التصنيفات » مقالات سياسية

المُعارضة البرلمانية الإسرائيلية الأكبر تتهاوى وقد يتغيّر مشهدها في الانتخابات المقبلة
المُعارضة البرلمانية الإسرائيلية الأكبر تتهاوى وقد يتغيّر مشهدها في الانتخابات المقبلة
 
• برهوم جرايسي
يدلّ تراكم سلسلة من المؤشّرات والأحداث على أن أكبر كتلتين برلمانيتين إسرائيليتين مُعارضتين للحكومة، حالياً، قد تهاوتا منذ الآن، ما يُعَزّز التقدير بأن مشهد المعارضة الحالية، في الانتخابات المُقبلة، سيَتغيّر بقدر كبير جداً، مع احتمال اختفاء أحد هذه الأحزاب من الكنيست؛ في حين أن الحزب المُتَشكّل حديثاً نسبياً، من حزبي العمل وميرتس، قد يُعَزّز حضوره من جديد، وقد يُحدِث مفاجأة بقوّته البرلمانية. وكلّ هذا ينعكس في استطلاعات الرأي العام، التي في غالبيّتها الساحقة تكرّر مشاهد انتخابات السنوات الأخيرة، بأنه لن يكون هناك حسم واضح لأيٍ من الفريقين، لتشكيل حكومة جديدة، رغم إعلان إحدى الكتلتين اللتين تُمَثّلان الجمهور الفلسطيني في الداخل، استعدادها لدعم كلّ حكومة تُوافق عليها.
المعسكر الرسمي/ أزرق أبيض
في اليومين الأوّلين من شهر تمّوز الجاري، غادَر الكتلة البرلمانية التي كان اسمها "المعسكر الرسمي"، بزعامة بيني غانتس، وبالتالي استقالا من الكنيست، كلٌ على حِدَة، رئيس الأركان الأسبق غادي أيزنكوت، وهو لم يُفاجئ بخطوته، التي جرى الحديث عنها مؤخّراً، مراراً، والنائب متان كهانا، المَحسوب أكثر على التيّار اليميني الاستيطاني.
ودخَل إلى كتلة غانتس، التي لها 8 نوّاب، نائبان جديدان. وفي اليوم التالي، قرّرت الكتلة بمُبادرة غانتس، العودة إلى اسم الحزب الأوّل، "أزرق أبيض"، مُتَخَلّية عن تسمية "المعسكر الرسمي"، الذي كان اسماً لتحالف برلماني ضمّ حزب جدعون ساعر، الذي فكّ التحالف قبل نحو عام من الآن، وعاد مع زملائه الثلاثة الآخرين، إلى حزبه الأم، الليكود.
وهذه ليست مُجَرّد استقالات، بل مؤشّر إلى "هرَب من سفينة تميل إلى الغرق"، إذ إن الكتلة التي يتزعّمها غانتس، وحصلت على 12 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، التي جَرَت في اليوم الأوّل من تشرين الثاني من العام 2022، بدأت تقفز تدريجياً في استطلاعات الرأي العام، بعد أشهر من الانتخابات، وسجّلت في بدايات الحرب على قطاع غزة، ذروة غير مسبوقة، بحصولها في سلسلة استطلاعات على 40 مقعداً، في الوقت الذي انضمّ فيه غانتس إلى حكومة الحرب، وبقي فيها 8 أشهر.
إلّا أنه بعد تلك الذروة بدأ التراجع التدريجي، حتى بات هذا الحزب يحصل في استطلاعات الرأي العام على ما بين 7 إلى 9 مقاعد؛ وهذا ليس بسبب فكّ الشراكة مع جدعون ساعر، وإنّما في تقديرنا لأن غانتس لم يطرح البديل الحقيقي للحكومة الحالية؛ وكذا الأمر بالنسبة لحزب "يوجد مستقبل"، بزعامة يائير لبيد، الذي سنأتي عليه هنا.
مع بدء التهاوي، بدأت تظهر تقارير تتحدّث عن خلافات هادئة بين أيزنكوت وغانتس، وأن الأوّل يتوق للمّنافسة على رئاسة الحزب. ورغم أن الحزب قَرّر إجراء انتخابات داخلية لرئاسة الحزب، فإن أيزنكوت لم يكن على قناعة بجديّة هذه الانتخابات، بحسب ما نُشِرَ على لسان مصادر في مُحيطه، للصحافة الإسرائيلية.
بعد خروج أيزنكوت، بدأت استطلاعات الرأي العام تطرح فرضيّة أن يشكّل حزباً جديداً. وفي هذه الفرضيّة، قالت الاستطلاعات إن حزب غانتس لن يجتاز نسبة الحسم. لكن حتى الآن ليست واضحة وجهة أيزنكوت؛ فهل حقاً سيَلجأ إلى الحزب الجديد بزعامة نفتالي بينيت، رغم الفوارق السياسية الجديّة بينهما، بمنظور إسرائيلي داخلي، أم أنه سيُشكّل حزباً، أو ينضم لحزب قائم آخر. وهنا من المُمكن أن يكون حزب "الديمقراطيون"، بزعامة يائير غولان، فرضيّة أمام أيزنكوت، حتى وإن بدت ضعيفة، وتساهم في ضعفها مسألة من يترأّس القائمة.
أما النائب متان كهانا، فمن الواضح أنه سيعود إلى شريكه السابق نفتالي بينيت، إذ إنه لم ينفض عنه. بل حينما قَرّر بينيت عدم خوض الانتخابات الأخيرة، قفَز كهانا إلى غانتس، ما يعني أن كهانا بات يمتهن القفز على الألواح العائمة في النهر الهادر، حتى يصل مبتغاه.
استناداً إلى تجارب السنين الطويلة، فإن بقاء حزب "أزرق أبيض" على الخارطة البرلمانية بعد الانتخابات المُقبلة، بات تحت علامة سؤال كبيرة. فهذا ما حصل مع الكثير من الأحزاب التي تفكّكت خلال الولاية البرلمانية، ومنها أحزاب كانت تحتل 28 مقعداً (كديما) و15 مقعداً(داش 1977، وحزب شينوي 2003)، وتهاوت بضربة واحدة؛ وغيرها من الأحزاب.
"يوجد مستقبل" والعمل
حزب "يوجد مستقبل"، الذي أسّسه يائير لبيد في العام 2012، ويتزعّمه حتى اليوم، حاله ليست أفضل بكثير من الحزب السابق ذكره، أزرق أبيض (المعسكر الرسمي سابقا). فهذا الحزب حصل في الانتخابات الأخيرة على 24 مقعداً؛ وفي مقالة سابقة في "المشهد الإسرائيلي"، عرَضنا سلسلة نتائج انتخابات إسرائيلية، تدل على أن نسبة عالية من أصوات هذا الحزب يحصل عليها من مَعاقل تقليدية سابقة لحزب العمل، الذي كلّما حقّق قفزة في الانتخابات، فإن "يوجد مستقبل" يتراجع، والعكس بالعكس صحيح.
وهذا الحزب (يوجد مستقبل) بدأت تتراجع قوّته في الاستطلاعات بعد أشهر قليلة جداً من الانتخابات الأخيرة. لكن زاد تراجعه بعد تشكيل تحالف حزبي العمل وميرتس، تحت مُسَمّى "الديمقراطيون"، وبات "يوجد مستقبل" يحصل في استطلاعات الرأي العام على ما بين 7 إلى 10 مقاعد، ولا توجد مؤشرات لاستنهاض قوّته، خاصّة وأن حزب "الديمقراطيون" تتعزّز قوّته في الاستطلاعات بشكل دائم، ولو ببطء. وهذا مؤشّر للمستقبل.
ففي حين أن حزب العمل يحتل اليوم 4 مقاعد، وحزب ميرتس كان على حافّة التمثيل البرلماني من 4 مقاعد؛ لكن خسره لنقصه 4 آلاف صوت من أصل 154 ألف صوت، كان يحتاجها ليتمثّل في الكنيست في الانتخابات الأخيرة، فإنّ الحزبين يحصلان معاً في الاستطلاعات الأخيرة على ما بين 11 إلى 14 مقعداً.
"إسرائيل بيتنا"
"إسرائيل بيتنا" هو في واقع الحال حزب يميني استيطاني مُتَطرّف؛ وجلوسه في المعارضة لحكومات بنيامين نتنياهو، لا أساس سياسياً له إطلاقاً؛ بل تقريباً هناك تطابق في المواقف السياسية مع الحكومة الحالية. والخلاف نابع من خلافات شخصية بين زعيم هذا الحزب أفيغدور ليبرمان، وبنيامين نتنياهو. وبحسب تقارير صحافية سابقة، فإنّ كلّ واحد من الاثنين يتّهم الآخر بأنه سعى لإيقاعه في قضايا فساد.
وفقط على هذا الأساس، فإنه مُصَنّف بشكل دائم في السنوات الست الأخيرة، في خانة المُعارضة لشخص نتنياهو، خاصّة وأن ليبرمان كان قد أعلن مراراً أنه حليف طبيعي في الليكود، بعد تنحّي نتنياهو.
وهذا الحزب الذي حقّق في الانتخابات الأخيرة 6 مقاعد، يحظى في استطلاعات الرأي العام على زيادة، ليست مفهومة؛ وتتراوح نتائجه ما بين 10 إلى 14 مقعداً. لكن حسب تجارب السنين، فإن نتيجة هذا الحزب في الانتخابات تكون أقل ممّا يحصل عليها في استطلاعات الرأي العام المُبكِرة.
نشير هنا إلى أن حزب "إسرائيل بيتنا"، هو حالة استثنائية لا مثيل لها في الخارطة السياسية، بالنسبة لأحزاب الشخص الواحد، بمعنى الحزب الذي يسيطر عليه شخص بمفرده، من حيث طول عمر هذا الحزب، الذي أسّسه ليبرمان في العام 1999، وما زال حاضِراً في الحلبة البرلمانية. فمثل هذه الأحزاب لا تُعَمّر طويلًا؛ ومعظمها لم يصمد سوى دورة برلمانية واحدة.
أسباب التراجع المُفترض وتقديرات المستقبل
مع تشكّل الحكومة الإسرائيلية الحالية، في اليومين الأخيرين من العام 2022، وبروز الصبغة الدينية المتزمّتة لغالبيّة نوّاب الائتلاف، الـ 64 في حينه، وتصريحات وزراء ونوّاب بشأن مُبادرات فيها تحديد للحريّات العامّة، والنوايا لتشديد أنظمة الإكراه الديني، بمُوازاة كشف خطّة ما تسمّى إسرائيلياً "الانقلاب على أنظمة السلطة"، أو "الانقلاب على جهاز القضاء"؛ كلّ هذا بدأ يخلق حالة من القلَق لدى الأوساط العلمانية، وتلك التي هاجرت إلى البلاد من دول من دون قيود مجتمعية.
وكان القلَق أكثر لدى الشرائح المَيسورة، ومن أصحاب الكفاءات المهنيّة؛ وهذا انعكس في تقارير إسرائيلية، واستطلاعات رأي عام أشارت إلى تزايد المَيل للهجرة، أو لمُغادرة البلاد لفترة ما. وكلّ هذا قبل شن الحرب على الشعب الفلسطيني في تشرين الأوّل/ أكتوبر العام 2023.
وعلى الرغم من أن أحزاب المُعارضة البرلمانية، كان صوتها واضحاً ضدّ تغيير أنظمة الحكم، لكن في بعض جوانبه كان ضعيفاً، حتى وقعَت الحرب، ليظهَر مشهد الاجماع الصهيوني المؤيّد. ولكن، مع إطالة أمَد الحرب، وتردّي الكثير من جوانب الحياة، فإنّ خطاب وأداء المُعارضة الحالية لم يعرضا البديل الواقعي لما هو قائم. ولهذا نرى حالة تخبّط عميقة في الشارع الإسرائيلي، تنعكس في حالة التأرجح السريعة في استطلاعات الرأي العام.
وتدعم هذه الفرضية النتائج التي يحصل عليها رئيس الحكومة الأسبق، نفتالي بينيت، في حال خاض الانتخابات على رأس حزب جديد، إذ يَتناوب مع الليكود على صدارة نتائج الاستطلاعات، رغم أنه هو أيضاً من عقر دار اليمين الاستيطاني المتشدّد. لكن اللجوء إليه، في غالبه، بسبب عدم الثقة بمن هم موجودون حالياً.
ما هي توقّعات المستقبل؟ تُشير غالبيّة استطلاعات الرأي العام، إلى أنه لو جرَت الانتخابات في هذه الأيام، لما كان هناك حسم لأيّ من الفريقين. وتقف في المُنتصَف الكتلتان الحاليتان اللّتان تُمَثّلان فلسطينيي الداخل، بالرغم  من أن زعيم "القائمة العربية المُوَحّدة"، منصور عباس، أعلن مراراً أنه سيسعى ليكون ضمن كلّ حكومة تقبل بحزبه، برغم أنّ من شاركهم في الحكومة السابقة، أعلَنوا رفضهم لتكرار التجربة معه.
ومن المؤكّد، بحسب تجارب السنين، أن نتائج الانتخابات الحقيقية، ستكون مُختَلفة بقدرٍ ما عمّا نراه اليوم، لأن الكثير من العوامل لا يمكن أن تكون مُكتمِلة حالياً. ونقصد العوامل التي تجعل الناخب يحسم موقفه، خاصّة من جمهور "الأصوات العائمة"، بمعنى الذين يتنقّلون من حزب لآخر في كلّ انتخابات؛ وهو جمهور في تزايد.
لكن ما يمكن استنتاجه حتى الآن هو أنّ خارطة المعارضة البرلمانية الحالية ستتغيّر في الانتخابات المقبلة، إما من خلال تحالفات بين بعضها، أو بظهور أحزاب جديدة. ويبقى السؤال عن مدى قدرتها على استبدال الحكومة الحالية؟ 

2025-07-16 12:14:32 | 14 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية