التصنيفات » مقالات سياسية

نسبة الحسم وتطلّعات خدمة مصالح نتنياهو السياسية!
نسبة الحسم وتطلّعات خدمة مصالح نتنياهو السياسية!
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة 
27 أكتوبر 2025
• شيرين يونس
باتت الأحزاب والحركات السياسية في إسرائيل تستعدّ للانتخابات العامّة التي ستُعقَد في موعدها الأساسي (تشرين الأوّل 2026) في أقصى حد، إن لم يُحَلّ الكنيست ويُحَدّد موعدٌ قبله لانتخابات مُبكِرة. ومع هذه الاستعدادات، يعود إلى الواجهة عدد من المواضيع التي تُطرَح غالباً عشيّة كلّ انتخابات، وعلى رأسها خفض "نسبة الحسم" التي تبلغ حالياً 3.25% من الأصوات الصالحة.
ويأتي مُقتَرَح خفض نسبة الحسم هذه المرّة من جانب الائتلاف الحكومي في مُحاوَلة على ما يبدو لضمان وصول كلّ شركاء بنيامين نتنياهو في الحكومة إلى الكنيست المقبل، خاصّة أن الاستطلاعات الأخيرة التي تُجريها مراكز الاستطلاع المُعتَمَدة أظهَرت تراجعاً في شعبيّة الائتلاف الحكومي بشكلٍ لا يُتيح لأحزابه تشكيل الحكومة المقبلة، ويُبقي حزب "الصهيونية الدينية" الذي يقوده الوزير بتسلئيل سموتريتش خارج الكنيست .
لذا ليس صدفة أن يكون النائب عن "الصهيونية الدينية"، سمحا روتمان، الذي يترأس اللجنة البرلمانية لشؤون الدستور والقانون والقضاء هو من يعمل على طرح مشروع قانون خفض نسبة الحسم، ويتواصل مع الكتل المختلفة، بما فيها العربية، لتحقيق هذا الغرَض، الذي يقول موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" إنه قد يأتي ضمن ثلاثيّة قانونيّة تُعَدّ "مُغرِية" لأحزاب المعارضة. فخفض نسبة الحسم من شأنه أن يوصِل "الصهيونية الدينية" إلى الكنيست؛ كما يُقَلّل من أضرار الأصوات "المحروقة" في كتلة اليمين.
حُدّدَت نسبة الحسم القانونية قبيل انتخابات الكنيست الثاني العام 1951، إذ بلَغت النسبة مع انتخاب الكنيست الأوّل 0.83% من الأصوات؛ بينما حُدّدَت النسبة القانونية لاحقاً بواحد بالمائة من أصوات الناخبين؛ وعُرّفَت نسبة الحسم بنسبة الأصوات الصالحة التي يجب أن يحصل عليها كلّ حزب كي يتمكّن من المشاركة في تقاسم مقاعد الكنيست البالغ عددها 120 مقعداً. وقد عُمِلَ بهذه النسبة لأطول مدّة برلمانية، إذ امتدّت بين الكنيست الثاني وحتى الثاني عشر لواحد وأربعين عاماً (حتى انتخابات 1992). عشيّة انتخابات 1992، رُفِعَت نسبة الحسم إلى 1.5%؛ وقد أدّى هذا الرفع إلى تحالف بين "مبام" و"راتس" و"شينوي" لتشكيل قائمة ميرتس. وفي الجانب الحريدي، تحالف أغودات يسرائيل  وديغل هتوراه لتشكيل يهدوت هتوراه؛ واستمرّ العمل بهذه النسبة حتى الكنيست السادس عشر؛ فيما رُفِعَت بعد ذلك إلى 2%، عُمِل بها حتى الكنيست التاسع عشر، وذلك بعدما كان النائب في الليكود في حينه، جدعون ساعر، قد اقترَح رفع نسبة الحسم إلى خمسة أو عشرة بالمائة... أما في العام 2015، فقد رُفِعَت نسبة الحسم مجدّداً إلى 3.25%؛ وهي النسبة التي دفعَت الأحزاب العربية عشيّة الانتخابات لإعلان تشكيل  القائمة المشتركة التي حظِيت بثلاثة عشر مقعداً، تحوّلت من خلالها إلى القوّة البرلمانية الثالثة؛ فيما أدّت هذه النسبة في انتخابات العام 2019 إلى خسارة 8.49% من أصوات المجتمع اليهودي  بعد خسارة حزبي "اليمين الجديد" و"زهوت"، وأزمة سياسية في إثر عدم قدرة أيّ مرشّح على تشكيل حكومة (حصَل معسكر نتنياهو على ستّين مقعداً، وليبرمان بات معدوداً على المعارضة). وتوجّهت إسرائيل بعد ذلك إلى خمس جولات انتخابية. في انتخابات العام 2022 التي انتَهت بتشكيل بنيامين نتنياهو حكومته الحالية، بلغَت نسبة الأصوات التي لم تحصل على تمثيل في الكنيست 8.76%، بعد أن أخفَق التجمّع الوطني الديمقراطي وحزبا ميرتس و"البيت اليهودي" بتجاوز نسبة الحسم.
طُرِحت نسبة الحسم من جانب مؤيّدي رفعها دائماً كمُحاوَلة لتثبيت "الحوكمة" وتحسين أداء الائتلاف الحكومي ومنع تعرّض الحكومة لتصدّعات أو ابتزازات ائتلافيّة تفرضها الكتل الصغيرة التي لا تحظى  بعدد كبير من المقاعد، وتقليص عدد الأحزاب المُمَثّلة في الكنيست. لكن ذلك لم يَحُل دون مُحاوَلة استخدامها أداة وفق مصالح الأحزاب السياسية المختلفة؛ إلى جانب أن الشراكات التي خلقَها رفع نسبة الحسم بين أحزاب تتشارك رؤى أو برامج معيّنة لم يمنع تماماً وجود الأحزاب الصغيرة التي يُسارِع بعضها إلى فضّ تلك الشراكات بعد الانتخابات مباشرة. أما مُعارِضو رفع نسبة الحسم، فيَقولون  إن ذلك الرفع يُقَلّل فُرَص الأقليّات (ليس بالضرورة القومية فحسب) والأحزاب الصغيرة في الحصول على تمثيل سياسي، ويزيد هيمنة الأحزاب الكبرى التي يمكنها تجنيد ناخبيها بكلّ الأحوال.
منذ رفعها العام 2015، شهِد الكنيست عدداً من المحاولات لإعادة خفض نسبة الحسم، بذرائع يبدو ظاهرها مختلفاً تماماً عن جوهرها، خاصّة أن عامي 2020 و2021 شهدا عدداً من مشاريع القوانين التي كانت تخدم حزب الليكود بشكلٍ أساس، بغضّ النظر عن هويّة مُقَدّميها. أحد هذه المشاريع قَدّمه في حينه نائب من تحالف يهدوت هتوراه الحريدي بحجّة الأضرار التي تُسَبّبها نسبة الحسم "العالية" بالأحزاب الصغيرة؛ لكن المشروع في حينه مثّل مُحاوَلة لفضّ الشراكة بين ديغل هتوراه وأغودات يسرائيل، التيّارين الأساسيين في يهدوت هتوراه؛ فيما استهدف مشروع آخر قَدّمه الليكود القائمة المشتركة. كما استهدفت بعض المشاريع تحالفات اليمين المتشدّد التي سعى بنيامين نتنياهو لتفكيكها في مرحلة سبقت انتخابات  2022 (في هذه الانتخابات عَمِلَ على إعادة بنائها بهدف تعزيز مُعَسكِره).
ماذا يُقال عن المبادرة الجديدة لخفض نسبة الحسم؟
أثارَ النشر الصحافي عن مبادرة سمحا روتمان للتواصل مع رؤساء الكتل البرلمانية لجسّ النبض، سلسلة من ردود الفعل الإعلامية والحزبية وفي أروقة المؤسسات البحثيّة. فداخل الائتلاف الحكومي تُظهِر التقارير أن معظم أحزاب الائتلاف تؤيّد هذه الخطوة، خاصّة "الصهيونية الدينية"، للأسباب التي جئنا عليها سابقاً؛ وكذلك يهدوت هتوراه التي يبدو أن حزبيْها ما زالا يشهَدان خلافات داخلية وصراعاً على التأثير، يمكن لخفض نسبة الحسم أن تُغنياهما عنها؛ بَيْدَ أن الحزب المُعارِض الأساسي في الائتلاف هو شاس، الذي يخشى فقدان السيطرة على الصوت الحريدي وتحوّل جزء من الأصوات لمصلحة حزب الوزير السابق إيلي يشاي.
أما في المعارضة، فتقول معظم الأحزاب إن هذه المبادرة تهدف إلى إبقاء بنيامين نتنياهو في سدّة الحكم والالتفاف على رغبة الشارع الإسرائيلي في إحداث تغيير، خاصّة بعد أحداث السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 التي يُحَمّل فيها معظم الإسرائيليين الحكومة الحالية المسؤولية عنها.
وفي الأحزاب العربية التي تشهد حراكاً بطيئاً لإعادة تشكيل القائمة المشتركة، سجّلت المبادرة مُناسبَةً لتجديد المُناكَفات بين تلك الأحزاب، خاصّة مع الإعلان أن روتمان تَوَجّه إلى رئيس قائمة الجبهة والعربية للتغيير أيمن عودة لمعرفة موقف حزبه من المسألة، وسط موقف مُعلَن بأن الكتل العربية لن تكون في خدمة بنيامين نتنياهو، وستسعى لتشكيل قائمة مشتركة تعزّز تأثير المواطنين العرب في الكنيست، بغضّ النظر عن نتيجة مساعي الائتلاف لخفض نسبة الحسم.
في الاتجاه نفسه، أصدَر "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" ورَقة موقف جديدة، قال فيها إن نسبة الحسم في إسرائيل تُعَدّ جيّدة قياساً  بما تشهده دول برلمانية أخرى، مُشيراً إلى أن رفع النسبة سابقاً جاء بهدف تعزيز الحوكمة وتقليص عدد الأحزاب وسط شكوك بتحقيق أهدافه، إذ تعلّمت الأحزاب تَفاديه من خلال إنشاء تحالفات مشتركة وفضّها بعد الانتخابات. كما أن النقاش الجديد لا يُبَشّر بالخير، ومن شأنه أن يعزّز حالة الاستقطاب في الساحة السياسية، إلى جانب أن خفض نسبة الحسم يُساعد الأحزاب الممثّلة في الكنيست، ولا يضمن تمثيل الأصوات الغائبة. 
وفي هذا السياق، يقول المعهد إن الخطوة المطلوبة لصنع التغيير هي التحوّل إلى طُرُق جديدة في الانتخابات النسبيّة مُتّبَعة في دول أخرى، وتشمل التصويت للحزب و"تدريج" نوّابه من قِبَل الجمهور من خلال قائمة مُرَشّحيه في يوم الانتخابات.
خلال المرحلة المقبلة، من المتوقّع أن يُواصِل الائتلاف الحكومي مَساعيه لخفض نسبة الحسم، وسط محاولات لضمان طَوْق النجاة لشاس وكَسْبِها في التصويت. لكن ما سيُحَدّد وجهة الحكومة ورئيسها في هذه القضية هو استطلاعات الرأي العام التي تُنشَر أسبوعياً، ومدى قدرة نتنياهو على تشكيل ائتلاف جديد من جهة؛ ومن جهة أخرى، التحالفات المُحتمَلة أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية بعد الانتخابات، خاصّة إن نشأت ظروف مواتية تمنحه بدائل عن سموتريتش وإيتمار بن غفير، لا سيما وأن المشهد الحالي في إسرائيل بعد الحرب على غزة يوحي بارتباط مستقبل نتنياهو السياسي  بشكل كبير بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبالسياسة  التي يُريد هذا الأخير أن تتّبعها الحكومة الإسرائيلية المقبلة.

2025-11-05 13:50:24 | 22 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية