التصنيفات » دراسات

حماس والحركات "الجهادية" المنافسة لها في غزّة *


 


ملخص تنفيذي:
أصدر رئيس وزراء حكومة حركة حماس إسماعيل هنيّة عقب اجتماع قادة الحركة بالجماعات المسلّحة المحلية أمراً في 13 كانون الثاني 2009 قضى بوقف كافة الهجمات الصاروخية على إسرائيل والتزام الجماعات المسلّحة النشطة في غزّة بوقف فعلي لإطلاق النار بدأت حماس بتنفيذه في كانون الثاني 2009. وقد أوقفت الحركة علناً هجماتها الصاروخية على إسرائيل منذ أن أصبحت جزءاً من السلطة الفلسطينية بشكل رسمي عندما أحرزت نصراً انتخابياً كاسحاً في سنة 2006، وبعد أن استولت على قطاع غزّة في انقلاب سنة 2007 وآثرت الاعتماد على جماعات صورية في إطلاق الصواريخ متى رأت حاجة إلى زيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية. لكنّ الموقف المهادن الذي تبنّته حماس زاد من حدة الخلافات بينها وبين الجماعات المسلّحة المنافسة التي تجتهد للحلول محلّ حماس في مقاومة إسرائيل ورفع راية الكفاح المسلّح الفلسطيني.
جاء وصول حماس إلى السلطة ثمرة توفيرها خدمات عامة لم يكن في مستطاع السلطة الوطنية الفلسطينية الضعيفة توفيرها. لكنّ الحركة واجهت صعوبات متزايدة في تقديم هذه الخدمات منذ أن استولت على قطاع غزّة عنوة في سنة 2007 بسبب قطع التمويل والمؤن عنها. وقد أدى هذا العجز المتزايد إلى جانب الضغوط الخارجية التي تمارسها دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية وسوريا لاحتواء حماس أدى إلى تهيئة أرض خصبة فرّخت جماعات مسلّحة منافسة تسعى لاستغلال الاضطراب السياسي الذي تعاني منه الحركة.
لم تجد حماس حتى وقت قريب مصلحة في منع هذه الجماعات من مهاجمة إسرائيل بل إنها قدمت لها دعماً لوجستياً مباشراً أو سمحت لها بتنفيذ هجمات بمفردها. كما استفادت من الصراعات السابقة (مثل حملة إطلاق الصواريخ في سنة 2006 والعمليات الاستفزازية في أواخر سنة 2008 والتي حملت إسرائيل على اجتياح غزّة في أواخر سنة 2008) بالتلويح باللجوء إلى العنف لكي تنتزع تنازلات من إسرائيل ومصر وحركة فتح.
وفي نفس الوقت، سعت حماس للمحافظة على مركز الجماعة الفلسطينية المسلّحة الأولى باستخدام الهجمات الصاروخية في انتزاع تنازلات من إسرائيل. لكنّ استراتيجية السماح باستخدام العنف ضدّ إسرائيل أوجدت منافَسات على الساحة الوطنية الفلسطينية. غير أنه على العكس من حزب الله، تلك المنظمة العسكرية والسياسية التي تنافست مع الحكومة اللبنانية على تقديم الخدمات الاجتماعية للمواطنين اللبنانيين، لم تستطع حماس إحكام السيطرة على الموارد في غزّة من أجل رفع مستوى المعيشة بشكل ملموس هناك. ولا تزال الحركة منذ فوزها في انتخابات سنة 2006 المعيل الرئيسي لسكان غزّة من غير أن تمتلك جهازاً حكومياً حقيقياً يدعمها.
إن حقيقة سيطرة إسرائيل على غزّة أرغمت حماس على تبنّي مواقف أقلّ راديكالية (وهي عملية بدأت أصلاً منذ أن تولت السلطة السياسية) ودفعت الحركة نحو الوسط مما نفّر العديد من أعضائها الأكثر تشدداً وأتاح الفرصة لأعضاء جدد لملء الفراغ في الساحة الراديكالية. وقد تمرّد  العديد من هؤلاء الأعضاء الأكثر راديكالية والخلايا التابعة لهم على الحركة، وأسسوا في بعض الحالات جماعات مسلحة جديدة تحمل لواء مقاومة إسرائيل. وعلى إثر ذلك، فضّلت حماس التركيز على إبقاء تلك الجماعات المسلّحة التي تنشط في غزّة تحت السيطرة على التركيز على إسرائيل. وفي هذا السياق، أغارت القواتُ الأمنية التابعة لحماس على المساجد والأحياء، واحتجزت أفراداً من تلك الجماعات المسلّحة أو اعتقلتهم أو قتلتهم وصادرت أسلحتهم.
تُجمع كافة الجماعات المسلّحة، ومنها حماس، على الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكنها تختلف في ماهيّة تلك الدولة. تنقسم الجهات المسلّحة في غزّة إلى فئات أربع بفعل عاملين رئيسيَّين هما التديّن والمشاركة في المعترك السياسي:
قوات الأمن التابعة لحماس
عندما استولت حماس على غزّة إثر انقلاب سنة 2007، أسست جهازَي شرطة جديدَين تابعَين لوزارة الداخلية:
- الجهاز الأول هو وحدات الشرطة التي ترتدي الزيّ الرسمي في الشوارع وينتمي أفرادها إلى عامة الناس وتردّ على الشكاوى المحلية أساساً مثل فضّ النزاعات التي تدور في الأحياء.
- الجهاز الثاني يُعرف باسم "الأمن الداخلي" ويرتدي أفراده ملابس مدنية، وهم معروفون بوحشيتهم في التعامل مع المشتبه في أنهم عملاء لإسرائيل ومع أنصار فتح والجهاديين السلفيين المتطرّفين الذين يتحدّون تعليمات حماس.
ومن المعلوم أن أفراد هذين الجهازين، وبخاصة وحدات النخبة التابعة لجهاز الأمن الداخلي، يُنتقَون من جناح حماس العسكري أو ما يُعرف بكتائب عزّ الدِّين القسّام. وقد صرّح المتحدث باسم وزارة الداخلية إيهاب الغُصَين بأن العديد من الأفراد المنتمين إلى كتائب عزّ الدِّين القسّام يشكلون جزءاً من هذا الجهاز ومن جهاز الأمن الداخلي برغم أنه لا يُعرف على وجه اليقين النسبة المئوية التي يشكلونها من قوات الأمن التابعة لحماس والتي يتراوح عدد أفرادها بين 10000 و20000 عنصر.
يمكن تقسيم أنصار حماس إلى مجموعتين إيديولوجيتين:
- أولاهما بقيادة رئيس حكومة غزّة إسماعيل هنيّة الذي يفضّل مواصلة ضبط النفس.
- الثانية بقيادة رئيس المكتب السياسي في الحركة خالد مشعل المقيم في سوريا والذي يميل إلى تبنّي الخيار العسكري.
وهاتان المقاربتان المختلفتان تعكسان تبايناً في مستوى الخطر الذي يمكن أن تتسامح به القيادةُ الداخلية برئاسة هنيّة والقيادة الخارجية برئاسة مشعل. فهناك الكثير من الحوافز الشخصية التي تقنع هنيّة في غزّة بعدم إثارة ردّ فعل عسكري جوي إسرائيلي مقارنة بالحوافز التي لدى مشعل في دمشق. لكنّ سيطرة مشعل على أغلب القنوات التي تمدّ حماس بالمال (استناداً إلى مصدر لمركز التنبؤات الإستخبارية في المنطقة، يستطيع هذا الرجل تأمين مساعدات مالية من كل من المملكة العربية السعودية وإيران) تضمن تمتّعه بنفوذ واسع في غزّة. ومن المعلوم أن كتائب عزّ الدِّين القسّام بقيادة أحمد الجعبري أقرب إلى وجهة نظر مشعل، ويعزّو البعضُ راديكاليةَ هذا المعسكر إلى الأعضاء السلفيين الأكثر تشدداً داخل الجناح العسكري.
ومن ناحية أخرى، يمكن تقسيم الحركة السلفية في غزّة، التي واصلت تمددها في العقد الأخير، لا سيما منذ أن دخلت حماس معترك السياسة في سنة 2006، إلى شرائح ثلاث:
1- شريحة تمتثل للأوامر الصادرة عن حماس.
2- شريحة تنتمي إلى الجماعات الجهادية السلفية المستقلة.
3- شريحة لا تشارك في العمل العسكري.
تشكل شريحة السلفيين خطراً على حماس للاختلافات الدِّينية الكبيرة بين التفسير السلفي المتشدد للإسلام وإيديولوجية الإخوان المسلمين الأكثر اعتدالاً والتي تتبنّاها حماس. وقد استخدمت حماس طرقاً عدة لاحتواء الخطر السلفي منها دمج العديد من السلفيين في كتائب عزّ الدِّين القسّام لتقول بذلك إنه طالما أن مرجعية أعضائها قيادةُ حماس، فإن التسامح مع الاختلافات الدِّينية أمر ممكن.
كما أن الانقسامات داخل حركة حماس نفسها بين جناحها السياسي وجناحها العسكري توجد سانحة تستغلها الجماعات الخارجية، وعلى وجه التحديد جماعات السلفيين الجهاديين غير المنسجمين مع حماس والتي يمكنها جذب العناصر السلفية المنضوية في الحركة.
الجماعات الإسلامية الوطنية
الجماعة الوحيدة المنتمية إلى هذه الفئة هي حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية التي طالما اعتُبرت ثاني أقوى جماعة مسلحة فلسطينية بعد حماس والتي يناهز عديدها 1000 عضو. وجه الاختلاف بين حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس هو أن الأولى لا تشارك في الانتخابات الوطنية ولا تملك شبكة خدمات اجتماعية. وفي حين أن حماس هي وريثة فرع الإخوان المسلمين القديم في فلسطين، استلهمت حركةُ الجهاد كثيراً من الثورة الإيرانية التي اندلعت في سنة 1979 مع أنها جماعة إسلامية سنّية. وبما أن حركة الجهاد لم تؤسس شبكة خدمات اجتماعية واسعة، فهي لم تطوّر هوية سياسية متسقة تمكّنها من تحدي حماس في الانتخابات. كما تختلف حركة الجهاد عن حماس بكون مصادر دعمها إيرانية في الأغلب في حين تحافظ حماس على توازن دقيق يؤمّن لها دعم دول مثل تركيا وسوريا وإيران ومصر والمملكة العربية السعودية. وتدعي سرايا القدس وهي الجناح العسكري لحركة الجهاد أن حماس اعتقلت أعداداً متزايدة من عناصرها في سنة 2010. لكنّ سرايا القدس تواصل إطلاق صواريخها على إسرائيل في مسعى لإحباط المحاولات التي تقوم بها حماس للتفاوض مع إسرائيل.
الجماعات الوطنية العلمانية
تتألف هذه الفئة من الأجنحة العسكرية التابعة لحركة فتح السياسية والجماعات المنشقة عنها، فضلاً عن جماعات علمانية أخرى، ومن حركات يسارية انشقت في سبعينيات القرن الماضي عن منظمة التحرير الفلسطينية التي تهيمن عليها فتح. وهذه هي الفئة الأصغر والأضعف من بين فئات الجماعات الفلسطينية المسلّحة. تتضمن الأجنحة العسكرية لفتح كتائبَ شهداء الأقصى المعروفة، وكتائب أبو الريش الأقل شأناً (والتي يُطلق عليها "صقور فتح")، وكتائب سامي الغول، وجماعات منشقة أكثر راديكالية مثل التنظيم وفرسان الهيكل.
تعتبر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي يبلغ عدد أفرادها نحو 1000 عنصر في غزّة والضفة الغربية، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين المنبثقة عنها والتي يبلغ عدد أفرادها نحو 500 عنصر في غزّة والضفة الغربية حركتين يساريتين راديكاليتين ناشطتين منذ أواخر ستينيات القرن الماضي. كلتا الجماعتين تعتمد على الدعم السوري، وقضيتهما متجذرة في مسعى يغلب عليه الطابع الإسلامي ويهدف إلى إقامة دولة فلسطينية. كانت الجبهة الشعبية ثاني أكبر فصيل في منظمة التحرير بعد فتح. لكنّ هاتين الجماعتين تحالفتا مع حماس الآن رداً على موقف فتح التصالحي من إسرائيل والذي أضعف الحركة المسلّحة العلمانية برمتها. وهما تتعاونان مع الجماعات الإسلامية المسلّحة في غزّة بين الحين والآخر من أجل الإبقاء على جذوة المقاومة المسلّحة لإسرائيل.
الإسلاميون الوطنيون: الجماعات الجهادية السلفية
على الرغم من أن الحركة السلفية في غزّة لا تقرّ بالعنف على وجه الإجمال، يوجد عدد متنام من الجماعات السلفية التي تنشط في غزّة كعصابات مرتزقة صغيرة (يبلغ عدد أفراد الجماعات الكبيرة منها عدة مئات) متمركزة في مناطق مثل مدينة غزّة ورفح وخان يونس. وهذه الجماعات السلفية تستمدّ الدعم من العناصر المستاءة من الدور السياسي الذي تلعبه حماس. وعلى سبيل المثال، تشكلت جماعات مثل الجلجلات فور اتخاذ حماس قراراً بالمشاركة في الانتخابات الفلسطينية في سنة 2006 وأقامت صلات مع القاعدة. تأسست جماعة الجلجلات على يد قائد سابق لكتائب القسّام وعلى يد سلفيين آخرين من حماس، مما أظهر حدّة الخلاف داخل حماس عقب الخطوات السياسية التي قامت بها الحركة. ولا يزال يتوالى ظهور جماعات سلفية أخرى بعد العام 2006 ويرجّح أن قوتها تتعاظم إلى يومنا هذا.


على العكس من حماس التي ترجع أصولها إلى حركة الإخوان المسلمين، تتبنى هذه الجماعات إيديولوجية "القاعدة"، برغم أنه لا يتوافر دليل قاطع على وجود روابط عملانية بين الطرفين. وانسجاماً مع إيديولوجية "القاعدة"، يُستخدم في تنفيذ أجندة هذه الجماعات العابرة للحدود الأراضيَ الفلسطينية كنقطة انطلاق لتحقيق هدفها بعيد المدى المتمثل في إقامة الخلافة الإسلامية. وهذا هو الفارق الأساسي بين هذه الجماعات من جهة، وبين حماس والجهاد الإسلامي من جهة أخرى، إذ أنها لا تسعى لإقامة دولة فلسطينية إسلامية، وإنما تسعى لاستغلال القضية الفلسطينية للوصول إلى أهدافها العابرة للحدود. وبناء على ذلك، فإن الحرب التي يشنّها الجهاديون السلفيون لا تستهدف الإسرائيليين وحسب، مثل مهاجمة الدوريات الإسرائيلية في غزّة، والإغارة على المعابر الحدودية وتنفيذ هجمات انتحارية وإطلاق الصواريخ على إسرائيل، بل وتستهدف مؤسسات غربية أيضاً في غزّة مثل مقاهي الإنترنت والمراكز المسيحية التي ترى أنها مناهضة للإسلام.
إن مهاجمة هذه الأهداف داخل غزّة تجعل الجماعات السلفية على طرفي نقيض مع حماس ومع حركة الجهاد الإسلامي اللتين توجهان طاقاتهما إلى الخارج نحو إسرائيل. ومن هنا جاءت تسمية "القاعدة في بلاد المشرق" على الأرجح، بما أنها تشمل كوكبة من الجماعات المسلّحة التي تتراوح أحجامها بين عدة عشرات وعدة مئات وتنقسم في الأغلب تبعاً للأحياء السكنية والعشائر. لكن من المهم أن نشير إلى أن الجماعات السلفية في المشرق لا تُظهر اتساقاً مثل الذي تُظهره الجماعات الأكثر ارتباطاً بالقاعدة في اليمن أو الصومال أو العراق. لكنّ الأمر وصل بأحد القادة السلفيين ويُدعى عبد اللطيف موسى (أو أبو النور المقدسي) إلى حدّ الإعلان عن ولادة الإمارة الإسلامية في غزّة في خطبة ألقاها في آب 2009. لكنّ قائد هذه الجماعة التي تُدعى جند أنصار الله لقي مصرعه إلى جانب 26 من أتباعه في غارة شنتها قوات الأمن التابعة لحماس على مسجده في الشهر نفسه. وأدت هذه الغارة إلى اجتماع الجماعات السلفية على معارضة حكم حماس، ولا تزال الاشتباكات تندلع بين السلفيين وحماس على نحو متزايد منذ ذلك الحين.
بما أن هذه الجماعات خرجت من رحم النزعة العسكرية الغزّاوية في غضون السنين الخمس الأخيرة، فهي تشترك في أهدافها وفي خبرتها المحدودة. وبما أنها تنشط في أماكن قريبة من بعضها على الرقعة الضيقة لقطاع غزّة، فهي تنسّق هجماتها وتبقى على اتصال مباشر، لكنها تُحجم عن تشكيل قوة رئيسية موحَّدة لأن ذلك سيسهّل على حماس (أو إسرائيل) الإجهاز عليها بضربة واحدة على غرار ما حصل لجماعة جند أنصار الله في الغارة التي استهدفت مسجدها في سنة 2009. كما لا تحتدم منافسات قوية بينها لأن انتماءات عناصرها عشائرية.
تعتبر جماعة جيش الإسلام إحدى أبرز الجماعات السلفية وهي تضم نحو 450 عنصراً مسلحاً (ينتمي أغلبهم إلى عشيرة دغماش في مدينة غزّة). وهي تتميز عن سواها بتخصصها في عمليات الخطف، فهي التي خطفت مراسل محطة بي بي سي ألان جونستون في سنة 2007 (بهدف تأمين إطلاق سراح أبو قتادة أحد قادة القاعدة الروحيين في أوروبا)، وهي التي خطفت الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في سنة 2006. لكنّها سلّمت الرهينتين إلى حماس في نهاية المطاف. ورداً على ذلك، شنّ سلاحُ الجو الإسرائيلي غارات وقتل ثلاثة ناشطين من جيش الإسلام في غزّة في تشرين الثاني 2010، مدعياً أنهم كانوا على صلة بمخطط لخطف إسرائيليين في سيناء. كما ضغطت حماس على جماعة جيش الإسلام بقتل العديد من عناصرها أو اعتقالهم لمنعها من إطلاق صواريخها على إسرائيل وإرغامها على الامتثال لسلطة حماس.
المزيّة الرئيسية التي تملكها حماس على الجماعات المسلّحة المنافسة هي الخدمات الاجتماعية التي تقدمها لسكان غزّة والتي أطالت عمر الحركة وحمتها من الانشقاقات. لكنّ هذه القدرة تضاءلت، وبدأت الجمعيات الخيرية السلفية بتوفير الطعام للفقراء وإعطاء دروس في تفسير القرآن الكريم، مما أعطى أبناء غزّة حافزاً لمناصرة الإيديولوجيا السلفية. ومع ذلك، تضع حماس يدها على المساعدات التي تقدمها منظمات الإغاثة فور وصولها إلى غزّة وتسلّمها للجمعيات الخيرية التابعة لها مما يحدّ من نطاق الخدمات الاجتماعية التي يمكن للجماعات الأخرى تقديمها.
ستتوافر جماعات دائماً لملء الفراغ الذي تشهده ساحة المقاومة مع مواصلة حماس لعب دورها السياسي (هناك ظاهرة مشابهة في أيرلندا الشمالية)، والسؤال الذي يبقى مطروحاً هو: هل ستتمكن حماس من منع هذه الجماعات من إضعاف سيطرتها على غزّة؟ صحيح أن حماس لا تزال قادرة على وقف نشاطات المقاومة التي تقوم بها الجماعات الصغيرة وعلى النأي بنفسها في الظاهر عن مواقفها العدائية السابقة لإسرائيل، فهذه مزيّة لن تعمّر طويلاً، لأنه إذا استمرّت حماس في منع استخدام القوة ضدّ إسرائيل، فإنها تهمّش بذلك نفسها داخل معسكر الجماعات المسلّحة. وعلينا أن نراقب التوترات التي تنشأ داخل حماس نفسها والبحث عن نقاط الصدع المحتملة بين جناحها السياسي وجناحها العسكري والتي ستكون الجماعات الجهادية السلفية توّاقة لاستغلالها.
لا تزال حماس غير مهتمة إلى الآن في الدخول في مواجهة إسرائيل، وهي تفضّل أن تتخلّص من الحركات المنافسة في غزّة قبل أن تصرف كل طاقاتها لمواجهة فتح في الضفة الغربية. لكننا لا زلنا في حاجة إلى معرفة إن كانت الضغوط السلفية في غزّة ستدفع حماس إلى التصالح مع فتح أو ما إذا كان الضعف سيستبدّ بحماس ويجعلها أقل ثقة بنفسها عند مواجهة حركة فتح أقوى. صحيح أن الجماعات السلفية لا تشكّل خطراً وجودياً على حماس في غزّة، لكنها تستطيع التأثير في مستقبلها السياسي بالتأكيد في السلطة الوطنية الفلسطينية.


محللون وخبراء في مركز التنبؤات الاستخبارية – واشنطن - 19 كانون الثاني 2011
ترجمة : مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية - 19 كانون الثاني 2011

2011-01-26 13:43:43 | 2895 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية