ممداني و"إسرائيل" ويهود نيويورك
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة
10 نوفمبر 2025
• وليد حباس
فاز زهران ممداني في الانتخابات لرئاسة بلديّة نيويورك، وهي المدينة التي تضم أكبر جالية يهودية في العالَم خارج إسرائيل، ووصَلت في العام 2024 إلى ما بين 1.6 إلى 1.8 مليون شخص، أي خمس سكّان المدينة الكبرى. تستَعرض هذه المقالة مواقف ممداني من إسرائيل، والحرب على غزة، وكيف يتفاعل المجتمع اليهودي في نيويورك مع فوزه.
مواقف ممداني من إسرائيل
مع أن ممداني يعترف بحقّ إسرائيل في الوجود، فإنه يرفض تعريفها كدولة يهودية، ويدعو إلى دولة واحدة تقوم على المُساواة بين جميع سكّانها. ويُعتَبَر ممداني أوّل مرشّح ديمقراطي يُعلِن دعمه العلني لحركة مُقاطَعة إسرائيل (BDS) . كما يُعتَبَر ناشطاً بارزاً ضدّ سياسات إسرائيل، ويرفض زيارتها؛ وهو تقليد التزمه جميع رؤساء بلديّة المدينة منذ العام 1951. وقد طرَح ممداني في السابق مشروع قانون لوقف تمويل الجمعيّات التي تدعم المستوطنات أو عائلات جنود الجيش الإسرائيلي. كما تعهّد ممداني، في خطاباته السابقة، بمُكافَحة جرائم الكراهية وإنشاء إدارة جديدة للأمن المجتمعي وزيادة تمويل برامج مُكافَحة الكراهية بنسبة 800%. كما أكّد أنه سيعمل لحماية جميع سكّان المدينة، بمن فيهم اليهود، من دون تمييز. ومع أنه يرفض تعريف مُعاداة الصهيونية كمُعاداة للسامية، يرى فيه بعض الأكاديميين والسياسيين فرصة لإعادة بناء جسور الثقة بين المسلمين واليهود في نيويورك عبر قضايا العدالة والمساواة المحليّة.
موقف ممداني من الحرب على غزة
سابقاً، وصَف ممداني هجوم حماس في 7 أكتوبر بأنه جريمة حرب؛ لكنه شدّد في الوقت نفسه على ما اعتبره تواطؤاً أميركياً في الإبادة التي تُنَفّذها إسرائيل في قطاع غزة. هذا الموقف أثار غضباً واسعاً، لأن الإسرائيليين يرونه تحريضاً وتشويهاً لحقّهم في الدفاع عن أنفسهم.
كما وصَف ممداني الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بأنها "إبادة جماعيّة"؛ وهو ما اعتبَرته الحكومة الإسرائيلية والمنظّمات اليهودية الكبرى تشويهاً لصورة إسرائيل ومُحاوَلة لنزع شرعيّتها أمام العالَم.
نشر ثقافة التضامن مع فلسطين في نيويورك
أظهَر مقطع مُصَوّر من العام 2023 ممداني وهو يربط بين عنف شرطة نيويورك وإسرائيل. وقال حينها في مؤتمر للاشتراكيين الديمقراطيين: "حين يكون حذاء شرطة نيويورك على رقبَتك، فاعلم أنه مشدودٌ من قِبَل الجيش الإسرائيلي". أضاف أن الصراع الفلسطيني يجب أن يُربَط بالحياة اليومية في أميركا، مُعتَبراً أن "نضال الفلسطينيين هو جزء من الاشتراكيّة التضامنيّة عبر الحدود".
في المجال المدني، تجنّب ممداني المشاركة في فعاليات رمزيّة مؤيّدة لإسرائيل في نيويورك، مثل رفضه التصويت على قرار للاحتفال بيوم استقلال إسرائيل، وامتناعه عن المشاركة في المسيرة السنوية المؤيّدة لها. هذا السلوك فُسّرَ في الأوساط الإسرائيلية على أنه رفض لتطبيع وجود إسرائيل في الحياة العامّة للجاليات اليهودية في المَهجر.
وأكّد ممداني أنه التقى قادة يهوداً من توجّهات مختلفة في سياق حملته الانتخابية، وأنه يسعى لأن يكون "عمدة لكلّ سكّان نيويورك"، وأنه سيَحرص على إنشاء إدارة للأمن المجتمعي لحماية اليهود في الشوارع والمعابد. وبالرّغم من توقيع أكثر من ألف حاخام رسالة تُحَذّر من مواقفه التي لا تتناغم مع الخط الصهيوني العام المرغوب، فإن ممداني قال إنه يتفهّم الشكوك تجاهه ويأمل في "بناء الثقة لا الخوف".
انقسام الجالية اليهودية حول ممداني
تُشير البيانات إلى أن اليهود يُشَكّلون نحو 13% من الناخبين المُسَجّلين في مدينة نيويورك، ويُمَثّلون نسبة مؤثّرة في الانتخابات التمهيدية، ما يجعل استمالتهم هدفاً رئيساً لكلّ المرشّحين. وقد بدا الانقسام اليهودي في نيويورك حول ممداني واضحاً. من جهة، خرجت مجموعة صغيرة من المتطوّعين اليهود في نيويورك لدعم ممداني. فقد نظّم الحراك مجموعة "يهود من أجل زهران" بالتعاون مع منظّمات يهودية تقدّمية مثل IfNotNow وJewish Voice for Peace ومنظمة "يهود لأجل العدالة العِرقيّة والاقتصادية"، حيث قام المتطوّعون بحمَلات ميدانيّة لطَرْق الأبواب وشرح برنامجه الانتخابي الذي يُرَكّز على العدالة الاجتماعية والإسكان المُيَسّر ورعاية الأطفال والنقل العام المجّاني. يرى المؤيّدون أن ممداني لا يُشَكّل خطَراً على اليهود، بل يسعى لتحسين ظروف المعيشة للجميع، ويعتبرون اتهامه بمعاداة السامية مُبالَغاً فيه. وقالت متطوّعة عمرها 76 عاماً إنها تدعمه لأنه "يهتم بأمن المدينة، وكذلك بمستقبل الشباب اليهود غير القادرين على تحمّل تكاليف السكن".
في المقابل، عارَضته قطاعات واسعة من القيادات الدينية اليهودية بسبب مواقفه المُناهِضة لإسرائيل. فقد عَبّرَ أكثر من 850 حاخاماً وقادة من التيّارات الإصلاحية والمُحافِظة والأرثوذكسية عن قلقِهم من خطابه المُناهِض للصهيونية، مُعتَبرين أنه "يُهَدّد أمن المجتمع اليهودي".