التصنيفات » قراءة في كتاب

الرولباور الأمريكي في القرن الحادي والعشرين

قراءة في كتاب 
الرولباور الأمريكي 
في القرن الحادي والعشرين
- تأليف: د. عدنان رميض الشحماني.

- نشر: دار روافد للطباعة والنشر والتوزيع.
- الطبعة الأولى: 2023.


يستدعي الدور العسكري والسياسي الأمريكي المُباشر في العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران (13/6/2025)، والذي تجاوز حدود الوقاحة، من خلال مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تدعو إيران للاستسلام، يستدعي إجراء تحليل أو قراءة معمّقة لأبعاد الانخراط الأمريكي في أغلب أزمات وحروب العالَم، بالاستناد إلى القدرات العسكرية والاقتصادية الهائلة التي كَوّنتها الولايات المتحدة على مدى عقود، عَبر نَهبها لمَوارد الدول والشعوب المُستضعَفة.
ومن نافلة القول: إنه لا يُمكن تَصَوّر دَوْر بلا قوّة، ولا قوّة بلا دَوْر، فَكِلاهما مُكَمّل للآخر؛ إذ إنّ الدّور هو القدرة على توظيف القوّة توظيفاً يُنتج مَكانة، يَتحقّق من خلالها نفوذ وتأثير على كافّة الاتجاهات والمجالات، وبجميع المستويات. وما تَقدّم يتوقّف على إدراك صانع القرار الاستراتيجي بحسب المكانة الحاصلة من حجم القوّة والدّور.
وبما يخصّ القوّة والدّور للولايات المتحدة تحديداً، فَهُما لم يكونا وليدا الصدفة.. وهنا يَكْمن سرّ النفوذ الأمريكي.. في اتّباع استراتيجيّة المؤسّسين التي ما زالت ثوابتها هي المُدْخَلات لكلّ مُخْرَجات السياسة الأمريكية لتحقيق الهيمنة والنفوذ؛ وهي الأساس الذي تعتمد عليه جميع الرؤى والأفكار للّذين تَوالوا على السلطة في أمريكا. ومن هنا تتّضح أهمية البناء المؤسّساتي المُتَراكم.
وكما يُعَبّر مؤلّف الكتاب، فإنّ "الولايات المتحدة الأمريكية تُعَدّ الدولة العظمى الأكثر تأثيراً في السياسة الدولية في عالَمنا المُعاصِر، نتيجة لما تَملكه من مُدْخَلات القوّة والتأثير، والتي أهّلتها لأن تُمارِس دور الهَيْمنة والتأثير في العلاقات الدولية؛ وباتت بذلك ضابط الإيقاع العالمي، حيث امتَلكت مُثَلّث القوّة القائم على القوّة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، ومارَست التأثير من هذا المُنطلق، ممّا أثّر في التراتبيّة الدوليّة وآليّة توزيع القوّة والأدوار للقوى الدولية الأخرى؛ ومن ثمّ التأثير في طبيعة وتوجّهات النظام السياسي الدولي". مع العِلم بأن تحوّلات العقود الأخيرة قد هَزّت بقوّة أُسُس هذا النظام الأحاديّ لصالح نظام تَعَدّدي نقيض، بدأت ركائزه بالتبلور والتمكين، وعلى كلّ المستويات.
في هذا الكتاب، وضمن فصول ومباحث عديدة، يُعالج المؤلّف العلاقة بين الدّور والقوّة، من خلال التأصيل النظري لمفهومي القوّة والدّور، والرؤية الأمريكية لمُمارَسة الدّور والقوّة في ضوء المدارس الفكرية (المدرسة الواقعية والمدرسة الليبرالية)، ومُمارسة الدّور والقوّة للولايات المتحدة، من زاويتي التطوّر والمُحَدّدات (في البيئتين الداخلية والخارجية)، حيث تَشمل مُحَدّدات البيئة الداخلية: مؤسّسة الرئاسة، ووزارتي الخارجية والدفاع، ومجلس الأمن القومي، والكونغرس، ووكالة المخابرات المركزية، والبنك الفيدرالي؛ وكذلك الأحزاب السياسية (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي)، وجماعات المصالح، ومراكز الأبحاث والخبراء، والإعلام وصناعة الرأي العام، والرأي العام، والمُجَمّع الصناعي العسكري، وشركات النفط، والعامل الديني؛ فيما تَشْمل مُحَدّدات البيئة الخارجية: حماية أمن "إسرائيل"، والسّيطرة على موارد الطاقة، والحرب على "الإرهاب". 
وفي السياق، فقد عَرِفَ مفهوم القوّة تَطوّرًا مَلحوظًا في مجال العلاقات الدولية، من حيث عناصره وتَجَلّياته، إذ تَعمل الدول، في سَعْيها للحفاظ على مصالحها، إلى اتّباع أحد أنماط القوّة الآتية:
 -القوّة الصّلبةHard power ، عبر استغلال الدول قُدُراتها على الإرغام بالاعتماد على عناصر مَلْموسة، مثل القوّة العسكرية أو الثقل الاقتصادي.
- القوّة الناعمة Soft power، وتعني قُدْرة الدول على الإقناع والجَذْب لوضع أجنْدتها السياسية بطريقة تشكّل التفضيلات التي يُعَبّر عنها الآخرون، أو قُدرة الدول على تنظيم موقف بطريقة تجعل الدول الأخرى تَختار أو تُحَدّد مصالح تتناسب مع مصالحها، بالاعتماد على عناصر غير مَلْموسة، مثل الثقافة أو المعرفة أو الإيديولوجيا أو المؤسسات؛ ولكن أيضاً التهديد باستعمال القوّة والابتزاز والإرشاء.
- القوّة الذكيّة Smart power، أي مُزاوجة الدول بين القوّتين الصّلبة والناعمة، بالاعتماد على عناصر مَلموسة، وأخرى غير مَلموسة، كالأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والسياسية والقانونية والثقافية، عبر اختيار الأداة المناسبة أو المجموعة المناسبة من الأدَوات لكلّ موقف.
لكن ما زالت مُحدّدات القوّة الصلبة في أغلب الدراسات الدولية مُهِمّة في تحديد قوّة الدول بالنظام الدولي، بينما تُعَدّ القوّة الناعمة والذكيّة والإلكترونية بمثابة أدَوات من المُمكن توظيفها من قِبَل الدول التي تمتلك مُقوّمات القوّة الصلبة، في عالَمٍ مُتّسمٍ بالصراع والتنافس الدولي؛ وهذا يعني أن القوّة الناعمة والذكيّة ما هي إلّا وسائل تستخدمها القوّة الصلبة لتحقيق مصالحها. فَلَيْسَ من فَصْلٍ أو ترجيح بين القوّتين الصلبة والناعمة؛ فكِلاهما مُكَمّل للآخر لغَرض تحقيق أهداف الدولة.
وما تزال القوّة، لِمَنْ يَمْتلكها بمستوياتها المختلفة، هي الفاعل الدولي، ولا يمكن لنا تَصوّرها بلا دَوْر. فهناك علاقة جَدَليّة بين الدّور والقوّة؛ ومن يَتمكّن منهما ويُوَظّفهما توظيفاً سليماً يَتمكّن من تحقيق غاياته ومصالحه، ويُصبح الفاعل والمؤثّر في السياسة الدولية والمحلية - الإقليمية.
لذلك، أصبح من الضروري الاهتمام بمتابعة التوصيات السياسية للدول العظمى. فَتَبَلْور النظام الدولي في ظلّ التحوّلات التي شهدتها البيئة الدولية في القرن العشرين، وتَغَيّر مُعادلة التوازن الدولي، مُرْتَبطان بدرجة كبيرة بطبيعة الدّور الذي تضطلع به الولايات المتحدة والسياسات التي تَتَبنّاها في ظلّ نظام أحاديّ القطبيّة. إذ إن النظام الدولي الحالي يَستند إلى هَيْمنة القطب الواحد والتفرّد الأمريكي بالقرار الدولي، ومُمارَسة التأثير باستخدام القوّة المتعدّدة الأشكال والمستويات.
ويتابع المؤلّف: لقد كان من مُبَرّرات استخدام القوّة من قِبَل الولايات المتحدة باعتبارها مَظْهرًا من مَظاهر السيادة الكاملة، وذلك من خلال الدفاع عن حقوق الإنسان، وتحقيق الأمن والسّلْم الدوليين، ونَشْر مبادئ الديمقراطية، والقضاء على نُظُم الاستبداد والإرهاب في الشرق الأوسط؛ وبذلك استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية، بهذه الذرائع، أن تَتَحكّم في واقع القوّة على مستوى العلاقات الدولية وتُوَظّفها من أجل تحقيق نفوذها ومصالحها وأهدافها.
ويعتقد المؤلّف أن الفاعل الدولي الرئيس المؤثّر في السياسة الدولية هو من يَمْلك أمريكا ويَمْتلك مساحات واسعة في العالم، وكلّ دول العالم مُنْفَعِلة ومُتَأثّرة به. فالعالَم لا تقوده أمريكا الدولة، وإنما تقوده المنظّمة الدولية السريّة الحاكمة؛ والدول الأكثر معرفة بما ورائيّة السياسة الأمريكية هي الأكثر تَفَوّقاً في رَسْم سياساتها المحليّة والإقليميّة والدوليّة.
إن الكيان الإسرائيلي هو الأكثر فَهْمًا لنوايا صُنّاع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية ومشاريعهم الاستراتيجية، ويَعمل على ذلك من خلال نُخْبة مُتَخصّصة، مُتَنوّعة الأدوار والمَهام؛ وبعضها في مركز صُنْع القرار؛ أي أنهم أعضاء رئيسون في المنظمة الدولية السريّة الحاكمة، والبعض الآخر قريب من صانع القرار؛ ومنهم أعضاء رئيسون في مراكز الدراسات التي تُسْهِم في صناعة القرار، وهي ما يُطلَق عليها "المطابخ السياسية". وكلّ هؤلاء يَعملون على فَهْم استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية التي تُنْتِجها المنظمة الدولية السريّة الحاكمة للسنوات المُقبلة، ومن ثمّ يتمّ تحويل هذه الاستراتيجية إلى المُتَخصّصين وصُنّاع القرار في الكيان الإسرائيلي لصناعة مشاريع وتَوْأمتها مع المشاريع الأمريكية، فَتَسير في ظلّ المشاريع الأمريكية، وتَلْعَب في نفس الوقت دور المُدافِع عن المشاريع الأمريكية، فتَكون شريكاً للولايات المتحدة التي ستُدافِع عن "إسرائيل"، شريكها الذي يَلْعب دوراً في تحقيق أهدافها. 
وبذلك تكون "إسرائيل" قد حَقّقت حماية من قِبَل الولايات المتحدة من جهة؛ ومن جهة أخرى، حَقّقت أهدافاً سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة في آنٍ واحد، حيث إنّ أحد أهم أسباب دفاع الولايات المتحدة عن وجود "إسرائيل" ودَعْمها المُطْلق يأتي ضمن تحقيق توجّهات صانع القرار الأمريكي في المنطقة. فوجود الكيان الإسرائيلي يُحقّق أهداف صُنّاع القرار الذين هم فوق الدولة الأمريكية؛ وما الدولة الأمريكية إلّا دولة مَملوكة لمجموعة جعلت من الولايات المتحدة، كدولة، مشروعاً لتحقيق الهَيْمنة على العالم، وهي تَسير بخطىً حثيثة لتحقيق ذلك من خلال الحكومة العالمية التي أسّست دعائمها؛ وقد قَطعت أشواطاً مُهمّة في ذلك، حيث أَرْست قواعدها وأَحْكمت سيطرتها إلى درجة عالية، من خلال تأسيسها مجلس الأمن ومنظّمة الأمم المتحدة والمحكمة الدولية ومنظّمة التجارة العالمية والبنك الدولي والعُمْلة الواحدة، وإلى آخره من المنظّمات الدولية.
وبما أنّ أمريكا هي الواجهة الرسمية لمنظّمة النخبة الدوليّة السريّة الحاكمة، وهي رأس الحَرْبة في سياسة النخبة التي تَعتبر الدولة الأمريكية هي أهم وأعظم أدواتها التي تسعى من خلالها إلى تنفيذ حكومتها العالمية. فَبَعْد أن تُحكِم سيطرتها السياسية والاقتصادية والعسكرية تَنْتقل إلى ما مَهّدت وما زالت تُمَهّد إليه، وبخطىً حثيثة، ألا وهو مشروع تغيير ثقافات الشعوب والترويج للديمقراطية والإيمان بالثقافة الأمريكية وتصديرها.
كذلك تعمل هذه المنظّمة على تغليب رؤية دينية خاصّة على كافة الأديان تحت عنوان توحيد الأديان الإبراهيمية بدينٍ واحدٍ يَنسجم مع مشروع الهيمنة والسيطرة الشاملة، ثقافيًّا ودينيًّا وسياسيًّا.
وفي هذا الإطار، يَتوقّف المؤلّف عند مُحَدّدات خارجية خاصّة، والتي يُمكن تَسْميتها بثوابت السياسة الخارجية الأمريكية، بِغَضّ النظر من أنّ الإدارة ديمقراطية أو جمهورية، ومنها: حماية أمْن "إسرائيل"، والسيطرة على موارد الطاقة، والحرب على "الإرهاب". 
بالنسبة لإسرائيل تحديداً، يُمكن القول إن الرؤية الأمريكية لإسرائيل كانت، وما زالت تُمَثّل قاعدة استراتيجية، ومُحَدّد أساس لا يمكن فَصْله عن الاستراتيجية الأمريكية، لأنّ عناصر التخطيط الاستراتيجي لكلا الدولتين مُتداخلة ومُترابطة إلى حدّ الوحدة؛ فالولايات المتحدة الأمريكية تؤمِن تماماً بالرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية، وأنّ أَمْن "إسرائيل" وسلامتها هو الذي يَضْمن استقرار المنطقة واستقرار المصالح الأمريكية فيها (كما أكّدت سياسة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جو بايدن والرئيس الحالي دونالد ترامب تجاه الحرب الإسرائيلية الضارية على قطاع غزة، ورَفْض "إسرائيل" لكلّ المواقف والاحتجاجات العالمية والقرارات الدولية الداعية لوقف إطلاق النار).
وأخيراً، يَخْلص المؤلّف إلى أنّ الولايات المتحدة استطاعت -بذريعة استخدام القوّة كَوْنها مَظهرًا من مَظاهر السيادة الكاملة، ومن خلال (شعارات) الدفاع عن حقوق الإنسان، وتحقيق الأمن والسّلم الدوليين، ونَشْر مبادئ الديمقراطية، والقضاء على الدكتاتوريّات في العالم الثالث - استطاعت أن تَتَحَكّم في واقع القوّة على مستوى العلاقات الدولية وتُوَظّفها من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والجغرافية والاقتصادية؛ وبالتالي أصبحت لعبة القوّة من صميم اختصاص هذه الدولة، ولا يُنازعُها في ذلك أحد، بحيث استطاعت أن تَفْرض قاعدة الانتصار الكامل مع إلغاء الأطراف المُفاوِضة؛ وهذه قاعدة تَزَعّمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، من خلال مُمارَستهم لمجموعة من الأدوار التي تُخالِف قواعد القانون الدولي.

 

 

 

2025-06-20 12:09:31 | 31 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية