التصنيفات » دراسات

كيف اخترق الفلسطينيون قبة إسرائيل الفولاذية؟


بقلم الياس فرحات *



• ماذا ستفعل الولايات المتحدة لضمان استمرار وفعالية شبكة الدفاع الصاروخي عن إسرائيل؟
• هل هناك حاجة لإبقاء القوات الأميركية في العراق للمشاركة في الحفاظ على القبة الصاروخية؟
بقلم: إلياس فرحات

في 18 اغسطس2011 قامت مجموعة مسلحة بهجوم على باصين احدهما يقل عسكريين اسرائيليين قرب إيلات في جنوب اسرائيل، مما أدى الى مقتل 7 اشخاص واصابة27 آخرين بجراح وهو الهجوم الأول منذ معاهدة السلام المصرية ـ الاسرائيلية وأعلنت اسرائيل ان المهاجمين تسللوا من قطاع غزة ولم تمض بضع ساعات حتى هاجم الطيران الاسرائيلي منزلا في رفح جنوب غزة ما ادى الى مقتل 6 واصابة 2 بجراح. لكن وبعد ساعات ايضا حصلت المفاجأة: اطلاق صواريخ غراد من قطاع غزة على مدينة بئر السبع ومقتل اسرائيلي وجرح 10 آخرين.. كيف تمكن الفلسطينيون من إطلاق الصواريخ وكيف وصلت الصواريخ الى اهدافها رغم القبة الحديدية التي كانت القيادة الاسرائيلية اعلنت عنها ووعدت مواطنيها بالأمان من خطر سقوط الصواريخ الذي عانوا منه واختبروه في الشمال اثناء حرب يوليو 2006 وفي الجنوب في مستعمرة سديروت وجوارها اثناء الحرب على غزة في اواخر 2008 واوائل 2009. ما هي القبة الفولاذية وكيف بدأت؟
القبة.. فكرة وتنفيذ
يستند مبدأ القبة الحديدية الى الإنذار الفوري لدى انطلاق اي صاروخ باتجاه الأراضي الصديقة، يتبعه مباشرة اطلاق صاروخ مضاد موجه كي يعترضه في مساره وذلك قبل ان يسقط الصاروخ المعادي على الهدف المتجه نحوه وينفجر ويحدث اضرارا. في حال النجاح في اعتراض الصاروخ المهاجم واصابته ينفجر في الجو من دون إحداث ضرر على الأراضي الصديقة. تتعقد العملية عندما تنطلق عدة صواريخ من اتجاهات ومسافات مختلفة ما يوجب منظومة القبة ان تستطيع التعامل مع عشرات واحيانا مئات الصواريخ كي تسقط اكبر عدد منها وتظهر فاعليتها وتحمي الأراضي الصديقة من خطر انفجارها.
بدأ التفكير في انشاء منظومة القبة الحديدية عندما بدأت المقاومة اللبنانية في عامي 1993 و1996 باطلاق صواريخ كاتيوشا على شمال اسرائيل واصابة العديد من الاسرائيليين واضطرار السكان الى النزوح جنوبا. في حرب يوليو 2006 بلغ عدد الإسرائيليين الذين نزحوا الى الجنوب نحو مليون شخص بعد ان وصلت الصواريخ الى كامل الجليل وحيفا وعكا والخضيرة. لكن العمل الجدي بدأ عندما وافق الكونغرس الاميركي في 31 مايو 2010 على طلب الرئيس باراك اوباما بتخصيص 205 ملايين دولار لحفز انتاج اسرائيل لنظام لمواجهة الصواريخ قصيرة المدى من النوع الذي تستخدمه حركة المقاومة الاسلامية حماس وحزب الله.
ويستخدم النظام الذي تنتجه شركة رافائيل للانظمة الدفاعية المتطورة الاسرائيلية المملوكة من الدولة نظام قبة حديدية يسمى نظام ديفيد سلينغ وهو عبارة عن صواريخ صغيرة موجهة بالرادار لتفجير صواريخ من طراز كاتيوشا يتراوح مداها بين 5 و70 كلم بالإضافة الى قذائف المورتار(الهاون). وكانت الحرب التي نشبت في لبنان عام 2006 مع حزب الله وحرب قطاع غزة ضد حماس عام2008 قد دفعت الاسرائيليين لتطوير هذه الأنظمة. وفي كلتا الحربين كانت البلدات الاسرائيلية الواقعة في مرمى الصواريخ قصيرة المدى عاجزة عن الدفاع عن نفسها. اما النظام الآخر فهو نظام ارو الذي يستهدف الصواريخ متوسطة المدى، كما يجري تطوير صواريخ اروـ 3 لاعتراض الصواريخ بعيدة المدى وهي في طبقات الجو العليا. تقوم الولايات المتحدة ايضا بالتوفيق بين النظام الاميركي للدفاع الصاروخي والنظام الاسرائيلي لبحث امكانية ضم الانظمة الاسرائيلية الى مظلة عالمية.
مؤتمرات.. للدفاع الصاروخي
استطاعت اسرائيل ان تجذب اهتمام المؤسسة العسكرية الاميركية ومراكز الدراسات والأبحاث من اجل اعتبار سقوط الصواريخ على اراضيها مشكلة دولية هامة تستوجب وضعها في أعلى سلم الأولويات، خصوصا انها في جميع حروبها السابقة مع العرب لم تشهد عمليات على جبهتها الداخلية، ولا سقوط قذائف ولا صواريخ داخل اراضيها، وكانت العمليات تجري فقط في داخل اراضي الدول العربية المجاورة. ولهذه الغاية عقد في عام 2010 اول مؤتمر اسرائيلي ـ دولي للدفاع الصاروخي وشارك فيه عدد من الخبراء وكبار الجنرالات المختصين في مؤسسات الصناعات العسكرية من اسرائيل والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وبريطانيا وألمانيا وايطاليا واليابان والهند، وعقد المؤتمر الثاني في 25 يوليو عام 2011. تميز المؤتمر هذا العام بكثرة المشاركين حيث قدمت 54 ورقة عمل وابرزها كلمة فرانك روز نائب مساعد وزير الدفاع الاميركي لشؤون نزع السلاح ـ مكتب التحقق ومراقبة التنفيذ. تضمنت كلمة روز 3 محاور، الاول مقاربة الولايات المتحدة للدفاع الصاروخي والتهديدات التي تواجهها هي وحلفاؤها، والثاني هو كيف تنفذ الولايات المتحدة الالتزامات التي حددتها في استراتيجية الدفاع الصاروخي الجديدة والثالث استمرار التزام ادارة الرئيس اوباما بالتعاون مع اسرائيل في مجال الدفاع الصاروخي.
مقاربة الولايات المتحدة للدفاع الصاروخي
يحتل الدفاع الصاروخي موقعا مهما في الاستراتيجية الدولية للولايات المتحدة، وهو يؤكد لحلفائها واصدقائها ان لديها القدرة والإرادة من اجل ردع اي هجوم بالصواريخ البالستية ضد اي من الأصدقاء والحلفاء والشركاء والأراضي الاميركية والقواعد العسكرية والقوات المسلحة المنتشرة في جميع انحاء العالم، وعند الضرورة القضاء على ذلك الهجوم وتدمير القوى المهاجمة. يسهم الدفاع الصاروخي ايضا في كبح اللاعبين الإقليميين ومنعهم من التأثير على قدرة الولايات المتحدة للدفاع عن اصدقائها او مساعدتهم. يشكل التهديد الإقليمي باستخدام الصواريخ البالستية العامل الأساسي لتحديد مقاربة الولايات المتحدة في الدفاع الصاروخي، وتعتبر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى مصدر التهديد الإقليمي الأساسي للقواعد والقوات المسلحة الاميركية وحلفائها، وبهدف زيادة هذا التهديد عمدت بعض الدول الى انتاج صواريخ اكثر دقة وفاعلية وتتمتع بنظام حماية من الصواريخ المضادة للصواريخ. ابرز مثل على هذه الدول هي ايران التي عرضت مؤخرا نماذج من الصواريخ البالستية. كما ان بعض الدول تطور صواريخ قادرة على حمل اسلحة نووية وكيميائية وبيولوجية. مازالت ايران وكوريا الشمالية تعملان على تكنولوجيا تطوير صواريخ بالستية بعيدة المدى، ومن غير المعروف بعد ما اذا كانوا يستهدفون الاراضي الاميركية لكنهم ومن دون شك يستهدفون القوات الاميركية المنتشرة في مناطقهم ومناطق شركاء الولايات المتحدة وحلفائها. لقد راجعت الولايات المتحدة برنامج الدفاع الصاروخي في وثيقة «مراجعة الدفاع الصاروخي البالستي 2010 وركزت فيها على مواجهة التهديد لقواتها وحلفائها وشركائها بالإضافة الى تهديد الأراضي الاميركية.
المبادئ الثلاثة
تسعى الولايات المتحدة الى منع خصومها في كل اقليم في العالم، من حيازة الصواريخ البالستية ونشرها وتطويرها واستعمالها وذلك باستخدام أسلوب الردع للتقليل من ثقة الخصوم بفاعلية الهجمات بهذه الأسلحة عندما يخططون لاستعمالها. انطلاقا من الطبيعة الجغرافية والتاريخية لكل اقليم ومتطلبات الردع الخاصة به، تعتمد الولايات المتحدة اسلوب المقاربة لكل اقليم بمفرده وفقا لثلاثة مبادئ:
اولا: ستردع الولايات المتحدة خصومها بواسطة انشاء منظومة عمل ترتكز على علاقات التعاون مع الشركاء والحلفاء ومشاركتهم الأعباء والمسؤوليات.
ثانيا: ستعتمد الولايات المتحدة مقاربة على مراحل ولكل اقليم على حدة وبناء على التهديدات المحتملة لكل اقليم. هذه المقاربة تعني انها ستستعمل التكنولوجيا المتوافرة لمواجهة التهديدات الحالية والمتوقعة وتكييف هذه التهديدات مع مواقف تتطور وفق أساليب غير متوقعة.
ثالثا: من اجل مواجهة الطلب العالمي المتزايد على الدفاع الصاروخي ستطور الولايات المتحدة امكانات صاروخية متحركة يمكن نقلها بسهولة عندما ينتقل الخطر من منطقة الى اخرى او تجميعها لاستخدامها في عمليات حاسمة.
التعاون الثنائي بين أميركا وإسرائيل
أكد فرانك روز ان التعاون الثنائي بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول الدفاع الصاروخي منفصل تماما عن الدفاع عن اوروبا وهو دفاع فاعل ودائم وغير قابل للاهتزاز. وشدد على ان اسرائيل هي اولى الشركاء في الدفاع الصاروخي وان الرئيس اوباما أكد التزامه بالتعاون مع اسرائيل في الدفاع الصاروخي وعرض روز للتهديدات الموجهة لاسرائيل وهي من ايران وسورية وحزب الله وحماس.
منذ عام 2001 بدأت الولايات المتحدة واسرائيل بتنفيذ مناورة كل سنتين اطلق عليها اسم جوبيتر ـ كوبرا وهي تمرين على تكامل العمل في الرادارات ومنظومات الإنذار والطائرات والصواريخ الاعتراضية. بالاضافة الى ذلك تابع البلدان عقد لقاءات منتظمة حول مسألة الدفاع الصاروخي.
منظومة الصواريخ أرو
تؤمن منظومة أرو لاسرائيل قدرة حقيقية على الدفاع ضد الصواريخ البالستية قصيرة ومتوسطة المدى. في مطلع هذا العام نجحت الولايات المتحدة واسرائيل في كشف وملاحقة واعتراض هدف صاروخي بالستي باستخدام منظومة ارو(لم يكشف عن مكان وزمان الاعتراض). ويتابع البلدان اجراءات تطوير هذه المنظومة، كما جرى اتفاق على انتاج مشترك لصاروخ ارو- 2 والعمل معا من اجل انتاج الصاروخ الأكثر تطورا ارو ـ 3 الذي يمكن اسرائيل من مواجهة تهديدات صواريخ ذات مدى ابعد وارتفاعات أعلى وقادرة ان تحمل اسلحة دمار شامل.
رادار اكس باند
في عام 2008 عملت الولايات المتحدة واسرائيل على نشر رادار من نوع «أ ن ت ب واي ـ 2» في اسرائيل ويعمل لصالحها. يرتبط هذا الرادار بجهاز إنذار مبكر يعمل بواسطة الأقمار الصناعية ويعزز امكانيات الكشف في الجهاز الدفاعي الصاروخي في اسرائيل.
ديفيد سلينغ
تعمل الولايات المتحدة واسرائيل معا من اجل تطوير منظومة ديفيد سلينغ لمواجهة الصواريخ قصيرة المدى والصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى عندما اقترابها وافلاتها من منظومة ارو.
القبة الحديدية
في مطلع هذا العام صادق الكونغرس الاميركي على تقديم 200 مليون دولار لدعم نظام الاعتراض الصاروخي في اسرائيل المعروف بالقبة الحديدية. وسيستخدم هذا المبلغ من اجل شراء المزيد من الأنظمة الدفاعية التي اظهرت فاعليتها في ابريل الماضي عندما تمكنت من إسقاط 8 صواريخ وقذائف صاروخية اطلقت من قطاع غزة باتجاه اسرائيل. لقد اعد هذا النظام من اجل اعتراض الصواريخ القادمة الى اسرائيل وتم نشره على الأراضي الاسرائيلية بنجاح خلال العام الحالي.
آفاق التعاون
ان كثرة الكلام عن التهديد الصاروخي الإيراني لإسرائيل المبني على عروض القوة الايرانية من خلال تجارب إطلاق الصواريخ ذات القدرة العالية والمدى البعيد، وعن تهديد صواريخ حزب الله وحماس، المستند الى تسريبات اعلامية وتصريحات علنية من حزب الله حول امتلاكه ترسانة من الصواريخ تصل الى كامل الأراضي الاسرائيلية، جعلت اي حرب محتملة في منطقة الشرق الأوسط حرب صواريخ في المرتبة الاولى تليها حرب جوية وبحرية وبرية. كل هذا نقل الاهتمام الاستراتيجي الاسرائيلي والاميركي الى مربع الصواريخ المضادة للصواريخ او ما يعرف بالقبة الحديدية. تحقق الصواريخ اختراقا سريعا للجبهة وتنقل العمليات الى الداخل وتثير ارباكات لقيادة العمليات خصوصا من الأضرار الناشئة عن سقوطها والتي تطال السكان المدنيين وخطوط التموين وتضطر القيادة الى بذل جهود اضافية لمعالجة الأوضاع الداخلية، فضلا عما تسببه من تأثير معنوي سيئ على العسكريين وعلى جميع السكان. لقد حدت الصواريخ من التفوق الذي طالما شعرت به اسرائيل من خلال قواتها الجوية المتطورة ومدرعاتها الحديثة، لكنها في المواجهات الاخيرة بدأت تفقد تفوقها من خلال حرب غير متماثلة استعملت فيها حركات المقاومة الصواريخ والأسلحة المضادة للدروع.
ان ما ذكره فرانك روز عن اولوية برامج الدفاع الصاروخي هو حقيقي وجدي وهو الأساس في المحافظة على امن اسرائيل. لذلك كان لابد من اعطائها الأولوية فحصل التمويل الاميركي الوفير والسريع لتطوير ونشر القبة الحديدية رغم الأزمة المالية التي عصفت بالولايات المتحدة. ان اكثر ما يلفت في التعاون الاميركي ـ الاسرائيلي حول الدفاع الصاروخي هو مسألتان:
الأولى: تطوير منظومة ارو ـ 3 لتشمل الصواريخ البعيدة المدى والعابرة للقارات وخلال وجودها في طبقات الجو العليا او في الستراتوسفير وهذا معد اصلا لمواجهة الصواريخ الايرانية لكنه ينطبق ايضا على اي تهديد صاروخي روسي او خلافه مما يجعل الدفاع عن اسرائيل مسألة دولية وكونية بعدما كانت مسألة اقليمية. ومن المنطقي ان يؤدي ذلك الى تمدد النشاط السياسي الاسرائيلي الى حيث يأتي الخطر الصاروخي ويرتب عليها أعباء تفوق أعباء دولة اقليمية اساسية وتكاد توازي أعباء دولة كبرى في وقت تحاول الدول الكبرى جميعا التخلي عن اعباء الالتزامات الإقليمية. هل تستطيع اسرائيل في المستقبل تحمل هذه الأعباء او الاستمرار في تحميل القسم الأكبر منها للولايات المتحدة؟
ثانيا: ضم اسرائيل الى منظومة الدفاع الصاروخي الاميركي في العالم وخصوصا في المنطقة العربية. من الواضح ان المنظومة الاميركية تشمل الدفاع عن القوات المنتشرة في الخليج وتحديدا في قطر والبحرين والكويت والى حد اقل في الامارات والسعودية. من المفترض ان تكون شبكة الدفاع الصاروخي عن القواعد والقوات المسلحة الاميركية المنتشرة في هذه البلدان قائمة وفاعلة وان ربطها بإسرائيل يشكل عبئا كبيرا على الولايات المتحدة لان ذلك سيشمل الأجواء العراقية والاردنية والسعودية والسورية واللبنانية فضلا عن اجواء البحر المتوسط اذا وصلت البحرية الإيرانية الى المنطقة. ويأتي هذا العبء في وقت تستعد القوات الاميركية لمغادرة العراق، وهذا يعني ان قوات اميركية ستبقى في العراق لضرورات اتصال شبكات الدفاع الصاروخي ببعضها البعض. لكن السؤال الذي يطرح نفسه وقبل أقل من 6 أشهر من موعد انتهاء الانسحاب الاميركي من العراق هو ماذا ستفعل الولايات المتحدة لضمان استمرار وفاعلية شبكة الدفاع الصاروخي عن اسرائيل واتصالها بشبكة الدفاع الصاروخي عن القوات والقواعد العسكرية المنتشرة في المنطقة؟ وهل هناك حاجة لإبقاء قوات في العراق للمشاركة في هذه المهمة؟
*عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني


 

2011-10-13 12:42:22 | 1776 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية