التصنيفات » ندوات

تأثيرات الدور التركي على الصراع مع الكيان الإسرائيلي والعلاقات العربية معه

ندوة حول تنامي الدور التركي في الشرق الأوسط

عقِدت في مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية في 26/5/2010، ندوة سياسية موسّعة حول تنامي الدور التركي في الشرق الأوسط، وتأثيرات هذا الدور على الصراع مع الكيان الإسرائيلي والعلاقات العربية مع تركيا.
وقد حاضر المختصّ في الشؤون التركية، الدكتور محمّد نور الدين، حول هذه القضية، بمشاركة جمعٍ من الباحثين والمهتمّين، اللبنانيين والفلسطينيين.
بداية كان تقديمٌ من الأستاذ وليد محمّد علي، مدير عام مركز باحث، وإبرازه لأهمّية التحوّل التركي، في ظلّ ما يمكن تسميته "ثورة" في العلاقات الدولية، واختفاء القطبية الأحادية، بما يمكن أن ينعكس في النهاية على دول وشعوب المنطقة، وعلى موقع الكيان الإسرائيلي الذي بدأ يضعف على الساحتين الإقليمية والدولية، بمواجهة تنامي النفوذين الإيراني والتركي...
بدأ الدكتور نور الدين محاضرته بتقديم نبذة تاريخية عن موقع تركيا الذي كان معادياً للقضايا العربية والإسلامية، ومرتكزاً على الأولويات الداخلية، بعد سقوط السلطنة العثمانية تحديداً، لتحصل متغيّرات رئيسية منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، وصولاً إلى تحكّم القوى الإسلامية "المعتدلة" في السياسة التركية، الداخلية والخارجية على السّواء!
وأشار نور الدين إلى أن تركيا لم تغادر المنطقة لكي يقال أنها تعود إليها. فتركيا كانت دائماً جزءاً أساسياً من المعادلة الشرق أوسطية؛ ولكن من الموقع الآخر المتعارض مع المصالح العربية، ولاسيّما التيار الوطني التحرّري المتحالف مع الاتحاد السوفياتي، في وجه المعسكر الغربي ورأس حربته إسرائيل.
ولقد كانت تركيا عنصراً بنيوياً في قضايا الشرق الأوسط، كما في عهد أتاتورك ومسألتي الموصل والاسكندرون، إلى الاعتراف بإسرائيل في العام 1949 وتحالفها معها في اتفاقيات أمنية وعسكرية على امتداد نصف قرن، كان آخرها وأخطرها في العام 1996. كما كانت تركيا الضلع الثالث في حلف بغداد في منتصف الخمسينيات، وهي عارضت حركة التحرّر العربية وسخّرت أراضيها لتحرّكات حلف شمال الأطلسي المعادية للوطن العربي. ورغم الومضات القليلة في التعاطف مع بعض القضايا العربية؛ غير أن الخطّ الأساسي للسياسة الخارجية التركية خلال النصف الثاني من القرن العشرين كان معادياً للتطلّعات العربية ونضال العرب في فلسطين وضدّ الاستعمار الغربي.
واليوم، أصبحت تركيا عنصراً فاعلاً في الشرق الأوسط؛ لكن من منطلقات جديدة بدأت مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002. ومع أن الصورة العامة للدور التركي الجديد تبدو متضامنة بقوّة مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية والإسلامية؛ إلاّ أنه من الخطأ القول إن تركيا نقلت اتجاه البوصلة من الغرب إلى الشرق. بل القول بأن سياسة تركيا أصبحت أكثر توازناً من قبل هو الأقرب إلى توصيف واقع السياسة الخارجية التركية الحالية.



ورسم الدكتور نور الدين أهداف السياسة التركية الجديدة بالوقوف على مسافة من كلّ العوالم والقوى المحيطة بها، بحيث تكون على علاقة جيّدة مع الجميع، بمعزل عن الطبيعة العرقية أو الدينية أو المذهبية أو السياسية لهذه القوى. وأن تكون تركيا مركز استقطاب لا طرفاً في محاور، وأن تعمل على تصغير مشكلاتها مع محيطاتها الجغرافية، وألاّ تكون علاقاتها مع طرف بديلاً أو على حساب أو ضدّ طرف آخر؛ وهو ما يعرف بسياسة تعدّد البعد.
وأشار الباحث إلى أن تركيا تريد أن تكون لاعباً مؤسساً في النظام الإقليمي الجديد ومبادراً، وليس متلقّفاً أو متفرّجاً. وهذا يفتح على الاعتقاد أن تركيا إذ تبتعد عن سياسة المحاور، فإنها تريد أن تؤسّس في محيطها الإقليمي الممتد من البلقان إلى آسيا الوسطى، ومن القوقاز إلى الشرق الأوسط، محوراً جديداً تكون هي مركزه!
من هنا ظهرت سياسة "الدبلوماسية الناعمة" التي تهدف إلى حلّ النزاعات قبل انفجارها. فكان الدور الوسيط التركي في عدد كبير من المشكلات، من باكستان إلى صربيا والبوسنة إلى جورجيا ودارفور مروراً بإسرائيل وسوريا والفلسطينيين؛ وآخرها اتفاق طهران النووي ومؤتمر الصومال في اسطنبول وغيرها. ورأى نور الدين أن المواقف التركية البنّاءة المتعاطفة مع إيران وسوريا والقضية الفلسطينية هي من عوامل كبح الجموح الغربي وإسرائيل للعدوان على هذه القوى.
وقد تحوّلت تركيا ببطء من بلد محاط بالأعداء إلى بلد محاط بالأصدقاء؛ فصارت بلداً إسلامياً قوقازياً آسيوياً متوسطياً وعلمانياً في الوقت نفسه! وهي أعلنت مراراً، في ظلّ حكومة أردوغان وحزب العدالة والتنمية، بأن تركيا لن تكون بعد اليوم في محورٍ ضدّ آخر؛ وهي ستكون في محور وسطي بين دول المنطقة نفسها، وبين هذه الدول والقارّات أو الدول المجاورة والبعيدة. وتركيا ستبقى "صديقة" للغرب وللولايات المتحدة؛ لكنّها لن تتجاهل القضايا العربية والإسلامية ومصالح دول وشعوب الجوار.
وكما ترفض تركيا استخدام القوّة لحلّ النزاعات، فإنها سوف تعمل على التوسّط لحلّ هذه النزاعات بطرقٍ سلميةٍ وسياسية.
وختم د. نور الدين بأن تركيا في طريقها لأن تصبح قوّة إقليمية أو عالمية كبرى، خلال السنوات المقبلة، في حال نجح المشروع "الإسلامي الديموقراطي" في استكمال إصلاحاته ولعب الدور الوسطي على المستويين الإقليمي والدولي.
وبعد أسئلة ومداخلات من المشاركين في الندوة، أوضح د. نور الدين بأن تركيا تماشي بعض السياسات الأميركية، لكنّها لا تدور في فلك أمريكا بالكامل، كما كان يحصل سابقاً. وهي تستفيد من الشعارات الأمريكية المرفوعة التي تتقاطع مع بعض الأهداف الرسمية لتركيا (العلمانية-الديموقراطية- الحرّيات ..)، لكي تحقّق نفوذاً أكبر لها، وبالخصوص في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية، كما نلمس من خلال توقيعها لعشرات الاتفاقيات مع سوريا وإيران وبعض دول الخليج؛ فضلاً عن علاقاتها الوثيقة والمفتوحة مع الإتحاد الأوروبي والدول الآسيوية الناهضة...


فتركيا –برأي نور الدين- تسعى لإنشاء بنية اقتصادية صلبة، في ظلّ نظام إسلامي ديموقراطي "علماني"، يكون جزءاً من الإتحاد الأوروبي في يومٍ ما، أو من هذه المنطقة المضطربة التي تختزن صراعات عديدة وخطيرة ... ويعتبر الإسلاميون الأتراك أن هذا النهج أثبتت نجاحه خلال السنين الماضية، وأن نجاحهم في استيعاب أو حلّ القضية الكردية وقضية العلويين ونفوذ الجيش التركي سيؤهّلهم لاحتلال موقع إقليمي ودولي بارز في المستقبل!
ولا يقلّل د. نور الدين من خطورة الخلافات الداخلية ومسألة الأكراد ودور الجيش في عرقلة أو إفشال مشروع حزب العدالة والتنمية. لكن، في المحصّلة، هو يدعو الدول العربية للاستفادة من هذا التحوّل التركي،   للدفاع عن القضايا العربية والإسلامية، وفي جوهرها قضية فلسطين، حيث يبدو الموقف التركي مميّزاً في إطار الدفاع عنها، والدعوة لرفع الحصار عن قطاع غزة وإدانة المحتلّ الإسرائيلي على جرائمه؛ فضلاً عن دور الوسيط الذي لعبته تركيا في الملفّين السوري والإيراني مؤخّراً.
وبعدما أوضح   بأن تركيا لن تتخلّى عن علاقاتها مع أميركا أو مع "إسرائيل"، لأسباب تتعلّق بالواقع التركي المعقّد، أكّد نور الدين بأن سياسة الحدود المفتوحة لتركيا مع دول المنطقة تسهم في ترسيخ العلاقة بين شعوب هذه المنطقة، ولا تهدّد هوياتها أو تاريخها أو مصالحها، معتبراً أن اندفاع الدول العربية باتجاه إيران وتركيا لن يصبّ إلاّ في صالح هذه الدول، في ظلّ النزاعات والتوتّرات الخطيرة التي تعيشها المنطقة، وتربّص القوى المستعمرة والكيان الصهيوني بها، رغم كلّ المتغيرات الكبرى التي حصلت حتى اليوم في الولايات المتحدة وأوروبا خصوصاً.
 

2010-05-28 09:31:35 | 2668 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية