التصنيفات » دراسات

سوريا والجامعة العربية رؤية قانونية



بحث قانوني من إعداد الدكتور// السيد مصطفى أحمد أبو الخير
رئيس المجلس الاستشاري للجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان )راصد(
أستاذ في القانون الدولي العام

     وصلت رياح الثورات العربية إلى سوريا، كغيرها من الدول العربية التي نجح منها من نجح، ولازالت بعض الدول العربية وعلى رأسها سورية، الثورة فيها لم تصل لهدفها الأسمى، المتمثل في تغيير الأنظمة، نيل الحرية من حكومات عربية أقل ما يقال عنها أنها حكومات احتلال بكل ما تحمل هذا المصطلح من مفهوم ومضمون، وهذا ينطبق على معظم إن لم يكن كل الدول العربية، التي نجحت فيها الثورة أو لازالت في طريقها للنجاح كاليمن وسورية، وهذه الثورات العربية قامت على أساس مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي، والوارد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة والمادتين الأولى والخامسة والخمسين، وأيضا في مواثيق كافة المنظمات الدولية الإقليمية، مثل جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وقد نص على هذا المبدأ ضمن المبادئ العامة التي تقوم عليها كافة المنظمات الدولية العالمية والإقليمية.
     الملاحظ فى هذه الثورات أن كافة حكام الدول التى وصلتها، قالوا أن وضعهم مختلف عن الدول الأخرى، قالها حكام مصر وليبيا، وكانت البداية فى تونس ومنها أنطلقت شرارة الثورات العربية، الحكومة اليمنية والسورية ترددان ذات المقولة بأن وضعها مختلف، ولكن هذا الاختلاف واضح فى سوريا عن غيرها من الدول العربية، حيث احتضنت سوريا المقاومة الفلسطينية بعد إبرام مصر معاهدة السلام عام 1978م، وأصبحت – كما تقول – أنها من دول الممانعة، فضلا عن وقوفها بجانب المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله فى لبنان، ونظرا لعلاقتها القوية مع إيران،  لذلك فإن الحكومة السورية وأنصارها يرددون أن الهجوم على سوريا وما يحدث فيها هو هجوم على المقاومة العربية للمشروع الأمريكي / الصهيونى فى المنطقة، وليس لحاجة الشعب السورى للحرية والدفاع عن حقوقه، التى أغتالها النظام السورى منذ أكثر من نصف قرن سواء من الأب حافظ أو الأبن بشار.
     المعلوم أن الثورة بدأت فى سوريا فى مارس من هذا العام، وهو وقت متقارب مع أحداث الثورات العربية، ونتيجة للتدهور فى الأوضاع داخل سوريا، كونت جامعة الدول العربية لجنة وزارية لحل هذه الأزمة والتعامل معها تكونت من خمس دول برئاسة قطر وعضوية كل من مصر وسلطنة عمان والجزائر والسودان والأمين العام للجامعة العربية، لإجراء اتصالات مع القيادة السورية بهدف إطلاق حوار وطني بين الحكومة والمعارضة السورية. وحدد المجلس للجنة فترة لا تزيد عن 15 يوما، والتي شكلها مجلس الجامعة في اجتماعه في 16 أكتوبر، تتركز حول إجراء الاتصالات والمشاورات مع القيادة السورية وأطراف المعارضة السورية في الداخل والخارج بجميع أطيافها، للبدء في عقد مؤتمر لحوار وطني شامل بمقر جامعة الدول العربية، يفضي إلى وقف العنف وإراقة الدماء، وإلى تنفيذ الإصلاحات السياسية التي تلبي طموحات الشعب السوري، قدمت اللجنة الوزارية العربية المكلفة الملف السوري ورقة عمل لوقف العنف في سوريا وقبلتها دمشق، وتنص على الآتى: (اولا. وافقت الحكومة السورية على ما يلي:
1 - وقف كافة اعمال العنف من أي مصدر كان حماية للمواطنين السوريين.
2 - الافراج عن المعتقلين بسبب الاحداث الراهنة.
3 - اخلاء المدن والاحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة.
4 - فتح المجال امام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الاعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع انحاء سوريا للاطلاع على حقيقة الاوضاع ورصد ما يدور فيها من احداث".
"ثانيا: مع احراز تقدم ملموس في تنفيذ الحكومة السورية لتعهداتها الواردة في البند السابق تباشر اللجنة الوزارية العربية القيام باجراء الاتصالات والمشاورات اللازمة مع الحكومة ومختلف اطراف المعارضة السورية من اجل الاعداد لانعقاد مؤتمر حوار وطني خلال فترة اسبوعين من تاريخه).
     ورغم قبول سوريا لهذه المبادرة وأكد مندوب سوريا الدائم لدى الجامعة العربية فى مداخلة خلال الاجتماع التزام بلاده بتنفيذ بنود خطة العمل العربية لحل الازمة فى سوريا وقال انه تم سحب المظاهر المسلحة من الشوارع وأن سوريا تتعرض لحملة اعلامية مضللة تتزعمها قنوات تعمل لصالح أطراف خارجية، إلا أن اللجنة لم تنفذ بنودها ولم تلتزم بها، فلم ترسل بعثة تقصى الحقائق لسوريا للوقوف على حقيقة ما يجرى فى سوريا من أحداث ومن المتسبب فى القتل، هل الجيش أم أن هناك عصابات مسلحة من خارج سوريا – كما تقول سوريا- هى التى تقوم بالقتل، وفى تطور دراماتيكى من قبل اللجنة، ولم تنتظر أو تجرى اللجنة تحقيقا فى ذلك، بل صعدت اللجنة من لهجتها ضد سوريا، كما أن اللجنة لم تقم بحوار جدى للتقريب وجهات النظر بين الحكومة السورية والمعارضة التى أنقسمت على بعضها.
     وعقدت الجامعة اجتماعا وزاريا غير عادى يوم 12/11/2011م، وخرجت الاجتماع بقرار جاء فيه  تعليق مشاركة وفد الحكومة السورية في اجتماعات الجامعة إلى حين تنفيذها الخطة العربية لوقف العنف. ودعت الجامعة الدول العربية إلى سحب سفرائها من دمشق، كما قررت فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الحكومة السورية، ودعتها إلى توفير الحماية للمدنيين. وطالبت الجيش السوري بعدم التورط في قتل المدنيين، وتدعو جامعة الدول العربية لمعارضة السورية للاجتماع خلال ثلاثة أيام للاتفاق على صيغة لمرحلة انتقالية، هذا القرار صدر مخالفا لميثاق جامعة الدول العربية لما يآتى:
1 -  القرار لم يصدر بالإجماع نصت المادة السابعة من ميثاق جامعة الدول العربية التى نصت على (ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة فى الجامعة، وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزما لمن يقبله، وفى الحالتين تنفذ قرارات المجلس فى كل دولة وفقا لنظمها الأساسية.) فقد عارضت القرار كل من اليمن ولبنان وأمتنعت العراق عن التصويت، مما يعنى أن هذا القرار غير ملزم إلا لمن وافقت عليه.
2 – القرار جاء مخالفا لنص المادة الثامنة من ميثاق جامعة الدول العربية التى نصت على(تحترم كل دولة من الدول المشتركة فى الجامعة نظام الحكم القائم فى دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول، وتتعهد بأن لا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها.) وهذا القرار يمثل ضغطا على نظام الحكم فى سوريا لتغييره.
3 – القرار يخالف مبادئ جامعة الدول العربية وخاصة مبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأعضاء فى الجامعة، والقرار السالف يناقش وضعا داخليا سوريا.
     والقرار يعتبر تمهيدا لتدويل الأزمة السورية، والغريب فى تشكيل اللجنة رئاسة دويلة قطر لها وهى لا تملك مقومات الدولة، مع أن ضمن أعضاء اللجنة مصر، وهى الدولة المحورية فى المنطقة بل والقائدة، وقطر معروف اتجاهاتها وعلاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية وكيان الإحتلال الإسرائيلي، كما أن اللجنة تتسارع فى اتخاذ خطوات التصعيد ولم تعط مهلة لحل الأزمة بالطرق السلمية، كما نص ميثاق الجامعة، كما أننا لم نعهد بالجدية من الجامعة فى حل أزمات عربية كانت أحوج من سوريا بهذه الجدية، أين كانت فى أحداث ليبيا وهى التى أدخلت الناتو وطلبت تدخله، وأين هى مما يحدث فى اليمن، لماذا لم تظهر هذه الجدية، اللجنة وقراراتها كلمة حق أريد بها باطل، يتمثل فى عبرنة المنطقة، وجعلها دويلات عرقية وأثنية متقاتلة، لإضفاء شرعية مزيفة على وجود كيان صهيونى فى المنطقة، بعد أن فشل فى وجود شرعية فى التاريخ أو في القانون الدولي.

2011-11-18 12:38:24 | 2313 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية