نهج الحرب وديمومتها وتوسيعها انعكس على كافة المؤشّرات الاقتصادية الإسرائيلية الأخيرة!
برهوم جرايسي
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة
25/8/2025
انعكَست منهجيّة الحرب وديمومتها وتوسيعها، التي تقودها الحكومة الإسرائيلية، على كافّة المؤشّرات الاقتصادية الأخيرة، من حيث مستوى النمو الاقتصادي، بتخفيض تقديراته للعام الجاري، وقرار بنك إسرائيل المركزي، المُبكر، قبل موعده المُعلَن سابقاً، باستمرار الفائدة العالية، وقرار الحكومة بزيادة ميزانيّة الجيش بنحو 9 مليارات دولار، على حساب الميزانيّات الاجتماعية الأساسيّة وزيادة العجز في المُوازَنة العامّة؛ بمعنى زيادة المديونيّة. وإلى جانب هذا كلّه، تقول التحليلات الإسرائيلية إن نهج الحكومة، وقراراتها المُتَتالية، وتصريحات رئيسها وأبرز الوزراء، في اتجاه توسيع الحرب أكثر على قطاع غزة، من دون أيّ مؤشّر لوقفها كلّياً، تخلق حالة من البَلبَلة بشأن مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي.
فقد قَرّر بنك إسرائيل المركزي تقديم موعد الإعلان عن الفائدة البنكيّة، بنحو 5 أيام، ولربما كي يقطع الشكّ باليقين؛ إذ أعلَن يوم 20 آب الجاري، عن الإبقاء على الفائدة البنكيّة الأساسية، وهي بالمُجمَل 6%، منها 1.5% ثابتة. وهذا على الرّغم من لَجم وتيرة التضخّم المالي، التي باتت حتى نهاية تمّوز بنسبة 3.1% في الحساب السنوي.
ويقول المحلّل الاقتصادي أدريان بايلوت، في مقال له في صحيفة "كالكاليست"، إن في خلفيّة قرار بنك إسرائيل إبقاء الفائدة البنكيّة عند مستواها الحالي عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد، والعجز المالي المُتَزايد في المُوازَنة العامّة، لتَمويل مصاريف الحرب وتوسيعها. ويرى المُحَلّل أنه قرار مسؤول من البنك، على الرغم من غضب الأوساط الاقتصادية.
ويقول: لقد أكّد أعضاء اللجنة الخاصّة بشأن الفائدة في البنك المركزي، على أهميّة الاعتبارات الجيوسياسية في إدارة السياسة النقدية، وعلى ضرورة مُراعاة حالة عدم اليقين الجيوسياسي، مع مَيْل طفيف نحو استمرار الحرب وتفاقمها. وليس من قبيل الصدفة أن تَظهَر هذه المسألة الشائكة في بداية الجملة التي تُلَخّص قرار سعر الفائدة اليوم: "في ظلّ حالة عدم اليقين الجيوسياسي، سيُحَدّد مسار سعر الفائدة وفقاً لتقارب التضخّم مع هدفه، واستقرار الأسواق المالية، والنشاط الاقتصادي، والسياسة المالية".
ويتابع بايلوت: "مع ذلك، تأتي الجُملَة الأكثر أهميّة لاحقاً في القرار، عندما تستعرض لجنة الفائدة البنكيّة قرار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش برفع سقف العجز للعام 2025 للمرّة الثالثة، إلى نسبة 5.2% من حجم الناتج العام (عجز يُقارِب 31 مليار دولار). ومع إطالة أمَد الحرب وتصاعد حدّتها، هناك خطَر أن تستمر قيود العَرض في إعاقة انتعاش النشاط، وأن يكون النمو أكثر اعتدالًا، وأن يرتفع عجز الموازنة والتضخّم". وقال المحلّل إن سياسة الحكومة الماليّة لا تُسهِم حقاً في تحقيق التحوّل في مستوى الفائدة، الذي طالَ انتظاره.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد قرّرت، في الأسبوع الماضي، زيادة ميزانيّة الجيش بنحو 31 مليار شيكل، ما يُعادِل تقريباً 9 مليارات دولار؛ وقسم كبير من هذه الزيادة سيكون على حساب تقليص الميزانيّات الاجتماعية كلّها، من صحّة وتعليم ورفاه، وبنى تحتيّة وغيرها.
ويقول المحلّل الاقتصادي، غاد ليئور، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، "إن بنك إسرائيل المركزي يُواصِل التزامه الحذَر الشديد في سياسته المتعلّقة بمستوى الفائدة. ولم يُخَفّضها مُجَدّداً للمرّة الثالثة عشرة على التوالي، مُبقِياً سِعر الفائدة الأساسي في الاقتصاد على حاله".
لكن القرار أثار غضب العديد من قادة المؤسّسات الاقتصادية وخُبَراء الاقتصاد، الذين يرون أنه كان من المُناسب خفض الفائدة الآن، ولو لمرّة واحدة، ودراسة عواقب الخفض. وأشار الاقتصاديون، في تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى أنه من المُمكِن دائماً رفع سِعر الفائدة مُجَدّداً إذا اتّضح أن هذه الخطوة تضرّ بالاقتصاد.
وحسب قادة المؤسّسات الاقتصادية، الذين انتقَدوا قرار البنك المركزي، فإن "كلّ شهر إضافي من ارتفاع أسعار الفائدة هو شهر من تباطؤ النمو، ممّا يُلحِق الضرَر بالشركات الصغيرة والمتوسّطة، ويُفاقِم الوضع".
ويقول ليئور: "في الواقع، لا تزال إسرائيل الدولة الوحيدة من بين الدول المتقدّمة اقتصادياً في العالم، التي لم تُخَفّض الفائدة، ولو لمرّة واحدة خلال الأشهر العشرين الماضية، منذ كانون الثاني من العام الماضي 2024. إذ يعتقد العديد من خُبَراء الاقتصاد في البنوك وشركات الاستثمار الآن أنّ احتمالات أوّل خفض للفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية قد زادت في 29 أيلول المُقبِل، شريطَة أن يكون التضخّم قد هبَط عن سقف الحدّ الأقصى المُخَطّط له، 3٪.
وبحسب قادة المؤسّسات الاقتصادية، الذين انتقَدوا قرار البنك المركزي، فإن "كلّ شهر إضافي من ارتفاع أسعار الفائدة هو شهر من تباطؤ النمو، ممّا يُلحِق الضرَر بالشركات الصغيرة والمتوسّطة، ويُفاقِم الوضع".
التضخّم المالي
وكان التضخّم المالي (الغلاء) في شهر تمّوز الماضي، قد سَجّل ارتفاعاً بنسبة 0.4%، بحسب ما أعلَنه مكتب الإحصاء المركزي. وهذا يعني أن الغلاء سَجّل منذ العام الجاري ارتفاعاً بنسبة 2.5%. وفي حسابات الأشهر الـ 12 الأخيرة، تراجع التضخّم المالي إلى نسبة 3.1%، مُقابِل نسبة 3.3% كانت في شهر حزيران الماضي. وهذا التراجع نابع من أن التضخّم في شهر تمّوز العام الماضي 2024، كان قد ارتفع بنسبة 0.6٪.
وهذا المقياس السنوي الذي يتّبعه الخُبَراء لاحتساب وتيرة التضخّم السنوية، يدخل أيضاً في حسابات واعتبارات بنك إسرائيل المركزي، لتحديد الفائدة البنكيّة.
ويتحرّك التضخّم في الأشهر الأخيرة بوتيرة سريعة، في الاتجاهين (ارتفاع وهبوط)، ما يعكس حالة عدم الوضوح في الاقتصاد الإسرائيلي، التي لربّما بالإمكان القول إنها انعكست، أيضاً، في امتناع خُبَراء ومعاهد اقتصادية مختصّة عن التنبّؤ بشأن التضخّم المالي في شهر تمّوز الماضي. وهذه تقديرات تسبق الإعلان الرسمي عن التضخّم بيوم أو يومين، إذ إن كلّ التقديرات، خاصّة في الأشهر الأربعة الماضية، فشلت فشلًا واضحاً في الاقتراب إلى نسبة التضخّم الحقيقية.
وتتّجه الأنظار حالياً إلى إعلان مكتب الإحصاء المركزي عن نسبة التضخّم في شهر آب الجاري، التي سيُعلَن عنها في منتصف شهر أيلول المقبل. وحسب التقديرات، فإن التضخّم سيكون في محيط 0.6% ولربّما أقل، وهذه النسبة من شأنها أن تُخَفّض نسبة التضخّم للأشهر الـ 12 الأخيرة، كون أن التضخّم في شهر آب من العام الماضي 2024، ارتفع بنسبة 0.9%، ما يعني أنه في حسابات الأشهر الـ 12 سينخفض التضخّم عن نسبة الحدّ الأقصى التي حَدّدها بنك إسرائيل للتضخّم، 3٪.
ويقول المحلّل غاد ليئور إن مؤشّر أسعار المُستَهلِك شهد تقلّبات حادّة مؤخّرًا. وهناك عدّة أسباب لذلك، بعضها مُرتَبط بالحرب وغلاء المعيشة، بالإضافة إلى الارتفاعات غير المُتَوَقّعة في أسعار تذاكر الطيران، التي تؤثّر بشكل كبير على عملية الحساب. علاوة على ذلك، من المرجّح أن يؤدّي قرار توسيع نطاق الحرب على غزة، والذي سيتطلّب تعبئة واسعة النطاق لجنود الاحتياط، وزيادة في الإنفاق الدفاعي، إلى تعميق العجز في المُوازَنة العامة، في العام الجاري.
إلّا أن اللافت للنظر في التقارير الاقتصادية، أن 25% من إجمالي نسبة ارتفاع التضخّم في شهر تمّوز الماضي، كانت نابعة من ارتفاع أسعار تذاكر السفر، بمعنى 0,1% من أصل 0.4%، رغم أن غالبيّة الجمهور لا تُسافِر بالرحلات الجويّة. كما أن هذا الارتفاع طرَأ على الرغم من تراجع قيمة الدولار أمام الشيكل منذ مطلَع العام الجاري، بما بين 7% إلى 8٪.
وحول مساهمة تذاكر السفر في احتساب التضخّم، للمرّة الثانية خلال هذا العام، يقول البروفيسور شمعون شطريت، لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، وهو مَن كان في ما مضى وزيراً للاقتصاد والتخطيط، واليوم يترأس لجنة لفحص شكل النظام الحاكم، "إن طريقة احتساب مؤشّر أسعار المُستَهلِك، التي أدّت إلى ارتفاع حاد في أسعار تذاكر الطيران، مُشَوّهة تماماً. فمن المستحيل أن يؤدّي تغيير أسعار تذاكر الطيران إلى ارتفاع أو انخفاض في المؤشّر، إذ إن معظم الجمهور لا يُسافِر جواً إلى الخارج، بل يتوجّه إلى السوبر ماركت ويشتري المَلابس والسّلع الاستهلاكية والأجهزة الكهربائية. هذا أمرٌ مُستَهجن، لا سيما في ظلّ فشل السوق في مجال أسعار الرحلات الجويّة وغياب المُنافَسة الحقيقية نتيجة لخروج شركات الطيران الأجنبيّة من السوق بشكل مُتَقَطّع".
وحول تأثير نسب التضخّم على الجمهور، يقول شطريت، "يَستخدم الاقتصاد مؤشّر أسعار المُستَهلك في قروض السكن والقروض المُرتَبطة به، وفي حساب زيادات الأجور، وفي تحديد زيادات أسعار الخدمات والمُنتَجات. لهذا، فإن الحساب المُشَوّه الناتج عن مؤشّر، والذي لا يعكس الواقع الاقتصادي الحقيقي حالياً، يُثقِل على كاهل الإدارة الاقتصادية الفعّالة. فهو يمنع تخفيضات أسعار الفائدة، ويُضرّ بالنمو، ويزيد من تكلفة القروض، لا سيما تلك المُرتَبِطة بالمؤشّر. كلّ هذا في حين يُعاني الاقتصاد في ظلّ نظام أسعار فائدة مُرتَفعة للغاية، وفجوة بين فوائد القروض والسّحب الزائد من الحسابات البنكيّة، وفوائد الحسابات الجارية، والودائع التي يتلقّاها الجمهور. وقد رأينا في الأيّام الأخيرة، الأرباح الفلكيّة للبنوك بسبب ارتفاع الفائدة، ممّا يُشير إلى استمرار فشل السوق. في هذا الصدد، يُفَضّل المُحافِظ استقرار البنوك على ضمان عدالة التعامل مع أصحاب الحسابات البنكيّة".
وقال شطريت: "نحن بحاجة إلى تشكيل لجنة في أقرب وقتٍ مُمكن لدراسة جميع مُكَوّنات المؤشّر ووزنها الحقيقي، لتصحيح الوزن الزائد، كما ذُكِر، للرحلات الجويّة الخارجية. من غير المُمكِن لرحلة جويّة إلى الولايات المتحدة أو لندن أن تُحَدّد مُعَدّل الزيادة في المؤشّر بهذه الدرجة الكبيرة".
انكماش النمو في الربع الثاني وخفض التوقّعات
وأعلن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، في الأسبوع الماضي، أن الاقتصاد الإسرائيلي سَجّل في الربع الثاني من العام الجاري (نيسان- حزيران) انكماشاً بنسبة 3.5%؛ وهذا بفعل الحرب على إيران في شهر حزيران التي استمرّت 12 يوماً.
وعلى الرغم من هذا، فإن التقديرات الإسرائيلية الرسمية تتوقّع أن يُسَجّل الاقتصاد الإسرائيلي في العام الجاري، 2025، نمواً بنسبة تَتراوح ما بين 3.1% إلى 3.3٪.
وكان الخبير الاقتصادي الرئيسي في وزارة المالية، د. شلومو أبرامزون، قد خَفّض قبل أيّام، تقديرات الوزارة للنمو الاقتصادي في العام الجاري، من 3.6% في تقديرات حزيران الماضي، إلى نسبة 3.1%. إلّا أن الوزارة رفعَت في المُقابِل تقديراتها للنمو في العام المقبل 2026، إلى 5.1%، بدَلًا من 4.4% في تقديرات حزيران.
وسبَق وزارة المالية في خفض تقديرات النمو بنك إسرائيل المركزي، الذي أعلَن أن النمو هذا العام سيكون 3.3٪.
وكانت ميزانيّة العام الجاري 2025 قد تمّ إعدادها على أساس أن النمو سيَرتفع في العام الجاري بنسبة 4.3%. وهذا الخفض الحاد في التقديرات يدلّ على أن قطاعات واسعة في الاقتصاد الإسرائيلي تشهد تباطؤاً، إلى جانب التراجع في الاستهلاك الفردي.
وجاء تقدير الوزارة الجديد، تمهيداً لطلَب وزارة الماليّة من الكنيست زيادة العجز في ميزانيّة العام الجاري، لغرَض تحويل 28 مليار شيكل (قرابة 8.1 مليار دولار)، إلى وزارة الدفاع.
وقالت صحيفة "ذي ماركر" إن تعديل الميزانيّة الذي أجْرَته وزارة الماليّة، جاء في أعقاب صياغة ليست صحيحة، بشأن توقيت انتهاء الحرب؛ إذ كان سيناريو الحرب الذي اعتمَدت عليه الوزارة هو انتهاؤها في النصف الأوّل من العام الجاري، وعدم توسيع نطاق العمليّات إلى ساحات حرب إضافيّة. لكن في الواقع، تستمرّ الحرب على غزة، وقد تَتوسّع.
وقالت وزارة المالية إن التعديل أُجرِي في ضوء الضرَر الذي لحِق ببيانات الربع الثاني من العام الجاري، نتيجة توقّف النشاط الاقتصادي لمدّة أسبوعين تقريباً في حزيران، خلال الحرب على إيران. وقد عَوّض النشاط الاقتصادي المُتَزايد في الربع الثالث من العام بعض الضرر، إلّا أن الوزارة توضِح أن الربع الثالث سيتأثّر بزيادة تعبئة الاحتياطيات مُقارَنةً بالسيناريو الأساسي الأصلي.
وفي تقديرات وزارة الماليّة الجديدة، أن العام المُقبِل 2026 سيكون عام انتعاش اقتصادي، ما سيؤدّي إلى تحوّل تصاعدي في النمو. وبعد العام 2026، تُقَدّر وزارة الماليّة بأن مُعَدّل النمو سيَبدأ بالتقارب مع مُعَدّل النمو المُحتَمل للاقتصاد. كما تُقَدّر الوزارة بأن هناك ارتفاعاً طفيفاً في مُعَدّل البطالة العام 2025 ليَصل إلى 3.6%، على أن يتراجع هذا الارتفاع في العام 2026 ليَصل إلى 3.2٪.
2025-09-02 09:35:53 | 7 قراءة