"إسرائيل" لا تزال مصدومة وعقليّتها ترفض استيعاب هجوم 7 أكتوبر
في الائتلاف يوجد تأييد كامل لاستمرار الحرب. في المعارضة لا توجد معارضة لاستمرار الحرب؛ فالقاسم المشترك بينهما هو عدم الاعتراف، أو نفي وتبرير السياسة العدوانيّة المتواصلة ضدّ الفلسطينيين، ورفضها الاعتراف بحقوقهم كشعب...
بلال ضاهر
تحرير:عرب 48
5/12/2025
بعد مرور سنتين وشهرين على هجوم 7 تشرين الأوّل/أكتوبر العام 2023، لا يزال الإسرائيليون في حالة صدمة، أو كما يصِفها البعض بأنها حالة ما بعد الصدمة. لم يستوعبوا حتى الآن كيف حدَث هذا الهجوم. العقليّة الإسرائيلية – الصهيونية العدوانيّة، وعقيدة "الجدار الحديدي" التي تقضي باستمرار توجيه الضربات "للعدو" حتى بعد هزيمته، لا تستوعب أن يُبادِر "العدو" لهجومٍ كالذي حدَث في 7 أكتوبر.
في هذا الوضع، تُحاوِل إسرائيل أن تُظهِر بعض الشفافيّة، بواسطة تحقيقات أجراها الجيش الإسرائيلي حول أحداث في 7 أكتوبر، والتي تبيّن منها أن الجيش وأجهزة الأمن الأخرى، التي تمتّعت بسمعة أنها قادرة على مواجهة أيّ تهديد خارجي على مدار عقود، لم تكن مستعدّة لمواجهة حماس وفصائل فلسطينية مسلّحة أخرى في 7 أكتوبر؛ وعمليًا كانت عاجزة عن منع مقتل 1200 إسرائيلي وأسْر 250 آخرين في هجوم واحد، في يوم واحد. وخسائر بهذا الحجم لم تتكبّدها إسرائيل حتى في حروبها مع دول.
لكن هذا كلّه لا يُبَرّر بأيّ شكل حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل على غزة، وثبت أنها ضدّ المدنيين الغزّيين أكثر من كونها ضدّ الفصائل الفلسطينية المسلّحة. وتؤكّد ذلك تقارير شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ("أمان") التي كُشِفَ عنها مؤخّرًا. وقتْل المدنيين في صلب العقليّة العسكرية الإسرائيلية، ومقولة أن الجيش الإسرائيلي هو "الجيش الأكثر أخلاقيّة في العالم" كاذبة؛ وبالإمكان القول إنه أحد أكثر الجيوش غير الأخلاقية في العالم.
في الحروب التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة في العشرين سنة الماضية، كان معظم الشهداء مدنيين. وخلال الانتفاضة الثانية، وبعد عملية مسلّحة نفّذها فلسطيني، جمَع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، شاؤول موفاز، قادة وحدات عسكرية في سبع مناطق في الضفة الغربية، وطالبهم بأن تقتل كلّ وحدة في منطقتها عشرة فلسطينيين، مدنيين وليس مسلّحين، حسبما وثّق ذلك كتاب بعنوان "سهم مُرتَد" من تأليف عوفر شيلح ورافيف دروكر.
وصَف رئيس المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، هذا الأسبوع، أحداث 7 أكتوبر بأنها ما زالت "غامضة". وينبع هذا الغموض من عدم استيعاب ما حدَث وكيف يُعقَل أنه حدَث. فقد كانت لدى الجيش والشاباك توقّعات ومؤشّرات، منذ أشهر، أن شيئًا ما سيَحدُث. وحسب الادّعاء الإسرائيلي، حصلت "أمان" قبل سنوات من 7 أكتوبر على خطّة "سور أريحا" لهجوم ضدّ إسرائيل التي وضعَتها حماس. وقبل يومين من هذا الهجوم، رصَدت إسرائيل استخدام بطاقات "سيم" بشكل واسع في هواتف في قطاع غزة، وتعتبر أنها مؤشّر على تحرّكات عسكرية تُنَفّذها حماس.
عشيّة الهجوم عُقِدَت مُداوَلات عسكريّة وأمنيّة إسرائيليّة، نوقِشَت خلالها احتمالات أن حماس تستعد لعمل عسكري، وتقرّر في نهايتها أن حماس ربما تستعد لتدريب عسكري. وهذا الاطمئنان الإسرائيلي تجاه حماس، واعتبار أنها مُرتَدِعَة ولن تشنّ هجومًا واسعًا، يوصَف في إسرائيل بأنه الإخفاق. وإلى جانب تحميل الأجهزة الأمنيّة المسؤوليّة عن هذا الإخفاق، يتمّ تحميل المسؤوليّة عنه على الحكومة؛ وبالأساس على رئيسها، بنيامين نتنياهو.
بالإمكان تحميل المسؤوليّة عن إخفاق كهذا على الحكومة السابقة، التي تَداوَل على رئاستها نفتالي بينيت ولبيد، لو حدَث هجوم 7 أكتوبر خلال ولايتها، التي استمرّت أقلّ من سنتين بين ولايتي حكومتي نتنياهو الحالية والسابقة، واتّبعت سياسة ضدّ الفلسطينيين، وخاصّة في غزة، مُشابِهة جدًا لسياسة حكومات نتنياهو المُتَعاقِبة منذ العام 2009، وكانت تشارك فيها أحزاب المعارضة الحاليّة.
مصطلح "التصوّر" المُستَخدَم بشكل واسع في إسرائيل بعد 7 أكتوبر، وخاصّة من جانب المعارضة، بهدف لوْم نتنياهو، يصف حالة اطمئنان إسرائيل أن حماس مُرتَدِعَة. لكن القاسم المشترك بين ائتلاف نتنياهو والمعارضة هو عدم الاعتراف، أو نفي وتبرير سياستها العدوانية المُتواصلة ضدّ الفلسطينيين، ورفضها الاعتراف بحقوقهم كشعب.
فيما يتعلّق بالحرب على غزة، فإنه لا فرق كبير بين ائتلاف نتنياهو وأحزاب المعارضة، وإنّما كلا المعسكرين في خندق واحد. في الائتلاف يوجد تأييد كامل لاستمرار الحرب. في المعارضة، بعد استعادة الأسرى الإسرائيليين، لا توجَد معارضة لاستمرار الحرب. ففي إسرائيل يوجد "بُعبُع" اسمه حماس، ويُطَوّرونه باستمرار منذ بداية الحرب. ويوجَد إجماع إسرائيلي على القضاء على حماس ونزع سلاحها وسلاح الفصائل الفلسطينية الأخرى في القطاع، التي ترفض إلقاء السلاح.
تناقض خطّة ترامب واستمرار الحرب
تعهّد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هذا الأسبوع، بتطبيق خطّته التي تتكوّن من 20 بندًا لإنهاء الحرب على غزة، من خلال بدء تنفيذ المرحلة الثانية منها، التي بين بنودها نزع سلاح حماس وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع؛ وكذلك التمهيد لإقامة دولة فلسطينية؛ وهذه بنود تنطوي على تناقض واضح.
أوّل من أمس، الأربعاء، صادَقت الهيئة العامّة للكنيست، بإجماع أعضائها الحاضرين في القاعة، على مشروع قرار يقضي بتبنّي خطّة ترامب. لكن أعضاء الكنيست من أحزاب الائتلاف تغيّبوا عن التصويت. وهذا التغيّب جاء بسبب الامتناع عن معارضة تبنّي خطّة ترامب، واحتمال الدخول في أزمة مع الرئيس الأميركي.
لكن تأييد المعارضة لمشروع القرار لا يعني تأييدها لانسحاب الجيش؛ وبالتأكيد ليس لدولة فلسطينية التي تعتبرها غير واقعية بعد 7 أكتوبر، وإنّما لنزع سلاح حماس، ما يعني تأييد استمرار الحرب، ولو بشكل مختلف عن السنتيْن الأخيرتيْن.
في صفوف المعارضة الإسرائيلية لا توجد أحزاب يسارية بتاتًا، ومعظم أحزابها يمينيّة بامتياز، خاصّة حزبي بينيت وأفيغدور ليبرمان. ومع بدء سنة الانتخابات، هناك مُنافَسة بين رؤساء الأحزاب حول مرشّح المعارضة لمنصب رئيس الحكومة. ورغم أن بينيت يُعتَبر المرشّح للمنصب لأن الاستطلاعات تُظهِر أنه سيكون رئيس الحزب الذي سيحصل على أكبر عدد من الأعضاء في الكنيست في الانتخابات، إلاّ أن ليبرمان يتحدّث باستمرار عن أنه الأنسب لتولّي منصب رئيس الحكومة.
حاليًا، لا يوجد زعيم مُتَوّج للمعارضة، خلافًا للوضع في المعسكر الخصم الذي يتزعّمه نتنياهو بلا مُنافِس. ويوحي نتنياهو بتصريحاته بأنه ليس متوقّعًا أن يخسر الانتخابات وأن تُشَكّل حكومة بعد الانتخابات لا تكون برئاسته. غير أن الاستطلاعات تُشير إلى احتمال عودة إسرائيل إلى المأزق السياسي، الذي لا يفوز فيه أحد المعسكرين بأغلبيّة في الكنيست، وتكرار الانتخابات، مثلما تكرّرت أربع مرّات، في الأعوام 2019 – 2022.
يُحاوِل نتنياهو الوصول إلى الانتخابات المقبلة، وموعدها الرسمي في تشرين الأوّل/أكتوبر 2026، بدون أن تُخَيّم مُحاكَمته بتُهَم فساد عليه. ومطلع الأسبوع الحالي، قدّم نتنياهو طَلبًا للرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، لإصدار عفو عنه؛ ويُسانِده ترامب في الحصول على العفو. لكن نتيجة هذا الطلَب ليست واضحة حاليًا.
من جهة، وفقًا لخبراء قانونيين، هرتسوغ لا يُمكنه وليس من صلاحيّته النظَر في طلب العفو لأن نتنياهو ليس مُدانًا وإنّما مُتّهَم. والقانون ينص على أن ينظُر رئيس الدولة في طلب العفو بعد الإدانة. وحتى لو قرّر هرتسوغ إصدار عفو، فإن هذا مشروط بأن يعترف نتنياهو بالمُخالَفات المُتّهَم بها. وأحزاب المعارضة تُطالِب برحيل نتنياهو عن الحياة السياسية مقابل منحه العفو. ومن الجهة الأخرى، لا يُتَوَقّع أن يعترف نتنياهو بالمُخالَفات المُتّهَم بها ولا أن يرحل عن الحياة السياسية.
ففي طلَبه الذي قدّمه لهرتسوغ بشأن العفو، لم يتعهّد نتنياهو بتقديم أيّ شيء في المقابل؛ وإنّما قال إن العفو سيُمَكّنه من التفرّغ لشؤون الدولة، ما يدل على أنه يريد العفو والاستمرار في رئاسة الحكومة. وهناك من يعتبر أن هدف نتنياهو هو التخلّص من مُحاكَمته. وليس واضحًا كيف سيُوَفّق هرتسوغ بين هذه الأمور. لكن ليس مُستَبعَدًا أن يتعرّض هرتسوغ لضغوط شديدة داخلية، وبشكل خاص من جانب ترامب، الذي بعَث إليه رسالة طلَب فيها العفو عن نتنياهو.
في مُوازاة ذلك، يرفض نتنياهو المَطالِب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاقات 7 أكتوبر. وبدَلًا من ذلك، يعتزم نتنياهو تشكيل لجنة تحقيق حكومية. لجنة تشكّلها حكومته وتقرّر صلاحيّاتها، وفي إطار الفترة التي سيتناولها التحقيق، حيث تتعالى اقتراحات بأن تعود اللجنة إلى فترة تنفيذ خطّة فك الارتباط عن غزة، في العام 2005، أو إلى توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993، وأنّ اللجنة لا تُصدِر استنتاجات شخصية ضدّ مسؤولين حاليين وسابقين.
وفيما أعلَن رؤساء أحزاب المعارضة عن معارضتهم لتشكيل لجنة تحقيق كهذه، وقال بعضهم إنهم لن يعترفوا بها ولن يُدلوا بإفادات أمامها، رأى محلّلون أن هدف نتنياهو من تشكيل لجنة تحقيق كهذه هو التهرّب من تحمّل أيّ مسؤوليّة عن إخفاق 7 أكتوبر. يبدو أن نتنياهو يريد الوصول إلى الانتخابات بعد أن يكون قد تخلّص من مُحاكَمته بتُهم فساد، وبدون تحمّل المسؤولية عن إخفاق 7 أكتوبر؛ وهو ليس بوارد التنحّي والرحيل.
2025-12-17 08:13:57 | 18 قراءة