع الصهيونية أبعد بكثير من أن تستوعبها حدود فلسطين التاريخية كما رسمها صك الإنتداب الذي أقرّته الأمم المتحدة. ويتأكد اليوم، وفي كلّ يوم يمرّ على القضية الفلسطينية، صحّة الموقف الفلسطيني الرافض للتقسيم؛ خاصة أن هناك من جرّب القبول بالتقسيم عبر ما يُسمّى خيار حلّ الدولتين. فرغم كلّ التنازلات والخضوع لشروط الإحتلال، وصولاً إلى إفراغ قرار التقسيم من محتواه المقصود عند إطلاقه، وتقليص مساحة الدولة الفلسطينية التي أقرّها قرار التقسيم، والتراجع عن فكرة استقلال الكيان الفلسطيني المقصود بالقرار، عبر التقيّد مجدّداً بشروط الإحتلال، إلاّ أن أطماع الإحتلال لاتتوقف. فمنذ قبول خيار التسوية عام 1974 وحتى اليوم لم ينجح هذا الخيار في إنجاز هدف الدولة الفلسطينية على أرض الواقع، رغم اتساع حالة القبول الدولي بالدولة الفلسطينية؛ فالعدو لا يزال يرفض الدولة الفلسطينية، التي هي أحد أركان قرار التقسيم الذي على أساسه بنت دولة الإحتلال شرعيتها عندما أعلنت استقلالها المزعوم على أرض فلسطين، وعلى مساحة أكبر من تلك المقرّرة للدولة اليهودية في القرار؛ وهي اليوم تتهرّب من قبول دولة فلسطينية على 22% من أرض فلسطين، في الوقت الذي أعطى قرار التقسيم الدولة الفلسطينية قرابة 43% من أرض فلسطين.
     ولابّد هنا من الإشارة إلى أن فكرة التقسيم جاءت في مناخات الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939، عبر تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية، مع تحديد منطقة دولية حول القدس في تقرير لجنة پيل في العام 1937، وتقرير لجنة وودهد في العام 1938، المشكّلتين من قِبل سلطات الإنتداب البريطاني لبحث قضية فلسطين تحت ضغط الثورة الفلسطينية الكبرى. وتُعتبر    "لجنة بيل" أوّل من اقترح خطّة التقسيم، حيث ورد في تقريرها الصادر في 7-7-1937: " ما دام العرب يعتبرون اليهود غزاة دخلاء، وما دام اليهود يرمون إلى التوسع على حساب العرب، فالحلّ الوحيد هو الفصل بين الشعبين. فتؤلّف دولة يهودية في الأراضي التي يكون اليهود أكثرية سكانها ودولة عربية في المناطق الأخرى"!   
     وقد تكرّرت فكرة التقسيم خلال مؤتمر لندن الذي عقِد من 10/9/ إلى 2/10/1946، إذ عرضت بريطانيا ما أسمته مشروع النظام الاتحادي، أو مشروع موريسون. وهو يقضي بتقسيم فلسطين إلى أربع مناطق إدارية هي:
1)   المنطقة اليهودية، وتشمل معظم الأراضي التي حلّ فيها اليهود إلى وقت عرض المشروع، وكذا مناطق كبيرة بين المستعمرات اليهودية وحولها.
2)   القدس، وتشمل القدس، وبيت لحم، والأراضي القريبة منهما.
3)   النقب .
4)   المنطقة العربية، وتشمل ما تبقّى من أراضي فلسطين. وتُمنح كلٌ من المنطقة العربية واليهودية استقلالاً ذاتياً.
     ولمّا فشلت المحاولات البريطانية الرامية إلى تنفيذ قرار التقسيم بموافقة فلسطينية، سعت منذ انتهاء مؤتمر لندن سنة 1946 إلى أن يتم تقسيم فلسطين وإنشاء الدولة اليهودية فيها عن طريق منظمة الأمم المتحدة. وهي حاولت إيجاد حلٍ للصراع القائم على فلسطين عبر الاتصال مع الأطراف، وتوّجت أعمالها  بالقرار 181، الصادرفي29-11-1947، والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين؛ على أن يسري القرار فور انسحاب قوات الانتداب البريطاني من فلسطين .
    وفي المضمون، تبنّى القرارخطة لتقسيم فلسطين، تقضي بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى ثلاثة كيانات جديدة، كالتالي:
 1. دولة عربية: وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكّا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتدّ من شمال مدينة أسدود وجنوباً حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.
2. دولة يهودية: على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب، بما في ذلك أم الرشراش، أو ما يُعرف بإيلات حالياً.
 3. القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، تحت وصاية دولية.
        وبذلك يكون القرار قد خصّص للدولة العربية حوالي 42.88% من المساحة الكليّة لفلسطين. أما سكانها، فكانوا حوالي 725.000 عربي و10.000 يهودي. في حين خصّص للدولة اليهودية ما يقرب من 56.74% من المساحة الكليّة لفلسطين؛ أما سكانها، فكانوا حوالي 498.000 من اليهود و497.000 عربي. وتشمل القدس القرى والبلدان المجاورة، من أبو ديس شرقاً  إلى بيت لحم جنوباً وعين كارم غرباً. وكان في مدينة القدس 100 ألف يهودي و105 آلاف عربي.
     وجاء  القرار في مقدّمة وأربعة أجزاء على النحو التالي:
الجزء الأول، ويضم دستور فلسطين وحكومتها المستقلة. وفيه نصوص حول إنهاء الانتداب، والتقسيم، والاستقلال، والخطوات التمهيدية لهذا الاستقلال. وفي هذا الجزء فصل خاص بالأماكن المقدّسة والأبنية والمواقع الدينية، وفصل ثانٍ خاص بالحقوق الدينية وحقوق الأقليّات، وفصل ثالث خاص بالمواطنة والاتفاقيات الدولية والالتزامات المالية، وفصل رابع يتضمن أحكام الاتحاد الاقتصادي الفلسطيني بين الدولتين العربية واليهودية. ومجموع أحكام هذه الفصول يشكّل هيكل التصريح الذي يُفترض أن ترفعه الحكومة المؤقّتة لكلٍ من الدولتين إلى الأمم المتحدة قبل الاستقلال.
أما الجزء الثاني، فوصف حدود الدولة العربية والدولة اليهودية. وقد رسِمت هذه الحدود على خارطة اعتُبرت الملحق القرار.
 أما الجزء الثالث من القرار 181، فهو مخصّص للوضع الاستثنائي لمدينة القدس من حيث نظامها الخاص، وإدارتها، وموظّفوها واستقلالها المحلي، والتنظيم التشريعي والقضائي فيها، وربطها بالاتحاد الاقتصادي الفلسطيني، وحريّة العبور والزيارة، وعلاقاتها بالدولتين، واللغات الرسمية فيها، والمواطنة وامتيازاتها ووضع الأماكن المقدّسة فيها.
وجاء الجزء الرابع من القرار خاصاً بإنهاء الامتيازات التي يمكن أن تكون الدول الأجنبية قد تمتعت بها في فلسطين أثناء الحكم العثماني.
      ولم يكن للقرار أيّ سند قانوني. بل هو جاء متعارضاً مع أحكام القانون الدولي التي وردت في ميثاق الأمم المتحدة من عدّة جوانب:
1.    مخالفة القرارلمبدأ تقرير المصير، وهو واحد من أهم أهداف المنظمة الدولية، الذي ورد ذكره في (المادة 1 ف2)، ولأن تنفيذ هذا الهدف كان يتطلب احترام رغبة أغلبية سكان فلسطين في تقرير مستقبل بلدهم.
2.    كون الجمعية  العامة لا تملك سلطة التصرّف بدون ضابطٍ في شؤون الأقاليم الموضوعة تحت الانتداب، وفلسطين منها. فميثاق الأمم المتحدة أنشأ نظام الوصاية لكي يحل محلّ نظام الانتداب بموجب اتفاقات للوصاية تُبرمها الأمم المتحدة مع الدول صاحبة الشأن. وقرّر الميثاق أنه إلى حين وضع اتفاقات الوصاية يجب استمرار العمل بالاتفاقات الدولية القائمة. ومعنى هذا أن الجمعية العامة عند نظرها للمشكلة الفلسطينية كان عليها أن تدخل في مفاوضات لوضع فلسطين تحت الوصاية، وأن تقرّر إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين إذا كان قد حقّق أغراضه في تهيئة الإقليم للاستقلال.
3.    لا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة ما يعطي الجمعية العامة، أو أية هيئة رئيسة أخرى في المنظمة الدولية، صلاحية تقسيم إقليم محدّد دولياً خلافاً لرغبة السكان.
  وعدا عن ذلك، فقد خلا قرار التقسيم من مفهوم العدالة من حيث توزيع الأراضي بين الدولتين وإمكانية حياة كلٍ منهما. فقد منح الدولة اليهودية أجود الأراضي الفلسطينية، وأعطاها السلطة السياسية على مساحة أكبر من المساحة التي خصِّصت للدولة العربية (12.200 كم2 في مقابل 14.400كم2 للدولة اليهودية)؛ فضلاً عن أن نصف سكان الدولة اليهودية تقريباً كانوا من العرب الذين يمتلكون ما يزيد على ثلثي ما في تلك الدولة من عقارات وأراضٍ.
 وقد تمسك الصهاينة وحلفاؤهم بالقرار، رغم أنه من الناحية القانونية لا يتعدّى كونه توصية صادرة عن الجمعية العامة ليس لها صفة الإلزام، وفرضوا وقائع على الأرض واعتبروه سنداً قانونياً لشرعية كيانهم المحتل.
  وأخيراً، يبدو واضحاً عبر عقود مديدة من تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني أننا أمام عدو توسعي عنصري، عمل ولايزال على تنفيذ أهدافه غير المشروعة عبر القوّة وفرض حقائق الأمر الواقع. ولم تجد معه كلّ محاولات الترويض كي يوافق على تسوية تجعلة يضع حداً معيّناً لكيانه الذي لايزال في طور الإنتظار لتحديد مساحته الجغرافية، طمعاً في كسب المزيد من الأرض، عبر سعار الإستيطان المتصاعد.
 وهذا الواقع يؤكد، بالتاريخ والواقع: أن خيار الرفض المطلق لوجود الكيان الغاصب هو الخيار الحقيقي والأصيل المنسجم مع التاريخ والواقع والحق الذي لايتقادم بمرور الزمن، وأن طريق المقاومة ونهجها هو المدخل لاستعادة الحقوق، وإبقاء العدو في حالة عدم استقرار، إلى أن تتراكم  المعطيات الكفيلة بتغيير موازين القوى لصالح الحق، والإقتصاص من الصهاينة وحلفائهم الدوليين والإقليميين.


محمود إبراهيم
باحث فلسطيني


2016-12-02 12:20:18 | 3604 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية