التصنيفات » مقالات سياسية

مسودّة مشروع القرار الأمريكي: احتلال بشرعيّة دوليّة
مسودّة مشروع القرار الأمريكي: احتلال بشرعيّة دوليّة
بقلم : هاني المصري
 موقع عرب 48 
6/11/2025
أيّ قراءة مهنيّة وموضوعيّة لمسودّة مشروع القرار الأمريكي بشأن قطاع غزة، المتعلّق بتشكيل "قوّة استقرار دولية"، تقود إلى نتيجة واحدة مفادها أنه يفتح الباب، إذا أُقِرّ بصيغته الحالية، لاحتلال جديد للقطاع بغطاء شرعية دولية.
يتّضح ذلك من خلال أن مجلس الأمن، وفْق المسودّة، الذي يُفتَرض أن يمنح الشرعية لوجود "قوّة الاستقرار"، لن يكون هو المرجعيّة العليا لها، بل "مجلس السلام" الذي سيقوده دونالد ترامب بمساعدة طوني بلير وآخرين. أي أن "مجلس السلام" سيكون الحاكم الفعلي على الأرض، وليس مجلس الأمن، وسيَمنَح ل"قوّة الاستقرار" السلطة لـ"فرض الأمن" وللحُكم وليس لحفظ السلام.
أما الفلسطينيون، أصحاب الأرض والدولة المُعتَرف بها في الأمم المتحدة كعضو مُراقِب، والتي اعترفت بها 160 دولة، من ضمنها أربع دول من الدول الخمس دائمة العضوية، فلن يُشاركوا في هذه الترتيبات إلّا "حين تُتِم السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي على نحوٍ مرضٍ"، يكون تنفيذه مقبولًا لدى "مجلس السلام".
وبالتالي، فإن أيّ مُشاركة فلسطينية ـ سواء من خلال الشرطة أو لجنة تكنوقراط ـ وغيرها، ستكون تنفيذية فقط، بلا سيادة ولا قُدرة على اتخاذ القرار. وهذه وصفة مؤكّدة للتعامل مع القضية الفلسطينية كقضية إنسانية وأمنيّة واقتصادية، ومع الشعب الفلسطيني كأنه أفراد ومناطق بلا عنوان ولا وحدانيّة تمثيل تجسّدها منظمة التحرير؛ وستؤدّي لصراع داخلي جديد وحرب مع القوّة الأمميّة، يُطرَح معه سؤال خطير: ما مصير نحو 40 ألف موظّف، بينهم 17 ألف عنصر أمن تابعين لسلطة الأمر الواقع الموجودة حتى الآن في أقلّ من نصف القطاع؟ وما مصير موظّفي السلطة العاملين في غزة؟
وإذا أضَفنا إلى ما سبق أن مدّة عمل "قوّة الاستقرار"، كما ورَد في المسودّة، ستَمتَدّ لعامَيْن قابلة للتجديد "بالتعاون والتنسيق الكاملين مع مصر وإسرائيل والدول الأعضاء الأخرى التي تواصل العمل مع القوّة الدولية"، فهذا يعني عمليًا أن عمر "مجلس السلام" و"قوّة الاستقرار" قد يمتدّ لسنوات أو عشر سنوات أو أكثر، ما دامت كلمة "مُرضي" مرهونة بتقييم واشنطن وتل أبيب.
ومن المُفارَقات أن حكومة إسرائيل وافقت على تفويض مجلس الأمن لتشكيل القوّة بعد أن كانت ترفض ذلك، بعد أن حصلت على معظم ما تريد؛ فهي شاركت في صياغة المسودّة بحسب ما نقَل موقع أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي، وتسعى الآن لتعديل بعض العِبارات لتوضيح معنى وكيف "نزع السلاح"، ومنع تحديد السقف الزمني بسنتين، لأن ذلك قد يفتح الباب أمام عودة السلطة إلى غزة؛ وبالتالي إلى وحدة الضفة والقطاع، وهو ما تعتبره إسرائيل خطَرًا وجوديًا، كما جاء في قرار صادر عن الكنيست أيّده معظم أعضائه من الحكومة والمعارضة.
كما ترفض إسرائيل أن يستند القرار إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مع أنه يمنح أيّ قوّة أمميّة حق استخدام القوّة لتنفيذ القرار؛ وبدونه لا تملك القوّة صلاحيّات الفَرض بالقوّة، وتريدها في نفس الوقت أن تستخدم القوّة. كما أنها تخشى أن تُستَخدَم هذه الصلاحيّة ضدّ انتهاكاتها وضدّ استمرار عدوانها وتحكّمها بالمَعابِر والمساعدات.
موقف الدول العربية والإسلامية ومعظم دول العالَم
الدول العربية والإسلامية ومعظم دول العالَم التي تعترف بدولة فلسطين، وخاصّة تلك المرشّحة للمشاركة في "قوّة الاستقرار"، أكّدت أنه لا يمكن القبول بأيّ خطوة من هذا النوع دون تفويض صريح من مجلس الأمن؛ وتمّ لها ذلك؛ ولكن مع حصر دور مجلس الأمن بالتفويض بدون أن يكون المرجعيّة.
وهي مُطالَبة بالتمسّك بدور واضح وأساسي لمجلس الأمن و للسلطة الفلسطينية منذ البداية، بحيث يكون "مجلس السلام" مجلسًا للرقابة والإشراف، لا مجلس وصاية استعمارية يكرّس الفصل بين الضفة والقطاع، ويقطع الطريق على تجسيد الدولة الفلسطينية.
كما يتحمّل التحالف الدولي من أجل حلّ الدولتين مسؤولية ضمان ألّا تُستَخدَم "قوّة الاستقرار" ضدّ الشعب الفلسطيني، خصوصًا في حال مُحاوَلة نزع سلاح المقاومة بالقوّة، إذ يجب أن يتم ذلك بالتفاوض والاتفاق، وفي إطار تنظيم السلاح تحت قيادة فلسطينية واحدة وسلطة واحدة وبقرار وطني مُوَحّد.
فالمقاومة ضدّ الاحتلال حقٌّ تكفله القوانين الدولية والشرائع السماويّة والوضعيّة كافّة، كما تؤكّده المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تضمن الحق بالمقاومة  والدفاع عن النفس. لذلك لا معنى لإنكار هذا الحق، خاصّة في ظلّ غياب مسار سياسي جاد لتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلّة؛ وهو ما ترفضه حكومة نتنياهو، وتجِد فيه دعمًا أمريكيًا صريحًا.
وعلى الدول العربية أن ترفض منح إسرائيل صلاحيّات إضافيّة عبر القرار، سواء في تقييم "إصلاحات السلطة"، أو في الإشراف على نزع السلاح، أو في تحديد مواعيد انسحاب القوّات الإسرائيلية.
 
ملاحظات ختامية
من بين مساوئ مسودّة القرار أنها لا تنص على أن المرجعيّة هي الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، بل تكتفي بعبارة فضفاضة تُشير إلى "قرارات مجلس الأمن السابقة المتعلّقة بالوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية"، وهي صيغة بلا مضمون حقيقي.
إن مسودّة القرار بصيغتها الحالية ضارّة جدًا بالقضية الفلسطينية، لأنها تمنَح شرعية دولية لصيغة وصاية استعمارية جديدة، أو بالأحرى لاحتلال مُقَنّع بالشرعية الدولية.
لذلك، يجب التمسّك بإجراء تعديلات جوهريّة على مسودّة القرار، ورفض الابتزاز الأمريكي ـ الإسرائيلي، الذي يُحاول فرض مُعادَلة خادعة: إما القبول بالمسودّة كما هي مع تعديلات شكليّة، أو منح حكومة اليمين الإسرائيلي الضوء الأخضر لاستئناف الحرب.
لكن الحقائق الميدانيّة والسياسية تُشير إلى أن عوامل وقف الحرب ما زالت قائمة، إن لم تكن قد زادت؛ وإحالة مشروع القرار إلى مجلس الأمن تعكس عجز واشنطن وتل أبيب عن الحسم عسكريًا أو سياسيًا. لذا، لا يجوز تمكين حكومة نتنياهو من تحقيق ما عجزت عن تحقيقه بالقوّة، عبر مفاوضات بغطاء دولي.
 
الكرة الآن في الملعب الفلسطيني
إذا ارتقت القيادة والقوى الفلسطينية إلى مستوى التحدّيات، وقدّمت المصلحة الوطنية العليا على الحسابات الفردية  والفئوية، واتّفقت على هدف واضح في هذه المرحلة وعلى آليات تحقيقه، عبر تشكيل حكومة وفاق وطني أو لجنة إسناد مرجعيّتها الحكومة والسلطة ومنظمة التحرير، وتفعيل الإطار القيادي لمنظمة التحرير بعد توسيع المُشارِكين فيه، والذهاب إلى انتخابات عامّة في أسرع وقت ضمن إطار الوحدة والتوافق، يختار فيها الشعب داخل الوطن وخارجه من يمثّله، وصولًا إلى منظّمة واحدة و سلطة واحدة وقرار واحد وسلاح واحد،
فإنّ ذلك سيُفشِل كلّ المخطّطات الأمريكية والإسرائيلية.
 
هل سيكون الفلسطينيون على مستوى اللحظة التاريخية؟
لا أعلم، نظَراً لإخفاق كلّ المحاولات الوحدويّة السابقة. لكن المطلوب من كلّ المُخلِصين والوطنيين أن يسعوا فورًا لتحقيق ذلك قبل فوات الأوان. فالاتفاق على ما يمكن الاتفاق حوله أفضل من استمرار الانقسام الذي لا يقود سوى للهلاك والتدمير الذاتي.
 

2025-11-26 13:42:22 | 7 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية