التصنيفات » ندوات

الفتنة السنّية-الشيعية -أبعاد ومآلات- (9/11/2009)




عقِدت في مركز باحث للدراسات في بيروت ندوة خاصّة لبحث أبعاد وخلفيات المؤامرة الجديدة-القديمة التي تقودها الولايات المتحدة و"إسرائيل"، لخلق فتنة مذهبية بين الشيعة والسنّة في عموم أرجاء العالم الإسلامي، تحت عناوين متعدّدة؛ لكنها تؤدّي في المحصلة إلى استنزاف طاقات وجهود الطائفتين المسلمتين الكبريين، لمصلحة الهدف الأمريكي-الصهيوني الجديد، وهو توجيه كلّ الإمكانات وتجنيدها لضرب إيران، والتي صارت بنظر هذا الحلف المعادي، المصرف المركزي لما يسمّونه "الإرهاب الإسلامي"!
وقد بدأ المدير العام لمركز باحث للدراسات، الأستاذ وليد محمّد علي، الندوة بتعريف حول مشروع التطبيع الجديد الذي تقود إدارة أوباما، بهدف إعادة تثبيت السيطرة الأمريكية على بلدان وموارد المنطقة، ولتشكيل محورٍ جديدٍ يضمّ أمريكا و"إسرائيل" والعرب "المعتدلين"، لمحاصرة وضرب إيران، التي تشكّل رأس الحربة في محور الممانعة والمقاومة للمشروع الأمريكي في المنطقة.
ولفت الأٍستاذ علي أن هذه الندوة من ضمن سلسلة ندواتٍ يعتقدها مركز باحث تمهيداً لعقد مؤتمره السنوي في ذكرى العدوان الصهيوني على غزة، في كانون الثاني 2010. وقد حاضر في الندوة كلٌ من الشيخ الداعية صفوان الزعبي والشيخ محمد علي قبيسي، حول مسألة الوحدة السنّية-الشيعية والدور الأمريكي-الإسرائيلي في ضربها، لإضعاف جبهة الممانعة والمقاومة للأعداء المشتركين.
وبعدما لفت الشيخ الزعبي إلى دور الاستعمار التاريخي في استهداف الأمّة بكلّ مكوّنها الطائفية والاجتماعية، أكّد أن الصراع الدائر حالياً هو استمرار للصراع الأساس بين الحقّ والباطل، بهدف ضرب الإٍسلام والمسلمين وتفتيت وحدة الدول والشعوب المسلمة، من أجل التحكّم في مقدّرات ومستقبل شعوب هذه المنطقة، على وجه الخصوص. فالسلاح والنفط، هما -برأي الشيخ الزعبي- المحرّك الأساس لكلّ ما يجري من أحداثٍ أمنيةٍ وسياسيةٍ خطيرةٍ منذ سنوات؛ وفي المقابل، على القوى الإسلامية خصوصاً، أن توحّد خطابها وجهودها لمواجهة هذه الحرب الغربية-الصهيونية، وأن تتلافى كلّ ما يفرّق ويمزّق وحدة المسلمين، وأن ترفض منطق التكفير واستحلال الدماء، وأن تعدّ العدّة لمواجهة أعداء الدين، على أساس (فقه الأولويات)  بالحدّ الأدنى.





وعدّد الشيخ الزعبي قواسم كثيرة مشتركة بين الشيعة والسنّة، داعياً إلى توضيح المفاهيم التي تثير نزاعاتٍ أو إشكالات، وإلى نشر وتعميم الروايات والأحاديث التي تؤكّد على العلاقة الطيّبة بين الصحابة وأهل البيت، وإلى رفض الفتنة والاعتزال عن مسبّبها ومروّجيها؛ وكذلك رفض التكفير المتبادل بين بعض فئات السنّة والشيعة، وصولاً إلى النزاعات الكلامية المسيئة للطائفتين، والتي تُدار بطرقٍ مشبوهةٍ على العديد من الفضائيات العربية!
أما المحاضِر الشيخ محمد علي قبيسي، الذي وافق الشيخ الداعية في جوهر موقفه الواعي والمدرِك للأخطار، فتناول مؤامرة الفتنة السنّية-الشيعية من منظور الأعداء. وأورد الشيخ قبيسي أفكاراً ومواقف كثيرة، صدرت عن مسؤولين أميركيين (سابقين وحاليين)، كما عن مراكز بحث ودراسات معروفة، تبرز القلق أو الرّعب الغربي-الصهيوني من الحركات الإسلامية الواعية والمقاومة، والمحاولات المحمومة منذ عدّة عقودٍ لضرب وتصفية هذه القوى؛ إمّا من الخارج بطرقٍ وأساليب عسكريةٍ وسياسيةٍ وإعلاميةٍ ونفسيةٍ متعدّدة؛ وإمّا من الداخل عبر إظهار وتضخيم التباينات والخلافات فيما بين هذه القوى الإسلامية، سواء كانت شيعية أم سنّية.
وقال الشيخ قبيسي أن أهداف أميركا المعلنة في نشر الديموقراطية والمساواة والعدالة بين شعوب المنطقة لا تلتقي مع أهدافها المضمرة في السيطرة واستغلال موارد هذه المنطقة، ودعم الكيان الإسرائيلي الإرهابي بمختلف أنواع الدعم، والموجّه حصراً ضد بلدان وشعوب الشرق الأوسط، الذي يزعم الأميركيون تكراراً أنهم يسعون لاستقراره وأمنه وازدهاره!
وبعدما عرض الشيخ قبيسي لذرائع الأميركيين المتنوّعة، لتبرير حروبهم التوسعية في العراق وأفغانستان ولبنان (بواسطة "إسرائيل")، لاحظ أن الصراع تعمّق بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، حيث تغيّرت الأساليب الأميركية لضرب القوى المقاومة والدول الرافضة للهيمنة الاستعمارية، لجهة الاحتلال المباشر والاستهداف الوحشي لبنى ومقوّمات دول المنطقة وشعوبها التي تتمسّك بقيمها الدينية والثقافية.
وقد اعتمد الأمريكيون عدّة نظريات، فشلت جميعها لاحقاً، مثل: الفوضى البنّاءة-نظرية تفريغ الأكواريوم- نظرية فرّق تسد، ونظرية تجويف الهوية.
وكان الهدف الأٍساس للإدارات الأميركية هو إيران الإسلام التي صمدت منذ انتصار ثورتها في شباط 1979، ولم تتزحزح قيد أنملة عن مبادئها وعن مواقفها السياسية الداعمة لقضية الشعب الفلسطيني المقاوم، مع ابتعادها عن النزاعات المذهبية والأفكار المتطرّفة التي ابتليت بها بعض التنظيمات الإسلامية في هذا البلد أو ذاك؛ ما أدّى في النتيجة إلى إضعاف الجبهة الإسلامية المقاومة للاحتلال والعدوان.
واستعرض الشيخ نماذج من استطلاعات رأي وتحقيقات تؤكّد فشل هذه السياسة الأمريكية المعادية والمنحازة للكيان الاستيطاني العنصري في فلسطين، على مستوى الشعوب العربية والمسلمة عموماً.
ثم كانت مداخلات لبعض المشاركين في الندوة، مثل العميد مصطفى حمدان، والدكتور طلال عتريسي، والدكتور مسعود أسد اللهي، والأستاذ أحمد مرعي، والأستاذة نزيهة صالح، والأستاذ محمّد شري، والأستاذ حسن شقير، والدكتورة راغدة المصري، والأستاذ محمود حيدر؛ تلتها ردودٌ تعقيبيةٌ من قِبل المحاضرين الشيخ الداعية صفوان الزعبي والشيخ محمد علي قبيسي، تناولت مصيرية الوحدة السنّية-الشيعية، برغم






الخلافات الكبيرة والتاريخية بين الجانبين، مع الدعوة إلى فصل هذه الخلافات المذهبية أو الفكرية والتاريخية، عن الواقع السياسي المليء بالتحدّيات الخارجية والداخلية؛ لأن أعداء الأمّة لم يفرّقوا يوماً، خلال حروبهم ضدّنا، بين سنّي وشيعي على الإطلاق!
ودعا الجميع، في ختام الندوة، إلى ابتداع آلياتٍ جديدةٍ لتطبيق مبادئ الوحدة بين السنّة والشيعة، ولو مرحلياً وتدريجياً، والسعي لتفكيك أو تحييد الخلافات الجوهرية، لمصلحة المواجهة الكبرى والمفتوحة مع أعداء الأمّة المتربّصين بها شراً على الدوام.


 

2009-11-10 12:06:01 | 2688 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية