التصنيفات » مقالات سياسية

وثيقة حماس ... مسار مَن يعترف ومَن لا يعترف واحد

رامز مصطفى
كاتب وباحث سياسي

 
ليس مستغرباً أن تلقى " وثيقة المبادئ و السياسات العامة "، التي أعلنتها حركة حماس قبل أيام من العاصمة القطرية الدوحة ، هذا الاهتمام الواسع من قبل الكثير من الأوساط وعلى مختلفها. كيف لا ، وحركة بحجم حماس وثقلها ووزنها ليس في الساحة الفلسطينية وحسب؛ فهي من جانب حركة تتقدم صفوف قوى المقاومة الفلسطينية ، ومن جانب آخر ارتباطها العضوي والبنيوي بحركة الإخوان المسلمين ذات الانتشار الإقليمي والدولي الواسع . لذلك كان الجميع ينتظر، ومنذ فترة طويلة، الإعلان عن تلك الوثيقة، بحيث لم تترك قيادة حركة حماس شيئاً يخطر على بال محازبيها ومناصريها ، مؤيديها وخصومها ، وحتى أعدائها ، إلاّ وأجابت عنه من منطوقها ومفهومها، استناداً لتطورات الأحداث وتسارعها في المنطقة ، بل والعالم .
وقبل التطرّق لأهم ما جاء في تلك الوثيقة المثيرة للجدل ، من عناوين ونقاط ، وقبلها المقدّمات التي أوصلت الحركة إلى تبنّي تلك الوثيقة ، وتطابق إطلاقها مع مواقيت في مختلف الاتجاهات ، والفلسطينية في أولوياتها، لابد من التأكيد على أحقيّة قادة أيّ فصيل أو حزب أو حركة أن يُجروا المراجعات النقدية لما يتبنّونه من فكر أو برامج سياسية؛ والهدف هو التجديد، بعد معالجة أسباب الإخفاقات والبناء على النجاحات . ولا يحقّ لأحد أن يُعيب على حماس، أو غيرها من القوى والفصائل الفلسطينية، القيام بتلك المراجعات لاستخلاص العبر والدروس ، إلاّ إذا تعارضت مع الثوابت أوالتطلعات؛ وهذا ما اشتملت عليه المقالات والتحليلات والآراء والمواقف التي تعرّضت لوثيقة حماس ، سواء بالسلب والنقد والذم والتشكيك حدّ الاتهام بالتخلّي، أو بالإيجاب والثناء والتشجيع والمدح حدّ التبنّي، والتي انطلقت من خلفية القراءات الموضوعية والرؤى المختلفة، لأنه ليس بمقدورنا دفع المعترض أن يُسقط اعتراضاته وهو محقٌ من وجهة نظره ، ولا دفع المؤيد للتخلّي عن تأييده ، وهو يجد نفسه محقاً من وجهة نظره . وهذا من الجائز أن ينطبق على من هم داخل حركة حماس نفسها . فالدكتور صلاح البردويل، القيادي في حركة حماس ، كان قد صرّح : " أن الوثيقة التي تتكون من 43 بنداً لا تتضمن ما رشح عبر وسائل الإعلام عن قبول حماس بدولة فلسطينية على حدود 1967".
الوثيقة احتوت على 12 عنواناً ومحوراً ، و42 بنداً ونقطة . وعلى أهمية تلك المحاور والبنود ، نرى أن  قبول حركة حماس بدولة فلسطينية في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس ، ومن دون الاعتراف ب" إسرائيل " (؟؟ !!) ، هو الأبرز في وثيقة المبادئ والسياسات العامة، التي أعلن عنها السيد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في مؤتمره الصحفي من أحد فنادق الدوحة؛  وهو ما أعاب عليه البعض أنه في الشكل ليس مقبولاً ، فيما أجاز البعض الآخر لنفسه أن يقارن بين إعلان ما سمِّي بوثيقة الاستقلال التي شارك في صياغتها النهائية كلٌ من المفكر إدوارد سعيد والشاعر محمود درويش في الجزائر عام 1988 بلد المليون شهيد ، حيث اشتعل يومها المجلس الوطني تصفيقاً وأغاني وطنية. ويا ليته ما كان ذاك التصفيق ولا تلك الأغاني والأهازيج الوطنية على الإعلان عن استقلال وهمي، لا زال على الورق حتى يومنا هذا . وبين الإعلان عن وثيقة حماس ، التي علينا ألاّ نحاكم ولو بالشكل أنها أُعلنت من فندق ، بقدر ما نحاكم أن الفندق هو على أرض قطر، المنخرطة في مشاريع تفتيت وتقسيم المنطقة كرمى لعيون الولايات المتحدة ، وصديقتها " إسرائيل " ، ولربما حليفتها أو أختها غير الشقيقة .  
أن تقِرّ حماس قبولها بدولة فلسطينية في حدود العام 1967 ، أمرٌ ليس بجديد، ولا يجب أن يشكّل مفاجأة سارّة للبعض ، وغير سارّة للبعض الآخر . فالنتائج محكومة على الدوام بمقدّمات قد بدأتها الحركة منذ زمن ليس بقصير، وأقلّه ما أقرّ به السيد مشعل أن الوثيقة هي نتاج لنقاشات وحوارات كانت قد بدأت منذ أربع سنوات ، وعملية الصياغة بدأت منذ عامين؛ وقبل صياغتها بشكلها النهائي تم عرضها على عدد من رجال القانون الدولي، حيث استمر النقاش حولها تسع ساعات لنأخذ بملاحظاتهم . فمنذ أن خاضت حركة حماس انتخابات المجلس التشريعي ، وهو أحد إفرازات اتفاقات " أوسلو " عام 1993، بدأت تُعد العدّة للتأقلم مع المستجدّات والتحولات السياسية في المنطقة؛ ومن ثم جاءت موافقتها على وثيقة الوفاق الوطني، التي صاغتها قيادة الحركة الأسيرة في أيار 2006 ، وتحديداً في البند المتعلق بإقامة دولة مستقلة على حدود العام 1967 . لكن تلك الوثيقة لم تر النور في حينه بسبب الانقسام الذي حدث بين حركتي حماس وفتح بعد سيطرة الأولى على قطاع غزة في حزيران عام 2007 . ومن ثمّ أتى انفتاح حركة حماس على الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والاجتماع به، وهو كان أحد المراقبين لانتخابات المجلس التشريعي عام 2006 . وتلته لقاءات رئيس مكتبها السياسي السيد خالد مشعل مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في الدوحة وزيارته لقطاع غزة. وبلير معروف بتأييده المطلق ل" إسرائيل " ، وبأنه بالون الإختبار عند صديقه نتنياهو ، وصاحب معادلة " الأمن مقابل الاقتصاد " بدل  "الأرض مقابل السلام " . بعدها جاء تخندق الحركة مع دول مثل قطر وتركيا، وهما المنخرطتان عملياً ومادياً في تفتيت وتقسيم دول المنطقة ، وتقيمان أوثق علاقات التطبيع ، وعلاقات التبادل التجاري والعسكري والأمني مع الكيان " الإسرائيلي " ، عدوّ الشعب الفلسطيني وقواه، بما فيها حركة حماس . وهذا التخندق جعل حماس أكثر ليناً في مواقفها بعد ممارسة الضغوط عليها؛ وهو تطور منطقي أوطبيعي، لأن الجغرافيا السياسية هي عامل حاسم في التأثير على مواقف من يقف على أرضيتها. وما كان قد أقرّ به وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو عن أن بلاده مارست ضغوطاً على حماس من أجل الاعتراف ب" إسرائيل "، يتطابق مع تأثيرات تلك الجغرافية السياسية. هذا من جانب ، ومن جانب آخر، خطت خطوة كبيرة حماس نحو القبول بدولة على حدود عام 1967 ، علّ ذلك يقابله قبول للحركة لدى الأوساط الدولية المؤثّرة، كالولايات المتحدة وأوروبا الغربية ، والتي لن يهنأ لها بال إلاّ بعد أن تدفع بحماس نحو منزلق خطير بالمعنى الوطني والسياسي ، ولو خطوة خطوة، على طريقة استدراج منظمة التحرير في المراحل السابقة، لتجد نفسها في مستنقع اتفاقات " أوسلو" وملحقاتها ، والتي رأت حركة حماس في وثيقتها الجديدة " أنّ تلك الاتفاقات وملحقاتها تخالف قواعد القانون الدولي ، من حيث أنها رتّبت التزامات تخالف حقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف " ؟؟ !! .
وعليه، هل ستقدر حماس أن تُقنع نفسها قبل جموع الشعب الفلسطيني ، بأنها تستطيع على تحقيق قيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 من دون اعتراف مقابل ب" إسرائيل " ؟  وإذا افترضنا ذلك ، فهل ستوافق تركيا وقطر على وجه الخصوص على دولة فلسطينية من دون أن تمارسا ضغوطهما على حماس للاعتراف بدولة الكيان ؟  وهل المجتمع الدولي، بدوله النافذة ، وفي مقدّمتهم الاتحاد الروسي قبل الأمريكي والأوروبي، سيوافق على قيام تلك الدولة العتيدة قبل أن تعترف حماس بالكيان " الإسرائيلي " ؟ وفي المقابل ، هل ستوافق دول الرباعية العربية: مصر والسعودية والأردن والإمارات، ومعها الدول الموافقة على ما يسمّى ب" مشروع السلام العربي " ، على قيام تلك الدولة من دون أن يكون الاعتراف متبادلاً مع الكيان؟ هذا في الأساس إذا وافقت " إسرائيل " على هذا الطرح، أو أبقت على أساس مادي لقيام تلك الدولة بعد كلّ عمليات التهويد والاستيطان الواسعة ، ومصادرة الأراضي الغير مسبوقة. وعلى فرض آخر ، هل ستوافق كلّ الأطراف الإقليمية والدولية على منح دولة فلسطينية (بحدود 1967) للشعب الفلسطيني وعاصمتها القدس ، من دون أن تتحقق المتطلبات الأمنية للكيان الصهيوني ، ومدخلها نزع سلاح المقاومة أولاً وثانياً وعاشراً .
وأختم مستعيراً ما قاله أحد الإعلاميين المقرّبين جداً من حركة حماس، في معرض تعليقه على وثيقتها: " لا مقارنة بين من يعترف بدولة العدو ، وبين من لا يعترف ، لكن المسار واحد " .
 


2017-05-13 12:27:51 | 4228 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية