التصنيفات » مقالات سياسية

فلسطين ... مؤتمرات وخيارات متضاربة


      في العام الماضي طرحت (الرباعية العربية) مشروعاً على الجانب الفلسطيني،  في مناخات فشل المفاوضات بين السلطة الفلسطينية  والعدو الصهيوني، يهدف إلى توحيد الصف الفلسطيني أولاً، ثم الذهاب لتفعيل المبادرة العربية للتوصل إلى تسوية خلال عام. وكانت نقطة البداية في المشروع العربي هي الانطلاق من وحدة حركة فتح، عبر إعادة محمد دحلان إلى صفوف الحركة،  ليعقب ذلك توحيد الفصائل الفلسطينية؛ وهو ما أثار خشية قيادة السلطة، ودفع بقيادة "فتح" لرفع الشعار القديم مجدّداً (استقلالية القرار الفلسطيني) والتوجه فوراً لعقد مؤتمر "فتح السابع" بهدف تعزيز شرعية أبو مازن، الذي أدرك أن الهدف هو الإمساك بقرار السلطة ؛ وكان ذلك مؤشّراً على أن الصراع على امتلاك القرار الفلسطيني قد عاد مجدّداً، وأن الهدف العربي هو وضع حدٍ للصراع مع العدو الصهيوني بأيّ ثمن، تمهيداً لأخذ الساحة الفلسطينية لتكون جزءاً من الاصطفافات التي يُراد إقامتها في الاقليم، وجوهرها حرف اتجاه البوصلة عن القدس، لاختراع عدوٍ موهوم؛ وذلك خدمة لمصالح الكيان الصهيوني وداعميه.
لكن بعد انتهاء مؤتمر "فتح" واستبعاد دحلان، زادت العلاقة بين السلطة ومصر سوءاً. وقد سعت قيادة عباس إلى كسب الشرعية على المستوى الفلسطيني عبر دعوتها لعقد المجلس الوطني الفلسطيني الذي مضى على آخر جلساته أكثر من عشرين عاما؛ فالتأمت اللجنة التحضيرية بحضور كلّ الفصائل، من ثم التقت الفصائل في موسكو للعمل على دفع المصالحة إلى الأمام. لكن لحدّ الآن ليس معلوماً إلى أيّ مدى ترغب القيادة الفلسطينية في إنجاز هذا الاستحقاق؛ وهو ما يرجّح أن يتّجه عباس إلى عقد مجلس وطني على مقاسات خاصة تلبّي أهدافه في إطار الصراع على القرار الفلسطيني. وفي هذه المناخات الإقليمية والدولية، من المرجّح أن لا توافق العديد من الفصائل على هذا السلوك؛ وبالتالي ستنشأ أزمة شرعية يستفيد منها المخطّط العربي – الصهيوني بالتوجه للقفز على القيادة الفلسطينية بعد نزع الصفة التمثيلية الكاملة لها، والانخراط في المؤتمر الإقليمي؛ أي الحلّ الإقليمي الذي بشّر به نتنياهو منذ سنوات؛ وليصبح الحلّ المفروض على الفلسطينيين مصلحة إقليمية يُعاد فيها الفلسطيني إلى بيت الطاعة بعدما "جمح" اكثر من اللازم عندما أصرّ على حلّ الحد الأدنى، الذي يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية في حدود حزيران 1967؛ وهو الخيار الذي تبنّته القيادة الفلسطينية منذ أكثر من أربعين عاماً، وقاد إلى اتفاقيات أوسلو وما تلاها ؛ وصولاً إلى فشل المفاوضات في إنجاز حلّ الدولتين، والذي أعقبها إعلان التوجهات الأمريكية الجديدة (في عهد دونالد ترامب) التي تبنّت الرواية الصهيونية، في تعد ترى الاستيطان عقبة أمام "السلام" وصولاً إلى عدم اعتبار حلّ الدولتين شرطاً لهذا السلام!
وإذا كان أبو مازن يسعى لتعزيز شرعيته من خلال عقد المؤتمرات وإجراء الانتخابات، والتمسك بالاتفاقات الموقّعة مع العدو، بجوهرها الأمني والإقتصادي رغم تنكّر العدو لالتزاماته في تلك الاتفاقات، وتنصّله من جانبها السياسي نحو "الحل الاقليمي" مدعوماً بالحل الاقتصادي؛ وهو ما أفيد أنه جرى التفاهم بشأنه بين الإدارة الأمريكية الجديدة ورئيس حكومة العدو نتنياهو.
 وفي مقابل جهود "أبو مازن"، بدأت مؤتمرات "شيطنة" قيادته واستهدافها بواسطة عدد من المؤتمرات التي عقِدت في مصر، والتي دعا لها محمد دحلان، وكان آخرها مؤتمر شباب فلسطين في 15-2-2017، والذي انبثقت عنه هيئات لتنفيذ عدد من الأهداف هي في الجوهر تسعى لسحب المزيد من الشرعية من بين يدي "أبو مازن"؛ إلى جانب عقد مؤتمر للكوادر "الفتحاوية" الموالية لدحلان في أوروبا في 11-3-2017؛  والمؤتمر الأول للمرأة الفلسطينية في غزة في 13-3-2017 ...مع المزيد من المؤتمرات المنتظرة.
 في المقابل، وفي العشرين من شباط الماضي، عقِد المؤتمر السادس لدعم الإنتفاضة  في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وفي الخامس والعشرين من الشهر نفسه، عقِد مؤتمر لفلسطينيي الشتات في اسطنبول بتركيا.
 وهناك فرق في الواقع بين المؤتمرات التي عقِدت هنا وهناك وبين مؤتمر دعم الانتفاضة في طهران. ففي الوقت التي كانت المؤتمرات المذكورة جزئية وتستبعد هذا الطرف أو ذاك، وهدفها هو الصراع على شرعية امتلاك القرار الفلسطيني أو جزء منه، لإيجاد موقع لهذا الطرف الفلسطيني أو ذاك في الخارطة السياسية الجديدة التي يجري رسمها للإقليم، جاء مؤتمر طهران باعتباره مؤتمراً توحيدياً حيث حضرته كافة الفصائل الفلسطينية رغم خصوماتها واختلافاتها؛ ودعا المؤتمر للوحدة على أساس المقاومة وصولاً لتحرير كلّ فلسطين، في ظلّ تنكّرالقريب والبعيد لها، وتراجع المواقف العربية والإسلامية لنصرة الشعب الفلسطيني وقضيته؛ وهو ما يأخذ الجميع إلى منطقة توحيدية، بينما تأخذهم تلك المؤتمرات  نحو المزيد من الإنقسامات على خلفية الصراع  على الشرعية  والقرار الفلسطيني المستقل!
  ما من جدال حول دقّة المرحلة التي تعيشها القضية الفلسطينية، والمأزق الذي أوصلت قيادة المنظمة الشعب الفلسطيني إليه. ورغم فشل خياراتها لا تزال القيادة الراهنة تكابر وتستجدي الحلّ المستحيل هنا وهناك، من دون التوقف للحظة تأمّلية أمام الوضع المتردّي الذي وصل الوضع الفلسطيني إليه؛ والعمل على إعادة النظر في الخيارات السياسية الفاشلة والعودة إلى الموقف المبدئي الأساس للشعب الفلسطيني،  بعيداً عن المكابرة والبحث عن الحصص، التي ثبت تاريخياً أنها كانت وبالاً على الشعب الفلسطيني. فالترقيع لم يعد مُجدياً،  تجربة المحاصصة والتفرّد بالقرار، والتي بدأت منذ عام 1969 واستمرت حتى اليوم، هي التي أسهمت إلى حد كبير في إيصال القضية الفلسطينية إلى ما وصلت إليه اليوم. ومن الجريمة بحق هذه القضية إعادة البحث عن  مخارج تعيد إنتاج نظام محاصصة فلسطيني جديد يقود إلى تفرّد آخر.
 فالنظام السياسي الفلسطيني، الذي جرى التعبير عنه من خلال منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بات مأزوماً، واستمر كذلك. ولا بدّ من إعداد طرح مغاير يواكب التحديات، وتكون في القلب منه الاستراتيجية الأساس لمقاومة الاحتلال وغطرسته ومع التحرّر من تدخلات الإقليم التي دفعت- وتدفع- تاريخياً نحو حصار المقاومة والعمل على تطويعها لصالح تحالفات النظام العربي هنا وهناك؛ في عملية استخدام مخجل للقضية الفلسطينية لتغطية عجز ومصالح هذا الطرف أو ذاك، الأمر الذي اخرج مسيرة مقاومة الشعب الفلسطيني عن مسارها في أكثر من منعطف، منذ النداء "الشهير" للزعماء العرب الذي أحبط ثورة فلسطين الكبرى عام 1936؛ وتكرّر في محطات عديدة بعد ذلك، ولا يزال يلعب هذا الدوربشكل أو بآخر ...لحدّ الآن .
     إن البديل الذي يجب على الجميع هو الوحدة في ميدان المقاومة ؛ وحول هدف تحرير فلسطين، والقطع نهائياً مع وهم عملية التسوية، ومغادرة ساحتها كلّياً، والاختيار الدقيق للتحالفات الإقليمية وفق هذا المعيار أوالتوجه حصراًً.

محمود إبراهيم
باحث فلسطيني


2017-03-17 13:44:11 | 4380 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية