التصنيفات » دراسات

التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2009 والمسارات المتوقعة لسنة 2010




معلومات النشر:
العنوان: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2009
تحرير: د. محسن محمد صالح
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات - بيروت
تاريخ الصدور: الطبعة الأولى، 2010


مقدمة:
يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني سنوياً عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت. وهو مركز دراسات مستقل، يهتم بالدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، ويولي تركيزاً خاصاً على الشأن الفلسطيني. وللمركز هيئة استشارية من كبار الباحثين والخبراء.
ويعالج التقرير الاستراتيجي، الذي قام بتحريره د. محسن محمد صالح (الأستاذ المشارك في الدراسات الفلسطينية والمدير العام للمركز)، القضية الفلسطينية خلال سنة 2009 بالرصد والاستقراء والتحليل، ويدرس الأوضاع الفلسطينية الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية. والتقرير موثق علمياً ومدعّم بعشرات الجداول والإحصائيات والرسوم التوضيحية.
وقد شارك في كتابة التقرير مجموعة من المتخصصين، هم: د. جاد إسحاق، ود. جوني منصور، وأ.د. حسن أبو طالب، وزياد الحسن، وسهيل خليلية، وعبد الحميد الكيالي، وعبد الله نجار، ود. طلال عتريسي، ود. محسن صالح، ود. محمد نورالدين، وأ.د. معين رجب، وهاني المصري، ووائل سعد، وأ.د. وليد عبد الحي.

أولاً: الوضع الفلسطيني الداخلي:
1. ما زال الوضع الداخلي الفلسطيني يشهد حالة من التشرذم والانقسام تؤثر سلباً على مجمل المشروع الوطني، وعلى النضال الفلسطيني محلياً وعربياً ودولياً. وما زال الوضع الداخلي يعاني من "شقاء الأشقاء" ومن "الشرعيات المنقوصة"، ومن حالات التضاد في العمل الفلسطيني التي تؤدي إلى "حصيلة صفرية".
2. الاختلاف بين فتح وحماس وبين حكومتي رام الله وغزة، لا يمكن تبسيطه في أنه مجرد صراع على السلطة؛ ولكنه في جوهره انعكاس لخلاف سياسي عميق واختلاف بين رؤيتين لم تتمكنا حتى الآن من التوافق على قضايا مرتبطة بالاعتبارات الأيديولوجية، وبأولويات العمل الوطني، وبطريقة إدارة الصراع مع الاحتلال، وبمساري المقاومة والتسوية، وبعمليات التكيف مع الشرعيات العربية والدولية. كما أن مشكلة الانقسام ما تزال متأثرة بعملية التدخل الخارجي في صناعة القرار السياسي الفلسطيني، وهو ما يعقّد عملية التوافق الداخلي.
3. لقد كان صمود المقاومة وبسالتها في معركة غزة (27/12/2008-18/1/2009) وتمكّنها من إفشال الهجوم الإسرائيلي، رافعة شعبية وسياسية وإعلامية لحماس وحكومتها وتيار المقاومة، وأوجد حالة من الإحباط لدى أعداء حماس وخصومها من إمكانية إسقاطها بالقوة، كما شكل دافعاً للمضي في الحوار الوطني. وكان أداء قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وقيادة السلطة في رام الله باهتاً ضئيلاً، لا يتناسب مع الحرب وحجمها وانعكاساتها. غير أن وهج "الصمود والانتصار" سرعان ما جرى امتصاصه في بيئة فلسطينية وعربية ودولية عاجزة عن استثماره؛ بينما عاد الحصار، ومعه الدمار الذي أحدثته الحرب، فتُرك جرح أهل غزة "ينزف ويتعفن"، أما المال المرصود لإعادة إعمار غزة، وهو يزيد عن خمسة مليارات دولار، والذي تعهد به المانحون، فقد منع دخوله، واستخدم كأداة للضغط والابتزاز السياسي على حكومة حماس المقالة.
4. تبعت الحرب على غزة أجواء المصالحة، وانخفضت وتيرة الحملات الإعلامية المتبادلة والاعتقالات، ورعت مصر الحوار الوطني، وخصوصاً بين فتح وحماس، وقطع أشواطاً كبيرة في مساراته الخمسة المرتبطة بالانتخابات، والأمن، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والحكومة الانتقالية، والمصالحة الوطنية؛ وتحدد موعد 28/6/2010 لإجراء الانتخابات. غير أن النسخة المصرية النهائية لوثيقة المصالحة لقيت بعض الاعتراضات من حماس، لأنها، في رأيها، غيّرت أو عدَّلت بعض النقاط المهمة، مؤكدة هيمنة الرئيس عباس على القرار الإداري والأمني، بينما أضعفت دور حماس وحكومة هنية. وتمّ تعليق عملية المصالحة وسط رفض الحكومة المصرية وفتح (التي وقعت على الوثيقة) إعادة النظر في الورقة مرة أخرى؛ في الوقت الذي تُصرُّ فيه حماس على مطابقة ما تمّ من اتفاقيات، في أثناء المناقشات، مع النص النهائي للورقة.
5. هناك ثلاثة عوامل شكلت روافع للإمساك بزمام الأمور لدى قيادة السلطة والحكومة في رام الله هي: الاستقرار الأمني، والتحسن النسبي الاقتصادي في الضفة الغربية، والدعم العربي والأمريكي فضلاً عن الرضا الإسرائيلي. بينما شكلت خمسة عوامل مقابلة عناصر سلبية في أدائها وهي: الأداء الهزيل في أثناء الحرب على قطاع غزة، وفضيحة تقرير جولدستون، والتنسيق الأمني مع الإسرائيليين ومطاردة عناصر المقاومة واعتقالها، وانسداد مسار التسوية، ومتابعة الإسرائيليين عمليات التهويد والاستيطان.
6. ومن جهة أخرى فهناك ثلاثة عوامل شكلت عناصر دفع للسلطة في قطاع غزة هي: الصمود والانتصار في معركة كسر الإرادة في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والقدرة على الصمود في وجه الحصار، وتحقيق استقرار أمني نسبي. بينما شكلت ثلاثة عوامل مقابلة عناصر سلبية هي: التوقف عملياً عن عمليات المقاومة وإطلاق الصواريخ، وعدم القدرة على فكّ الحصار وإعادة الإعمار واستمرار معاناة أهل القطاع، والسير عكس التيار العربي والدولي وعدم القدرة على إنجاز اختراق سياسي حقيقي.
7. ما تزال إشكالية الشرعيات الناقصة والمفقودة تلقي بظلالها على الحالة الفلسطينية، فالمجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية انتهت ولاياتها الرسمية منذ سنوات عديدة، وهي لم تعد تعكس بحق القوى الفاعلة في الشارع الفلسطيني. كما انتهت الفترة الرسمية لولاية الرئيس عباس والمجلس التشريعي، وحكومة الطوارئ في رام الله لم تعد حكومة طوارئ، كما لم تعد حكومة تسيير الأعمال في غزة مجرد حكومة تسيير أعمال. وإذا كان النص الدستوري يعطي الحق للمجلس التشريعي بالاستمرار في أعماله إلى حين تشكيل مجلس جديد، فقد كان من الللافت للنظر أن يقوم المجلس المركزي ذي الشرعية المنقوصة بتجديد أعمال المجلس التشريعي ذي الشرعية المعطلة حالياً بسبب إجراءات السلطة في رام الله!! بينما يستطيع أعضاء المجلس التشريعي ذي الأغلبية الحمساوية أن يسقطوا حكومة عباس وفياض في أول اجتماع لهم. إن مثل هذه التشابكات تُظهر بشكل واضح (ولو من الناحية الإجرائية) أن عملية الإصلاح تحتاج إلى إعادة ترتيب شاملة للبيت الفلسطيني، ولا يمكن أن تقف أو تنتهي عند الانتخابات أو تشكيل حكومة مؤقتة.
8. تمكنت حركة فتح من عقد مؤتمرها السادس بعد انتظار دام عشرين عاماً، واستطاعت ترتيب أوراقها الداخلية، بعد مخاض عسير، خرج منه الرئيس عباس ومؤيدوه منتصرين، بينما استبعدت العديد من القيادات التاريخية وعلى رأسها فاروق قدومي، وبرز تيار الداخل على حساب الخارج، كما حصل التيار الأمني والتيار المؤيد لمسار التسوية على مكاسب معتبرة. وما زال أمام فتح الكثير لتقوم به على أربعة صُعد هي: بناء حركة فتح التنظيمي، ومحاربة الفساد الداخلي، وتحديد المسارات الاستراتيجية، وتجديد رموزها.
9. تسبب أداء السلطة في رام الله تجاه تقرير جولدستون بحرج بالغ لها، إذ إن طلبها سحب التقرير وتأجيل التصويت عليه، نتيجة ضغوط إسرائيلية وأمريكية، وضعها موضع الاتهام والاستياء البالغ من القطاعات الأوسع فلسطينياً وعربياً وإسلامياً. والتقرير الذي رفع إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يدين "إسرائيل"، ويوفر للمرة الأولى خريطة الطريق، وفرصة لمحاكمة قادة "إسرائيل" كمجرمي حرب. واضطرت السلطة بعد حالة من الارتباك والتهم المتبادلة لإعادة التقرير للتصويت عليه، وهو ما يظهر أهمية الوعي الشعبي وفعالية الحملات الإعلامية في متابعة الهموم الوطنية.
10. كما لم تحمل سنة 2009 جديداً على مستوى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، فإن الغموض يحيط بمسارات سنة 2010 تجاه إمكانية نجاح المصالحة الوطنية وعمل انتخابات حرة نزيهة وإعادة ترتيب منظمة التحرير ومؤسساتها. وما دامت الخيارات غير محسومة تجاه مساري التسوية والمقاومة، وما دام العنصر الخارجي مؤثراً في صناعة القرار الفلسطيني، فإن الشكوك ستبقى محيطة بإمكانية إنجاز مصالحة حقيقية تدفع المشروع الوطني الفلسطيني إلى الأمام.

ثانياً: المشهد الإسرائيلي الفلسطيني:
1. شهد الوضع الداخلي في سنة 2009 انتخابات الكنيست الإسرائيلي لدورته الثامنة عشرة في ظلّ العدوان على قطاع غزة، وأفرزت هذه الانتخابات بروزاً قوياً للأحزاب اليمينية، خصوصاً الليكود وإسرائيل بيتنا، وفي المقابل أظهرت ضعف الأحزاب اليسارية وتراجعها، وخاصةً حزب العمل. وتمكن نتنياهو من تشكيل أحد أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ "إسرائيل"، وبأغلبية مريحة في الكنيست. وألقى عدم تكليف تسيبي ليفني زعيمة كديما بتشكيل حكومة جديدة بظلاله على مؤسسات الحزب وهيئاته، وعانى الحزب خلال سنة 2009 من شروخ قوية ظهرت في صفوفه. كما شهد حزب العمل مشاكل مماثلة.
 

2. تُظهِر المؤشرات السكانية أن عدد سكان "إسرائيل" في نهاية سنة 2009 حسب دائرة الإحصاء المركزية حوالي 7.5 مليون نسمة، بينهم 5.664 مليون يهودي، أي ما نسبته 75.4% من السكان، و1.526 مليون عربي، أي ما نسبته20.3 % من السكان. وإذا ما حذفنا عدد سكان شرقي القدس والجولان الذين يُقدر عددهم بنحو 270 ألفاًً، فإن عدد ما يعرف بفلسطينيي 1948 يصبح حوالي 1.256 مليون، أي نحو 17.5% من السكان. وقُدّر عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، بما فيها شرقي القدس، بنحو 520 ألفاً. وبلغ معدل النمو السكاني في "إسرائيل" 1.8%، وهو المعدل نفسه منذ سنة 2003.
وخلال سنة 2009 قدم إلى "إسرائيل" 14,564 مهاجراً، مقارنةً بـ 13,699 هاجروا سنة 2008. وبالرغم من النمو الطفيف في المعدل فإن أرقام هذه السنة تتوافق مع المنحنى المتراجع للهجرة اليهودية منذ سنة 2000، بعد استنفاد الخزانات البشرية اليهودية المستعدة للهجرة الواسعة. وتجدر الإشارة إلى أن تراجع الهجرة إلى "إسرائيل" ترافق مع استمرار الهجرة المضادة منها، وبمتوسط يبلغ حوالي 10 آلاف نسمة سنوياً، كما ترافق مع توقف نمو عدد يهود العالم، باستثناء "إسرائيل"، نتيجة تدني النمو الطبيعي، وترك الدين اليهودي، وانتشار الزواج المختلط.


3. على المستوى الاقتصادي؛ أشارت النتائج الأولية أن الاقتصاد الإسرائيلي نما بنسبة 0.5% فقط، وبالتالي حافظ الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2009 تقريباً على مستواه، وبلغ نحو 200 مليار دولار، مقارنةً بـ 199.5 مليار دولار في سنة 2008. كما حافظ معدل دخل الفرد الإسرائيلي تقريباً على مستواه في حدود 27,000 دولار سنة 2009، بعد أن كان 27,300 دولار سنة 2008. مع التنبيه إلى أن احتساب المبالغ بالدولار قد لا يعطي صورة دقيقة عن الوضع الاقتصادي لاختلاف قيمة الدولار مقابل الشيكل الإسرائيلي بين سنة وأخرى، حيث تراجعت قيمة الشيكل وفق الحسابات الجارية بنحو 9% في سنة 2009 عن السنة السابقة.
وقد شهدت سنة 2009 تراجعاً في حجم الصادرات بقيمة 27%، وتراجعاً في الواردات بقيمة 22%. وظلت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول لـ"إسرائيل"، حيث بلغت الصادرات الإسرائيلية إليها حوالي 17 مليار دولار (35% من مجمل الصادرات)، تليها بلجيكا ثم ألمانيا.
وفي ضوء الأزمة الاقتصادية العالمية، بدأ الاقتصاد الإسرائيلي في سنة 2009 باستعادة نوع من الثقة ابتداءً من الربع الثاني من السنة. ومع ذلك، فإن الصادرات والواردات والاستثمارات الثابتة ما تزال بعيدة عن معدلاتها قبل الأزمة. وقاربت نسبة البطالة 8%، واستمر مخزون النقد في البنوك في التراجع طوال العام. أما في سنة 2010 فمن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي بنسبة 2%. 
4. عاشت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في سنة 2009 خمسة هواجس، شملت: الوضع الفلسطيني، وإيران ومشروعها النووي، والأبعاد الأمنية لسياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط، وتسلح ما تسميها "إسرائيل" بـ"الجهات الراديكالية" في المنطقة، في إشارة إلى حماس وحزب الله، وأخيراً استقرار الأوضاع في الساحات العربية المجاورة لـ"إسرائيل". وواصلت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية خلال سنة 2009 تنفيذها خطة تيفين 2012 (Tefen 2012)، التي أُقرت مطلع سنة 2007 في سياق استخلاص دروس الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006. وتتضمن الخطة اتجاهات مركزية في ميادين تعاظم قوة أذرع الجيش، وتشكيلات القوات، وتحسين القدرات في مناحي التدريبات، واحتياطيات الذخيرة، وشراء الأسلحة، والوسائل القتالية، والتسلح. وبلغت الموازنة العسكرية الإسرائيلية المعلنة لسنة 2009 نحو 12.4 مليار دولار، والتي سترتفع في سنة 2010 إلى 13.5 مليار دولار، مع العلم أن هناك بنوداً سرية لا تدرج عادة في الموازنة العسكرية، من بينها إيرادات مبيعات سلاح لا تقل عن ملياري دولار.

النفقات العسكرية الإسرائيلية مقارنة مع بعض الدول العربية المجاورة (تقديرات 2008)
 "إسرائيل" مصر سورية الأردن لبنان
النفقات العسكرية من الناتج المحلي% 7.2 2.29 3.38 6.24 4.54
الناتج المحلي (بالمليار$) 199.5 162.82 55.2 20.01 28.66
عدد السكان (بالمليون) 7.37 81.53 21.23 5.91 4.14
النفقات العسكرية لكل فرد من السكان بالدولار 1,941 46 88 211 314


5. تابعت "إسرائيل" في سنة 2009 عدوانها على الشعب الفلسطيني؛ إذ شهد الشهر الأول من السنة حرباً إسرائيلية شاملة على القطاع حصدت أرواح المئات من الشهداء والجرحى؛ فضلاً عن دمار كبير لحق بآلاف المنازل والبنية التحتية. واستمرت "إسرائيل" في سنة 2009 بإغلاقها لمعابر قطاع غزة وتشديدها للحصار، ومنعها للإعمار. وفي الضفة الغربية حظيت "إسرائيل" بتزايد التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن في السلطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، كما استمرت في إجراءاتها من خلال التوغلات والاعتقالات.
وحسب المعطيات الإسرائيلية، فقد سجلت عمليات إطلاق الصواريخ والقذائف من قطاع غزة باتجاه البلدات والمستوطنات الإسرائيلية المحيطة تراجعاً كبيراً خلال سنة 2009؛ إذ أُطلق خلال العام 566 صاروخاً وقذيفة، منها 406 أطلقت خلال الحرب على غزة في شهر كانون الثاني/ يناير 2009، وذلك مقابل 2,048 صاروخاً وقذيفة أطلقت في سنة 2008. أما في الضفة الغربية والقدس فسجل جهاز الأمن الداخلي 636 عملية في سنة 2009 مقابل 893 عملية سُجلت في سنة 2008. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 90% من العمليات التي سجلت خلال سنة 2009 في الضفة والقدس كانت رشق زجاجات حارقة.
واستشهد في سنة 2009 ما مجموعه 1,181 فلسطينياً برصاص قوات الاحتلال ونيرانه، من بينهم 1,148 في قطاع غزة، و33 في الضفة الغربية بما في ذلك القدس. وكان ضمن الشهداء 473 دون سن الثامنة عشرة، و126 امرأة. كما جرح نحو 4,203 فلسطينيين، من بينهم 3,521 جريحاً في قطاع غزة و682 في الضفة الغربية. وفي المقابل سجل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي مقتل 15 إسرائيلياً في سنة 2009 نتيجة عمليات نفذها فلسطينيون، كما جرح نحو 234 إسرائيلياً، منهم 185 خلال العدوان على غزة.


 

6. وتعدّ سنة 2009، على غرار السنة التي سبقتها، من السنوات الأسوأ بالنسبة للأسرى، حيث وصل عدد الأسرى في سجون الاحتلال في نهاية سنة 2009 ما مجموعه 7,500 أسير، بينهم 34 أسيرة و310 أطفال، و17 نائباً، ووزيرين سابقين، بالإضافة إلى عدد من القيادات السياسية. وبلغ عدد الأسرى من الضفة الغربية 6,330، و750 من قطاع غزة، و300 من القدس ونحو 120 من فلسطين المحتلة سنة 1948، فضلاً عن عشرات المعتقلين العرب من جنسيات مختلفة.
7. سعت "إسرائيل" إلى تكريس الانقسام الفلسطيني في السياسة والجغرافيا. وحاولت تطبيق استراتيجية قائمة على أساس إبقاء مسار التسوية مستمراً دونما نتائج حقيقية، في الوقت الذي تقوم فيه بتهويد الأرض والإنسان، وخصوصاً في منطقة القدس. وفي المقابل عملت على تقويض، أو على الأقل إضعاف، سيطرة حماس على قطاع غزة من خلال العمل العسكري والحصار الاقتصادي.
وقد اتسم مسار التسوية في سنة 2009 باستمرار حالة الجمود والانسداد، وفشل الإدارة الأمريكية في الضغط على "إسرائيل" لوقف عملية الاستيطان، كما ميز هذا المسار تراجع الدور العربي لدرجة عدم طرح مبادرة السلام العربية وعدم سحبها، والتصرف وكأنها غير موجودة. ويظهر أن موقف السلطة الفلسطينية في رام الله أخذ بالتراخي في موقفه من عدم استئناف المفاوضات دون وقف الاستيطان ودون مرجعية نهائية للتسوية؛ وإذا ما عاد الإسرائيليون للمفاوضات دون هذين الشرطين، فإن لعبة التعطيل والتسويف وفرض الحقائق على الأرض، ستبقى هي اللعبة الإسرائيلية المفضلة خلال سنة 2010، والتي مارستها طوال الـ 17 عاماً التي مضت.

ثالثاً: القضية الفلسطينية والعالم العربي:
1. كانت سنة 2009 مظهراً لاستمرار حالة العجز العربي الرسمي تجاه قضية فلسطين. وما تزال علل النظام العربي تنعكس بشكل مباشر وغير مباشر على القضية الفلسطينية؛ ولا شك أن قدرة العالم العربي على تقديم الدعم قد تأثرت بحالة الانقسام الفلسطيني، إلا أن ذلك لا يجوز أن يكون سبباً يستند إليه، لأن العجز والضعف العربي سابق لهذا الانقسام.
وقد كشف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (27/12/2008-18/1/2009) مدى قصور النظام العربي وانقسامه، وعجزه عن الدفاع عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. بل إن بعض الأنظمة قدّمت اعتبارات النفوذ الأمريكي، والتزاماتها تجاه "إسرائيل"، وخصوماتها مع حماس أو مع الإسلاميين على اعتبارات الأمن القومي العربي، ومسؤولياتها تجاه فلسطين. ولم ينجح النظام العربي في فكّ الحصار عن الشعب الفلسطيني، كما لم ينجح في تنفيذ تعهداته بإعادة إعمار قطاع غزة، وظلت معاناة أهل القطاع شاهداً سافراً على عجز هذا النظام.
غير أن صمود المقاومة في القطاع وأداءها المتميز، على الرغم من قلة إمكاناتها، قد ألهب حماسة الجماهير العربية التي تفاعلت بشكل واسع من خلال جمع التبرعات والمظاهرات وغيرها. وكان مؤتمر القمة العربية الطارئة في الدوحة في 15/1/2009 انعكاساً لهذا التفاعل على الرغم من مقاطعة بعض الدول العربية له. كما كانت استضافة خالد مشعل ليتحدث باسم المقاومة وفلسطين اختراقاً سياسياً كبيراً لحماس، كان لقطر دور مهم فيه، خصوصاً بعد امتناع الرئيس عباس عن الحضور. غير أن هذا الاختراق لحماس كان مؤقتاً ومحدوداً، إذ سرعان ما تمّ امتصاص الألق الذي حققته حماس، وعاد النظام العربي للتعامل مع الرئيس عباس وحكومة رام الله، وعادت سياسة عزل وتهميش حماس وحكومتها.
2. ظلت مصر اللاعب العربي الرئيسي في الشأن الفلسطيني طوال سنة 2009، واستفادت من كونها الدولة العربية الأكبر، ومن حدودها مع القطاع، ومن علاقاتها بـ"إسرائيل" وأمريكا... في تكريس دورها. وبخلاف السنتين السابقتين (حيث كانت هناك جهود سعودية، وقطرية، ويمنية، وسودانية...)، فإن جهود المصالحة كانت مصرية بشكل أساسي، حيث شهدت القاهرة العديد من جولات الحوار، انتهت بتقديم مصر ورقة للمصالحة وقعت عليها فتح، وتحفظت عليها حماس لوجود نواقص، ترى حماس أنه سبق الاتفاق عليها، وهو ما أثار غضب واستياء الجانب المصري. ومن جهة أخرى، فإن صفقة تبادل الأسرى مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط شهدت تعثّر الدور المصري الذي استمر لنحو ثلاث سنوات، بينما دخل على هذا الملف الوسيط الألماني الذي حقق اختراقات مهمة، وإن لم تتم بلورة الصفقة بشكل نهائي.
كان من الواضح أن أداء الحكومة المصرية يتعامل مع حماس وحكومتها في القطاع كعبء أو "مشكلة"، وكان الاستمرار في إغلاق معبر رفح والتضييق على إدخال التبرعات وشحنات الإغاثة، ثم بناء الجدار الفولاذي للقضاء على الأنفاق التي تزود القطاع بنحو 50% من احتياجاته الإنسانية، مظاهر اعتبرتها حماس على أنها ميلٌ من النظام المصري لفتح وللسلطة في رام الله، ومشاركة عملية في إسقاط حماس وإفشالها. غير أن حماس، على الرغم من إصرارها على المحافظة على استقلاليتها، إلا أنها كانت تدرك أهمية مصر ودورها ومكانتها، ولذلك لم تدخل مع الحكومة المصرية في سجال أو خصام.
3. وفي الأردن أصيبت حالة الانفراج التي شهدتها العلاقة مع حماس في النصف الثاني من سنة 2008، بالجمود خلال سنة 2009 بعد إقالة مدير المخابرات محمد الذهبي. وكان ملف العلاقة بين حماس وجماعة الإخوان في الأردن، الذي شهد نقاشات إخوانية داخلية واسعة، من الملفات التي تابعتها السلطات الأردنية بمزيد من الاهتمام، لانعكاساته المحتملة على الساحة الأردنية، وكان هناك رغبة واضحة في "فكّ الارتباط" لهذه العلاقة. ومن جهة أخرى، اعتذرت الأردن عن استضافة المؤتمر السادس لحركة فتح، وقد كان ذلك أحد العوامل التي دفعت فتح لعقد مؤتمرها في الضفة الغربية.
وفي أواخر سنة 2009 حلّ الملك عبد الله الثاني مجلس النواب الأردني وشكّل حكومة جديدة حتى تُعِدّ لانتخابات جديدة نزيهة. وكان هناك العديد من العوامل الدافعة لذلك، من بينها كما ذكرت بعض التحليلات، الرغبة في استيعاب أكبر وأفضل للإخوان المسلمين الأردنيين من أصول فلسطينية في النظام السياسي الأردني.
4. استمرت سورية في قيادة معسكر الممانعة العربي، وفي استضافة حماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية في الخارج، لكنها حرصت أن تبدو على مسافة واحدة فيما يتعلق بإنهاء الانقسام الفلسطيني، ووحدة الصف الفلسطيني. وطالبت سورية بإعادة النظر في مبادرة السلام العربية إذا ما استمرت "إسرائيل" في عدوانها على القطاع وحصارها للشعب الفلسطيني. وشهدت سنة 2009 انقطاع المسار التفاوضي الإسرائيلي – السوري الذي كان يتم بشكل غير مباشر من خلال الوساطة التركية؛ حيث كان لتشكيل حكومة يمينية متطرفة بقيادة نتنياهو أثره على هذا الانقطاع.
5. وفي لبنان، استمرت معاناة اللاجئين الفلسطينيين، واستمر حرمانهم من العديد من حقوقهم المدنية في العمل والتملك. وظلَّ استخدام "فزاعة" الخوف من التوطين سلاحاً يستخدمه البعض لاستمرار حرمان الفلسطينيين من حقوق إنسانية طبيعية؛ مع أنَّ هناك إجماعاً فلسطينياً ولبنانياً على رفض التوطين. أما ملف إعمار مخيم البارد الذي دُمّر في صيف 2007 نتيجة معارك الجيش اللبناني مع حركة "فتح الإسلام"، فقد شهد تعثراً كبيراً، على الرغم من توفر المخططات والتمويل اللازم، ولم يتمّ استئنافها إلا في 26/10/2009. وظلّت قضية وجود السلاح الفلسطيني في المخيمات وخارجها أحد معالم السجال السياسي، بين دعوات بتسليم هذا السلاح خصوصاً خارج المخيمات، وبين ربط تسليم السلاح بقدرة الدولة اللبنانية على حماية المخيمات من العدوان الإسرائيلي، وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المدنية.
6. لم تنشغل السعودية في سنة 2009 بوساطات لعلاج الانقسام الفلسطيني، حيث تركت ذلك الدور لمصر، وظلّت السعودية ضمن معسكر الاعتدال، ولم تشارك في مؤتمر الدوحة، غير أنها ظلّت الداعم المالي العربي الأكبر رسمياً وشعبياً لفلسطين. وكان هناك برود في العلاقة مع حماس حتى لحظات متأخرة من سنة 2009، عندما وافقت السعودية على استقبال خالد مشعل والذي زارها في مطلع سنة 2010، وتبع هذا الانفراج زيارات لقادة حماس لعدد من دول الخليج كالإمارات والبحرين وقطر والكويت، حيث تمكنت من شرح وجهة نظرها، بعد أن سادت أجواء سلبية من عدد من دول الخليج من موقف حماس نتيجة الانقسام الفلسطيني، ولعدم توقيعها على ورقة المصالحة المقترحة من مصر.
7. ظلّ التطبيع بين "إسرائيل" والبلاد العربية محصوراً في حدود ضيّقة، مع الدول التي وقّعت اتفاقية السلام وتحديداً مصر والأردن. وظلّت حالة العداء الجماهيرية الواسعة لـ"إسرائيل" في كل البلدان العربية بما فيها مصر والأردن، تحول دون أن يتجاوز التطبيع الأطر الرسمية. وقد أسهمت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وحصارها إياه في زيادة حالة العداء والكراهية ضد "إسرائيل".
وقد حافظت الصادرات الإسرائيلية إلى مصر على حجمها تقريباً خلال سنة 2009 حيث بلغت 134 مليون دولار بعد أن كانت 139 مليوناً سنة 2008، أما الواردات الإسرائيلية من مصر فقد تضاعفت إذ زادت من 132 مليون دولار سنة 2008 إلى 271 مليون دولار سنة 2009. أما الأردن فانخفضت الصادرات الإسرائيلية إليه من 288 مليون دولار سنة 2008 إلى 231 مليون دولار سنة 2009، وانخفضت الواردات الإسرائيلية من الأردن من 106 ملايين دولار سنة 2008 إلى 70 مليوناً سنة 2009.

حجم التجارة الإسرائيلية مع عدد من البلدان العربية والإسلامية 2008-2009 (بالمليون دولار)
البلدان الصادرات الإسرائيلية إلى:  الواردات الإسرائيلية من:
 2008 2009  2008 2009
مصر 139 134  132.4 270.9
الأردن 288.5 231.2  105.9 70
تركيا 1,609.9 1,072.7  1,825.3 1,387.7
نيجيريا 304.3 209.5  1.4 2.4
كازاخستان 158.6 56.9  3.4 0.9
إندونيسيا 15.8 12.5  293.4 90.7
ماليزيا 30.2 116.7  100.6 68.5
 


8. لا يتوقع أن تحدث تغيرات حقيقية في الموقف العربي من القضية الفلسطينية خلال سنة 2010، ذلك أنه ما زال يعاني من المشاكل والعلل نفسها التي تجعل دوره دائماً أقل بكثير من إمكاناته، وستبقى الأجندات الخاصة والاعتبارات والهموم المحلية لكل دولة تطغى على تصعيد العمل العربي المشترك لخدمة القضية الفلسطينية.

رابعاً: القضية الفلسطينية والعالم الإسلامي:
1. شهد العالم الإسلامي مزيداً من التعاطف والتفاعل مع القضية الفلسطينية، خصوصاً في أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وبدا النشاط الشعبي غير الحكومي أكثر وضوحاً وتنظيماً في التعبئة الإعلامية والسياسية وجمع التبرعات خصوصاً في تركيا، وإندونيسيا، والباكستان، وماليزيا... وغيرها. وقد كان ذلك مؤشراً على مركزية قضية فلسطين في وجدان شعوب العالم الإسلامي. غير أن حالة الانقسام الفلسطيني ظلت تلقي بظلالها السلبية على مجمل التفاعلات الإسلامية مع القضية.
2. لم تحقق منظمة المؤتمر الإسلامي إنجازاً يذكر على صعيد القضية الفلسطينية، واستمرت في إصدار البيانات المنددة بالاعتداءات الإسرائيلية على الأرض والمقدسات، وفي المطالبة برفع الحصار. ويظهر أنه من الصعوبة بمكان إيجاد قواسم مشتركة لعمل فاعل من أجل فلسطين لنحو 56 نظاماً سياسياً، بينها الكثير من التناقضات السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، واختلاف في الاهتمامات والأولويات، مما يجعل احتمالات تحركها كجسد واحد ضئيلة جداً.
3. درس التقرير الاستراتيجي لسنة 2009 مواقف دولتين من دول العالم الإسلامي، هما تركيا وإيران. أما تركيا فقد شهدت أوضاعها الشعبية والرسمية تطوراً كبيراً، وحراكاً واضحاً باتجاه دعم قضية فلسطين، والانفكاك التدريجي عن العلاقة بـ"إسرائيل". وأظهر الساسة الأتراك وخصوصاً رئيس الوزراء الطيب أردوغان ورئيس الجمهورية عبد الله غول ووزير الخارجية داود أوغلو مواقف قوية وانتقادات لاذعة للسلوك الإسرائيلي في حرب غزة وحصار الشعب الفلسطيني. وحظيت مواقفهم بشعبية واسعة، خصوصاً موقف أردوغان في مؤتمر دافوس في 29/1/2009 تجاه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز وتجاه إدارة المؤتمر. وقد أسهم الأداء الإسرائيلي المبتز والمتعجرف بإحداث نتائج عكسية، اعتبرها الأتراك مسَّاً بكرامتهم القومية؛ حتى إن المؤسسة العسكرية التركية اضطرت لانتقاد السلوك الإسرائيلي، وتمّ إلغاء مناورات عسكرية كانت ستشارك فيها "إسرائيل". وقد حدث حراك تركي شعبي واسع داعم مالياً وإعلامياً وسياسياً للقضية، وتوفر له غطاء رسمي، مما أسهم في تأزيم العلاقة التاريخية القائمة بين تركيا و"إسرائيل".
من الواضح أن تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية ذي الخلفية الإسلامية، أخذت تمارس سياسة أكثر استقلالاً، عن أمريكا والغرب، وتتجه شرقاً نحو دور أكبر في المنطقة العربية والإسلامية؛ ولم تعد القيادة التركية تشعر بحاجتها إلى "إسرائيل" بعد أن رتبت علاقاتها الإقليمية، خصوصاً مع سورية وإيران. غير أن هذا الانفكاك سوف يكون تدريجياً بسبب الجذور العميقة للعلاقة العسكرية والتجارية بين الطرفين. وقد كان من الملاحظ أن الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا انخفضت بنسبة الثلث خلال سنة 2009 مقارنة بسنة 2008 (من 1,610 ملايين دولار إلى 1,073 مليوناً)، أما الواردات الإسرائيلية من تركيا فانخفضت من 1,825 مليون دولار سنة 2008 إلى 1,388 مليوناً سنة 2009، أي بنسبة 24%.
4. واصلت إيران دعمها المعتاد لحماس وللمقاومة الفلسطينية، ونشطت في المطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة، كما تابعت تقديم الدعم المالي لدفع رواتب الموظفين وإعالة المحتاجين خصوصاً في قطاع غزة. وأسهمت إعادة انتخاب أحمدي نجاد لرئاسة الجمهورية في تأكيد استمرار النهج الداعم للمقاومة وفصائلها. ولعل ارتباك الوضع الداخلي الناتج عن أزمة الانتخابات الإيرانية، قد سلَّط الضوء على رغبة بعض الاتجاهات الإصلاحية في الاهتمام بالشأن الداخلي، والتخفيف من دعم الملفات الساخنة في فلسطين وغيرها. غير أنه في المدى القريب، فمن المرجح أن يستمر الدعم الإيراني لحماس وفصائل المقاومة، وإن كان قد يتأثر بظروف طهران الاقتصادية، أو بمدى انشغالها بملفاتها الداخلية، فضلاً عن مدى سخونة الأوضاع في فلسطين نفسها.

خامساً: القضية الفلسطينية والوضع الدولي:
1. لم تنجح الجهود الدبلوماسية الدولية في تحقيق أي تقدّم حقيقي خلال سنة 2009 فيما يتصل بالموضوع الفلسطيني ومسار التسوية، كما فشل المجتمع الدولي في تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة، وفي الالتزام بالوعود التي قطعها لإعادة إعمار القطاع الذي دمره العدوان الإسرائيلي أواخر سنة 2008 ومطلع سنة 2009.
2. في الجانب الأمريكي، تزامن تولي الرئيس باراك أوباما مهامه الرسمية مع نهاية العدوان على غزة، وكان موضوع الشرق الأوسط من أولى الملفات التي أولاها اهتمامه، حيث عيّن جورج ميتشيل مبعوثاً للسلام في الشرق الأوسط، بعد يومين من استلام منصبه؛ وتوالت تصريحات أوباما حول ضرورة تجميد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية وإقامة دولة فلسطينية. إلا أن الجهود الأمريكية تحولت للضغط على الطرف الفلسطيني لإعادته للتفاوض مع الطرف الإسرائيلي، بعد أن أدركت هذه الإدارة أن الطرف الفلسطيني أكثر قابلية للتراجع عن شرط تجميد الاستيطان لمعاودة التفاوض، قياساً بالطرف الإسرائيلي الذي لم يبدِ الحد الأدنى من الاستجابة لمطلب "تجميد الاستيطان"، واكتفت في هذا الإطار بإعلان نتنياهو عن تجميد جزئي ومؤقت للاستيطان لمدة عشرة أشهر، لا يشمل مستوطنات شرق القدس.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الطرف الفلسطيني بخاصة والعربي بعامة "فشل" في استثمار الحالة الأمريكية الراهنة في تحقيق أية اختراقات، مع أن البيئة الدولية لم تعرف فترة تُعد فيها الولايات المتحدة في أضعف حالاتها قياساً بالعقود السابقة، كما هي في الوضع الحالي.
3. ومن جهة أخرى، بقي الموقف الأوروبي بشكل عام يميل إلى الاتساق من الموقف الأمريكي خلال سنة 2009، حيث استمرت التصريحات الداعية لوقف الاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية، في حين بقيت الدول الأوروبية عند موقفها من حركة حماس ومن الحصار المفروض على قطاع غزة. وقد سُجّل تباين في الموقف الأوروبي من العدوان على القطاع، ومن موضوع تأييد قرار لجنة حقوق الإنسان الدولية بإرسال لجنة تحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها "إسرائيل" خلال العدوان. وعلى الرغم من تأييد الاتحاد الأوروبي للقرار 1860 الصادر عن مجلس الأمن بخصوص وقف إطلاق النار، إلا أن بعض الدول الأوروبية سارعت باتخاذ إجراءات تشديد الحصار على غزة، فقد بدأت فرقاطة فرنسية بعد إعلان وقف إطلاق النار بأسبوع في مراقبة شواطئ غزة، كما شاركت سبع دول أوروبية هي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وهولندا والنرويج والدانمرك مع كل من الولايات المتحدة وكندا في اتفاق لمكافحة التهريب إلى القطاع.
4. ومن جهتها، حافظت اللجنة الرباعية على مواقفها السابقة نفسها فيما يتصل بإقامة الدولة الفلسطينية، ووقف الاستيطان، ودعوة الدول العربية لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، وتأكيد أن شرعية أي حركة فلسطينية مرهونة بالاعتراف بـ"إسرائيل"، ورفضها الحوار مع حركة حماس.
5. أما المواقف الصينية والروسية واليابانية من القضية الفلسطينية، فقد اتسمت بتنامي النزعة البراجماتية المصلحية من ناحية، والميركانتيلية (التجارية) من ناحية أخرى، ولم تكن دوافع اتصالات روسيا والصين مع حركة حماس بعيدة كثيراً عن مواقف الدول الغربية، لا سيما الاتحاد الأوروبي، من ناحية الرغبة في جذب حماس للصعود في قطار التسوية.
6. وبالانتقال إلى الأمم المتحدة، فقد تمثّلت أبرز نشاطاتها خلال سنة 2009 في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1860 حول وقف إطلاق النار في غزة، وفي موافقة لجنة حقوق الإنسان الدولية على إرسال لجنة لتقصي الحقائق إلى غزة، وقد اتهمت اللجنة في تقريرها (تقرير غولدستون) "إسرائيل" بانتهاك القانون الدولي وأشارت إلى ارتكابها "جرائم حرب"، دون إغفال أن التقرير اتهم حماس بالاتهامات نفسها بشكل أو بآخر.
7. وفيما يتصل بالمؤشرات المستقبلية، فإنه وعلى الرغم من الحراك الذي يشهده التأييد الشعبي في المجتمع الدولي لصالح الطرف الفلسطيني، فإن هذا الحراك لن يتحول إلى فعل مؤثر على المدى القصير؛ حيث من المتوقع أن تشكّل سنة 2010 امتداداً لسابقتها من حيث استمرار الجهود الدولية لـ"إقناع" "إسرائيل"، من خلال الحوار، بقبول تجميد الاستيطان وتقسيم القدس وإقامة الدولة الفلسطينية، دون استخدام أدوات ضغط فعلية، وهو ما يعني أن الطرف الإسرائيلي لن يغير من استراتيجيته.
وفي المقابل فإن المجتمع الدولي سيواصل محاولة دفع الدول العربية نحو مزيد من التطبيع مع "إسرائيل"، وتوجيه الجهود العربية نحو موضوعات أخرى كإيران، أو بعض التنظيمات التي توصف في الأدبيات الغربية بـ"الإرهابية"، أو ضمان الصمت العربي على عدوان إسرائيلي جديد في لبنان أو غزة.
وحيث إن المعطيات تشير إلى قابلية الطرف العربي للاستجابة، لأسباب داخلية وخارجية عديدة، للضغوط الدولية، لا سيما في مجال استمرار التضييق على ما يُعرف بقوى الممانعة العربية ومن ضمنها المقاومة الفلسطينية، فإن سنة 2010 ستشهد استمرار الحصار الدولي على غزة، ما لم تغير حركة حماس من توجهاتها الاستراتيجية، حتى لو تم توقيع ورقة المصالحة المصرية. كما سيستمر الضغط الدولي والإقليمي على السلطة الفلسطينية لضمان عودتها للتفاوض مع الطرف الإسرائيلي.

سادساً: الأرض والمقدسات:
1. واصلت السلطات الإسرائيلية تطبيق سياستها الهادفة لتهويد مدينة القدس، والسيطرة على المسجد الأقصى بوتيرة متسارعة خلال سنة 2009. وفي إطار هذه السياسة، صادقت اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء التابعة لبلدية القدس في 7/3/2009 على إقامة مركز جديد لشرطة الاحتلال قرب مدخل أنفاق الحائط الغربي في شمال ساحة البراق، والذي يُعدّ رابع مركز لشرطة الاحتلال في المسجد الأقصى ومحيطه. وظهرت مخاوف عديدة في الفترة الأخيرة، من تحضير الاحتلال لتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود. وقد نفذت قوات الاحتلال ثمانية اقتحامات للمسجد الأقصى، كان من بينها مناورتان ميدانيتان تجريبيتان لإغلاق ساحات المسجد بوجود المصلّين ولساعات طويلة، وللتدخل السريع في حال أغلق المسلمون بوابات المسجد.
 كما أن استطلاعاً للرأي أجرته جريدة يديعوت أحرونوت العبرية في 30/7/2009 قد أظهر تأييد 64% من الإسرائيليين لفكرة بناء "هيكل سليمان"، بالإضافة إلى تسجيل ارتفاع كبير في وتيرة الاقتحامات التي ينفذها المتطرفون اليهود والشخصيات الرسمية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية للمسجد الأقصى، حيث بلغ مجموع هذه الاقتحامات 43 اقتحاماً ما بين 21/8/2008-21/8/2009، وهذا يُمثّل نحو ضعف مجموع الاقتحامات المنفذة خلال السنتين اللتين سبقتا الفترة المذكورة، والبالغ عددها 21 اقتحاماً.
وقد شهدت سنة 2009 تواصل الوتيرة المتسارعة للحفريات أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه، وقد بلغ مجموع مواقع هذه الحفريّات 25 موقعاً حتى شهر آب/ أغسطس 2009، منها 12 حفرية نشطة، و13 حفرية مكتملة. ويظهر أن حفريات الجهة الغربية للمسجد تكاد تصل، أو وصلت، إلى أسفل قبة الصخرة.
2. وفي إطار سياسة هدم المنازل المتبعة لتهجير سكان القدس، هُدم 82 منزلاً في مدينة القدس خلال سنة 2009، ليبلغ بذلك مجموع المنازل التي هُدمت في المدينة خلال عشر سنوات (2000-2009) حوالي 662 منزلاً. مع التنبيه إلى وجود نحو ثمانية آلاف منزل مهدد بالهدم في القدس، من بينها مئات المنازل في حي البستان في القدس، ضمن مخطط لترحيل ما يزيد عن 1,500 فلسطيني من أجل فسح المجال لبناء "مدينة داود التاريخية".
3. تعزز التسارع في وتيرة بناء المستوطنات، في مدينة القدس بشكل خاص؛ فمنذ وصول نتنياهو إلى سدة الحكم في "إسرائيل" في نهاية آذار/ مارس 2009، أُقر بناء أكثر من 19,100 وحدة سكنية في المستوطنات، 81% منها في مستوطنات القدس، والباقي في مستوطنات أخرى في الضفة الغربية. وقد احتفلت "إسرائيل" في 7/9/2009 بوضع حجر الأساس لمخطط الحي الاستيطاني (E1) الواقع شرقي القدس، وبدأت بتنفيذ مشروع البناء على الرغم من معارضة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لهذا المشروع على مدار عقد من الزمن. ويشمل المخطط إقامة 3,900 وحدة استيطانية جديدة لاستيعاب ما يزيد عن 15 ألف مستوطن إسرائيلي، على 12,500 دونم من أراضي قرى الطور، والعيسوية، وعناتا، والعيزرية.
بلغ عدد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية 199 مستوطنة، بما في ذلك 34 مستوطنة إسرائيلية شرق القدس، بالإضافة إلى 232 بؤرة استيطانية إسرائيلية غير رسمية منتشرة في مختلف أرجاء الضفة الغربية. علماً أن مساحات البناء الاستيطاني قد زادت منذ بدء عملية السلام في سنة 1993 من 69 كم2 (1.2% من المساحة الكلية للضفة الغربية) إلى 189 كم2 (3.3% من مساحة الضفة) في سنة 2009.
4. وقد هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي 48 منزلاً فلسطينياً في الضفة الغربية (باستثناء القدس) خلال سنة 2009، كما تمّ اقتلاع أو تجريف أو حرق أكثر من 14 ألف شجرة مثمرة من قبل جيش الاحتلال والمستوطنين.
وفي حربها على قطاع غزة في أواخر سنة 2008 ومطلع سنة 2009 دمّرت قوات الاحتلال 5,356 مبنىً فلسطينياً وألحقت أضرار جسيمة بحوالي 16 ألف مبنى آخر، وتسببت بتشريد عشرات الآلاف من منازلهم، وبتدمير ما يقارب 57 كم² من الأراضي الزراعية، تشكل ما نسبته 29% من المساحة الإجمالية للأراضي الزراعية في القطاع.
5. وعلى الرغم من إعلان جيش الاحتلال في 16/9/2009 أنه شرع بإزالة 100 حاجز عسكري في الضفة الغربية، إلا أن تلك الحواجز بقيت قائمة على أرض الواقع، غير أن تصنيفها الإداري قد تغير بحيث تحولت إلى ما يعرف باسم حواجز "طيارة". وقد بلغ عدد الحواجز الإسرائيلية بمختلف أنواعها 617 حاجزاً، منها 78 حاجزاً ثابتاً، و17 حاجزاً "طياراً"، و71 برج حراسة، و113 بوابة زراعية، و155 حاجزاً إسمنتياً وبوابة حديدية، و183 ساتراً ترابياً.

سابعاً: المؤشرات السكانية الفلسطينية:
1. تشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن عدد الفلسطنيين في العالم بلغ في نهاية سنة 2009 حوالي 10.9 مليون نسمة، أكثر من نصفهم، أي خمسة ملايين و634 ألفاً (51.8%) يعيشون في الشتات. والباقي (48.2%) يقيمون في فلسطين التاريخية، ويتوزعون إلى حوالي مليون و247 ألف نسمة في الأراضي المحتلة سنة 1948، وحوالي ثلاثة ملايين و992 ألف نسمة في أراضي سنة 1967، يتوزعون إلى مليونين و481 ألفاً في الضفة الغربية (62.1%)، ومليون و511 ألفاً في قطاع غزة (37.9%).
أما في الأردن، فقد قُدّر عدد الفلسطينيين في نهاية سنة 2009 بحوالي ثلاثة ملايين و240 ألف نسمة، يشكّلون حوالي 29.8% من الفلسطينيين في العالم ( نحو 57.4% من فلسطينيي الشتات)، وغالبيتهم العظمى يحملون الجنسية الأردنية. وقُدّر عدد الفلسطينيين في بقية الدول العربية بحوالي مليون و776 ألف نسمة، يشكلون ما نسبته 16.3% من مجموع الفلسطينيين في العالم، يتركز معظمهم في الدول العربية المجاورة، أي في لبنان، وسورية، ومصر، ودول الخليج العربي. وقُدّر عدد الفلسطينيين في الدول الأجنبية بحوالي 618 ألف نسمة، يشكلون ما نسبته 5.7% من مجموع الفلسطينيين في العالم، يتركز معظمهم في الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية وكندا وبريطانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي.

عدد الفلسطينيين في العالم حسب الإقامة في نهاية سنة 2009
مكان الإقامة عدد السكان
(بالألف نسمة) النسبة المئوية%
الضفة الغربية وقطاع غزة 3,992 36.7
الأراضي المحتلة سنة 1948 "إسرائيل" 1,247 11.5
الأردن 3,240 29.8
الدول العربية الأخرى 1,776 16.3
الدول الأجنبية 618 5.7
المجموع الكلي 10,873 100


 
2. ما تزال قضية اللاجئين الفلسطينيين إحدى أكبر مآسي اللجوء في التاريخ الحديث، فبالإضافة إلى نحو خمسة ملايين و630 ألفاً في الخارج، هناك نحو مليون و780 ألفاً يقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزة من أبناء الأرض المحتلة سنة 1948، فضلاً عن نحو 140 ألفاً من أبناء الأرض المحتلة سنة 1948 مهجّرون في أرضهم، وهذا يمثل نحو 70% من أبناء الشعب الفلسطيني. أما أعداد اللاجئين المسجلين في سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فإن عددهم حتى تاريخ 30/9/2009 قُدّر بحوالي أربعة ملايين و742 ألف نسمة. وهناك الكثير من اللاجئين لم يسجلوا أنفسهم لدى الأونروا لعدم حاجتهم لخدماتها، أو لعدم وجودهم في أماكن عملها كبلدان الخليج وأوروبا وأمريكا.

عدد اللاجئين وغير اللاجئين الفلسطينيين سنة 2009
 العدد (بالمليون نسمة) النسبة المئوية%
عدد اللاجئين الفلسطينيين 7.550 69.5
غير اللاجئين 3.32 30.5
العدد الكلي للشعب الفلسطيني 10.87 100
 
3. وفي قراءة المؤشرات الديموغرافية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، أظهرت إحصائيات نهاية سنة 2009 أن نسبة الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً قُدرت بـ 41.5%، مع وجود اختلاف واضح بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد بلغت النسبة 39.7% في الضفة مقابل 44.6% في القطاع. كما قُدّرت نسبة الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً في الأراضي الفلسطينية بـ 3%، مع وجود اختلاف بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغت النسبة 3.4% في الضفة الغربية و2.4% في قطاع غزة.
كما تظهر البيانات انخفاض معدل الزيادة الطبيعية للسكان في الضفة والقطاع من 3% سنة 2007 إلى 2.9% سنة 2009، وانخفاض معدل الخصوبة الكلية من 6 مواليد سنة 1997 إلى 4.6 مولوداً سنة 2007. إلا أن هذه الأرقام تبقى مرتفعة إذا ما قورنت بالمستويات السائدة حالياً في الدول الأخرى.
4. تشير التقديرات أنه في حال بقيت معدلات النمو السائدة حالياً، فإن عدد السكان الفلسطينيين واليهود في فلسطين التاريخية سيتساوى مع نهاية سنة 2015؛ حيث سيبلغ عدد كل من اليهود والفلسطينين ما يقارب 6.2 مليون. وستصبح نسبة السكان اليهود حوالي 48.8% فقط من السكان وذلك بحلول نهاية سنة 2020، حيث سيصل عددهم إلى 6.8 مليون يهودي مقابل 7.1 مليون فلسطيني.
 

ثامناً: الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة:
1. ما زال الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يعاني من سياسات الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، التي يحرص من خلالها على إخضاع الاقتصاد الفلسطيني لسيطرته من أجل استمراره في التمتع بالمزايا والمكاسب الناشئة عن هذه الممارسات؛ وذلك من خلال عزل الاقتصاد الفلسطيني عن العالم الخارجي العربي والدولي على حد سواء، وجعل هذه المعاملات في أضيق نطاق ممكن، وجعل الاقتصاد الفلسطيني تابعاً للاقتصاد الإسرائيلي كخيار وحيد وبشكل مباشر. ففي السنوات الماضية كان نحو 80% من واردات السلطة تأتي من "إسرائيل"، بينما يذهب نحو ثلثي صادرات السلطة إلى "إسرائيل".
كما أن الاقتصاد الفلسطيني بقي يعاني من إغلاق المعابر والحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من سنتين، ومن انفصام سياسي واجتماعي واقتصادي للقطاع عن الضفة الغربية من ناحية، وفصل قطاع غزة عن العالم الخارجي من ناحية أخرى، مما نتج عنه آثار اقتصادية سلبية كبيرة، من بينها انخفاض حجم التجارة وتدهور مستوى المعيشة وزيادة الغلاء والفقر وارتفاع نسبة البطالة.
2. دخلت السلطة الوطنية الفلسطينية في أزمة مالية خانقة في سنة 2009، بسبب عدم تدفق المساعدات الخارجية التي كانت قد وُعدت بها، والتي تعتمد عليها السلطة باعتبارها المصدر الأول لتمويل خزينتها وسداد رواتب موظفيها وتسيير أمورها، وذلك نظراً للأوضاع والتطورات السياسية على الساحة الفلسطينية، ورغبة الدول المانحة بالضغط على الفصائل الفلسطينية من أجل المصالحة الوطنية.
3. حقق الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية وقطاع غزة نمواً بمعدل 5% في سنة 2009، حيث ارتفع من حوالي 4,640 مليون دولار سنة 2008، إلى حوالي 4,896 مليون دولار سنة 2009. وقد بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 1,327 دولار في سنة 2009، مقارنة بحوالي 1,290 دولار سنة 2008، محققاً بذلك نمواً قدره 2.9%. ولكن هذا النمو وإن كان يمثل توجهاً إيجابياً، إلا أن اقترانه باستمرار الدعم الخارجي، وبقاء مستويات البطالة عند معدلات مرتفعة، يعني أنه لا يشير بالضرورة إلى نمو جوهري. حيث بلغت نسبة البطالة 24.5% سنة 2009، مقارنة بـ 26% سنة 2008. وكان من الملاحظ أن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت ضعف مثيلتها في الضفة الغربية؛ حيث بلغت 42.3% في القطاع مقابل 17.8% في الضفة. ويظهر الرسمان البيانيان التاليان، حول الناتج المحلي الإجمالي وحول معدل دخل الفرد، مدى الإجحاف والاستغلال اللذين يعاني منهما الإنسان الفلسطيني تحت الاحتلال، بالرغم من الإمكانات البشرية المتميزة التي يملكها الفلسطينيون.
 


 


 
4. انخفض إجمالي إيرادات السلطة الفلسطينية خلال سنة 2009 بنسبة 22.4% مقارنة بسنة 2008، حيث بلغ حوالي 1,381 مليون دولار سنة 2009، مقارنة بنحو 1,780 مليون دولار سنة 2008. غير أن الإيرادات المحلية سنة 2009 لم تتجاوز 417 مليون دولار أمريكي من مجمل الإيرادات، منها 264 مليون دولار إيرادات ضريبية و153 مليون دولار إيرادات غير ضريبية، وبهذا تكون قد انخفضت الإيرادات المحلية بنسبة 45% مقارنة بإيرادات سنة 2008، والتي بلغت 759 مليون دولار. أما معظم الإيرادات فجاءت من إيرادات المقاصة (الناتجة عن عمليات الاستيراد والتصدير الفلسطينية) والتي تحصّلها الحكومة الإسرائيلية، والتي تراجعت بنسبة 10.9%، حيث انخفضت من 1,137 مليون دولار سنة 2008 إلى حوالي مليار دولار سنة 2009.
5. بلغ إجمالي النفقات لسنة 2009 حوالي 2,677 مليون دولار، مقارنة بـ 3,273 مليون دولار سنة 2008، وبنسبة انخفاض قدرها 18.2%. وقد بلغت نفقات الأجور والرواتب سنة 2009 ما مجموعه 1,322 مليون دولار، أي ما نسبته 49.4% من إجمالي النفقات، مقارنة بـ 1,771 مليون دولار سنة 2008، وهو ما يمثل 54.1% من ميزانية 2008. ومن الملاحظ أن نفقات الأجور والرواتب قد انخفضت سنة 2009 بنسبة 25.4% مقارنة بسنة 2008، وهذا يوضح مدى حرص السلطة على الترشيد في النفقات بهدف احتواء الأزمة المالية.
6. وقد بلغت قيمة العجز في الميزانية بعد احتساب الدعم الخارجي 481 مليون دولار سنة 2009، في حين كان هناك فائض في الميزانية بعد احتساب الدعم الخارجي قدره حوالي 270 مليون دولار سنة 2008، ويعود جزء كبير من هذا التراجع إلى انخفاض حجم المنح والمساعدات الخارجية المقدمة لدعم ميزانية السلطة بنسبة 49.8%، حيث انخفضت من حوالي 1,763 مليون دولار سنة 2008، إلى حوالي 878.6 مليون دولار سنة 2009.
وقد كان من الملاحظ تراجع إسهام قطاعي الصناعة والزراعة في الناتج المحلي الإجمالي بصورة عامة منذ سنة 1999، حيث انخفض إسهام القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي من 14.5% سنة 1999 إلى 13.7% سنة 2009، مع ملاحظة أنه عبر عشر سنوات كاملة لم يستطع قطاع الصناعة أن يحقق سوى نمو محدود وبمعدل لا يتجاوز 2.5% على مدى الفترة بأكملها. في حين انخفض إسهام القطاع الزراعي في هذا الناتج من 10.4% سنة 1999 إلى 3.6% فقط سنة 2009.
7. بالنسبة لتوقعات النمو الاقتصادي الفلسطيني في سنة 2010، فإنه على ضوء الأوضاع الراهنة المتمثلة في ضآلة فرص الانفراج في الموقف السياسي، وفي ظل الممارسات الإسرائيلية المتشددة المفضية إلى تحجيم النشاط الاقتصادي الفلسطيني، فإن احتمالات حدوث نمو اقتصادي حقيقي، أو تصحيح جوهري على مسار هذا النمو خلال سنة 2010، تبدو غير ممكنة، وذلك مع بقاء القيود المفروضة على حركة البضائع وحركة الأفراد في مختلف الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى الحصار الاقتصادي الذي ما زال مفروضاً على قطاع غزة. ويبقى أقرب المسارات المحتملة إلى الواقع يتمثل في بقاء الوضع الاقتصادي الراهن دون تغيير جوهري.

خلاصات:
ما تزال حالة الجمود والانسداد التي شهدتها مسارات التسوية والمقاومة والمصالحة والحصار...، في سنة 2009 مرشحة للاستمرار في سنة 2010. ويظهر أن القوى المختلفة ما زالت تراهن على أن الزمن قد يلعب لصالحها؛ ولذلك فهي مستمرة في لعبة "عض الأصابع المتبادل". وحتى "يصرخ" أحدهم أولاً، فإن سنة 2010 سيكتنفها نوع من الغموض كما قد تحمل بعض المفاجآت. جميع الأطراف تعاني من أزمات وإن بدرجات متفاوتة فلسطينياً وعربياً وإسرائيلياً ودولياً. وهي أزمات قد تضطر البعض للتحرك لمحاولة تغيير المعادلة إذا ما شعر أن الأمور لا تجري لصالحه.
احتمالات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ما تزال قائمة، مع أحاديث متكررة عن هجوم على حزب الله وضربات لإيران وسورية. وتستخدم "إسرائيل" التهديد بالحرب كعنصر ابتزاز سياسي، أو كأداة ردع؛ غير أنها قد تَدخل في الحرب، خصوصاً على ما تعتبره "الحلقة الأضعف" في قطاع غزة، إذا ما استكملت استعداداتها، وهيأت "مسرح العمليات" أو البيئة المحلية والاقليمية والدولية لذلك. غير أن المنطقة قد تجد نفسها مُنجرَّة إلى الحرب إذا ما حدثت مسارات حرجة مفاجئة، كضربات نوعية تُوجَّه إلى "إسرائيل" أو حماس في غزة أو حزب الله في لبنان، أو إيران؛ بحيث لا يمكن التحكم بردود الفعل المتوقعة.
ما زالت المعطيات الموضوعية والذاتية لا تهيء لمصالحة وطنية فلسطينية حقيقية، خصوصاً إذا كانت ستُحكم بشروط الرباعية أو بالتزامات منظمة التحرير تجاه الإسرائيليين والأمريكان. ويستبعد أن تكون هناك مصالحة حقيقية ما لم تتسم بثلاثة معايير، أولها أن يتم ترتيب البيت الفلسطيني وفق أجندة وطنية خالصة، ووفق أولويات العمل الوطني، ودون تدخل خارجي في القرار الفلسطيني، وثانيها أن يكون الاتفاق اتفاق رزمة شاملة يعالج مختلف الاستحقاقات، وينفذ في خطوط متوازية، وثالثها أن يتم تنفيذ برنامج بناء ثقة على الأرض يسبق استحقاق الانتخابات، كإطلاق سراح المعتقلين من الطرفين، وإطلاق الحريات، وإعادة فتح المؤسسات المغلقة، وفتح وزارات ومؤسسات السلطة والمنظمة لجميع أبناء الشعب الفلسطيني بحسب كفاءتهم والتزامهم الوطني.
وما زال الحد الأقصى الإسرائيلي المقدم للتسوية لا يصل إلى الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبله أكثر الفلسطينيين "اعتدالاً"، ولا توجد رغبة أمريكية حقيقية في الضغط على "إسرائيل"، وبالتالي فمشروع التسوية يواجه أفقاً مسدوداً؛ وقد يفتح هذا المجال مستقبلاً لإيجاد ظروف موضوعية لانطلاقة جديدة للعمل المقاوم؛ وربما إلى ارتفاع أصوات متزايدة بفقدان سلطة الحكم الذاتي لمبرر وجودها، وسقوط فكرة حل الدولتين، والمناداة بفكرة الدولة الواحدة ثنائية القومية؛ وهو ما قد يؤثر في مسار الأحداث في السنوات القادمة.

2010-03-19 11:32:46 | 1733 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية