التصنيفات » مقالات سياسية

الشرق الأوسط… هندسة الفوضى واختبار النفوذ

الشرق الأوسط… هندسة الفوضى واختبار النفوذ

ديسمبر 11, 2025خاص
‏‏ وائل المولى – كاتب وصحافي
موقع صوتك


‏في زمن “أميركا أوّلًا” تتصرّف واشنطن وكأنّ الشرق الأوسط مجرّد مساحة اختبار لسياساتها، لا ساحة تحالفات مستقرّة كما كان يُفتَرض يومًا. وبينما تُعيد الإدارة الأميركية تعريف أمنها القومي وفق مصالحها المُتَبَدّلة، تبدو المنطقة أمام إعادة توزيع نفوذ غير مسبوقة: تركيا تتقدّم بثقة، إيران تُناوِر بمرونة، إسرائيل تتخبّط بين استكمال مشروعها وظروفها الداخلية ، أوروبا تنسحب خطوة وراء خطوة، فيما تتحوّل سوريا إلى مركز ثقل يتزاحم عليه الجميع.
‏‏تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تكشف مسارًا جديدًا؛ أنقرة تقول بصراحة إن وحدات حماية الشعب غير جاهزة لأيّ تفاهم مع دمشق، وإن دمج قوّات سوريا الديمقراطية في واقع سوريا الجديد أصبح ضرورة، وإن الاعتداءات الإسرائيلية لم تعُد مقبولة. وفي خلفيّة هذا الموقف تتحرّك رؤية تركية واسعة؛ إعادة اللاجئين، إعادة بناء سوريا، وفرْض دور تركي مباشر في صياغة مستقبلها الأمني والسياسي والاقتصادي.
‏‏لكنّ الجديد لا يقف عند تركيا. فثمّة تقاطع غير مُعلَن مع إيران في لحظة إقليمية حسّاسة، يُدرِك خلالها الطرفان أن إسرائيل هي اللاعب الأكثر توتّرًا، وأن الساحة السورية قد تصبح نقطة الاشتعال التالية. وهكذا يتبلور “تعاون صامت” بين أنقرة وطهران عبر بعض الحركات الإسلامية الفاعلة في المنطقة ، حيث تُستَخدم القوى غير النظامية لخلق ضغط متعدّد الاتجاهات على إسرائيل، من غزة إلى الجنوب السوري، دون إعلان تحالف رسمي؛ بل نمَط عمل مُتَوازٍ يخدم الطرفين .
‏تركيا تعمل لتكريس حضورها داخل سوريا الجديدة، وإيران لفتح ساحات إرباك إضافية على حدود إسرائيل انتقاماً منها .
‏‏في المقابل، تتصاعد المخاوف الإسرائيلية بشكل لافت. إعلام الاحتلال يحذّر من سيناريو “7 أكتوبر جديد” من الجبهة السورية، ويتحدّث عن “سيناريو رعب” في الجولان وعن مجموعات جنوبية تتحرّك بتمويل إيراني وغطاء تركي. وزراء في حكومة الاحتلال يصرّحون بأن الحرب مع سوريا باتت “حتميّة”، في إشارة إلى أن تل أبيب فقدت ثقتها بقدرتها على إبقاء حدودها الشمالية مُنخفِضة التكلفة.
‏‏وتزداد الأزمة عمقًا مع توتّر العلاقة بين إسرائيل وواشنطن؛ إذ تتصاعد الشكوك داخل تل أبيب بأن الإدارة الأميركية لم تعُد تمنحها شيكًا مفتوحًا. حتى إن نتنياهو اتّهم مبعوث واشنطن إلى سوريا بأنه “يتصرّف كسفير لتركيا”، في دلالة على أن الولايات المتحدة تتحرّك اليوم بمنطق “المصلحة الأميركية أولًّا”، ولو على حساب أقرب شركائها.
‏‏هكذا يتشكّل شرق أوسط جديد لا تصنعه المؤتمرات، بل تفرضه حقائق القوّة على الأرض؛ صعود تركي محسوب، مُناوَرة إيرانية مَرِنة، قلَق إسرائيلي مُتَفاقِم، وسوريا تُعادُ صياغتها كجغرافيا سياسية تتقاطع عندها كلّ خطوط النار. وبين انكفاء أوروبا، وبراغماتيّة واشنطن، وزخم القوى الإقليميّة، يتبلور ميزان جديد عنوانه: من يستطيع تغيير المعادلة، لا من يرفع الصوت أكثر.
‏‏وتبقى الأشهر المقبلة مفصليّة في تقرير ما إذا كان الشرق الأوسط يتّجه نحو إعادة ترتيب عميقة… أم نحو جولة جديدة من الانفجار الكبير.

 

2025-12-22 10:53:14 | 27 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية