التصنيفات » مقالات سياسية

على خطى (القاعدة) (داعش) في طريقها إلى اليمن


ناصر دمج (*)
أميركا تؤسّس (داعش)
أبلغ "أبو بكر البغدادي" عناصر (داعش) ومجموعاتها المقاتلة في شمال غرّب العرّاق، من خلال خُطبة خاصة أسماها خُطبة الوداع، بتاريخ 28 شباط 2017م، بهزيمة التنظيم في تلك المنطقة. كما دعا البغدادي أنصاره إلى التخفي والفرار إلى المناطق الجبلية، مع تعليمات لهم بأن يفجّروا أنفسهم عند محاصرتهم من قِبل القوات العراقية.
 وقد بدأ "مجلس شورى المجاهدين"، الخاص بتنظيم داعش، حزْم حقائبه مُهاجراً إلى أرض جديدة هي (اليمن)، لمباشرة العمل هناك بعد أن أنهى التنظيم "مهمّته" في العراق وسوريا تقريباً. وهذه خطوات تم اتخاذها بناءً على تعليمات واضحة من "مايكل فيكرز  - الذئب الرمادي"، المسؤول الأمريكي المكلّف بالإشراف على تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وهو خبير في ملف (المجموعات الإرهابية).
ويُعدّ "مايكل فيكرز" من المُشرفين على برنامج الوكالة المركزية للاستخبارات لتفريخ وتدريب وتسليح الحركات المتطرفة، التي تضاعف حضورها منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان في نهاية سبعينيات القرن العشرين؛ وهو حائز على جائزة وكالة الاستخبارات الأميركية، في مضمار التخطيط، لإنجازه وتنفيذه مخطّط استخدام (المقاتلين العرب) في أفغانستان لدحر القوات السوفييتية، والذين شكّلوا فيما بعد تنظيم القاعدة.
خدم "مايكل فيكرز" على مدار ثلاثة عشر عاماً في قوات العمليات الخاصة، من عام 1973م إلى  عام 1986م، راكم خلالها خبرة مميّزة في العمل الاستخباري. وبعد ذلك خرج من نطاق الخدمة الحكومية لمدّة عشرين عاماً، تمكن خلالها من إكمال دراسته الأكاديمية التي انتهت بحصوله على شهادة الدكتوراه في تسعينيات القرن العشرين.
وعندما استدعى الرئيس "جورج بوش الابن" مستشار الأمن القومي السابق "زبغنيو بريجنسكي"، في نهاية عام 2006م، للتخطيط لإخراج الجيش الأمريكي من العراق، قام بريجنسكي باستدعاء "مايكل فيكرز" على الفور، وكلّفه برسم خطّة انسحاب الجيش، والإبقاء على مجموعة منه تعمل تحت إشرافه، وتكوين خلايا سريّة من المتطرفين العرب والأجانب، لتبقى جاهزة للعمل تحت إمرته.
في عام 2007م تم تعيين فيكرز رئيساً لوحدة (العمليات الخاصة والإرهاب)، الكائنة مكاتبها في الطابق الثالث من وزارة الدفاع الأمريكية. وهناك بدأ مشواره المدمّر في بناء مخطّطات تشكيل (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق)، وغيره من التنظيمات الإرهابية التي ستُخرج من الأدراج عند الحاجة لها.
 
لماذا اليمن ؟
بُعد اليمن من الناحية الجغرافية عن (إسرائيل) لم يُجنّبه خطر الاستهداف، حيث شكّل مصدر قلق لزعمائها منذ بداية الصراع العربي- الإسرائيلي. ومنبع هذا القلق هو سيطرة اليمن على مضيق باب المندب، بوّابة إسرائيل البحرية إلى شرق الأرض؛ وهذا ما وضعه على أجندة الاستهداف الإسرائيلي، كما وضع جارته إريتيريا التي تشاطئها سواحل المضيق نفسه.
لهذا السبب لم ينفكّ الاستعمار الحديث عن اجتراح الوسائل والطرق لإدامة أمد استعماره أو إعادة غزوه للدول المستقلة، بعد تعاظم حاجته الاقتصادية لخيراتها، وذلك بعد تصميمه للطريقة التي تناسب كلّ دولة على حدة. ومن بين تلك الطرق أو الأدوات (تنظيم القاعدة والقراصنة الصوماليون وتنظيم داعش).

اليمن في استراتيجية (إسرائيل)
أُدْرِج البحر الأحم في نصوص الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في مكان بارز وهام،  واعتبرَه (ديفيد بن جوريون) "الطريق الوحيد لاتصال إسرائيل بشرق الكرة الأرضية". وفي هذا الإطار منحت إسرائيل مدينة إيلات أفضلية عليا في برامج التطوير الداخلي، واعتُبِرت منطقة تطوير (أ) في كافة عهود الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وفُرِضَ حول إيلات طوق أمني في داخل (إسرائيل)؛ ولعلّها المدينة الإسرائيلية الوحيدة الّتي يتمّ الدخول إليها من قبل الإسرائيليين بتصريحٍ مُسبَق لغاية وقت قريب؛ وما زال هذا الحظر ساري المفعول على العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية وسكان الضفة الغربية. إلى ذلك، فإنّه تمّ تطوير ميناء إيلات ليصبح ميناءاً مدنياً وعسكرياً في آنٍ واحد، ممّا يعكس أهميّته الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل.
"وحاولت مصر، بالتعاون مع العربية السعودية، تعطيل المساعي الإسرائيلية الهادفة إلى المرور في البحر الأحمر. ومن أجل ذلك قدّمت العربية السعودية لمصر في عام 1950م، جزيرتي (تيران وصنافير) المُقابِلتان لإيلات ووضعتهما تحت السيطرة العسكرية المصرية؛ والهدف من ذلك تقييد الملاحة الإسرائيلية. وكان هذا الإجراء من ضمن الدوافع التي أدّت إلى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م". (المصدر- علي عبّود راضي، الاستراتيجية الصهيونية في منطقة القرن الأفريقي، مجلة الأمن القومي، بغداد، أيلول، 1991م، ص110).
وعندما فَرَضت مصر حصاراً على الكيان الصهيوني باحتلال مدخل خليج العقبة، تَسبّبَ هذا الإجراء المصري بِشنّ (إسرائيل) حرباً شاملة ضدّ مصر وسورية والأردن في 5 حزيران 1967م. وأدركت الدول العربية بعد ذلك، وخاصة دول الطوق والدول المُطلّة على البحر الأحمر حجم الخطر الإسرائيلي المُحدق بها؛ كما أدركت مدى أهمية البحر الأحمر بالنسبة للاستراتيجية الإسرائيلية، لا سيّما مْضيق باب المندب بوصفه حلقة وصل بينْ (إسرائيل) وجنوب شرقي آسيا وأفريقيا. وخلال الفترة الواقعة بين أعوام 1970- 1973م، حقّقت الاستراتيجية الإسرائيلية تقدّماً استهلالياً لافتاً في المنطقة، وذلك بإقامة علاقات سرية، عسكرية واستخبارية مع أثيوبيا، ممّا ضاعف من حجم الخطر والتهديد لمصالح دول حوض البحر الأحمر، وفي مقدّمتها اليمن، التي انخرطت انخراطاً مباشراً في حرب عام 1973م، بإرسالها قوات عسكرية أغلَقت المضيق أمام الملاحة الإسرائيلية وتطور الدور اليمني في الشقّ السياسي بعد أن قدّمت اليمن لجامعة  الدول العربية تقريراً مُفصّلاً عن النشاطات الصهيونية على الساحل الإريتيري واكتشاف شبكة تجسُس إسرائيلية بقيادة العقيد "باروخ مزراحي"، الذي تمّ القبض عليه في مدينة الحديدة وهو يرسم ميناء الحديدة بكلّ تفاصيله، من على ظهر قارب صغير استأجره من أحد الصّيادين الفقراء، وكان مقرّ هذه الخلية جزيرة بريم وسَطَ مضيق باب المندب، وكانت مُهمّتها جمع المعلومات عن منطقة المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ومُراقبة السفن الإسرائيلية وحمايتها وتأمين سلامة مرورها من المضيق. وفي إثر ذلك أرسلت الجامعة العربية مبعوثين ولجان لتقصّي حقيقة الموقف، فتثبّتت من صحّة الأمر، وتأكدت من أنّ (إسرائيل) قد استأجرت من أثيوبيا أيضاً جزر (أبو طير وحالب ودهلك)، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، وجدّدت اليمن والدول المطلة على البحر الأحمر، دعواتها لِعقدِ مؤتمر عربي في جدّة في 15 تموز 1972م، من أجلّ الأمر ذاته.
وفي يوم 6 تشرين الأول 1973م، هاجمت الجيوش المصرية والسورية (إسرائيل)، وجرى التنسيق العربي لأول مرّةٍ في مجال تأكيد حقّ العرب في تجسيد سيادتهم على مياههم، لا سيَّما البحر الأحمر، وتمثّل ذلك بإغلاق مَضيق باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيلية، حيث  قامت اليمن بإرسال قوات عسكرية في يوم 14 تشرين الأول 1973م، إلى عدد من جُزر البحر الأحمر لمنع أيّ محاولة إسرائيلية تستهدف احتلال  هذه الجُزر.
بعد ذلك، وخلال الفترة الواقعة بين أعوام 1973- 1979م، تواصل عقد هذه المؤتمرات، والتي خرجت بتوصيات عديدة لحماية البحر الأحمر وتحييده عن الصراعات الدولية والتأكيد على عروبته، والتوصية بضرورة التعاون بين الدول المُطلّة على سواحله واستغلال ثرواته لخير شعوب المنطقة، والتّصدّي لمساعي (إسرائيل) في توطيد علاقاتها مع البلدان الإفريقية القريبة من المدّخل الجنوبي للبحر الأحمر. وفي  تشرين الأول 1977م، أرسل اليمن الشمالي مذكّرة سرية إلى الجامعة العربية، يؤكد فيها تزايد الوجود العسكري الإسرائيلي والأثيوبي في منطقة ساحل إريتيريا وباب المندب، بعد أن باعت أثيوبيا الشريط الساحلي الإريتري للمخابرات الصهيونية، الأمرُ الذي سيمكّن (إسرائيل) من تهديد النفوذ اليمني في المنطقة، سيّما أن بعض الدول العربية سلكت سلوكاً عدائياً تجاه بعض الدول الأفريقية منذاك، كنتيجةٍ طبيعية لعدم وجود سياسة عربية موحّدة للتعامل مع دول القرن الأفريقي بالإضافة إلى تعمّق الخلافات بين الدول العربية ذاتها الموجودة في القرن الأفريقي، كجِيبوتي والسودان والصومال؛ ممّا قدّم خدمة مجّانية للمساعي الإسرائيلية في مواصلة اختراق المنطقة. وتزامن ذلك مع زوال الخطر المصري بشكل كلّي من أمام الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، بعد التوقيع على معاهدة كامب ديفيد في 16 آذار 1979م؛ وشُرِّعت الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبةِ ومضائق تيران وقناة السويس، وأصبحت (إسرائيل) تمارس دوراً يفوق حجمها الفعلي في المياه الدولية وترسّخ وجودها في منطقة البحر الأحمر. وفي هذا السياق، شرح قائد سلاح البحرية الإسرائيلي رؤية (إسرائيل) المستقبلية للبحر الأحمر قائلاً: "إنَّ سيطرة مصر على قناة السويس لا يضع بين يديها سوى مفتاح واحد فقط من مفاتيح البحر الأحمر. أما المفتاح الثاني والأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية، فهو باب المندب. لذا، على (إسرائيل) أن تعمل جاهدة للسيطرة على هذا المعبر المهم، وعليها أن تطوّر سلاح البحرية بشكلٍ نوعي".
أيضاً، يقول الكاتب الإسرائيلي "إلياهو سالبيتر"، عن استراتيجية (إسرائيل) في البحر الأحمر "إنّ المتخصّصين في شؤون [الدفاع الإسرائيلي] والمخطّطين يدركون جيّداً مدى خطورة التهديد العربي المحدق بالبحر الأحمر، ممّا يعطي أهميّة خاصة للعلاقات الإسرائيلية مع الدول غير العربية الواقعة في شرق أفريقيا" كما إنّ التحوّلات الجذرية الكاسحة الّتي شهدها العالم بعد انهيار الإتحاد السوفياتي وحلفائه، وحصول إريتيريا على استقلالها من أثيوبيا، وفّرت لإسرائيل مناخاً أفضل للعمل في شرق أفريقيا، وتعزيز علاقاتها مع دول القرن الأفريقي.

جذور القاعدة
عُرف تنظيم القاعدة بهذا الاسم بحلول شهر أيار من عام 1986م. ومؤسّسه هو الدكتور عبد الله عزّام (1941- 1989م)، وهو من قادة الإخوان المسلمين سابقاً في فلسطين والأردن، وتعود أصوله إلى بلدة (السيلة) الحارثية غرب مدينة جنين في الضفة الغربية، وهو أحد روّاد (الجهاد الأفغاني) ومن أوائل (المجاهدين العرب) الذين توجهوا إلى أفغانستان لمقاتلة الجيش السوفييتي هناك، مطلِقاً اسم (القاعدة) على التنظيم الذي كان يترأسه "أسامة بن لادن"، وذلك بعد أن أنشأ في أفغانستان معسكراً مخصّصاً لاستقبال المتطوّعين العرب عرف باسم (عرين الأسد). ولتسهيل إدارة هذا المعسكر، قرّر عبد الله عزّام تأسيس (قاعدة بيانات) إدارية وعلمية للمقاتلين العرب الوافدين إلى أفغانستان، وأطلق على هذا التطور اسم القاعدة. ومنذ ذلك الحين عُرِف تجمّع المقاتلين العرب باسم (القاعدة).
وبعد انسحاب الجيش السوفييتي من أفغانستان، توزّع قادة تنظيم القاعدة بين الدول الإسلامية، ومن ثمّ عادوا للتجمّع مع بدء دخول الجيش الأمريكي للكويت والعربية السعودية، واندلاع حرب الخليج الأولى (عاصفة الصحراء). ولأنّ أسامة بن لادن عارض هذا التواجد، قرّر إعلان (الجهاد العالمي) ضدّ القوات الأمريكية في المنطقة، وبدأ التنظيم بإعادة تشكيل نفسه من خلال إدارة لا مركزية مرنة؛ وبرز في هذه الفترة قادة كثر للتنظيم، منهم: أيمن الظواهري وطارق الفضلي، وهو الابن الأكبر لآخر سلاطين اليمن، والعقيد "محمد مكّاوي" وهو ضابط أمن شرطة مصري سابق، برز كمساعد فذّ لأيمن الظواهري، ومحمد صادق عوده، وعلي الرشيدي المعروف باسم أبي عبيدة البنشيري، وهو كان القائد العسكري للتنظيم في تلك الفترة.
في مطلع تسعينيات القرن العشرين نفّذ التنظيم مجموعةً من العمليات العسكرية الكبيرة، كعملية (فندق جولدن مور) في مدينة عدن عام 1992م، وعمليتي نيروبي ودار السلام، وصولاً إلى العملية الشهيرة المعروفة بتفجير بُرجَي التجارة العالميّين الأميركيين في 11 سبتمبر/ أيلول 2001م، والمشكوك في صِحّة نسبها للتنظيم الأصلي وفقاً للعديد من النظريات السياسية والاستخبارية حول العالم.

بعد احتلال أميركا العراق في نيسان 2003م، وسّع تنظيم القاعدة في أفغانستان والشرق الأوسط من عملياته العسكرية ضدّ الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها، وتحوّلت أرض العراق إلى مسرح كبير لعملياته الانتحارية. بالمقابل، طوّرت الولايات المتحدة طرق تصدّيها له، وأساليب استغلاله والاستفادة من اسمه لاستكمال تنفيذ مآربها في المنطقة. وبالفعل، فقد تمكنت المخابرات المركزية الأمريكية من إنتاج مجموعات كثيرة تعمل بطريقة (القاعدة) من حيث الشكل والأسلوب؛ لكن أبرزها وأخطرها على وجه الإطلاق كان تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش)، الذي تبوّأ صدارة المشهد في المشرق العربي بعد تمكّنه من السيطرة على مدينة الموصل في محافظة نينوى شمال العراق بتاريخ 9 حزيران 2014م، حيث سيطر مقاتلوه على عشرات المقرّات والمكاتب الحكومية، وطردوا منها رجال الجيش والشرطة العراقيين؛ وسيُعتبر هذا الأمر نقطة تحوّل مهمّة في تاريخ المنطقة العربية، وتاريخ مسيرة عمل (القاعدة) منذ تأسيسها لغاية تاريخه. وقبل ذلك، كان تنظيم (داعش) قد بسط سيطرته، في كانون الثاني 2014م، بالتعاون مع جماعات مسلّحة أخرى على منطقة الفلّوجة، وقطاعات مهمة من منطقة الرمادي غرب بغداد، كما سيطر التنظيم نفسه على مساحات كبيرة من الأراضي السورية، وخاصة في محافظات الرقّة وحلب‏ وريف اللاذقية، ودمشق وريفها ودير الزور وحمص وحماة و الحسكة وإدلب.

جذور (داعش)
خرج تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق) إلى الوجود من رحم تنظيم (جيش أهل السنّة والجماعة)، الذي شكّله "أبو بكر البغدادي" بعد خروجه من معسكر الاعتقال الأمريكي (بوكا - (Bucca في العراق عام 2005م. وفي ذلك الوقت وقبله بسنوات، كان البغدادي على صلة وثيقة بتنظيم (جماعة التوحيد والجهاد) الذي كان يقوده "أبو مصعب الزرقاوي"؛ وتلك الجماعة كانت جزءً من تنظيم (القاعدة)، وكان تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق) حينذاك على صلة وثيقة أيضاً بـالمجموعة الإسلامية المسلّحة في سورية، المعروفة بجبهة النصرة.
بعد مقتل الزرقاوي انتُخِب "أبو حمزة المهاجر" زعيمًا لتنظيم (القاعدة في بلاد الرافدين). وبعد أشهر من ذلك أُعلِن عن تشكيل (دولة العراق الإسلامية) بزعامة "أبو عمر البغدادي"؛ لكن قوات الاحتلال الأميركي في العراق نجحت في نيسان 2010م في قتله ومعه أبو "حمزة المهاجر"، فاختار التنظيم "أبو بكر البغدادي" خليفة له. وبعد عام من ذلك، ظهر تسجيل صوتي لزعيم التنظيم الجديد يعلن فيه أن (جبهة النصرة) في سورية هي امتداد له، وأعلن عن دمجهما تحت مسمّى واحد، وهو (الدولة الإسلامية في العراق والشام).
وفي نيسان 2013م أُعلَِن رسمياً عن ميلاد تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش). وهذا يعني بأن جبهة النصرة هي جزء من ذاك الإعلان. ويتألف اسم (داعش) من الحروف الأولى لاسم التنظيم. وقد راج هذا الاسم في الإعلام لسهولته في تمييز تلك الجماعة عن الكثير من الجماعات الإرهابية الأخرى؛ ويضم تنظيم (داعش) مئات المقاتلين الأجانب من فرنسيين وبلجيكيين وشيشان وآسيويين.
لكن علاقة جبهة النصرة بداعش انتهت في بداية عام 2014م، حيث اندلعت بينهما معارك عنيفة في شرق وشمال سورية، بعد ذلك أعلنت (داعش) رفضها العلني لسلطة وهيمنة الشيخ "أسامة الظواهري" زعيم تنظيم القاعدة، الذي كان قد طلب من (داعش) في نهاية عام 2013م التركيز على العراق وترك سورية لجبهة النصرة. 

أبو بكر البغدادي: من معتقل (بوكا - (Bucca إلى قيادة تنظيم داعش
بعد مقتل "أبو عمر البغدادي"، اختار تنظيم (جيش أهل السنّة والجماعة) "أبو بكر البغدادي" خليفة له، وهو الذي كان مسجوناً في معسكر الاعتقال الأمريكي في العراق (بوكا - Bucca) على خلفية تأسيسه لجيش "أهل السنّة والجماعة" وبسبب علاقته بأبي مصعب الزرقاوي. وتم الاتفاق معه على المهام التي سيقوم بتنفيذها، بعد تمكينه من إنتاج نسخة جديدة من تنظيم القاعدة؛ وخصِّص له من أجل هذه الغاية موازنة قدّرت بـ 30 مليون دولار أمريكي، مكّنته من بناء معسكرات تدريب خاصة به في صحراء الأنبار.

أهداف داعش
تنقسم أهداف (داعش) إلى قسمين، الأول: "الهدف القريب أو العدوّ القريب"، ويُقصد به قتل المسلمين الآخرين، وخصوصًا الشيعة؛ وتصفية المملكتين، الأردنية الهاشمية والعربية السعودية. أما "الهدف الثاني أو العدوّ البعيد"، فُيقصد به الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية كافة، دون ذكر (إسرائيل) ولا في أيٍ من أدبيات أو منشورات (داعش)؛ وهذا بحدّ ذاته يثير الدهشة والاستغراب، لأنه لا يعتبر (إسرائيل) عدواً في أيّ مرحلة من المراحل. وهو أمرٌ لم يسبق (داعش) إليه أحد من التنظيمات الإسلامية السلفية، كالقاعدة أو جبهة النصرة.

خلاصة
يُستفاد من هذه الإطلالة الموجزة على خلفية تكوين تنظيم القاعدة وسلالتها الخطرة؛ وخاصة تنظيم (داعش)، تكوين رؤية عامة حول مبادئه وأهدافه واستراتيجياته المعلنة وغير المعلنة؛ ومعرفة قادته، والإمساك بطرف خيط غاياته الكامنة تجاه الوطن العربي. إلى ذلك، يمكن تسجيل النقطتين التاليتين في هذه الخلاصة، وهما:
1- بعد مرور عشر سنوات على تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك في 11 أيلول 2001م، فإنّ تنظيم القاعدة لم يقدم للأمتين العربية والإسلامية أيّ عمل نافع. وبالمقابل، حصل الغرب في سياق مطاردته العسكرية الساخنة للتنظيم في ساحات المنطقة العربية والإسلامية على ما أراد تقريباً، ونقل الخراب والفوضى من أفغانستان إلى باكستان إلى العراق والصومال والسودان واليمن وسورية، كقطٍ أُشعِلت فيه النار وأُطلِق في الحقول بقصد حرقها. وعليه، فإن كلّ واحدة من الدول المذكورة مرشّحة ديارها للخراب بسبب هذا، الذي سيلحقه رجل الإطفاء الأمريكي بآلته الحربية التدميرية؛ وبعد انتهاء المهمّة سيستريح رجل الإطفاء هذا في الديار العربية بضعاً من السنين، بعد أن يكون قد أخذ أجره من خزائن وثروات الأمّة. وعلينا أن نتذكّر دوماً ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كوندوليزا رايس) حول مفهوم (الفوضى الخلاّقة) التي يجب أن تسود في المنطقة قبل البدء برسم الحدود الجديدة للدول الإثنية والمذهبية فيها.
2- إن مبرّر وجود تنظيم (داعش) الوحيد هو استكمال دور القاعدة، في تقسيم الأمّة العربية إلى فِرق مذهبية ودينية، وتجزئة الدول العربية من جديد. وتم الاستدلال على هذه الحقيقة من طبيعة المهام التي ينفّذها التنظيم في المشرق العربي، والتي تصبّ جميعها في خانة الفرقة، وإغراق المنطقة العربية بسلسلة من الثارات المذهبية والدينية ستعيش لقرون طويلة قادمة داخل الذاكرة الجمعية للأقلّيات الإثنية والدينية في المنطقة. وهذا ما سيكفل مدّ أمد القسمة الثقافية والتاريخية إلى أن يشاء الله أمراً غير هذا الأمر.
إن جميع هذا المخرجات التنفيذية تحاكي مشروع "برنارد لويس -Bernard Lews " لتقسيم الوطن العربي، والذي جدّده الجنرال الأمريكي "رالف بيترز - Ralph Peters" ضمن مشروعه الشهير (حدود الدم Blood borders )، وأسّس لهما على الأرض تنظيم القاعدة، عندما كان الهدف محدّداً بنشر الخراب والدمار في الدول العربية، وبعض الدول الإسلامية. وهو ما استكمله تنظيم (داعش) من خلال حربه المدمّرة التي يخوضها على التراب السوري والعراقي واليمني، وضدّ العرب والمسلمين جميعاً.
باحث ومؤرّخ، مختص في موضوع الصراع العربي- الإسرائيلي، وموضوع الأسرى الفلسطينيين العرب والأسيرات، ولديه العديد من المؤلّفات المنشورة، ومئات الأبحاث والدراسات السياسية.




2017-03-09 14:46:42 | 4436 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية