التصنيفات » دراسات

قراءة تحليلية حول المصالح الإستراتيجية السياسية والعسكرية المشتركة للكيان الصهيوني وأمريكا



توصية أمريكية للقادة الأمريكيين بتوسيع الشراكة مع "إسرائيل" في المجالات الإستخباراتية والعسكرية
"في مقالهما "إسرائيل: ثروة استراتيجية للولايات المتحدة" يوضح ممارسان بارزان للسياسة الخارجية الأمريكية، روبرت بلاكويل، ووالتر سلوكومب، المصالح الوطنية المشتركة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، بما في ذلك مساهمات "إسرائيل" لدفع هذه المصالح إلى الأمام. وفي 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، دعا معهد واشنطن الكاتبان إلى منتدى سياسي خاص لمناقشة هذه المواضيع، وفيما يلي مقالهما."
"إسرائيل" دولة صغيرة في منطقة حيوية استراتيجياً -- وعدائية على نحو متزايد -- من العالم. وليس من المستغرب أنّ الشكوك حول الحكمة وراء العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" تظهر على السطح بين الحين والآخر. فمثل هذه المخاوف ربما تظهر بصورة أكثر تكراراً لا سيما مع مرور الشرق الأوسط بفترة من التقلب والتغير السياسي الكبيرين. وحيث نبحث في مبررات الدعم الأمريكي القوي "لإسرائيل" في السياق الحالي يؤكد هذا المقال أنّه بالإضافة إلى الأسباب القوية للقيم والأخلاق تقدم الدولة اليهودية فوائد جمة للولايات المتحدة ومصالحها الوطنية.
وكثيراً ما يُغفل هذا الجانب من العلاقة. وعلى مدى عقود شرح قادة أمريكيون بشكل رئيسي أسس العلاقة الأمريكية "الإسرائيلية" بالإستشهاد بصورة صحيحة بــ "القيم المشتركة"، أي الديمقراطية المشتركة للدولتين والخبرة المتبادلة في الكفاح من أجل الحرية والجذور في الثقافة والحضارة اليهودية المسيحية والالتزام بحق الأمم، كبيرة كانت أم صغيرة، في العيش بأمان وإظهار إرادة الشعوب في الوقت نفسه.
لكن بخلاف الصيغ التي يستخدمها القادة الأمريكيون فيما يتعلق بدول أخرى لديها قيم سياسية وثقافية مشتركة مع الولايات المتحدة -- مثل بريطانيا وفرنسا -- فإن الحجج المؤيدة لإقامة علاقات قوية مع "إسرائيل" عادة ما تشمل أيضاً أساس ثان عميق لجذور العلاقة وهو المسؤولية الأخلاقية التي تتحملها أمريكا لحماية دولة الشعب اليهودي الصغيرة. ومعاً كان هذان المفهومان -- القيم المشتركة والمسؤولية الأخلاقية -- الركيزتان التي بَنت عليهما الولايات المتحدة علاقة ثنائية فريدة مع "إسرائيل" التي تتمتع بدعم عميق وقديم من الشعب الأمريكي، حيث توصف العلاقات الثنائية بين البلدين بإجماع واسع من قبل القادة السياسيين للحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، بأنها "غير قابلة للانفصال".
ورغم كونه دقيقاً ومهماً بشكل ضروري إلا أنّ هذا التوصيف للأساس الجوهري للعلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" غير كامل لأنه فشل في احتواء الجانب الثالث حاسم الأهمية ألا وهو المصالح الوطنية المشتركة والعمل التعاوني لدعم تلك المصالح. وما تزال القيم المشتركة والمسؤولية الأخلاقية أسساً ثابتة لتلك الروابط لكن العلاقة تستند على قدم المساواة على هذا الساق الثالث الذي لم ينل حقه من الاهتمام.
وبالنسبة للبعض فإنّ هذا هو تأكيد خلافي. فداخل مجموعات السياسة الخارجية والدفاع والتجارة والأعمال الأمريكية يرى بعض القادة والمحللين علاقات الولايات المتحدة مع "إسرائيل" تقليدياً باعتبارها شارعاً ذا اتجاه واحد في المقام الأول، حيث تحمي الولايات المتحدة إسرائيل دبلوماسياً وتوفر لها وسائل الدفاع عن نفسها عسكرياً لكن إسرائيل نفسها لا تساهم إلا بالقليل وأحياناً لا تساهم بشيء أصلاً للمصالح القومية الأمريكية.
لكننا نرفض هذا التحليل. فعلى العكس من ذلك، نحن نعتقد أن لدى الولايات المتحدة و"إسرائيل" قائمة طويلة من المصالح الوطنية المشتركة، وأن الأعمال "الإسرائيلية" تقدم مساهمات مباشرة كبيرة لهذه المصالح الأمريكية، كما أن الحكماء من صناع السياسة وأولئك المعنيين بالسياسة الخارجية الأمريكية -- مع عدم نسيانهم قط أبعاد القيم المشتركة والمسؤولية الأخلاقية التي لا يمكن الاستغناء عنها في هذه العلاقة الثنائية -- ينبغي لهم أن يدركوا المنافع التي تقدمها إسرائيل للمصالح القومية للولايات المتحدة.
المصالح الوطنية المشتركة
كقوة عالمية فإنّ للولايات المتحدة مصالح وطنية تشمل ما هو أبعد بكثير من الشرق الأوسط الأكبر لكن تلك المنطقة هي من بين المناطق الأكثر جوهرية للولايات المتحدة. وأما المصالح الأمريكية التي تكتنف هذه المنطقة الواسعة بشكل خاص فتشمل على ما يلي:
- منع انتشار أسلحة الدمار الشامل وخاصة الأسلحة النووية.
- محاربة "الإرهاب" والأيديولوجية "الإسلاموية" المتطرفة التي ينبثق عنها.
- تعزيز عملية منظمة للتغيير الديمقراطي والتنمية الاقتصادية في المنطقة.
- معارضة انتشار النفوذ الإيراني ونفوذ شركاء إيران ووكلائها.
- ضمان التدفق الحر للنفط والغاز بأسعار معقولة.
- حسم النزاع العربي "الإسرائيلي" من خلال عملية المفاوضات.
- حماية أمن "إسرائيل".
ومصالح "إسرائيل" الوطنية متطابقة تقريباً:
- منع الإنتشار النووي وخاصة من جانب إيران أو عبر جماعات "إرهابية".
- محاربة "الإرهاب" والتطرف وما يصفه "الإسرائيليون" بــ "الجهاد العالمي".
- تعزيز الاستقرار والتنمية طويلة الأمد للديمقراطيات الليبرالية في الشرق الأوسط الأكبر.
- الحفاظ على حدود آمنة مع جيرانها بما في ذلك اتفاق سلام مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين.
وفي الحقيقة ليست هناك دولة أخرى في الشرق الأوسط ذات مصالح وطنية يمكن تحديدها بأنها مصطفة بمثل هذا القرب مع مصالح الولايات المتحدة [باستثناء إسرائيل].
وحول القضايا الهامة، تختلف واشنطن والدولة العبرية بالفعل أحياناً، وهي ظاهرة لا تقتصر على العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، كما تشهد على ذلك ثلاثة أمثلة من أمثلة كثيرة سلكت فيها الولايات المتحدة طرقاً مختلفة عن تلك التي اتبعتها أقرب الدولتان الحليفتان لها وهما بريطانيا وفرنسا مثلاً أثناء أزمة السويس في عام 1956 أو عندما تواطأت الاثنتان سراً لإبطاء أو منع توحيد ألمانيا في عام 1990 أو مع فرنسا وألمانيا عندما عارضتا غزو أمريكا للعراق في عام 2003. وربما تعزو الولايات المتحدة و"إسرائيل" مستويات مختلفة من التهديد للتحديات التي يواجهانها فيقبلان درجات متفاوتة من المخاطر في معالجة تلك التهديدات مما ينشأ عنه اختلافهما في سبل تعزيز مصالحهما الوطنية المشتركة. وعلى مدى عقود طالما كان لدى الطرفين فورانات سياسية -- بعضها أحياناً حادة -- في مواضيع تتراوح من العمل "الإسرائيلي" الاستباقي ضد المفاعل النووي العراقي وحتى المبيعات "الإسرائيلية" للأسلحة والتكنولوجيا العسكرية إلى الصين. على أن أكثر الخلافات السياسية مشاكسة كان يتصل بالإجراءات التي تؤثر على عملية السلام، وتلك هي الدبلوماسية التي تهدف إلى حل الكثير من الجوانب المختلفة للصراع العربي "الإسرائيلي".
وبدءاً من "إعادة التقييم" العقابي للعلاقات في عهد إدارة جيرالد فورد، إلى المواجهة حول ضمانات القروض في عهد إدارة جورج بوش الأب عندما التزم رؤساء أمريكيون وحكومات "إسرائيلية" مختلفة بمواقف متعارضة حول قضايا رئيسية (أبرزها حكمة وشرعية بناء المستوطنات "الإسرائيلية")، ليس من المستغرب أن تتصدر هذه الخلافات العناوين الرئيسية. لكن أكثر تواتراً هي تلك الحالات التي عمل الجانبان فيها معاً بنجاح على مدى أكثر من ثلاثين عاماً لتحقيق أهداف سياسية مشتركة وخاصة سلسلة المعاهدات واتفاقيات السلام التي كانت بمثابة حجر الزاوية للنفوذ الأمريكي في المنطقة.
وتشمل هذه القائمة كذلك حالات تخلت فيها "إسرائيل" عن تفضيلاتها السياسية لتتلاءم مع تلك التي تفضلها واشنطن مثل الموافقة على إصرار إدارة جورج بوش الإبن على قيام الفلسطينيين بإجراء انتخابات تشريعية في عام 2006 على الرغم من الشكوك "الإسرائيلية "-- والتي ثبتت صحتها مع الأسف -- بأنها تخاطر بإشعال عملية تدميرية أدت في النهاية إلى استيلاء حماس على غزة. ومن خلال كل ذلك تُظهر عقود من الخبرة أن الطرفين قد تعلما كيف يديرا خلافاتهما بما يخدم مصالحهما الوطنية المشتركة.
وهذا التمازج في المصالح المشتركة كان هو الفكرة المهيمنة على العلاقة الثنائية الأمريكية "الإسرائيلية" حتى فيما يخص القضية الصعبة وهي علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب.
المساهمات "الإسرائيلية" في المصالح الوطنية الأمريكية
بالإضافة إلى عملية السلام وخارج إطارها، يقدم التاريخ أمثلة عديدة عن التصرفات "الإسرائيلية" الخاصة التي أفادت المصالح القومية للولايات المتحدة.
فأثناء الحرب الباردة كانت أشهر عملية آنذاك هي سرقة إسرائيل الجريئة لرادار سوفيتي من مصر في عام 1969 والرد الإسرائيلي الإيجابي على طلب الرئيس نيكسون بتسيير رحلات استطلاع جوية وحشد قوات للمساعدة على كبح الغزو السوري للأردن في عام 1970 وتقديم إسرائيل معلومات استخباراتية فنية حول العديد من أنظمة الأسلحة السوفيتية التي تم الاستيلاء عليها خلال حربي 1967 و 1973. وفي الآونة الأخيرة ساهمت جهود إسرائيل في مكافحة الانتشار النووي -- بما في ذلك قصف المفاعل النووي العراقي في عام 1981 -- بصورة كبيرة لمصالح الولايات المتحدة. كما أن الهجوم الذي وقع عام 2007 على المفاعل الذي قدمته كوريا الشمالية لسوريا، والذي لم تعترف به إسرائيل رسمياً قط، قد ضمن إيقاف تقدم بشار الأسد نحو إنتاج سلاح نووي في مرحلة مبكرة -- وهي خطوة خطيرة جداً باتجاه الانتشار النووي من جانب كوريا الشمالية.
وفي عدد من المناسبات اتخذت إسرائيل أيضاً قرارات صعبة حيث تمالكت نفسها بعدم الرد -- يتم أحياناً اتخاذ اختيارات سياسية بما يتعارض مع مصالحها وتوجهاتها الوطنية الصارمة -- وكان ضبط النفس هذا مهماً للمصالح القومية للولايات المتحدة. كما كان ذلك هو الحال مع قرار إسرائيل بقبول طلب الولايات المتحدة بعدم الرد على هجمات صواريخ سكود العراقية أثناء حرب الخليج الأولى حيث خشي المسؤولون الأمريكيون من أن يؤدي ذلك إلى انسحاب الدول العربية من التحالف الدولي. وبالمثل فإنه بعد خلاف مُستعر أحياناً مع واشنطن وافقت إسرائيل على إنهاء بيع الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية الإشكالية للصين ومن ثم حرمان نفسها من سوق كبيرة لصادراتها العسكرية المتقدمة عالمياً ومصدر للنفوذ مع بكين.
واليوم تتنوع المساهمات "الإسرائيلية" للمصالح الوطنية الأمريكية عبر نطاق واسع. على سبيل المثال:
- من خلال التدريبات والمناورات المشتركة، فضلاً عن التبادلات حول العقيدة العسكرية، استفادت الولايات المتحدة في مجالات التعاون لمكافحة "الإرهاب" والاستخبارات التكتيكية والخبرة في الحرب المدنية. ومن المقرر القيام بأكبر مناورة أمريكية إسرائيلية على الإطلاق في ربيع عام 2012.
- تقوم التكنولوجيا "الإسرائيلية" بتعزيز المصالح الأمريكية، حيث تلجأ وكالات الأمن الداخلي والوكالات العسكرية الأمريكية على نحو متزايد إلى التكنولوجيا "الإسرائيلية" لحل بعض مشاكلها التقنية الأكثر إزعاجاً. ويتراوح هذا الدعم من تقديم المشورة والخبرة في مجال تقنيات التصوير السلوكي لأمن المطارات إلى الحصول على نظام الرادار التكتيكي الذي تنتجه "إسرائيل" لتعزيز حماية القوة. ولطالما كانت "إسرائيل" رائدة في تطوير الأنظمة الجوية للطائرات بدون طيار لجمع المعلومات الاستخباراتية والقتال على حد سواء، حيث شاركت الجيش الأمريكي في هذه التكنولوجيا والمبادئ وخبرتها فيما يخص هذه الأنظمة. كما أن "إسرائيل" سباقة عالمياً في مجال التدابير الفعالة لحماية المركبات المدرعة والدفاع ضد تهديدات الصواريخ قصيرة المدى وتقنيات وإجراءات الروبوت، وتقاسمت جميعها مع الولايات المتحدة.
- في المجال الحيوي للتعاون في الدفاع الصاروخي، لدى الولايات المتحدة علاقة واسعة ومتعددة الجوانب مع "إسرائيل" التي تمثل شريكها الأكثر حنكة وخبرة في هذا المجال البارز للولايات المتحدة. فالدفاعات الصاروخية الوطنية "لإسرائيل" -- بما في ذلك النشر الأمريكي في "إسرائيل" لنظام الرادار المتقدم X-band وأكثر من 100 من الأفراد العسكريين الأمريكيين الذين يشغلونه -- سوف تكون جزءاً لا يتجزأ من هيكل دفاعي صاروخي أكبر يطوق أوروبا وشرق البحر المتوسط والخليج الفارسي الذي سيساعد على حماية القوات الأمريكية وحلفائها عبر أنحاء هذه المنطقة الشاسعة. ولهذا السبب امتدح مؤخراً مدير "وكالة الدفاع الصاروخي" في وزارة الدفاع الأمريكية المساهَمة المميزة التي تقدمها شبكة القيادة والتحكم الإسرائيلية المتكاملة ومتعددة الطبقات للقدرة العسكرية الأمريكية للدفاع ضد تهديد الصواريخ الإيرانية.
- في حين أنه من المؤكد أن "إسرائيل" تحقق مكاسب كبيرة من المساعدات المالية الأمريكية السخية لجيشها -- معظمها يُنفق في الولايات المتحدة -- إلا أن لدى الصناعات العسكرية "الإسرائيلية" كفاءات معينة فريدة من نوعها تعود بالنفع على الولايات المتحدة. وإحدى ثمار هذا النفع هي الأهمية المتنامية لبضائع الدفاع "الإسرائيلية" بالنسبة للجيش الأمريكي حيث استفادت الولايات المتحدة من إتاحة القدرات "الإسرائيلية" الفريدة في "تخصصات" رئيسية في التكنولوجيا العسكرية. وإجمالاً فقد زادت قيمة المشتريات الأمريكية السنوية من مواد الدفاع "الإسرائيلية" بشكل مطرد على مدى العِقد الماضي من أقل من نصف مليار دولار في أوائل الألفينيات إلى حوالي 1.5 مليار دولار اليوم. ومن بين معدات الدفاع الإسرائيلية المتقدمة التي يستخدمها الجيش الأمريكي أنظمة الطائرات بدون طيار قصيرة المدى التي شهدت الخدمة في العراق وأفغانستان، وأدوات تحديد الأهداف بدقة في مئات من طائرات الهجوم في القوات الجوية والبحرية والمشاة البحرية، ومنظار ثوري محمول على خوذة الذي يعد قياسياً تقريباً في جميع طائرات الخطوط الأمامية المقاتلة في القوات الجوية والبحرية، والدروع المنقذة للحياة المُركَّبة في آلاف من المركبات المدرعة "المقاومة للألغام المحمية من الكمائن" التي استخدمت في العراق وأفغانستان، ونظام بنادق للسفن البحرية للدفاع من مسافة قصيرة ضد الزوارق ومجموعات القوارب الصغيرة. وعلاوة على ذلك، تعمل الشركات الأمريكية و"الإسرائيلية" معاً لإنتاج مشترك لـ "القبة الحديدية" "لإسرائيل" -- وهي أول نظام مضاد للصواريخ في العالم أثبت فعاليته القتالية.
- التعاون في مجالي الاستخبارات ومكافحة "الإرهاب" هو عميق وواسع حيث تعمل الولايات المتحدة و"إسرائيل" على تعزيز مصلحتهما المشتركة في دَحر "إرهاب" حماس و"حزب الله" وتنظيم "القاعدة" والجماعات المنتمية إليه عن طريق تبادل المعلومات ودعم الأعمال الوقائية وردع التحديات وتنسيق استراتيجية شاملة. كما أن تدريب ومناورات "القوات الخاصة المشتركة" والتعاون حول أهداف مشتركة والتعاون الوثيق بين الوكالات الأمنية الأمريكية و"الإسرائيلية" ذات الصلة تشهد جميعها على قيمة هذه العلاقة.
- وبشكل أعم، إن "إسرائيل" هي شريكاً كاملاً في العمليات الاستخباراتية التي تفيد كلا البلدين مثل الجهود الرامية إلى اعتراض تمويل إيران بقطع غيار لبرنامجها النووي أو منع تهريب الأسلحة في البحر الأحمر والبحر المتوسط. وتعزز هذه العلاقة الحميمة الجهود الشاملة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية من خلال إتاحة الفرصة لواشنطن للوصول إلى مجموعة فريدة من القدرات "الإسرائيلية" لجمع المعلومات وتقييمها بخصوص دول وقضايا رئيسية في المنطقة، باعتبار أن "إسرائيل" قادرة على تركيز الموارد والاهتمام على أهداف معينة ذات أهمية قُصوى للولايات المتحدة. وقد كان ذلك هو الحال على سبيل المثال عندما قامت "إسرائيل" بتمرير أدلة فوتوغرافية دامغة إلى الولايات المتحدة بأنّ سوريا بمساعدة كوريا الشمالية قد خطت خطوات واسعة نحو "تشغيل" مفاعل لانتاج البلوتونيوم. وحيث تنضج وتتحسن قدرات "إسرائيل" في جمع المعلومات الاستخبارية الاستراتيجية (على سبيل المثال أنظمة الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار) فإن هذا التعاون وتبادل المعلومات الاستخبارية وتحليلها سوف يخدم المصالح القومية الأمريكية بصورة متزايدة.
- ونظراً لكون إيران وحلفائها في الشرق الأوسط الأكبر يمثلون مخاطر آنية وواضحة على المصالح الأمريكية فإن جيش "إسرائيل" -- وهو الأقوى في المنطقة -- يلعب دوراً هاماً في التصدي لهذه التهديدات التي تفرضها على وجه الخصوص سوريا و "حزب الله" وإلى حد ما إيران نفسها. إن قدرة القوات المسلحة "الإسرائيلية" على ردع الطموحات العسكرية لعناصر إقليمية مزعزعة للاستقرار إنما تعزز المصالح الوطنية الأمريكية لأنها تقدم قدرة عسكرية إضافية -- وقوية -- لأعداء الولايات المتحدة المشتركين لمقاومة عدوانهم.
- وبالنظر إلى المستقبل فإنّ خبرة "إسرائيل" على المستوى العالمي في اثنين من المجالات الشديدي الأهمية في شؤون الأمن القومي -- وهما تخطيط وتنفيذ الدفاع الإلكتروني "السيبراني" والمرونة الوطنية -- سوف تعود لصالح الولايات المتحدة بشكل متزايد. و"إسرائيل" نفسها هي مكان رئيسي يمكن للولايات المتحدة أن تبني فيه شراكة دائمة لمحاولة تأمين الممتلكات السيبرانية كما هو منصوص عليه في "الاستراتيجية الدولية للفضاء الألكتروني" للإدارة الأمريكية. ومع تكنولوجيا المعلومات المتقدمة عالمياً التي طورتها والأبحاث والتطوير وقدرات الأمن السيبراني فإن إسرائيل ستكون لاعباً أكثر أهمية من أي وقت مضى في جهود تأمين الفضاء الألكتروني وحماية البنية التحتية الوطنية الأمريكية الحساسة ضد أي هجوم الكتروني. ومن خلال أنشطة كبريات الشركات الأمريكية القائمة في "إسرائيل" أو ترخيص التقنيات "الإسرائيلية" في الولايات المتحدة فإن تفوق "إسرائيل" في الأمن السيبراني يفيد بالفعل البنية التحتية الأمريكية الحساسة مثل الخدمات المصرفية والاتصالات والمرافق العامة والنقل والاتصال بالإنترنت عموماً. وإذا كانت هناك أمكانية لإدارة المخاوف الأمنية لكلا الطرفين فإن بوسع "إسرائيل" أن تصبح شريكاً رئيسياً في جهود استغلال التطبيقات العسكرية للقوة السيبرانية، بنفس الطريقة التي أقامت بها الدولتان علاقات تعاونية في مجالي الاستخبارات ومكافحة "الإرهاب". وأخيراً، واعتماداً على خبرتها في بناء اقتصاد مزدهر وديمقراطية قوية على الرغم من عقود من الصراع والإرهاب فإن لدى "إسرائيل" دوراً لتلعبه في مساعدة الولايات المتحدة على تعميق مرونتها الداخلية في التعامل مع التهديدات الإرهابية داخل الولايات المتحدة ومكافحتها وتأثير الكوارث الطبيعية.
وفي سياق سياسي من المهم أن نذكر أن "إسرائيل" -- بخلاف دول الشرق الأوسط الأخرى التي تُعتبر حكوماتها شركاء للولايات المتحدة -- هي بالفعل نظام ديمقراطي مستقر لن تكتسحه جانباً أية انتفاضة مفاجئة أو ثورة عارمة، وهي الحقيقة التي ربما تصبح أكثر أهمية في الفترة المضطربة القادمة. وعلاوة على ذلك، ورغم كل مشاجراتنا المتكررة إلا أن شعب وسياسيي "إسرائيل" لديهم نظرة قوية وراسخة موالية للولايات المتحدة التي تحظى بشعبية واسعة بين الشعب "الإسرائيلي". وهكذا فإن دعم "إسرائيل" للمصالح القومية للولايات المتحدة مُضفَّرٌ بدقة داخل نسيج الثقافة السياسية الديمقراطية "الإسرائيلية"، وتلك هي مزية حاسمة غير قائمة حالياً في أية دولة أخرى في الشرق الأوسط الأكبر.
نحن لا نقول بأن مساعدة "إسرائيل" للولايات المتحدة هي أكثر قيمة للولايات المتحدة من الدعم الأمريكي "لإسرائيل" بل ولا نُنكر أن ثمة تكاليف تدفعها الولايات المتحدة في العالم العربي وغيره بسبب دعمها "لإسرائيل" كما أن ثمة تكاليف تدفعها أمريكا لدعمها أصدقاء آخرين محاصرين -- وأحيانا غير كاملين -- بدءاً من برلين الغربية أثناء الحرب الباردة واستمراراً بالكويت في 1990-1991 وحتى تايوان اليوم. ومع ذلك، فإننا على قناعة بأنه من خلال التقييم النهائي نجد أن الطرق الكثيرة التي تعزز من خلالها "إسرائيل" المصالح القومية للولايات المتحدة والمنافع التي تقدمها "إسرائيل" لتلك المصالح، تفوق تلك التكاليف الفعلية بشكل ملحوظ.
وعلى وجه التحديد، نحن نعتقد أن بإمكان أن تكون للولايات المتحدة علاقات قوية ومثمرة مع الدول العربية وغيرها من الدول المسلمة في الوقت الذي تعزز تعاونها الوثيق مع "إسرائيل". كما نرى أن الدعم الأمريكي "لإسرائيل" ليس هو السبب الرئيسي -- بل ربما لا يكون مطروحاً أصلاً -- في استهداف "الإرهابيين" "الإسلامويين" للولايات المتحدة. إن التزام الولايات المتحدة الطويل الأمد لإسرائيل لم يمنع من تطوير علاقات وثيقة مع دول عربية تدرك جيداً أنه مهما كان حجم الخلاف حول الدعم الأمريكي "لإسرائيل" إلا أنها تستفيد من وجود علاقات طيبة مع الولايات المتحدة حول قضايا أخرى. كما لم يجعل هذا الالتزام الدول العربية المصدرة للنفط أقل إدراكاً بأن مصلحتها الاقتصادية والاستراتيجية تكمن في تدفق مستقر بشكل معقول للنفط إلى الأسواق العالمية أو تطلعها لشراء معدات عسكرية متقدمة عالمياً من الولايات المتحدة أو الاستفادة من مزايا الحماية الأمريكية ضد العدوان الإيراني أو غيره.
وللتعبير عن ذلك بصورة مختلفة دعونا نسأل هل كانت السياسات السعودية تجاه الولايات المتحدة ستتحول إلى شكل مختلف تماماً من الناحية العملية لو دخلت واشنطن في أزمة دائمة مع إسرائيل بسبب القضية الفلسطينية بحيث تنحدر العلاقة فيها إلى هبوط حاد ومستمر؟ هل كانت الرياض ستخفض أسعار النفط؟ هل كانت ستتوقف عن التحوط لمراهناتها الإقليمية فيما يتعلق بمحاولات الولايات المتحدة إجبار إيران على تجميد برنامجها للاسلحة النووية؟ هل كانت ستعتبر السياسة الأمريكية الحالية تجاه أفغانستان أكثر إيجابية؟ هل كانت سترى تشجيع الولايات المتحدة للديمقراطية في الشرق الأوسط باستحسان أكبر؟ هل كانت ستميل بصورة أكثر إلى إصلاح إجراءاتها الحكومية الداخلية للتوافق بصورة أكثر مع التفضيلات الأمريكية؟ نحن نحكم إيجابياً على الإجابات على كل هذه الأسئلة بكونها "محل شك" على أقل تقدير.
وعلاوة على ذلك، ورغم الهجمات الشعبية لـ "الشارع العربي" ضد الولايات المتحدة بوصفها صديقة "لإسرائيل" إلا أن أمريكا ما تزال أيقونة جاذبة للشباب العرب في الثقافة الشعبية ومجالات التعليم والتجارة والتكنولوجيا. ورغم كون القلق من "إسرائيل" حقيقياً إلا أنه ما يزال يحظى بأولوية منخفضة في معظم الرأي العام العربي حيث تأتي الاهتمامات بالتقدم الاقتصادي و[التصدي] للفساد المستشري على رأس الأولويات.
نحو تعاون أمريكي إسرائيلي أعمق
خلاصة هذا التحليل هي أن العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" هي ركيزة مهمة للمصالح القومية الأمريكية. وهناك إمكانية كبيرة لزيادة المنافع الأمريكية عبر تعاون أعمق.
ففي هذا السياق:
- ينبغي على القادة السياسيين الأمريكيين من البيت الأبيض إلى الكونغرس أن يوسعوا النقاش الوطني حول السياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط لتشمل دور العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل باعتبارها ركيزة استراتيجية للمصالح القومية الأمريكية. وتستحق "المصالح القومية الأمريكية" أن توضع على قدم المساواة مع "القيم المشتركة" و"المسؤولية الأخلاقية" كمبررات أساسية للعلاقة الثنائية.
- ينبغي أن تسعى الحكومة الأمريكية إلى تحقيق أقصى قدر من المزايا التي يمكن أن تجنيها الولايات المتحدة من التعاون مع "إسرائيل" وأن توسع من الشراكات سواء في المجالات التقليدية (مثل المجال الاستخباراتي والعسكري) أو في مجالات جديدة (مثل الحرب الألكترونية والمرونة الداخلية).
- ينبغي لمجموعات الأمن والسياسة والاستراتيجية الأمريكية أن تنخرط بجدية أكبر فيما يخص بالجوانب الاستراتيجية للعلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" والمتمثلة بكيفية التطوير المستمر للعلاقات الثنائية، وترقية هذه العلاقة لدعم مصالح أمريكية وطنية أكبر.
وعند النظر إلى جميعها سوية، فإن هذه الإجراءات سوف تضمن أن تُرى العلاقات الأمريكية "الإسرائيلية" ليس فقط باعتبارها السبيل الدبلوماسي للتعبير عن القيم الراسخة والوفاء بالمسؤولية الأخلاقية للولايات المتحدة ولكن أيضاً كوسيلة مهمة لتعزيز المصالح القومية الأمريكية.
نبذة عن الكاتبين:
روبرت بلاكويل هو زميل أقدم في زمالة هنري كيسنجر للسياسة الخارجية الأميركية في "مجلس العلاقات الخارجية". وخدم سابقاً في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش كسفير الولايات المتحدة في الهند، ثم شغل منصب مساعد نائب الرئيس، ونائب مستشار الأمن القومي للتخطيط الاستراتيجي، والمبعوث الرئاسي إلى العراق.
والتر سلوكومب هو مستشار قانوني بارز في مكتب كابلن ودريزديل في واشنطن العاصمة. وكان باحث في زمالة رودس، خدم سابقاً في وزارة الدفاع الأمريكية طوال فترة إدارة الرئيسين كلينتون وكارتر، بما في ذلك تعيينه في منصب وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسة من عام 1994 وحتى عام 2001. في عام 2003، شغل منصب مستشار أقدم لشؤون الدفاع الوطني في "سلطة التحالف المؤقتة" في العراق. معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

2011-11-26 10:23:35 | 2340 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية