التصنيفات » مقالات سياسية

نتنياهو بين وَهْم «النصر المُطلَق» وعجز القضاء على المقاومة…

نتنياهو بين وَهْم «النصر المُطلَق» وعجز القضاء على المقاومة…

صحيفة البناء 

حسن حردان
بعد أن فَجّر نتنياهو المفاوضات وأعلن شروطه لوقف الحرب بأن تُسَلّم حركة حماس سلاحها، طُرِحَت أسئلة عدّة:
إلى متى يستطيع نتنياهو الاستمرار في الزجّ بجيشه في حرب استنزاف تزداد كلفة، وهل هو قادر على إلحاق الهزيمة بالمقاومة والقضاء عليها عبر القوّة؟ أم أنه يَتَوَهّم ذاك، وسيُواجِه الفشل تلو الفشل!
وإلى أيّ مدى تستطيع المقاومة مُواصلة شنّ حرب العصابات ضدّ جيش الاحتلال، في ظلّ الحصار الإسرائيلي الخانق على كلّ قطاع غزة؟
أوّلاً، استمرار حرب الاستنزاف وقدرة كيان الاحتلال على تحمّل تكاليفها:
تحوّلت الحرب الحالية، وفق كلّ الخبراء، إلى حرب استنزاف تزداد تكلفتها على كيان الاحتلال الإسرائيلي. بينما يمتلك جيش العدو تفوّقاً عسكرياً هائلاً، فإنّ استمرار المقاومة النوعيّة، والتي باتت أكثر قوّة وقسوة وإيلاماً لقوّات العدو، يفرض على العدو تحدّيات كبيرة على عدّة مستويات…
1 ـ التكاليف الاقتصادية والبشرية:
تتطلّب العمليات العسكرية المستمرّة إنفاقاً ضخماً. كما أنّ استدعاء أعداد كبيرة من جنود الاحتياط يؤثّر على الاقتصاد الإسرائيلي ويضغط على القوى العاملة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الخسائر البشرية المُتزايدة بين الجنود، تؤثّر على الروح المعنوية للجيش والرأي العام الإسرائيلي؛ وبالتالي على الاستمرار في حرب لم تعد مُجدِية في ظلّ الفشل المستمر في تحقيق الأهداف المُراد منها.
2 ـ الضغوط السياسية الداخلية والدولية:
يُواجِه نتنياهو ضغوطاً داخلية مُتزايدة من عائلات الأسرى، وأُسَر الجنود، ومن حركة الاحتجاجات المُطالِبة بصفقة تَبادل شاملة. كما أنّ استمرار الحرب يؤدّي إلى تآكل الدعم الدولي، وتزايد الانتقادات بسبب المُعاناة الإنسانية في غزة الناتجة عن حرب الإبادة الجماعيّة. يُمكن لنتنياهو الاستمرار في الحرب ما دام قادراً على حفظ تماسك ائتلافه الحكومي وضمان دعم قاعدته الليكودية؛ لكن ذلك يعتمد بشكل كبير على قدرته على إدارة هذه الضغوط المُتصاعدة.

ثانياً، وَهْم «النصر المُطلَق» وإمكانية القضاء على المقاومة؛
هل يُمكن لإسرائيل «القضاء» على المقاومة وإلحاق الهزيمة بها عبر القوّة؟
يرى العديد من المُحَلّلين أنّ هذا الهدف، كما صاغه نتنياهو، هو وَهْمي إلى حدّ كبير، وربما يقود إلى الفشل المُتَكرّر.. لعدّة أسباب:
السبب الأوّل، تجذّر حركة المقاومة: إنّ حركة حماس، وغيرها من حركات المقاومة، ليست مُجَرّد جيش تقليدي يُمكن تدمير بنيته التحتيّة العسكرية؛ بل هي حركة سياسية واجتماعية متجذّرة في قطاع غزة. في حين يُمكن لجيش الاحتلال تدمير بعض القدرات العسكرية للمقاومة، فإنه يصعب عليه تدمير كلّ قدراتها، فيما يستحيل القضاء على الفكرة أو الدعم الشعبي للمقاومة، لأنّ ذلك أمر بالغ الصعوبة عبر القوّة العسكرية وحدها.
السبب الثاني، جيش الاحتلال في مُواجهة حرب العصابات:
جيش الاحتلال الإسرائيلي مُصَمّم للحرب التقليدية، ولكنه يُواجه صعوبات في التعامل مع حرب العصابات التي تخوضها المقاومة في قلب المدن والأحياء الشعبية.. فالتجارب السابقة، مثل حرب فيتنام أو العراق أو أفغانستان، إلخ…، أظهَرت أنّ القوّة الاستعمارية الأكبر في العالم واجهت تحدّيات هائلة في سعيها إلى هزيمة حركات المقاومة الشعبية المسلّحة.. وهي في كلّ هذه التجارب فشلت ومُنِيَت بالهزيمة النكراء، عندما اضطرّت القوّات الأميركية المحتلّة إلى الانسحاب تحت ضربات المقاومة..
إنّ التكتيكات العسكرية لا يُمكن أن تحقّق «النصر المُطْلَق» الذي يقضي على المقاومة، خاصّة أنّ المقاومة قادرة على التجدّد والظهور في أماكن مختلفة، كما برهنت في الفترة الأخيرة، من خلال نَصْب كمائنها وتوجيه الضربات القويّة لجنود العدو في مناطق قريبة من السياج الحدودي لقطاع غزة، مثل بيت حانون، والمُفترَض أنها أصبحت تحت السيطرة الكاملة لجيش الاحتلال.
السبب الثالث، صمود المقاومة في ظلّ الحصار: إنّ قدرة المقاومة على مواصلة حرب العصابات، في ظلّ الحصار الإسرائيلي الخانق على غزة، تُثير التساؤلات لدى المُراقبين وتُحَيّر حكومة العدو، التي راهنت على إخضاع المقاومة وفرض الاستسلام عليها، من خلال تشديد الحصار والسيطرة على آليات توزيع المساعدات.. لكنّها فوجئت بأنّ ذلك لم يُحَقّق هدفها المذكور، وأنّ الشعب الفلسطيني الذي يزداد ألماً من سياسة التجويع الإسرائيلية والمجازر اليومية التي تُنَفّذ ضدّه، لم يرضخ وينقلب ضدّ مقاومته، أو يَعْمَد إلى الضغط عليها للقبول بشروط العدو.
1 ـ مقاومة حصار الأنفاق:
تعتمد المقاومة بشكل كبير على شبكة الأنفاق، التي أتاحت لها الاختباء والتنقّل وتخزين الأسلحة، ممّا قَلّل من تأثير الحصار عليها.. ورغم المحاولات الإسرائيلية لتدمير هذه الشبكة، فإنها لا تزال بمعظمها تُمَثّل تحدّياً كبيراً لجيش الاحتلال.
2 ـ الاستنزاف والتكتيكات غير المُتماثلة:
تُواصل المقاومة شنّ حرب العصابات، مُستفيدة من تطويع أرض غزة عبر بناء مدينة تحت الأرض، ومن التعقيدات السكنيّة فيها. هذه الاستراتيجية لا تهدف إلى تحقيق نصر عسكري تقليدي، بل إلى استنزاف قوّات العدو، وإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بها، وزيادة التكاليف على كيان الاحتلال.. بحيث تؤدّي إلى إنهاكه وجعله غير قادر على تحمّل كلفة استمرار حربه والبقاء في غزة.
3 ـ الواقع على الأرض:
رغم الخسائر الجسيمة والدمار الهائل في غزة، فإنّ قدرة المقاومة على الاستمرار في شنّ الهجمات الصاروخية وعمليات الاستهداف المُباشر لقوّات العدو، تُظهِر قدرة على التكيّف والصمود.. إنّ استمرار المقاومة في القتال وتوجيه الضربات المؤلِمة للعدو يؤكّد أنها قادرة على إدامة استنزاف جيش الاحتلال، عسكرياً وبشرياً.. وإفشال رهانه على ضعفها.
ثالثاً، مأزق الاستنزاف:
إنّ استمرار القتال الضاري يعكس مأزقاً استراتيجياً:
*بالنسبة لإسرائيل ونتنياهو: إنّ هدف «القضاء على حماس» بالقوّة يبدو بعيد المنال، وتزداد تكلفة مُحاولة تحقيقه يوماً بعد يوم، ممّا يُهَدّد الاستقرار الداخلي لكيان العدو.
*أما بالنسبة للمقاومة.. رغم الحصار والدمار، فإنها تواصل حرب العصابات بكفاءة وشدّة، وتُظهِر قدرة على الصمود، ممّا يجعلها قادرة على مُواصلة حرب الاستنزاف وإفشال الأهداف الإسرائيلية المُعلَنة.
هذا الوضع يُشير إلى أن لا حلّ عسكرياً كاملاً يلوح في الأفق، وأنّ كلا الطرفين يواجه تحدّيات كبرى في ظلّ حرب الاستنزاف الحالية.. مع الأخذ بالاعتبار بأن ليس لدى المقاومة والشعب الفلسطيني من خيار سوى التحمّل ومُواصلة المقاومة، لأنّ البديل هو الاستسلام ونكبة فلسطينية ثانية، خَبِر الشعب الفلسطيني مَرارتها ونتائجها الكارثيّة، عليه وعلى قضيّته…

2025-07-16 12:16:26 | 18 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية