الضربة الاستخباراتية الاستراتيجية الإيرانية: "إسرائيل" بلا حُرّاس!!
عملية أمنية إيرانية غير مسبوقة في إسرائيل
المصدر: موقع الخنادق، 9/6/2025.
يُعَدّ إعلان الجمهورية الإسلامية في إيران عن حصولها على آلاف الملفّات والبيانات الاستخباراتية الإسرائيلية بالغة الحساسيّة، بما في ذلك وثائق بالغة السريّة تتعلق ببرنامجها النووي، بمثابة ضربة استراتيجية عميقة، تُعَرّي الكيان المؤقّت وأمنه وعلاقاته الخارجية، وتُعطي إيران ورقة ضغط تفاوضيّة لصالحها في غاية الأهميّة.
فكيان الاحتلال الإسرائيلي الذي لطالما سعى إلى الترويج لقدرات أجهزته الاستخباراتية الفائقة (في التجسّس ومُكافحة التجسّس)، ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على الصعيد العالمي، التزم الصمت لأكثر من أسابيع أمام هذا الإنجاز الأمني الإيراني، بحيث لم تتَجرّأ وسائله الإعلامية على التطرّق لهذا الموضوع إلّا من خلال النقل عن وسائل الإعلام، إيرانية أو عربية، وَوَصْف الخبر على أنه مَزاعم!
وبالعودة الى تفاصيل هذا الإنجاز، كشف وزير الاستخبارات في الجمهورية الإسلامية، إسماعيل خطيب، بعض جوانب العملية، مُمَرّراً بعض الإشارات في تصريحه، حيث قال:
-حصلنا على آلاف الوثائق الكاملة المتعلّقة بالقطاعات العسكرية والعلمية والنووية الإسرائيلية، بالإضافة إلى وثائق حسّاسة تتعلّق بعلاقات "إسرائيل" مع الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.
-ستُعَزّز المعلومات التي حصلنا عليها قدرات إيران الهجومية بشكل كبير.
-إن أساليب نقل الملفّات إلى إيران لا تقلّ أهميّة عن الوثائق نفسها، ولن نكشف عنها.
-وقَعت العملية منذ فترة؛ لكنّنا انتظرنا قبل الإعلان عن الخبر لضمان سلامتها.
-سنكشف عن بعض الوثائق قريباً.
-كانت العملية مُعَقّدة وواسعة النطاق ومُتَعدّدة الجوانب، ووجّهت ضربة قاصمة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي.
وعليه، فإن أبرز وأهم الإشارات التي يُمكن التقاطها من تصريح الوزير خطيب هي التالية:
1) عملية جمع المعلومات الاستخباراتية كانت ضخمة جداً، وتستهدف أمن أخطر القطاعات في "إسرائيل": النووية والعسكرية والعلمية والخارجية.
وهنا لا بُدّ من الإشارة إلى أن "إسرائيل" تَتّبع سياسة الغموض المُتَعَمّد؛ فلم تُنكر أو تقرّ رسمياً بامتلاكها أسلحة نووية، ولم تُوَقّع أصلاً على مُعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، رغم الضغوط الدولية عليها. وبالتالي فإن بإمكان إيران، بما حصلت عليه من مواد استخباراتية حول هذا البرنامج، إثارة الموضوع من جديد، وكشف ازدواجيّة المعايير عند وكالة الطاقة الذريّة الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وحشد دعم دولي لها أمام هذه المنظّمات، لفَرض إصدار قرار دولي مُلزِم، يمنع تَسلّح أيّ دولة أو كيان في منطقة الشرق الأوسط بالسلاح النووي، ويُعاقِب من يُخالف هذا القرار.
قد يؤدّي كشف إيران عن أيٍ من هذه الوثائق، إلى تقويض صورة "إسرائيل" العالمية، خاصّةً تلك التي تُسَلّط الضوء على عملياتها الأخيرة السريّة، مثل: مؤامرات اغتيال تستهدف علماء أو شخصيات سياسية في دول أجنبية، والتجسّس على الحلفاء، بما في ذلك مُراقبة السياسيين الأمريكيين أو الأوروبيين.
يُمكن أن تُستَخدَم المعلومات الاستخباراتية المُسَرّبة كجزء من حملة حرب إعلامية، للكشف عن كيفيّة التجسّس الإسرائيلي على الدول الإسلامية والعربية، والتلاعب الصهيوني بالأنظمة السياسية الغربية، ومسؤوليتها عن زعزعة الاستقرار الإقليمي، خاصّةً في لبنان وسوريا والعراق. هذا الأمر سيُعَزّز حتماً من المُعارضة الشعبية لاتفاقيات التطبيع مع الكيان - أبراهام، وسيَزيد من الضغط الداخلي على بعض الأنظمة العربية للحدّ من تعاونها الاستخباراتي مع "إسرائيل".
2) حصلت إيران على الوثائق الاستخباراتية عبر العديد من الوسائل: سيبرانية واستخبارات بشرية ووسائل سريّة أخرى (مثل عمليات كوماندوس استخباراتية خاصّة، تعاون استخباراتي مع جهات إقليمية ودولية أخرى)؛ وهذا يفتَح المجال أمام الجمهورية الإسلامية بشكل واسع للقيام بعمليات أخرى مُماثلة في المستقبل.
لم يُحَدّد وزير الاستخبارات الإيراني جهازاً استخباراتياً إسرائيلياً بعَيْنه كمُتَضرّر. وبالتالي قد تكون هذه الضربة وجّهَت لجميع هذه الأجهزة. لذلك فإن هذا الاختراق يكشف عن نقاط ضعف حَرجَة في البنية التحتيّة الاستخبارية الإسرائيلية.
3) الكشف عن البنية التحتيّة الحيويّة للكيان، ومعرفة الثغرات الأمنية والعسكرية فيها.
4) سَتَنشر إيران بعض الوثائق الإسرائيلية تدريجيًا على مدى سنوات، بناءً على حساسيّة مُحتواها، فيما ستَبقى الكثير من الوثائق مَخفيّة.
أما هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الرسمية (IRIB)، فكشَفت بأن هذه العملية نُفّذَت قبل عدّة أشهر من قِبَل وزارة الاستخبارات (إطلاعات) وجهاز الاستخبارات في حرس الثورة الإسلامية، باستخدام جواسيس من المُستوطنين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة مُباشرةً، حيث استولوا على البيانات وتأكّدوا من نقلها إلى مواقع آمنة في إيران. ووصفَت هذه العملية بأنها أكبر فشل استخباراتي إسرائيلي في التاريخ. وتتألّف المواد المُستَرجَعة من وثائق وصوَر ومقاطع فيديو وبيانات وصفيّة وملفّات وبيانات أخرى. ورغم أن عملية الحصول على الوثائق جرَت منذ مدّة، إلّا أن المصادر أوضحت أن الكمّ الهائل من المواد، والحاجة إلى نقلها بأمان إلى إيران، استدعى تنفيذ تعتيم إعلامي لضمان وصولها سالمة إلى المواقع المَحميّة المُحَدّدة. كما أشارت المصادر إلى أن الكمّ الهائل من الوثائق، إلى جانب الصوَر ومقاطع الفيديو المُرفَقة بها، تطلّب وقتاً طويلاً لمُراجعتها. وكشفت المصادر المُطّلعة بأن اعتقال المستوطنين الإسرائيليين المُتّهَمين بتقديم خدمات لإيران لم يتم إلّا بعد نقل الوثائق بأمان إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
ويأتي هذا الكشف بعد أقلّ من ثلاثة أسابيع من إعلان كيان الاحتلال اعتقال رجلَين للاشتباه في ارتكابهما ما يُسَمّى "جرائم أمنيّة" لصالح إيران. ووفقًا لبيان مُشترك صدَر في 20 أيار / مايو عن الشرطة الإسرائيلية وجهاز الشاباك، فإنه تمّ اعتقال روي مزراحي وألموغ أتياس، وهما شابّان يبلغان من العمر 25 عامًا، من نيشر، أواخر نيسان / أبريل، للاشتباه في قيامهما بمهام جمع معلومات استخباراتية لصالح الجمهورية الإسلامية. ولم تُحَدّد وسائل الإعلام الإسرائيلية، بالتحديد، ما هي المهام التي كُلّف بها هذان الشخصان.
الفوائد العسكريّة والأمنيّة التكتيكيّة والاستراتيجيّة
-رسم خرائط البنية التحتيّة العسكرية الإسرائيلية:
تَضمّنت الوثائق - كما يَظهر من إشارات تصريح وزير الاستخبارات الإيرانية - بيانات حسّاسة حول القواعد العسكرية الإسرائيلية، ومواقع القبّة الحديدية، ومراكز القيادة والسيطرة والتحكّم، ومُنشآت التخزين. ولا شك أن إيران وحلفاءها في محور المقاومة سيَستفيدون منها كالتالي:
1) إعداد خرائط مُفَصّلة لأصول الكيان الاستراتيجية – خاصّة النووية -، التي يجب استهدافها خلال المعارك والحروب.
2) بالنسبة للمنشآت النووية، فإنّ مَعرفة إيران بها بشكل تفصيلي دقيق، مع ما أثبَتَته ميدانياً من قدرة هجومية عالية دقيقة خلال الوعد الصادق 1 و2، ستَردَع "إسرائيل" من شنّ أي هجوم على منشآت إيران النووية.
فعلى سبيل الذكر لا الحصر، يمكن أن تُقَدّم الوثائق التي حصلت عليها إيران فَهمًا أعمق لمُنشأة ديمونا السريّة، وعمليات التطوير لها المُحتمَلة تحت الأرض، والخصائص الهيكليّة، ومواصفات الأجهزة؛ بالإضافة إلى آلاف التفاصيل التقنيّة المُفيدة الأخرى.
3) معرفة التسلسلات القياديّة، ممّا يُمَكّن من استراتيجيّات التدمير الشامل.
4) الوصول إلى نقاط الضعف والثغرات في أنظمة الدفاع الجويّ الإسرائيلية (مثل النقاط العمياء، وأوقات إعادة التعبئة).
وهذا ما سيَسمح لأيّ جهة في محور المقاومة، وفي مُقَدّمتهم إيران، بتنفيذ استهداف صاروخي أكثر فعاليّة، وخاصّةً باستخدام الصواريخ والطائرات المُوَجّهة بدقّة، أو تكتيكات السرب والإغراق. فعلى سبيل المثال، إذا عَرفت إيران أماكن انتشار وحدات القبّة الحديدية ومنظومات باتريوت وحيتس وثاد، وكيفيّة انتشارها، فقد تُخَطّط لهجوم يُغرقها.
-تعزيز قدرات الحلفاء:
1) من خلال مُشاركة المعلومات الاستخباراتية المُختارة مع حركات ودول محور المقاومة، بحيث يُمكن لأيّ طرف في محور المقاومة، مثل فصائل المقاومة الفلسطينية أو المقاومة الإسلامية في لبنان أو القوّات المسلّحة اليمنية، الحصول على بيانات استهدافية بما يتناسب مع قدراتها، على كلّ جغرافيا فلسطين المحتلة، وأنماط تحرّكات جيش الاحتلال الإسرائيلي. ومن شأن هذا التبادل أن يُضاعِف العمق الاستراتيجي لإيران.
2) يُمكن استخدام البيانات المُسَرّبة حول بروتوكولات التدريب الإسرائيلية، أو تكتيكات القوّات الخاصة، أو مبادئ الحرب الإلكترونية، لتدريب جهات محور المقاومة بشكل أكثر فعاليّة، من خلال تكييف التكتيكات الميدانية لاستغلال نقاط الضعف الإسرائيلية المُحَدّدة.
-توقّع العقيدة العسكرية الإسرائيلية:
تَضمّنت الوثائق تقييمات استراتيجية إسرائيلية وفق المصادر- خاصّة فيما يتعلّق بسيناريوهات الهجوم على البرنامج النووي الإيراني أو على لبنان أو اليمن - لهذا يُمكن للجمهورية الإسلامية وحلفائها استباق ذلك وتعزيز الموقف ضدّها. على سبيل المثال:
1) تحديد المَمَرّات المُحتمَلة للهجمات الجويّة ضدّ إيران أو لبنان أو العراق أو اليمن.
2) فَهم الافتراضات الإسرائيلية حول جاهزيّة الدفاع الجويّ في إيران.
3) استراتيجيات الخداع المضاد التي قد تستخدمها "إسرائيل".
كلّ هذه الأمور ستَسمح لإيران ولحلفائها، بتصميم تدابير وقائية، مثل منشآت التمويه، ومخابئ مُحَصّنة تحت الأرض، وغيرها الكثير من الإجراءات.
-تعزيزات الأمن على الصعيدين الوطني والمحوري:
1) مكافحة التجسّس وتعطيل شبكات التجسّس الإسرائيلية: من خلال كشف العملاء والشبكات والأصول الإسرائيلية العاملة في إيران أو في دول المنطقة.
2) اكتشاف العملاء المُزدَوجين والأفراد المُختَرقين.
3) معرفة الأساليب التي يستخدمها "الموساد" لتنفيذ عمليات التخريب، وأساليب التجنيد لديه ولدى "أمان".
وبفضل هذه المعلومات، يُمكن لإيران شنّ عمليات اعتقال جماعيّة (وهذا ما يَضرب جهود أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وربما الأمريكية، طوال عقود)، وطَرد الدبلوماسيين أو فَضحهم في وسائل الإعلام، وتعزيز بروتوكولات التدقيق، ممّا يَرفع تكلفة إعادة بناء شبكات "إسرائيل".
علاوة على ذلك، فإنّ كشف أساليب الاستخبارات الإسرائيلية (مثل كيفيّة تواصلها مع العملاء، ومواقع المَقرّات والمَخابئ الآمنة، والثغرات الرقميّة) سيَسمح للجمهورية الإسلامية ولحلفائها، بشنّ هجمات إلكترونية مُضادّة، أو تنفيذ عمليات تضليل على غرار "الراية الكاذبة".
4) تعزيز الدفاع عن المنشآت النووية، التي استُهدفَت خلال السنوات الماضية، من خلال التخريب والاغتيالات والحرب الإلكترونية. فقد تكشف الوثائق عن:
أ) خطط الهجوم المستقبليّة على نطنز، أو فوردو، أو آراك.
ب) المُتعاونون الداخليون (علماء، مُهندسون، أفراد أمن).
ج) الأساليب التقنيّة المُستخدَمة في العمليات السابقة (مثل ستاكس نت).
عندها تقوم إيران بإعادة بناء بروتوكولات الأمن الداخلي في المواقع النووية، وتحديد أساليب التسلّل الإسرائيلية وعزلها، وتعزيز البنية التحتيّة الماديّة ضدّ الغارات الجويّة، أو غارات الكوماندوس، أو الاختراقات الإلكترونية.
5) التنسيق الأمني الإقليمي: بحيث يُمكن لإيران أيضاً تحذير الدول المُجاورة التي تُعَدّ قنواتٍ سلبيّة أو مُشارِكةً فاعلةً في أنشطة الاستخبارات الإسرائيلية، مثل العراق والأردن وأذربيجان، عبر تقديم أدلّة حسيّة على أدوارها.
ويبقى أن بعض الوثائق السريّة التي توصّلت لها المخابرات الإيرانية هي داتا ضخمة عن أغلب العاملين في الجيش الإسرائيلي، ضبّاطاً وجنوداً، وفي أجهزة الاستخبارات، لا سيما الموساد. المعلومات تشمل أماكن عملهم وطبيعة المَهام الموكَلة لهم، وأماكن تردّدهم ومنازلهم وأرقام هواتفهم وغيرها، لا سيما تلك الفِرق والوحدات العسكرية والأمنيّة المَنوطة بحماية المُنشآت النووية والعسكرية والأمنيّة والحيويّة الحسّاسة، ما يعني أن هذه المُنشآت أصبحت مكشوفة من جهة إحداثيّاتها وعمليات التطوير والتحديث فيها، وطبيعة مهامها وأهدافها وخططها؛ ومن جهة ثانية، هي مَكشوفة من خلال امتلاك داتا كبيرة عن حرّاسها وحُماتها، لتُصبح "إسرائيل بلا حرّاس".
2025-06-11 13:14:17 | 63 قراءة