التصنيفات » التقديرات النصف شهرية

15-3-2024

ملخّص التقدير الإسرائيلي

15-3-2024

 

حول محاولات "إسرائيل" توريط الولايات المتحدة في حرب إقليمية

 

يحاول الرئيس الأميركي جو بايدن "إنقاذ إسرائيل من نفسها"، لئلّا تذهب إلى حرب واسعة النطاق تُغرقها وتُغرق أميركا معها في أزمات جديدة، سيكون من الصعب جداً الخروج منها. ولذلك، يهدف بايدن إلى ملاءمة حدود وأهداف الحرب العسكرية الإسرائيلية في المنطقة مع الأهداف السياسية والاستراتيجية الأمريكية، بحيث يُقنِع، أو حتى يَفرِض على القيادة الإسرائيلية الثقة بالتوجّه والسياسات والخطوات التي تتّخذها واشنطن في هذه الأزمة، من باب تنظيم الأدوار وتقسيمها، بحيث تقود الولايات المتحدة موضوع صياغة التصورات السياسية والاستراتيجية للحرب، في حين تنشغل "إسرائيل" بأهدافها العسكرية، دون أن تتناقض مع التصوّر الأمريكي. وفي هذا الإطار، شارك وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، في اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلي، وكذلك بايدن، للاطّلاع على الخطط الإسرائيلية وملاءمتها للأهداف الأمريكية. وعملياً، تحوّلت الولايات المتحدة من داعمة لإسرائيل، عسكرياً وسياسياً، إلى شريكة ضالعة في اتخاذ القرارات؛ وهذا نابع من غياب الثقة التامة بالقرارات الإسرائيلية المُنضوية تحت مفاعيل الضغط الشعبي المُطالِب بالانتقام من حركة حماس وقطاع غزة؛ فضلاً عن التجربة السابقة التي تتمثّل في فشل الاستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع الموضوع الفلسطيني عموماً، وقضية قطاع غزة على وجه الخصوص. وقد قرّر بايدن أن إدارة الحرب تتطلّب الخروج من دائرة الانتقام، وهو تلميح واضح للقيادة الإسرائيلية الفاشيّة بأن للحرب أهدافاً سياسية واستراتيجية تتجاوز مسألة الانتقام العسكري المجرّد، لتنسجم مع التصوّر الأمريكي فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، والبيئة الإقليمية على وجه التحديد. لذلك، لا تريد الولايات المتحدة من "إسرائيل" إدارة هذه الحرب وحدها، بالطريقة التي تضع الأهداف العسكرية في المقدّمة بدون النظر للصورة السياسية والاستراتيجية بشكلها الأوسع.

لقد أحدثت عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر صدمة استراتيجية هائلة في "إسرائيل"، وقوّضت عقيدتها الأمنية القائمة على الردع العسكري. وعلى الأثر، استخدمت "إسرائيل" جميع الوسائل المُتاحة لها للتغلّب على هذه الصدمة المُخزية، ولملمة ندوبها العميقة. ولذلك، هي بدت غير مَعنيّة بالعودة إلى الوضع الراهن كما كان عليه في السنوات السابقة. ويتمثّل هدفها الأول في المرحلة المقبلة بإيجاد وضع جديد يُعيد لها شيئاً من ردعها المفقود. ومن أجل ذلك، عملت "إسرائيل" على بناء هذا الوضع على نطاق إقليمي واسع، في سياق تصفية القضية الفلسطينية على حساب الجميع، في إطار شراكتها الوطيدة مع  الولايات المتحدة. وتشمل أهداف "إسرائيل" على المدى القصير، احتلال غزة (الجزئي أو الشامل)، والقضاء على "حماس" أو إضعافها بشكل كبير، وتحرير الأسرى، وإنشاء إدارة جديدة عميلة لها بعد الاحتلال.

وفي الوقت نفسه، فإن العدوان الإسرائيلي وأساليب العقاب الجماعي، التي تقع في نطاق جرائم الحرب والإبادة الجماعية، قد أدّت إلى حالة تطرف جديدة أكثر عُنفاً، تُكسب الأحزاب والمنظمات الدينية المتطرفة المزيد من الشعبية، في محاولة لإحياء الردع المفقود. فيما خطاب الحرب المبني على العنجهية والإبادة الجماعية يدفع المنطقة إلى حالة من الفوضى والصراع المستدام. وعلى الرغم من حدوث تغيير جزئي وتكتيكي في موقف الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة، إلّا أنه لم يصل بعد إلى المستوى الذي سيوقِف "إسرائيل"، أو يمنعها من الاستمرار في جرّ المنطقة إلى صراع إقليمي متعدّد الجبهات ومتعدّد الأطراف.

إن سياسة بايدن المتمثّلة في الدعم غير المشروط لإسرائيل، والتي تحوّلت إلى هاجس أيديولوجي لديه، جعلت الولايات المتحدة جزءاً من الحرب الإقليمية؛ وهي تعني التخلّي عن سياسة مغادرة الشرق الأوسط، والتركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتُشير التطورات في الأسابيع الأخيرة إلى أننا بتنا بالفعل في الطريق إلى حرب إقليمية. ومع ذلك، فإن حقيقة أن حدّة هذه الحرب تزداد وتنقص، وأن الأطراف ليست دائماً واضحة بشأنها، تجعل من الصعب علينا تسميتها في هذه المرحلة بالحرب الإقليمية.

الحروب الحاصلة بين الدول تحدث بطريقة مُعقّدة، وتحدث في قنوات مختلفة، مع تفعيل القدرات المختلفة للأطراف. وهي أدّت إلى حقيقة أن الحروب الشاملة “الكلاسيكية” أصبحت نادرة، والعديد من البلدان تُفضّل الحروب بالوكالة لأنها أقل تكلفة ومُنخفضة المخاطر؛ وتسمح للبلدان المشاركة فيها بزيادة شدّتها بحسب الضرورة، من دون إعلان الحرب مباشرة على بعضها البعض.

لقد بدأت حقبة جديدة في النظام الدولي عندما ادّعت الولايات المتحدة أن قرارات الأمم المتحدة القديمة كانت كافية بدون الحصول من  مجلس الأمن على قرار للتدخّل في غزو العراق. وحقيقة أن الولايات المتحدة مستعدّة لانتهاك قواعد النظام الدولي علناً لم تُثر فقط تساؤلات حول شرعية هذا النظام؛ بل أوضحت أن التدخّل العسكري لأيّ بلد ضد بلد آخر ليس مسألة قانونية، بل مسألة مدى ما يمتلكه من بطش وقوّة. ومن هنا بتنا نشهد عواقب رفض الولايات المتحدة و"إسرائيل" الالتزام بقواعد النظام العالمي وإصرارهما على “حريّة التصرف من جانب واحد”. والتطهير العرقي الإسرائيلي لغزة، المحمي أميركياً، وقف أمامنا كمثال إضافي على تجاهل الأقوياء للقانون الدولي والشرائع الانسانية. ومن هنا يأتي ميْل "إسرائيل" إلى البدء بتوسيع نطاق عملياتها على جبهتي غزة ولبنان، من أجل التستير على خسائرها المادية والمعنوية، وتقليل التكلفة التي يتحمّلها اقتصادها بفعل تعبئة قواتها الاحتياطية لوقتٍ طويل.

لم يُقدّم بايدن للناخب الأميركي حجّة مُقنعة بأن الدعم غير المشروط لجرائم "إسرائيل" يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة، خاصة أن تكاليف هذا الدعم آخذة في الارتفاع من يوم لآخر. وعلاوة على ذلك، فقد عَرّض دعم بايدن لحرب نتنياهو المتوحشة القوات الأمريكية في العراق وسوريا لهجمات متجددة من قوى محور المقاومة؛ كما أدّى إلى زيادة حدّة المخاطر على السفن الأمريكية في البحر الأحمر، حيث يشن الحوثيّون هجمات على سفن الشحن التجارية احتجاجاً على حرب غزة. وتتزايد أخطار تصاعد الصراع وانتشاره إلى أجزاء أخرى من المنطقة، وكذلك خطر تورّط الولايات المتحدة بشكل مباشر في حرب متعددة الجبهات. ومن هنا، فإن رغبة الرئيس الأميركي في دعم "إسرائيل" إلى أقصى حد جعلت الحرب الإقليمية أكثر احتمالاً، وعَرّضت القوات الأمريكية لخطر أكبر.

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من إطلاق بايدن يدي "إسرائيل" بشكل مُطلق في توحشها وإجرامها، فقد بدأت مرحلة إسقاط رئيس حكومة الكيان، بنيامين نتنياهو، الذي يسعى شخصياً إلى إشعال نار حرب إقليمية للحفاظ على زعامته، الأمر الذي تكشّف من خلال دعوة وزير حكومة الحرب بيني غانتس إلى واشنطن، من دون إذن نتنياهو أو عِلمه. وقد يكون من المنطقي أن بايدن لا يريد حرباً إقليمية لا يستطيع السيطرة عليها في عام الانتخابات الرئاسية، لاسيما أنه إذا اشتدّت نيران هذه الحرب مع بدء حرب جديدة بين "إسرائيل" وحزب الله في لبنان، فلن يكون أمام واشنطن خيار سوى التورّط فيها ودعم "إسرائيل". وللخروج من هذا المأزق، لم يجد بايدن من خيار سوى أن يدعو إلى وقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن، وأن يضغط من أجل حلّ الحكومة الفاشية القائمة، وأن يتّخذ خطوة أخيرة من شأنها أن تؤدّي بالفعل إلى حل سياسي لقضية الشعب الفلسطيني. وهذه الخطوات ستُخفّف من حدّة احتمال الحرب الإقليمية، لكنها لن تُنهيها. ويبدو أن بايدن ليست لديه النيّة ولا الشجاعة السياسية لاتخاذ مثل هذه الخطوة. والفشل في إجراء تغيير جذري في سياسة واشنطن سيعني أنها ستُصبح جزءاً من حرب جديدة في الشرق الأوسط تُفقده الرئاسة المنشودة. ويبقى أن نرى ما إذا كان كابوس تسليم السلطة إلى ترامب مُخيفاً بما فيه الكفاية لإجبار بايدن على تغيير سياسته الفلسطينية.

في هذا البحث نتناول تعقيدات الشراكة الأميركية – الإسرائيلية في هذه اللحظات الحرجة من الحرب الأميركية – الإسرائيلية الإجرامية على قطاع غزة، وتداعياتها على الشعب الفلسطيني وقضيته المقدّسة .

لقراءة التقدير كاملاً انقر هنا

2024-03-15 11:22:20 | 139 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية