التصنيفات » ندوات

أزمة النظام الرأسمالي العالمي وتداعياتها على القضيّة الفلسطينية






عقِدت في مركز باحث للدراسات ندوة في 2/11/2010 حول تأثيرات وتداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية الكبرى التي تواجه العالم الغربي، والولايات المتحدة بالخصوص، على بلدان الشرق الأوسط عموماً، وعلى القضيّة الفلسطينية تحديداً.
وقد حاضر في الندوة التي حضرها باحثون ومتخصّصون بالشؤون الاستراتيجية والاقتصادية، الخبير الاقتصادي الدكتور غالب أبو مصلح، الذي تحدّث حول أسباب ومظاهر الأزمة التي يعيشها النظام الرأسمالي، بعد تقديمٍ من مدير عام مركز باحث للدراسات، الأستاذ وليد محمّد علي.
بداية، عرض أبو مصلح لمظاهر تلك الأزمة في الولايات المتحدة، محدّداً بأنها أزمة بنيوية خطيرة جداً، وليست أزمة دورية أو عابرة، وأنه من شبه المستحيل على النظام السياسي الأميركي الخروج منها، ولو حتى على المدى البعيد!
وشبّه أبو مصلح أميركا بالكازينو الكبير، حيث يسيطر القطاع المالي على باقي القطاعات، وتسود المغامرات والمضاربات المناخ العامّ للبلاد، ما  أدّى –من ضمن عوامل أخرى- الأزمة الراهنة، والتي فشلت الولايات المتحدة في تصدير تداعياتها إلى دول "العالم الثالث"، بما فاقم من حدّتها وصعّب على القادة السياسيين والاقتصاديين رسم سُبل الخروج منها.
في المقابل، تحدّث المحاضِر عن تطوّرٍ ونموٍ هائلٍ في الاقتصادات الأخرى، مثل الصين والهند وتركيا والبرازيل وإيران وبعض الدول الآسيوية (اليابان ...)، الأمر الذي فاقم من أزمة النظام الرأسمالي الذي يرتكز في نموّه على نهب ثروات الدول وفتح أسواقها وتصدير الأزمات والاضطرابات إليها!
وكشف أبو مصلح أن 70% من الاحتياطات النقدية في العالم صارت في حوزة الصين والهند ودولٍ أخرى لا تدور في الفلك الأمريكي أو الغربي؛  فضلاً عن وجود تراجعٍ هائلٍ في القدرات العسكرية الأميركية، بسبب الأزمة الراهنة، وعلى خلفيّة الكلفة الكبرى المعلنة لحربي أفغانستان والعراق، ما سبّب عجزاً كاملاً لأميركا عن شنّ حروبٍ أخرى، ضدّ إيران أو غيرها، على الأقلّ في المدى المنظور!
كما تطرّق المحاضِر إلى وضع الكيان الإسرائيلي الحرج على خلفيّة الأزمة التي تعيشها راعيته وحاميته، بالإضافة إلى تفكّك ما كان يسمّى الجدار الاستراتيجي الحامي للكيان، والذين كان يتشكّل من تركيا وإيران وأثيوبيا، ليؤكّد أن "إسرائيل" في طريقها إلى الانهيار الفعلي، وأننا يمكن أن نهزمها في حال توافرت الإرادات والإمكانات المناسبة لتحقيق هذا الهدف، في ظلّ ظروفٍ بائسةٍ يعيشها التحالف الغربي-الصهيوني، لن تخفيها وسائل الدعاية والإعلام التّابعة لهذا التحالف.
وبعد مداخلاتٍ من بعض المشاركين في الندوة، مثل العميد المتقاعد أمين حطيط والدكتورة ليلى نقولا الرّحباني والدكتورة أحلام بيضون والدكتور سهيل الناطور والأستاذ علي نصّار والأستاذ عدنان الساحلي والأستاذ عبد الحليم فضل الله، ردّ الدكتور المحاضِر على المداخلات بالتأكيد على عمق وخطورة الأزمة الحالية، مع إقراره بوجود تداعيات داخل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، كما في داخل الكيان الإسرائيلي، من نموٍ للنزعات اليمينية الشوفينية، والتي قد تؤدّي إلى المزيد من التفكّك والاضطرابات في تلك الدول نفسها، قبل أن تنعكس سلباً على دولنا وشعوبنا!
واعتبر أبو مصلح أنه من الصعب تحديد مفاعيل تطوّر قطاع الناتو تكنولوجيا على محاولات إعادة انتعاش الاقتصاد  الغربي، مع العلم بأن التطوّر التكنولوجي لم يعدّ حِكراً على الغربيين في ظلّ الصعود الصيني والياباني والهندي والإيراني والكوري، على هذا الصعيد وغيره من المجالات الحيوية...
وقدّر بأن العدوّ الحقيقي الحالي للرأسمالية العالمية صار الصين، لأسبابٍ اقتصاديةٍ وتجاريةٍ وحتّى إيديولوجية، بما يهدّد فعلاً السيطرة الأميركية الأحادية، برغم محاولات التعاون والتنسيق بين الطرفين في قضايا بيْنية دوليةٍ مهمّة (مثل إيران ...).
كما لفت المحاضِر إلى التحوّلات الجذرية في تركيا ودول أميركا اللاتينية وغيرها، على الصعد الاقتصادية والسياسية والفكرية، بما يؤثّر على مصالح وأمن الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل على وجه الخصوص، منتقِداً الغياب العربي شبه الكامل عن مسرح هذه التحوّلات، وعدم الاستفادة منها، والتهيّؤ لاستقبال النظام العالمي الجديد الذي ستفرزه موازين القوى الصاعدة،  والتي لن ترتكز قطعاً على البنى الرأسمالية الاستغلالية،  التي تحكّمت بالاقتصاد العالمي طيلة العقود الماضية...
ورغم عدم تقليله من أهمّية أو خطورة الأساليب البديلة عن الحروب الواسعة المدمّرة، مثل تحريك الفتن والاضطرابات داخل البلدان المعادية للسياسات الغربية، وبالتحديد في بلداننا العربية والإسلامية، في ظلّ استمرار حربي أميركا المديدتين في العراق وأفغانستان، ولو بوتائر منخفضة؛ إلاّ أن المحاضِر أكّد على أن أميركا لن تستطيع الخروج من أزمتها الراهنة، مع تصاعد نسب البطالة والفقر والإفلاس والديون الداخلية والخارجية الهائلة عليها؛ بل إن الولايات المتحدة ستشهد تطوّراتٍ كبرى خلال الأعوام المقبلة، كما هي حال بعض البلدان الأوروبية (مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا وأسبانيا وبريطانيا ...)، ستؤدّي إلى تداعياتٍ خطيرةٍ قد تطيح بالنظام الرأسمالي، الذي يحاول رموزه وقادته اليوم فعل المستحيل، على الصّعد المالية والنقدية والاقتصادية، من أجل إنهاضه أو إنعاشه من جديد!



 

2010-11-04 13:59:34 | 2418 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية