التصنيفات » دراسات

تطور الرأي العام السويدي تجاه قضية فلسطين

اعداد : رشيد الحجة *

في البداية لابد من التعريف بهذا البلد وجغرافيته البشرية والإقتصادية. مساحة السويد، حوالي نصف مليون كيلومتر مربع – هي جزء من اسكندنافيا، السويد والنرويج والدانمارك يضاف إليها فينلندا وآيسلندا لتكون دول الشمال الأوربي. شعب السويد، 9 ملايين، هو من أكبر شعوب دول الشمال ويتحدث اللغة السويدية، ويدين منذ حوالي ألف عام بالمسيحية. الكاثوليكية ومن ثم تحول للبروتستانتية على يد الملك جوستاف فاسا الذي حول السلطات ليد القصر.

استقبلت السويد مجموعات بشرية عديدة منها الفالون واليهود والعرب وغيرهم. ويشكل من هم من أصول أجنبية في السويد حاليا حوالي 20 بالمائة من عدد السكان. ويعتبر اليهود السويديون، حوالي 20 ألف، جزءا هاما في المجتمع السويد حيث تتمركز في أيديهم أدوات الإعلام والإقتصاد.

يحكم السويد ومنذ مايزيد عن مائة عام تياران سياسيان يتجمعان في كتلتين، تتناوبان على الحكم حسب نتائج الإنتخابات التي تجري كل أربع سنوات، الكتلة اليسارية والكتلة البرجوازية. وتعتبر السويد من الدول الصناعية المتقدمة حيث تشتهر بالصناعات الثقيلة كالسيارات والقطارات والبواخر والأسلحة والإلكترونيات وأمور أخرى. تتمتع السويد وإلى حد كبير باستقلالية سياسية في مواقفها من القضايا الدولية، لكنها أصبحت بعد دخولها في الإتحاد الأوربي، أكثر نزوعا للتبعية لهذا التجمع. يعيش الشعب السويدي في ديمقراطية متقدمة وبحريات واسعة جدا.

بدايات

تعتبر فلسطين مكان الحج الرئيس لرجال الدين في السويد. وكتبوا الكثيرعنها، ولم تكن كتبهم تتضمن أية إشارات سياسية، بل كان جلها يتحدث عن السيد المسيح والمناطق التي زاروها، وعن طبيعتها وسكانها ومدنها وقراها.

وبظهور الحركة الصهيونية التي هدفت: أولا إلى جمع يهود العالم تحت إسم شعب وثانيا نقل هذا الشعب إلى رقعة جغرافية ما لتشكيل وطن قومي له. وعندما استقر رأيها على فلسطين نادت بشعار " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" أي أن فلسطين هي أرض غير مسكونة وأن اليهود هم شعب بلا أرض. الأمر الذي يتناقض مع الواقع المعاش ومع ماورد في كتب الرحالة ورجال الدين السويديين، ويتناقض مع واقع أتباع الديانة اليهودية حيث هم من أصول وشعوب متعددة وليسوا شعبا واحدا، تماما كما هم المسلمون والمسيحيون.

إن تعاظم نفوذ الجالية اليهودية – حوالي 20 ألفا – المالي والإعلامي، استغل العامل الديني لأبعد الحدود في التأثير على عقلية الشعب السويدي وكنائسه وساسته. وكان أكثر من استفاد من هذا العامل هو كبير الحاخامات اليهود في بداية القرن العشرين في السويد ماركوس إيهرينبرايس. الذي كان مفكرا وفيلسوفا أيضا وألف عددا من الكتب تعتبر مرجعا مهما في المكتبة السويدية. وكان يشكل اليد اليمنى لحاييم وايزمن رئيس الحركة الصهيونية آنذاك.

من جهة مقابلة لم يكن في السويد في بدايات القرن العشرين جالية عربية لتقوم بدور ما في تشكيل الرأي العام. من هنا يمكن الإستنتاج بأن الجالية اليهودية نجحت في خلق ثقافة تأييد لامتناه للفكرة الصهيونية في استيطان فلسطين. التأييد الذي استمر إلى يوم قيام الدولة الصهيونية وإلى مابعد احتلالها للكثير من الأراضي العربية في عام 1967 بسنوات قليلة. لقد شكل الإحتلال منعطفا هاما في تحول الرأي العام السويدي. وبدأت إسرائيل تخسر شعبيتها تدريجيا.

مما تقدم يمكن التحدث عن مرحلتين رئيستين في تشكل الرأي العام السويدي تجاه فلسطين وقضيتها، بدأت فيها الأولى من الحيادية التامة،قبل بروز الفكرة الصهيونية باستيطان فلسطين، إلى التأييد الكلي للمشروع الصهيوني، وبلغت ذروتها في احتلال إسرائيل لكثير من الإراضي العربية حيث هلل لقدرة الدولة الصهيونية الصغيرة والديمقراطية على التصدي لعدد من الدول العربية واحتلال أراضيها. والثانية بدأت عندما أدرك السويديون بأن إسرائيل هي دولة مغتصبة، ووصلت ذروة الرأي العام المستنكر لإسرائيل والمؤيد لحقوق الفلسطينيين في الإيام التي تكتب فيها هذه السطور.

المرحلة الأولى

لم يكن الشعب السويدي، في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لينظر إلى فلسطين إلا بمنظار ديني صرف. لقد أعتبرها رقعة جغرافية ولد فيها السيد المسيح وترعرع ومات ودفن في ثراها. وكانت فلسطين هدفا للحجاج السويديين الذين دونوا رحلاتهم على شكل كتب وصفية بحتة. كان الشعب السويدي بمعظمه آنئذ متدينا بالبروستانتية. ففي تلك الفترة باع أهالي قرية نوص، التي تقع في إقليم دالرنا في وسط السويد، أملاكهم وهاجروا إلى القدس واستقروا بها، منتظرين قدوم المسيح عليه السلام. بقي أحفاد نوص في القدس الشرقية حتى ستينات القرن الماضي – يمكن للعودة إلى سيرة أهل هذه القرية قراءة رواية الكاتبة السويدية الحائزة على جائزة نوبل في الآداب سلمى لاجرلوف "إلى القدس".

إن اقتران الديانية المسيحية بالديانة اليهودية عبرما يسمى في الغرب بالكتاب المقدس بعهديه القديم والحديث، وليس التوراة والإنجيل،، كان له أثره في تسهيل مهمة رجالات الحركة الصهيونية في السويد على طرح أفكارهم على الكنيسة السويدية في ترجمة العهد القديم بعودة اليهود إلى أرض كنعان.

السياسة

سهل عامل السياسة الإقتصادية والإجتماعية من خلال تبني الحركة الصهيونية للفكر الإشتراكي، وتطبيقه عبر المستعمرات الجماعية اليهودية على أرض فلسطين كالكيبوتزات، التأثير على الساسة السويديين في الحزب الإشتراكي، الذي حكم منذ بدايات القرن العشرين وحتى سبعينات القرن الماضي، في فهم ماأراده الصهاينة في فلسطين، الفارغة من السكان، ودعمهم سياسيا وإعلاميا واقتصاديا. وبدأت الصحف والكتب تجنح لتسييس أفكارها واالإستفاضة في شرح المفهوم الصهيوني في "عودة" اليهود إلى فلسطين وإعادة استيطانها. وجنح الحكم البريطاني في فلسطين إلى تنظيم واستقبال البعثات الدينية والسياحية لزيارة المستعمرات اليهودية، وحاول إظهار الجانب الإيجابي منها في الزراعة والعمل التعاوني من جهة وتخويف تلك البعثات من التواصل مع المجتمع الفلسطيني، سكان البلد الإصليين. وكانت تسود في تلك الفترة، ولازالت عند البعض، عقلية الرجل الأبيض الذي يعمل على نهضة المناطق المتخلفة.

الفكر الإستعماري

وفي الفترة التي جرت فيها أحداث الحرب العالمية الأولى استطاعت الحركة الصهيونية إقناع بريطانيا العظمى بفكرتها من أنها مربحة استعماريا. فأصدرت بريطانيا على إثرها وعد بلفور الذي وهب أرض فلسطين لليهود لإقامة وطن قومي هناك. الفكرة التي استطاع رئيس الحاخامات في السويد ترويجها أيضا لدى الساسة في السويد. وقعت فلسطين، وبتكليف من عصبة الأمم، وبدون سؤال الفلسطينيين، تحت الإنتداب البريطاني. حصلت الحركة الصهيونية بذلك التكليف على الإعتراف القانوني في تهويد فلسطين. فتحت بريطانيا بعدها أبواب الهجرة اليهودية وارتفع عدد اليهود في فلسطين من 8% إلى حوالي 35%.

إذا استطاع الصهاينة اليهود في أوربا بسهولة، بسبب فهمهم للثقافة الأوربية والتأثير فيها، خداع الشعب السويدي. لقد شكلوا لديه ثقافة مؤيدة لهم دون أي تحفظ.

عقدة الذنب الأوربية

ومما ألهب مشاعر الشعب السويدي في دعم اليهود في مشروعهم في فلسطين هو صعود النازية في أوربا واضطهاد اليهود وغيرهم. فهيأوا لهم معسكرات الإستقبال والتدريب ومن ثم الإنتقال إلى فلسطين. لقد تبرعت السويد لهم أيضا بالبيوت الخشبية الجاهزة. وبعد ماسمي بالمحرقة وانتهاء الحرب العالمية الثانية نشأ في السويد وفي العالم أجمع مايسمى بعقدة الذنب لسكوتهم على ماكان يجري. وهذا ماجعلهم يشتغلون ليل نهار في غسل هذا العار على مدى سنوات طويلة، الأمر الذي استغلته الحركة الصهيونية حتى يومنا هذا. مما سهل فهم قبول نشوء دولة لليهود على أرض فلسطين في عام 1949.، بعد الإعتراف القانوني الجديد على يد الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي لم تشاور سكان فلسطين الأصليين. حصل هذا دون الأخذ بعين الاعتبار أن حل المسالة اليهودية في أوربا كان يحدث على حساب شعب فلسطين. هذا وشكل مقتل مبعوث الأمم المتحدة الأمير السويدي، فولكه برنادوت، على يد العصابات الإرهابية اليهودية عام 1948، تعقيدات كبيرة في الرأي العام السويدي. فقد أدى هذا مثلا إلى تأخير الإعتراف السويدي الرسمي بالدولة الصهيونية. خاصة وأن برنادوت اشتهر بعمله الإنساني في إنقاذ آلاف اليهود من براثن النازية في عملية سميت بالباصات البيضاء قبل سنوات قليلة من مقتله على يد اليهود أنفسهم. فاليهود بذلك، وكما يقول المثل، عضوا اليد التي مدت لهم. ومن المعروف، حتى يومنا هذا، بأن الصهاينة مافتئوا يستغلون عقدة النب هذه.

غياب التأثير العربي

في خضم ماكان يحدث في أوربا وفلسطين كانت الشعوب العربية منشغلة في عملية تحررها من الحكم العثماني ومن بعده الإنتدابين الفرنسي والبريطاني. ولم يكن الشعب الفلسطيني بنفس القوة التنظيمية والمؤسساتية التي كانت تتمتع بها بريطانيا والحركة الصهيونية حتى تتمكن من إيصال صوتها لشعب السويد. ولم يكن هناك جالية فلسطينية لتشرح مايتم على أرض فلسطين من أغتصاب للأراضي، وأن الهجرة اليهودية إلى فلسطين تحصل على حساب السكان الأصليين وأن البلد صغيرة ولاتستوعبها.

كما لم يتمكن الفلسطينييون من إيصال ما جرى لهم من مذابح على يد العصابات اليهودية التي تدربت في الجيش البريطاني وتسلحت دون أي عقاب. وكذلك من تفسير الأسباب التي تدخلت من أجلها الجيوش العربية التي لم تكن على مستوى التدريب والتسليح الذي كانت عليه العصابات اليهودية.

هذا الحال ترك الساحة الإعلامية السويدية فارغة أمام الفعل والتأثير للتنظيمات الصهيونية ومؤيديها في تشكيل رأي عام يقول بأن العرب بجيوشهم الستة هم المعتدون على الدولة اليهودية الصغيرة والحضارية بمجرد إعلانها. وبقي هذا التفسير سائدا في الثقافة السويدية، حتى عند رجال العلم، إلى أن جاءت كتابات المؤرخين الإسرائيليين الجدد، مثل إيلان بابيه في كتابه، التطهير العرقي لفلسطين. الكتب التي فضحت ماقامت به العصابات اليهودية من مذابح ضد المدن والقرى الفلسطينية قبل دخول الجيوش العربية بأشهر طويلة.

أثار نجاح الحركة الصهيونية في بناء دولة لها على أرض فلسطين إعجاب وفرح كبير لدى الساسة، بكل ألوانهم، ورجال الدين والإعلاميين في جميع أنحاء السويد. وقد جرى في تلك الفترة تغييب القضية الفلسطينية في أروقة الأمم المتحدة وتحويلها إلى قضية لاجئين، حيث نادى الأمين العام للأمم المتحدة السويدي داج همرشولد بالتوطين كحل لهم. ومن جهة ثالثة لم تسارع الدول العربية لإعلان الدولة الفلسطينية التي نادت بها الأمم المتحدة استنادا لقرار التقسيم بل وقفت في وجه حكومة عموم فلسطين، فوقعت الضفة الغربية تحت الضم للمملكة الأردنية وقطاع غزة تحت الإدارة المصرية ومنطقة الحمة التي ضمت إلى سورية.

إستمر الحال كذلك حتى بعد العدوان الثلاثي، الذي شاركت فيه إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا، على مصر عام 1956، وبعدها حرب حزيران لعام 1967 التي احتلت بها الدولة الصهيونية ماتبقى من فلسطين وأراض عربية أخرى. النجاح الذي هللت له الحكومة والشعب في السويد.

المرحلة الثانية

لقد كان نصر "إسرائيل" في حرب حزيران على الجيوش العربية يحمل في ثناياه بذور الهبوط من القمة، وخاصة بعد إعلانها ضم القدس ومن بعدها ضم الجولان وتصريحات ساستها بعدم الإنسحاب من تلك الأراضي. وظهر في تلك الفترة الجانب الآخر المقاوم "مننظمة التحرير الفلسطينية" كعامل جديد. المنظمة التي سطع نجمها وتنامى بعد انتصارها في حرب الكرامة عام 1968على الجيش الإسرائيلي، وتنسيبها الأعداد الكبيرة من المتطوعين الفلسطينيين والعرب والعالميين.

لم يحصل التغيير في الرأي العام السويدي بشكل فجائي، ولم يكن يعني هذا التغيير بأن من يغير رأيه يتحول فورا ليصبح مؤيدا. فقد أجريت في السويد عدة استطلاعات للرأي العام في الأعوام 1973 و1986 و 1988. وكانت نسبة التأييد لإسرائيل، كليا أو جزئيا، تتناقص من 49 إلى 20 ومن ثم إلى 9 في حين كان التزايد لمؤيدي م ت ف من 5 بالمائة إلى 8 ومن ثم إلى 13. وانقلبت الموازين مع الزمن ليصبح الرأي العام السويدي بمعظمه حاليامؤيدا للشعب الفلسطيني في مطالبه في بناء دولته المستقلة على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 وعودة اللاجئين منهم، استنادا لقرار الأمم المتحدة 194 من جهة، ومستنكرا لماتقوم به إسرائيل من أعمال وإجراءات تعرقل عملية السلام مع الفلسطينيين.

ولاختصار المشهد، الذي يحتاج إلى صفحات كتاب موسع، تورد هذه الدراسة السريعة عددا من العوامل التي لعبت في تغيير الرأي العام السويدي من مؤيد لإسرائيل بشكل كامل إلى أغلبية عظمى مؤيدة للحق الفلسطيني، وهي كما يلي وحسب التسلسل الزمني:

1- إضافة لما تم ذكره من أحتلال إسرائيل لأراض العرب وإظهار عدم نيتها بالإنسحاب بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 ومن ثم ظهور منظمة التحرير الفلسطينية وتوسعها وبروز آثار أعمالها في المنطقة جاءت

2- حرب عام 1973 واستخدام العرب سلاح البترول الذي أدى بدوره للحوار العربي البرلماني. وكانت الحرب وهذا السلاح هو العمل العربي المشترك الوحيد المؤثر على السويد وغيرها من الدول، التي لايمكنها أن تعيش دون البترول.

3- موجات اللجوء والهجرة للفلسطينيين مع أطفالهم وعائلاتهم إلى السويد بعد حرب عام 1967، ومذابح أيلول في الأردن عام 1970، ومذابح تل الزعتر عام 1976 وصبرا وشاتيلا عام 1982 والمخيمات 1985 في لبنان، وما تلاها من مذابح وحروب ضد الشعب الفلسطيني. ماأدى لاختلاط السويديين مع الفلسطينيين المهاجرين كبشر عاديين، وليسوا إرهابيين كما كانت تروج الدعاية الصهيونية في أوربا. لقد نظمت هذه الجالية نفسها من خلال تنظيمات شعبية عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر"جمعية الشعب الفلسطيني في أوبسالا" و"المركز الثقافي العربي في جوثنبرغ" و جمعية فلسطين في مالمو". وتزايد مع الزمن أعداد أبناء الجالية ليصل حاليا إلى مايزيد عن عشرين ألفا موزعة على عدد كبير من المدن السويدية ومعظمهم عمل على تشكيل جمعيات فلسطينية أو سويدية-فلسطينية. هذا ولم تكن هذه التنظيمات هي الوحيدة بل نظم أبناء الجالية أنفسهم من خلال التنظيمات الشعبية المنضوية تحت لواء م ت ف مثل " إتحاد عمال فلسطين" واتحاد طلاب فلسطين" وغيرها. وينتظم أبناء الجالية أيضا في التنظيمات السياسية المعروفة كفتح والشعبية والديمقراطية وحماس وغيرها. وكل هذه التشكيلات تعمل وبشكل متواصل للتواصل مع الجماهير السويدية ومع التنظيمات السياسية والشعبية السويدية.

4- تشكيل التنظيمات الشعبية السويدية وحركات التضامن السويدية مع الشعب الفلسطيني في نهاية الستينات من القرن الفائت، مثل "مجموعات أنصار فلسطين" التي لازالت فاعلة حتى كتابة هذه السطور في مجال المساعدات الطبية وكتابة المقالات وتأليف الكتب وترتيب المحاضرات والسفر إلى فلسطين بكاملها ومناطق المخيمات وإنتاج الأفلام التلفزيونية وغيرها من نشاطات في تشكيل الرأي العام. وكذلك فعلت التنظمات الأخرى، كل في مجال تخصصه فكانت مثلا "لجنة دول الشمال للحفاظ على التراث الفلسطيني" و"اللجنة المسيحية لنصرة الشعب الفلسطيني" و"الأرشيف السويدي الفلسطيني" و" جمعية العودة" و"فرقة كوفية" و"رابطة الصداقة السويدية الفلسطينية" التي لعبت دور اللوبي الفلسطيني في البرلمان السويدي و"مؤسسة دار الطفل العربي" وغيرها وغيرها. كما وبدأت التنظيمات الشعبية السويدية كنقابة عمال المعادن وجامعة أوبسالا والكنيسة التبشيرية وغيرها في فهم الحق الفلسطيني ومناصرته ضد الفعل الإسرائيلي المخالف للشرائع الدولية والسماوية.

5- بدأ عدد من رجال العلم والقانون والإعلام السويديين بفهم القضية الفلسطينية وكتابة المقالات وتأليف الكتب وإنتاج الأفلام السينمائية والتلفزيونية. فالبروفسور السويدي سيجبرت أكسيلسون مثلا أصدر كتابه " فلسطين والرأي العام المسيحي" في عام 1970 ليشرح ويفند التفسير الديني للحركة الصهيونية بما يخص فلسطين بأنه خاطئ. والمنتج بيو هولمكفيست بفيلمه " القدس مدينة بلا حدود" الذي عرض على شاشة التلفزيون الرئيسة بمناسبة عيد الميلاد لعام 1979. مما أثار جدلا كبيرا في السويد وأتهم الرجلان باللاسامية، وغيرهم كثر.

6- بعد الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية، كانت السويد من بين من صوت للقرار، كممثل شرعي للشعب الفلسطيني في عام 1974، افتتحت السويد مكتبا رسميا للمنظمة في العاصمة استوكهولم. وقد حصل ذلك في النصف الثاني من العام 1975، الأمر الذي سهل التواصل بين المنظمة والجهات الرسمية والسياسية والنقابية في السويد من جهة وساعد أبناء الجالية الفلسطينية في تنظيم أنفسهم والإستفادة من وجودهم في هذا البلد.

7- بعد الإعتراف وافتتاح مكتب لم ت ف وقبله بقليل اقتربت الأحزاب اليسارية من المنظمة وأدخلت في برامجها قضية فلسطين ويظهر هذا في نشاطاتها , ومن خلال البرامج السياسية التي تطرحها تلك الأحزاب في فترات الإنتخابات العامة. وقد دعا الحزب الإشتراكي الديمقراطي رئيس م ت ف الراحل ياسر عرفات لزيارة السويد في عام 1984، الزيارة التي يعتقد بأنها أدت إلى مقتل رئيس الوزراء السويدي، ورئيس الحزب المذكور أولوف بالمه بعد عامين من الزيارة.

8- مشاهدات رجال الطوارئ الدولية التي عملت في فلسطين وعلى الحدود المحيطة لها. فمنهم من دون مشاهداته في كتب ومقالات صحفية، منذ العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 ومابعده. فعلى سبيل المثال كتب الجنرال كارل فورن هورن الذي كان قائدا للقوات الدولية في كتابه الذي صدر في عام 1966"جنود السلام" في الصفحة 314 يقول: نحن من سافر إلى إسرائيل لم نكن نعرف إلا القليل عن العرب والكثير الكثير عن اليهود وعذاباتهم في الحرب العالمية الثانية …. إن أغلب الذين قدموا إلى هنا قد جاؤا بهدف مساعدة الطرفين ولتطبيق اتفاقية الهدنة، مع إدراك وتعاطف كبير للطرف الإسرائيلي. وعلى الرغم من ذلك فقد تغيرت وبوضوح مواقفنا بعد سنتين أوثلاث من الإحتكاك اليومي مع الموظفين والجنود والمواطنين العاديين على طرفي الحدود…. وعندما تسأل جنود القوات الدولية اليوم عن خبراتهم السلبية التي عاشوها خلال خدمتهم في فلسطين يجيبون دائما: محاولة الإسرائيليين الدائمة في خداعنا.

9- كان لسلوك إسرائيل العدواني والتوسعي في المنطقة أثره الكبير في خلق حالة من الإستياء عند أهل السويد. عندما زادت إحتلالها لأراض عربية جديدة في جنوب لبنان عام 1978، وما تلاها من حروب على لبنان في عام 1981، وغزوها للبنان واشتراكها في مذابح صبرا وشاتيلا، وضربها لحمام الشاطئ في تونس عام 1985، وقيامها باغتيال شخصيات فلسطينية عديدة، واختطاف فعنونو الذي فضح البرنامج النووي لإسرائيل.

ومن جهة اخرى كانت علاقات إسرائيل الحميمة مع الدول العنصرية، مثل جنوب أفريقيا التي كانت معاقبة من قبل السويد، تفضح نوعية الفكر الصهيوني العنصري. وحربها المجنونة ضد الإنتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، ومن ثم مذابح جنين وحربها على قطاع غزة قبل ثلاثة أعوام، والبث الحي و المباشر على شاشات التلفزة العالمية بسبب التقدم التقني في نقل الأحداث، كانت أكبر دليل.

أما بناء جدار الفصل العنصري ووضع مئات الحواجز في قلب الضفة الغربية وحصار غزة، وقتل رجالات أسطول الحرية في عملية قرصنة بحرية في المياه الإقليمية. كل ذلك أدى إلى فضح إسرائيل أكثر فأكثر وأساء لسمعتها أمام الرأي العام السويدي، و العالم أجمع بطبيعة الحال.

10- الدعم الأمريكي والغربي اللامحدود والمفضوح لإسرائيل في كل شرورها واستخدامات حق الفيتو في مجلس الأمن لعدم إدانتها لماتفعله. وإن أدينت إسرائيل فيتم السكوت عنها لعدم تنفيذها ماصدر ويصدر من قرارات من مجلس الأمن، أو من المنظمات الدولية.

11- التطور المطرد للموقف الرسمي السويدي، وللأسباب الواردة أعلاه، في فهم مايريده الفلسطينيون خاصة بعد الإعتراف الفلسطيني بإسرائيل عام 1988 ومن بعده إتفاقية أوسلو عام 1993 ومن ثم الإعتراف العربي عام 2002 الذي دلل على جدية العرب في السلام مقابل انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس الشرقية وحل مسألة اللاجئين الفلسطينيين إستنادا لقرار الأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948، وأنه ليس في نيتهم إلقاء اليهود في البحر كما شيعت له الأبواق المؤيدة لإسرائيل.

من الملفت مما ورد أعلاه بأنه:

أولا: رجال الدولة في السويد ورغم فهمهم لملابسات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لايجرؤن على اتخاذ خطوات عملية تعاقب أو تجبر إسرائيل على الإلتزام وتنفيذ ماهو مطلوب منها دوليا كدولة احتلال ودولة اعتداء، وذلك على مايبدو خوفا من اللوبي اليهودي في السويد من الصاق تهمة اللاسامية بهم.

وثانيا لم تقم التنظيمات الفلسطينية وحركات التضامن السويدية بكل أطيافها بتنظيم وتأطير الرأي العام السويدي لتوظيفه في الضغط على أصحاب القرار السياسي في السويد، البلد الذي له باع طويل في تطبيق الديمقراطية، لاتخاذ قرارات جرئية ضد إسرائيل. وللعلم فإن هذا التأثير يمكنه أن يكون مهما لأن السويد عضو محترم في الإتحاد الأوربي.
* صحفي فلسطيني. أوبسالا- السويد

2011-11-24 10:32:37 | 1806 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية