التصنيفات » دراسات

إسرائيل: القيمة الإستراتيجية للولايات المتحدة

روبرت د. بلاكويل ـ والتر ب. سلوكومبي / The Washington Institute For Near East Policy
قيمة إستراتيجية

إسرائيل بلد صغير في منطقة حيوية إستراتيجياً وغير مضيافة على نحو متزايد. وليس مفاجئاً ظهور الشكوك من حكمة العلاقة الوثيقة الأميركية مع إسرائيل الى السطح دورياً. وقد تبرز هواجس كهذه بشكل أكثر تكراراً حتى في الوقت الذي يمر فيه الشرق الأوسط بفترة من التغيير والتفجر السياسي الكبير. وفي الوقت الذي نقوم فيه بدرس المبررات لدعم أميركي قوي لإسرائيل في السياق الحالي، تناقش هذه المقالة فتطرح بأنه إضافة الى الأسباب القوية المتعلقة بالقيم والأخلاق، تقدم الدولة اليهودية مكاسب هامة للولايات المتحدة ومصالحها القومية.

هذا الجانب من العلاقة غالباً جداً ما يتم تجاهله. فعلى إمتداد عقود، فسر القادة الأميركيون، بشكل رئيس، أسس العلاقة الأميركية – الإسرائيلية بالإستشهاد، بإنتظام، بـ " القيم المشتركة": الديمقراطية المشتركة للبلدين، الخبرة المتبادلة بالقتال لأجل الحرية، الجذور الموجودة في الثقافة والحضارة اليهودية – المسيحية، والإلتزام بحق الأمم، الكبيرة أو الصغيرة، بالعيش بأمان في الوقت الذي تظهر فيه إرادة الشعب. لكن على خلاف الصيغ التي يستخدمها القادة الأميركيون بما يتعلق ببلدان تتقاسم معها الولايات المتحدة قيماً سياسية وثقافية – بريطانيا وفرنسا على سبيل المثال – يشتمل عادة النقاش أيضاً لصالح وجود علاقات قوية مع إسرائيل على منطق ثان عميق بخصوص عمق العلاقة: المسؤولية الأخلاقية التي تتحملها الولايات المتحدة لحماية الدولة ـ القومية الصغيرة للشعب اليهودي. كان هذان المفهومان، معاً، الدعامتان الرئيستان اللتان بنت الولايات المتحدة عليهما علاقة ثنائية فريدة مع إسرائيل تتمتع بدعم عميق وقديم من الشعب الأميركي، روابط ثنائية توصف، على نحو شائع ةمشترك وبإجماع عام من شريحة واسعة من القادة السياسيين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأنها علاقة " غير قابلة للإنفصام".

وفي حين أن هذا دقيق وهام وضروري، فإن توصيف الأسس الجوهرية للعلاقة الأميركية – الإسرائيلية ناقص لأنه يخفق بفهم جانب ثالث حاسم: المصالح القومية المشتركة والعمل التعاوني للدفع بتلك المصالح قدماً. إذ تظل القيم المشتركة والمسؤولية الأخلاقية أسساً غير قابلة للإهتزاز لتلك الروابط، لكن العلاقة تقف، بالتساوي، على هذه الساق الثالثة التي لا تقدر حق قدرها.

بالنسبة للبعض، هذا توكيد مثير للجدل. فداخل مجتمعات السياسة الخارجية، الدفاع، والأعمال، إعتبر بعض القادة والمحللين العلاقة الأميركية مع إسرائيل، وبشكل تقليدي، بمثابة شارع بإتجاه واحد، تحمي فيه الولايات المتحدة إسرائيل ديبلوماسياً وتقدم الوسائل لها للدفاع عن نفسها عسكرياً لكن إسرائيل نفسها، بالمقابل، لا تساهم بالشيئ الكثير بالمصالح القومية الأميركية، أو أنها لا تساهم على الإطلاق.

نحن نرفض هذا التحليل. على العكس، نحن نعتقد بأن لدى الولايات المتحدة وإسرائيل قائمة من المصالح القومية المشتركة المثيرة للإعجاب؛ بأن الأعمال الإسرائيلية تصنع مساهمات حقيقية وأساسية مباشرة في هذه المصالح الأميركية؛ وبأنه ينبغي على صناع السياسة الحكيمين والناس المهتمين بالسياسة الخارجية الأميركية الإعتراف بالمكاسب التي توفرها إسرائيل للمصالح القومية الأميركية، بينما لا يتناسون أبداً أبعاد القيم الغير قابلة للإستبدال والمسؤولية الأخلاقية للعلاقة الثنائية.


المصالح القومية المشتركة

كقوة عالمية، لدى الولايات المتحدة مصالح قومية تمتد الى ما هو أبعد بكثير من الشرق الأوسط، لكن المنطقة هي من بين المناطق الأكثر حراجة وخطورة بالنسبة لبلادنا. تشتمل المصالح الأميركية التي تتضمنها هذه المنطقة الواسعة خاصة على:

ـ منع إنتشار أسلحة الدمار الشامل، خاصة النووية منها؛
ـ مكافحة الإرهاب وإيديولوجية الإسلامين المتطرفة من حيث تفرخ؛
ـ تعزيز عملية إحداث تغيير ديمقراطي منظم وتطوير إقتصادي في المنطقة؛
ـ معارضة إنتشار النفوذ الإيراني وذلك الذي لشركاء ووكلاء إيران؛
ـ ضمان التدفق الحر للنفط والغاز بأسعار منطقية؛
ـ حل النزاع العربي ـ الإسرائيلي من خلال عملية تفاوض؛
ـ حماية أمن إسرائيل.

مصالح إسرائيل الوطنية .... عملياً:

ـ منع الإنتشار النووي، خاصة من قبل إيران أو عبر مجموعات إرهابية؛
ـ مكافحة الإرهاب، الراديكالية، وما تشير إليه إسرائيل على أنه " جهاد عالمي"؛
ـ تعزيز إستقرار الديمقراطيات الحرة في الشرق الأوسط الكبير وتطورها على المدى الطويل؛
ـ الحفاظ على حدود سلمية مع جيرانها، بما فيه إتفاق سلام مع الفلسطينيين مبني على حل الدولتين.

بالواقع، ليس هناك من بلد شرق أوسطي آخر يندرج تعريفه للمصالح الوطنية بشكل وثيق مع ذلك الذي للولايات المتحدة.
ففي قضايا هامة، تختلف كل من واشنطن والقدس فعلاً أحياناً، ظاهرة ليست فريدة بالعلاقات الأميركية- الإسرائيلية، وكشاهد على ذلك هذه ثلاثة أمثلة إفترقت فيها طرق الولايات المتحدة مع أقرب حلفاء معاهداتها: مع بريطانيا وفرنسا، خلال أزمة السويس عام 1956؛ مع بريطانيا وفرنسا، عندما تواطأتاعلى إبطاء أو منع توحيد ألمانيا في العام 1990؛ أو مع فرنسا وألمانيا، عندما عارضتا الغزو الأميركي للعراق عام 2003. فالولايات المتحدة وإسرائيل قد تعزوان مستويات التهديد المختلفة الى التحديات التي يواجهانها، قبول درجات مختلفة من المخاطر في إنكبابهم على معالجة تلك التهديدات، والإختلاف حول الطرق الآيلة الى الدفع قدماً بمصالحهما المشتركة. فعلى إمتداد عقود، كان للجانبان مواقف سياسية متفجرة دورياً، بعضها مرير حتى، حول مواضيع تتراوح من العمل الإستباقي الوقائي ضد المفاعل النووي العراقي الى المبيعات الإسرائيلية للسلاح والتكنولوجيا العسكرية الى الصين. أما معظم النزاعات السياسية المستمرة فكانت حول الأعمال التي تؤثر على عملية السلام – هدفت الديبلوماسية الى حل الجوانب العديدة المختلفة للصراع العربي – الإسرائيلي.

من عقاب " إعادة تقييم" العلاقات على عهد إدارة فورد وصولاً الى المواجهة الحاسمة لإدارة جورج بوش الأب حول مسألة ضمانات القروض، عندما راهنا بمواقفهما المختلفة على قضايا أساسية ( لا سيما الحكمة من بناء المستوطنات الإسرائيلية وشرعيتها)، والنزاعات بينهما تستحوذ على العناوين الرئيسة، وهذا مما لا يثير الدهشة. لكن هذه الأمثلة أصبحت متكررة أكثر عندما عمل الجانبان، معاً، بنجاح لأكثر من ثلاثين عاماً لتحقيق أهداف سياسية مشتركة، خاصة سلسلة معاهدات السلام والإتفاقيات التي كانت المرساة للنفوذ الأميركي في المنطقة.

هذه القائمة تتضمن أيضاً أمثلة أخرى عندما أخضعت إسرائيل أفضلياتها السياسية لتكييفها مع تلك التي لواشنطن، كالإنضمام الى إصرار إدارة جورج دبليو بوش على إجراء إنتخابات تشريعية في العام 2006، برغم الريبة والشك الإسرائيليين – والتي أثبت إسرائيل بأنها ذات بصيرة للأسف – بحيث أنهها هددت بخطر إثارة عملية مدمرة أدت الى إستيلاء حماس على غزة. من خلال كل ذلك، تظهر عقوداً من الخبرة والتجارب بأن الجانبان قد تعلما كيفية إدارة خلافاتهما خدمة لمصالحهما الوطنية المشتركة. لطالما كانت هذه القواسم المشتركة في المصالح الفكرة المهيمنة على العلاقات الأميركية – الإسرائيلية الثنائية، حتى حول القضايا الصعبة المتعلقة بعلاقات إسرائيل مع جيرانها العرب.

المساهمات الإسرائيلية بالمصالح القومية الأميركية

إضافة الى عملية السلام وخارجها، يقدم لنا التاريخ عدداً من الأمثلة حول أعمال إسرائيلية محددة أفادت المصالح الوطنية الأميركية.

خلال الحرب الباردة، كان الأمر الأكثر شهرة هو عملية السرقة الإسرائيلية الجريئة لرادار سوفياتي من مصر في العام 1969، رد إسرائيل الإيجابي على طلب الرئيس نيكسون بتحليق طائرات لأغراض إستطلاعية وتحريك جنود للمساعدة على الإلتفاف على الغزو السوري للأردن في العام 1970، ومشاركة إسرائيل في جمع المعلومات الإستخبارية التقنية حول عدد من منظومات الأسلحة السوفياتية التي تم الإستيلاء عليها في حربيْ 1967 و 1970. وفي الآونة الأخيرة، ساهمت جهود مكافحة الإنتشار النووي الإسرائيلية – بما فيها تفجير المفاعل النووي العراقي في العام 1981 – بشكل حقيقي وملموس بالمصالح الأميركية. لقد ضمن هجوم 2007 على المفاعل السوري الذي قامت كوريا الشمالية بتزويد سوريا به، والذي لم تعترف إسرائيل أبداً بهذا الهجوم، بوقف تقدم بشار الأسد بإتجاه الحصول على سلاح نووي في مرحلة مبكرة – وهو تحرك خطير جداً في مجال الإنتشار النووي من قبل كوريا الشمالية.

في عدد من المناسبات، قامت إسرائيل أيضاً بإتخاذ قرارات صعبة بعدم التصرف – خيارات سياسية تتخذها أحياناًو تكون على خلاف مصالحها وتصوراتها السياسية الوطنية الصارمة – وكان ضبط النفس ذاك مهماً للمصالح الوطنية الأميركية. وكذلك كان الحال مع قرار إسرائيل بالإنضمام الى الطلب الأميركي بعدم الرد الإنتقامي ضد هجمات صواريخ السكود العراقية خلال حرب الخليج الأولى، الذي تخوف المسؤولون الأميركيون من أن يؤدي الى إنسحاب الدول العربية من الإئتلاف الدولي. وعلى نحو مماثل، وبعد نزاع بشع أحياناً مع واشنطن، وافقت إسرائيل على وضع حد لإشكالية مبيعات أسلحة وتكنولوجيا عسكرية الى الصين وحرمان نفسها من سوق كبير لصادراتها العسكرية العالمية المستوى ومن مصدر نفوذ لها لدى بكين.

واليوم، تمتد المساهمات الإسرائيلية بالمصالح القومية الأميركية عبر طيف واسع. على سبيل المثال:

ـ من خلال التدريبات والممارسات بالإضافة الى عمليات التبادل حول عقيدة الجيش، إستفادت الولايات المتحدة من إسرائيل في مجالات التعاون بمكافحة الإرهاب، الإستخبارات التكتيكية، والخبرة في الحرب الحضرية ( حرب المدن). أما أكبر تدريب أميركي – إسرائيلي مشترك على الإطلاق فمن المقرر أن يتم في ربيع عام 2012.

ـ تعزز التكنولوجيا الإسرائيلية المصالح الأميركية. فوكالات الأمن الوطني والوكالات العسكرية تتحول شيئاً فشيئاً الى التكنولوجيا الإسرائيلية لحل بعض مشاكلها التقنية الأكثر إزعاجاً. هذا الدعم يمتد من الإستشارة والخبرة بتقنيات الفحص والغربلة السلوكية لأمن المطارات وصولاً الى الحصول على منظومة رادارات تكتيكية من إنتاج إسرائيل لتعزيز قدرة الحماية للقوات. كانت إسرائيل قائداً عالمياً في مجال تطوير المنظومات الجوية من غير طيار، لأغراض قتالية ولجمع معلومات إستخبارية، وقد شاركت إسرائيل الجيش الأميركي التكنولوجيا، العقيدة، وخبرتها في هذه المنظومات. إسرائيل أيضاً قائد عالمي في الإجراءات الناشطة والفعالة لحماية الآليات المدرعة، الدفاعات ضد تهديدات الصواريخ القصيرة المدى، وتقنيات وإجراءات أجهزة الروبوت، وكلها أمور تقاسمتها مع الولايات المتحدة.

ـ في المجال الحيوي المتعلق بالتعاون الدفاعي الصاروخي، لدى الولايات المتحدة علاقة واسعة ومتعددة الأوجه مع إسرائيل، الشريك الأكثر حنكة وخبرة في هذا المجال البارز بالنسبة للولايات المتحدة. فالدفاعات الصاروخية الوطنية الإسرائيلية – بما فيها النشر الأميركي في إسرائيل لمنظومة رادارات X-band المتطورة وأكثر من 100 موظف عسكري أميركي لإدارتها – ستكون جزءاً لا يتجزأ من هندسة دفاعية صاروخية تمتد فوق أوروبا، شرق البحر المتوسط، والخليج الفارسي والتي ستساعد على حماية القوات الأميركية وحلفائها على إمتداد هذه المنطقة الشاسعة. لهذا السبب، أثنى مدير الوكالة الدفاعية الصاروخية للبنتاغون، مؤخراً، على المساهمة المحددة التي تقوم بها شبكات القيادة والتحكم الإسرائيلية المدمجة، والمتعددة الطبقات في قدرة الجيش الأميركي على الدفاع ضد التهديد الصاروخي الإيراني.

ـ وفي حين أن من الصحيح القول بأن إسرائيل تكسب بشكل هام من المساعدات المالية السخية الأميركية لجيشها – معظمها يُنفق في أميركا – فإن للصناعات الدفاعية الإسرائيلية كفاءات فريدة مؤكدة تستفيد منها الولايات المتحدة. إحدى النتائج لذلك هي الأهمية المتزايدة التي يوليها الجيش الأميركي للسلع الدفاعية الإسرائيلية، حيث إستفادت الولايات المتحدة من القدرات الإسرائيلية الفريدة في مجالات " الفجوات" الأساسية الموجودة في التكنولوجيا العسكرية. بالإجمال، لقد زادت قيمة المشتريات الأميركية السنوية من السلع الدفاعية الإسرائيلية بشكل ثابت على مدى العقد الماضي، من أقل من نصف مليار دولار في أوائل العقد الماضي الى حوالي 1.5 مليار دولار اليوم. ومن بين التجهيزات الدفاعية المتطورة المستخدمة من قبل الجيش الأميركي هناك منظومات سلاح الجو من دون طيار القصيرة المدى التي شوهدت في الخدمة في العراق وأفغانستان؛ حاضن الإستهداف (من الأدوات المستخدمة قبل تعيين الهدف لتحديد الأهداف وتوجيه الذخائر الدقيقة التوجيه مثل القنابل الموجهة بالليزر لتلك الأهداف) لمئات الطائرات الحربية التابعة لسلاح الجو، البحرية والمارينز؛ نظام خوذة الرؤية الموحدة الثورية والذي يعتبر قاعدة، تقريباً، في كل مقاتلات خط المواجهة التابعة لسلاح الجو والبحرية؛ درع النجاة (نظام الحماية من السيراميك يركب على المركبات لتوفير نظام حماية فعالة ضد نيران معادية) مثبت في الآلاف من آليات MRAP المدرعة المستخدمة في العراق وأفغانستان؛ نظام مدفع بحري لغرض الدفاع عن قرب ضد قوارب إرهابية وحشود الزوارق الصغيرة. علاوة على ذلك، تعمل الشركات الأميركية والإسرائيلية معاً لإنتاج مشترك لمنظومة " القبة الحديدية" الإسرائيلية – أول منظومة مضادة للصواريخ مثبتة في الحرب في العالم.

ـ إن التعاون في مجاليْ مكافحة الإرهاب والإستخبارات عميق ومكثف، مع عمل الولايات المتحدة وإسرائيل على تطوير مصلحتهما المشتركة بقهر إرهاب حماس، حزب الله، والقاعدة والجماعات المنتمية لها عن طريق تقاسم المعلومات، دعم الإجراءات الوقائية، ردع التحديات، والتنسيق معاً حول الإستراتيجية الشاملة. كما أن تدريبات وتمارين القوات الخاصة المشتركة، التعاون حول أهداف مشتركة، والتعاون الوثيق فيما بين الوكالات الأمنية الأميركية والإسرائيلية كلها أمور تشهد على قيمة هذه العلاقة.

ـ إن "إسرائيل"، وعلى نطاق واسع، شريك كامل في العمليات الإستخبارية التي تفيد البلدين، كجهود تحريم تزويد البرنامج النووي الإيراني بالقطع اللازمة أو منع تهريب السلاح في البحر الأحمر والبحر المتوسط. هذه العلاقة الحميمة تعزز الجهود الإستخباراتية الأميركية الشاملة عن طريق توفر إمكانية وصول واشنطن الى قدرات إسرائيل الفريدة في مجال جمع المعلومات والتقييمات حول بلدان وقضايا أساسية في المنطقة، بما أن إسرائيل قادرة على تركيز الموارد على أهداف معينة ذات أهمية مركزية بالنسبة للولايات المتحدة والإهتمام بها. كان الحال كذلك، على سبيل المثال، عندما مررت إسرائيل للولايات المتحدة دليلاً فوتوغرافياً قاطعاً على أن سوريا، بمساعدة كوريا الشمالية، قد قامت بخطوات هائلة بإتجاه " السخونة" بسبب مفاعل إنتاج البلوتونيوم. فكلما نضجت وتحسنت قدرات إسرائيل في جمع المعلومات الإستخباراتية الإستراتيجية (منظومات الأقمار الصناعية والطائرات من دون طيار على سبيل المثال)، فإن هذا التعاون والتبادل للمعلومات الإستخبارية والتحليلات سيخدم المصالح القومية الأميركية أكثر فأكثر.

ـ نظراً لأن إيران وحلفائها في الشرق الأوسط الكبير يمثلون مخاطرواضحة وحالية للمصالح الأميركية، يلعب الجيش الإسرائيلي – الأقوى في المنطقة ـ دوراً هاماً في الإنكباب على معالجة تلك التهديدات التي تعرضها كل من سوريا، حزب الله، وإيران نفسها الى حد ما. إن قدرة القوات المسلحة الإسرائيلية على ردع الطموحات العسكرية لفاعلين إقليميين مزعزعين للإستقرار يعزز المصالح القومية الوطنية لأنها تعرض لأعدائنا المشتركين قدرة عسكرية إضافية – وقوية ـ على مقاومة عدوانيتهم.

ـ بالتطلع الى المستقبل، سوف تساهم الخبرة العالمية المستوى لإسرائيل، أكثر فأكثر، في مجالين متطورين للأمن القومي – الدفاع الإلكتروني وتخطيط وتنفيذ المرونة الوطنية ـ بإستفادة الولايات المتحدة منهما. فإسرائيل مكان رئيس يمكن للولايات المتحدة فيه بناء شراكة ثابتة في محاولة ضمان أمن المسائل الإلكترونية المشتركة، كما هو منصوص عليه في "الإستراتيجية الدولية للفضاء الإلكتروني" الصادرة عن الإدارة الأميركية. فمع تكنولوجيا المعلومات العالمية المستوى الموجودة لديها ، ومع قدراتها في مجال الأمن الإلكتروني، ستكون إسرائيل أهم لاعب على الإطلاق في جهود تأمين الفضاء الإلكتروني وحماية البنية التحتية القومية الأميركية الحساسة من هجوم إلكتروني ما. ومن خلال نشاطات شركات أميركية كبرى مركزها إسرائيل أو من خلال الترخيص في الولايات المتحدة للتكنولوجيا الإسرائيلية، تستفيد البنية التحتية الأميركية الحساسة الآن من ميزة إسرائيل وتفوقها في مجال الأمن الإلكتروني، كالقطاع المصرفي، الإتصالات، مرافق الخدمات، النقل، ووسائل الإتصال العامة للأنترنت. وإذا كان بالإمكان معالجة الهواجس الأمنية لدى الفريقين، فإن بإمكان إسرائيل أن تصبح شريكاً كبيراً ورئيساً في جهود إستغلال التطبيقات العسكرية للقوة الإلكترونية، بنفس الطريقة التي أسس بها البلدان لعلاقتهما التعاونية في مجالي الإستخبارات ومكافحة الإرهاب.

أخيراً، وبناء على خبرتها في بناء إقتصاد مزدهر وديمقراطية نابضة بالحياة والنشاط برغم عقود من الصراع والإرهاب، لدى إسرائيل دور لتلعبه في مساعدة الولايات المتحدة على تعميق مرونتها الداخلية في التعامل مع التهديدات الإرهابية ضد الأرض الأميركية ومع صدمات الكوارث الطبيعية.

في السياق السياسي، من المهم الإشارة الى أن إسرائيل – على خلاف بلدان شرق أوسطية أخرى حكوماتها شريكة مع الولايات المتحدة- بلد ديمقراطي مستقر أساساً، لن يكتسحه تمرد مفاجئ أو ثورة متفجرة، واقع قد يصبح أكثر أهمية في الفترة المضطربة المقبلة. علاوة على ذلك، وبما يتعلق بكل خلافاتنا ومشاحناتنا الدورية، فإن شعب إسرائيل والسياسيين فيها لديهم توقعات مترسخة موالية للولايات المتحدة والتي هي نظرة شعبية موحدة مع الشعب الإسرائيلي. وبذلك، فإن الدعم الإسرائيلي للمصالح الأميركية محبوك بإحكام وموجود في النسيج الثقافي السياسي الديمقراطي الإسرائيلي، صفة حاسمة غير موجودة حالياً في أية دولة أخرى في الشرق الأوسط الكبير.

لسنا في وارد الجدال هنا بأن مساعدة إسرائيل للولايات المتحدة أكثر قيمة مما هو الدعم الأميركي لإسرائيل بالنسبة لإسرائيل. كما أننا لا ننكر بأن هناك كلفة على الولايات المتحدة، في العالم العربي وأماكن أخرى، لدعمها إسرائيل، كما أن هناك ثمناً للدعم الأميركي لأصدقاء محاصرين متعثرين ـ وأحياناً لديهم عيوب ـ بدءاً من برلين الغربية في الحرب الباردة وصولاً الى الكويت في عامي 1990- 1991 وتايوان اليوم. في كل الأحوال، نحن مقتنعون بأنه عند التقييم الصافي فإن تلك الأثمان الحقيقية ستطغى عليها، بشكل ملحوظ، الطرق العديدة التي تدعم بها إسرائيل المصالح القومية الأميركية والمكاسب التي توفرها إسرائيل لتلك المصالح.

نحن نعتقد، تحديداً، بأن هناك إمكانية لأن يكون لدى الولايات المتحدة علاقات قوية ومثمرة مع العرب وبلدان إسلامية أخرى في الوقت الذي تحافظ فيه على إستمرار تعاونها الحميم مع إسرائيل وبأن الدعم الأميركي لإسرائيل ليس هو السبب الأولي والرئيس – وربما ليس المهيمن- لإستهداف الإرهابيين الإسلاميين للولايات المتحدة. فالإلتزام الأميركي القديم تجاه إسرائيل لم يمنع تطور العلاقات الوثيقة مع دول عربية تدرك بأنه مهما كان من أمر عدم موافقتها على الدعم الأميركي لإسرائيل، فإنها مستفيدة من علاقة جيدة مع الولايات المتحدة على صعيد قضايا أخرى. كما أنها لم تجعل الدول العربية المصدرة للنفط أقل وعياً وإدراكاً لمصلحتها الإقتصادية والإستراتيجية في وجود تدفق مستقر ومنطقي للنفط الى الأسواق العالمية، أو في حماسة هذه الدول لشراء تجهيزات عسكرية من الفئة الأولى من الولايات المتحدة أو التمتع بمكاسب الحماية الأميركية ضد هجوم إيراني أو غيره.

لوضع الأمر بطريقة مختلفة، هل ستكون السياسات السعودية تجاه الولايات المتحدة مختلفة بالممارسة بشكل ملحوظ لو أن واشنطن دخلت في أزمة قاسية مع إسرائيل على خلفية القضية الفلسطينية لتسير فيها العلاقة الثنائية مع إسرائيل بخط إنحداري منهجي؟ هل ستخفض العربية السعودية سعر النفط؟ هل ستتوقف عن تغطية رهاناتها الإقليمية بما يتعلق بالمحاولات الأميركية لإجبار إيران على تجميد برامج أسلحتها النووية؟ هل ستعتبر السياسة الأميركية الحالية تجاه أفغانستان أكثر إيجابية؟ هل ستنظر الى ترويج الديمقراطية الأميركية في الشرق الأوسط بطريقة أكثر إستحساناً؟ هل ستصبح أكثر ميلاً لإصلاح عملياتها الحكومية الداخلية لتكون بذلك أكثر إصطفافاً في خط الأفضليات الأميركية؟ نحن نحكم ونجيب على كل هذه التساؤلات بأن الأمر "مشكوك به" كجواب إيجابي من قبلنا.

علاوة على ذلك، وبما يتعلق بكل الهجمات الشعبية من قبل " الشارع العربي" على الولايات المتحدة بصفتها صديقة لإسرائيل، تظل أميركا حجر المغناطيس الجاذب بالنسبة للشباب العربي – في الثقافة الشعبية، التعليم، التجارة، وفي التكنولوجيا. أما بما يتعلق بإسرائيل، فتظل في مرتبة أدنى في معظم إستطلاعات الرأي العام العربية من تلك المشاغل ذات التماس المباشر الأكبر والمتعلقة بالتقدم الإقتصادي والفساد المستشري.

نحو تعاون أميركي – إسرائيلي أعمق

إن نتيجة تحليلنا هي أن العلاقة الأميركية – الإسرائيلية ذات قيمة ثمينة هامة للمصالح القومية الأميركية. وإن إحتمال الحصول على مكاسب أميركية أكبر من تعاون عميق أمر حقيقي وأساسي.

في هذا السياق:

ـ ينبغي على القادة السياسيين الأميركيين، من البيت الأبيض الى الكونغرس، توسيع النقاش الوطني حول السياسة الشرق أوسطية لأميركا لتشمل دور العلاقة الأميركية – الإسرائيلية كقيمة إستراتيجية للمصالح القومية الأميركية. إذ تستحق " المصالح القومية الأميركية" فوترة مساوية مع " القيم المشتركة" و" المسؤولية الأخلاقية" بصفتها مبررات أساسية وجوهرية لعلاقة ثنائية.

ـ ينبغي على الحكومة الأميركية أن تسعى لتوسيع المكاسب التي بإمكان الولايات المتحدة أن تستمدها، الى أقصى حد ممكن، من تعاونها مع إسرائيل ولتوسيع الشراكات في المجالات التقليدية (الجيش، الإستخبارات مثلاً) وفي مجالات جديدة (الحرب الإلكترونية، مرونة الوطن، على سبيل المثال).

ـ ينبغي للمجتمعات الأمنية، الإستراتيجية، والسياسية الأميركية أن تكون أكثر جدية في الحوار حول الجوانب الإستراتيجية للعلاقة الأميركية- الإسرائيلية: كيفية تطوير الروابط الثنائية أكثر وكيفية تفعيل هذه العلاقة بقوة أكبر للدفع بالمصالح القومية الأميركية قدماً.

هذه الإجراءات، معاً، سوف تضمن عدم النظر للعلاقات الأميركية – الإسرائيلية على أنها آلية ديبلوماسية فقط للتعبير عن قيم عميقة الجذور وعن ممارسة أميركا لمسؤولية أخلاقية، وإنما كوسيلة هامة أيضاً للدفع بالمصالح القومية الأميركية قدماً.

" نحن نعتقد بأن الولايات المتحدة و إسرائيل لديهما قائمة من المصالح الوطنية المشتركة المثيرة للإعجاب وبأن الأعمال الإسرائيلية تصنع مساهمات مباشرة حقيقية في هذه المصالح الأميركية."

الكاتبان

روبرت د. بلاكويل زميل كبير لهنري كيسنجر في السياسة الخارجية في "مجلس العلاقات الخارجية". خدم في الحكومة في عهد جورج دبليو بوش كسفير أميركا الى الهند ومن ثم كنائب مساعد للرئيس، نائب مستشار الأمن القومي للتخطيط الإستراتيجي، والمبعوث الرئاسي الى العراق. مسؤول سابق رفيع في وزارة الخارجية ومساعد في مجلس الأمن القومي للشؤون الأوروبية السوفياتية، خدم خارج الحكومات كزميل كبير في مؤسسة Rand، رئيس BGR الدولية، وعميد مشارك في Harvard University’s Kennedy School of Government.

والتر ب. سلوكومبي محام بارز في مكتب Caplin & Drysdale في واشنطن. أحد علماء رودس، تتضمن سيرته الحكومية الطويلة الخدمة في البنتاغون على إمتداد إدارتيْ كارتر وكلينتون، بما في ذلك تعيينه كوكيل وزارة الدفاع للسياسة من العام 1994 وحتى 2001. في العام 2003، عمل كمستشار بارز للدفاع الوطني في سلطة الإئتلاف المؤقتة للعراق -     Reaserch Services Group
      
                                         

2011-11-10 12:13:26 | 1765 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية