التصنيفات » دراسات

تفاصيل الاستراتيجية الجديدة للتعاطي مع حماس وسلطة رام الله "توصيات معهد ريؤت لحكومة نتنياهو"

3 حزيران 2009
    

فهرس المحتويات –

الملخص التنفيذي .................................................................... 2
1. إعادة تقييم العلمية السياسية مع الفلسطينيين: إما أن تَقود أو أن تُقاد ............ 7
2. تسعة قضايا أساسية في أي استراتيجية جديدة ................................. 10
3. التعاطي مع حركة حماس ........................................................ 16
4. ثلاث استراتيجيات رئيسية لإدارة العملية السياسية مع الفلسطينيين .............. 18
5. الأزمة المؤسساتية الفلسطينية: تلافي لحظة الحقيقة ............................. 21
6. الاستراتيجية المقترحة: رفع مستوى السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية إلى مصاف الدولة .................................................................... 
22






بطـاقـة التـعـريـف بالـتـرجـمـة
العنوان الأصلي تقييم العملية السياسية الصهيونية الفلسطينية: بناء دولة فلسطينية بالضفة الغربية
المؤلفين فريق من الباحثين
جهة الإصدار  معهد ريؤت لسياسات العلاقة مع الفلسطينيين، تل أبيب
تاريخ الإصدار  5 أيار 2009
عدد الصفحات  22 صفحة
جهة إصدار الترجمة  مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية
تاريخ إصدار الترجمة 3 حزيران 2009

إعادة تقييم العملية السياسية الصهيونية الفلسطينية:
تفاصيل الاستراتيجية الجديدة للتعاطي مع حماس وسلطة رام الله
الملخص التنفيذي

1- تستعرض ورقة العمل هذه المآزق الرئيسية التي تواجهها "إسرائيل" في العملية السياسية مع الفلسطينيين واضعة أسس مقترحة لتحديث الاستراتيجية "الإسرائيلية" في التعاطي مع كل من حركة حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في رام الله. وتضع توصياتها بين يدي كبار صناع القرار السياسي والأمني في الحكومة "الإسرائيلية"، برئاسة بنيامين نتنياهو، لتقود توجهاتها خلال المرحلة المقبلة.
2- إن الافتراض الذي نبني استنتاجاتنا عليه هو أنه من المهم أن تُصمم "إسرائيل" استراتيجية جديدة في العملية السياسية "الإسرائيلية" الفلسطينية بسبب الإنجازات المتواضعة التي حققتها عملية أنابوليس والسياسات "الإسرائيلية" تجاه غزّة؛ وكذلك الهواجس التي تنتاب المجتمع الدولي حيال تشكيل الحكومة "الإسرائيلية" الجديدة؛ وفقدان الثقة بمقاربة "السلم الاقتصادي" لهذه الحكومة، وعملية إعادة التقييم التي تجريها الإدارة الأميركية حالياً لسياساتها في المنطقة.
3- يفيد التاريخ بأن "إسرائيل" تستطيع أن تجني فوائد جمّة من اعتماد استراتيجية شاملة تحدد أهدافاً واضحة، وتتابعاً للمراحل وأسساً للمقارنة. ما من مرّة استطاعت فيها "إسرائيل" تقديم مثل هذه الاستراتيجية إلاّ وكانت قادرة على صياغة أجندة الولايات المتحدة والتأثير في سياساتها. وعلى العكس من ذلك، في ظل غياب استراتيجية مناسبة، تجد "إسرائيل" نفسها منقادة إما بالجانب العربي أو بالمجتمع الدولي.
4- إن أحجية "إسرائيل" في ما يختصّ بعلاقاتها مع الفلسطينيين لم تتغير. فمن ناحية، تشكل السيطرة المستمرّة على السكان الفلسطينيين بالضفة الغربية خطراً شديداً على الطابع اليهودي والديمقراطي "لإسرائيل". ومن ناحية أخرى، أدّت كافة الانسحابات، إلى هذا التاريخ، إلى زيادة الإرهاب والعنف ("الأرض مقابل الإرهاب"). وبالإضافة إلى ذلك، ربما ينتهي "الاحتلال الإسرائيلي الفاخر" بالضفة الغربية –وهو الوضع الذي لا تتحمل فيه "إسرائيل" المسؤولية الكاملة عن السكان الفلسطينيين على الرغم من وضعيتها القانونية "كدولة احتلال"- في حال انفجرت السلطة الفلسطينية من الداخل.
5- يتعين في أية استراتيجية جديدة الأخذ بعين الاعتبار التغيّرات الجوهرية التي حدثت في السنين الأخيرة، منها الأزمة السياسية والمؤسساتية الفلسطينية والهوة العميقة بين غزّة والضفة الغربية، وإحكام حماس سيطرتها على غزّة والاعتراف الدولي التدريجي بحكمها (على الرغم من الجهود "الإسرائيلية" الرافضة)، والقدرة المتنامية للسلطة الفلسطينية بالضفة الغربية على ممارسة الحكم بفاعلية، والانتقاد الدولي الشديد أثناء عملية "الرصاص المصبوب" التي أدت إلى الإضعاف الشديد لموقف "إسرائيل" على الساحة الدولية.
6- يحدد معهد ريئوت قضايا ومآزق استراتيجية عشر في ما يختصّ بالعملية السياسية:
 إطار عمل العملية السياسية: لا يوجد بديل لحل الدولتين. على الرغم من نقاط الضعف العديدة التي يعاني منها، يبقى حل الدولتين إطار العمل الواقعي الوحيد للعملية السياسية. ذلك أن كافة النماذج البديلة غير ناضجة، وأن أية محاولة لتقديم فكرة بديلة ستواجه على الأرجح مقاومة قوية ويكون لها ثمن سياسي باهظ. كما أن رفض حل الدولتين يمكن أن يضعف شرعية "إسرائيل" كدولة يهودية. وأخيراً، يوجد عدة طرق لتنفيذ حل الدولتين بحيث يخدم مصالح "إسرائيل" برغم ذلك.
 كيف نتوصل إلى وضع دائم (ضمن حل الدولتين)؟ في هذا السياق، يحدد معهد ريئوت مقاربتين أساسيتين:
- تتمثل المقاربة الأولى في السعي إلى اتفاقية وضع دائم شاملة توفر أفقاً سياسياً يستند إلى اتفاق "إسرائيل" ي فلسطيني يضع حداً للصراع ويُنهي المطالب (مقاربة أوسلو وأنابوليس). من شأن التوصل إلى اتفاقية وضع دائم إقامةُ دولة فلسطينية ضمن حدود دائمة.
- تسعى المقاربة الثانية إلى إقامة "دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة" إما عبر التوصل إلى اتفاق "إسرائيل" ي فلسطيني أو من خلال عملية بناء منهجية لقدرات السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية إلى أن تصل إلى مستوى الاعتراف بها كدولة. وبعد إقامة الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة، يصار إلى صياغة الوضع النهائي بناء على العلاقات بين الدوليتين.
 كيفية تحديد باراميترات الوضع الدائم؟ يعتبر توفر أفق سياسي شرطاً مسبقاً للاستقرار بالضفة الغربية وإحراز تقدم في العلمية السياسية. وربما يتألف من تصريحات تصف الوضع الدائم أو من عملية تجمع بين المعالم وتحديد الأهداف.
يحدد معهد ريئوت مقاربتين أساسيتين لتحديد هذا الأفق: مقاربة أوسلو وأنابوليس، التي تدعو "الإسرائيليين" والفلسطينيين إلى تحديد باراميترات للوضع الدائم، أو تدعو الولايات المتحدة إلى فرض مجموعة من الباراميترات مثل أفكار كلينتون أو الخطاب الذي ألقاه بوش في حديقة البيت الأبيض.
 كيفية التعامل مع حماس؟ نجحت حماس في إحكام سيطرتها على غزّة وفي الفوز باعتراف دولي على الرغم من مساعي "إسرائيل" إلى فرض مقاطعة دولية عليها. وقد أفرز هذا الوضع مآزق نذكر منها:
(1) من يمكنه الحلول محل حماس بغزّة؟ لا تمثّل فتح بديلاً قابلاً للبقاء، وإسرائيل لا تريد فرض سيطرتها على غزّة. وبدون حماس، هناك خطر حدوث انهيار شامل للحكم المركزي وانتشار الفوضى،
(2) يسمح وقف إطلاق النار لحماس ببناء قدرات عسكرية استراتيجية بفضل الدعم الإيراني في حين أن القتال المستمرّ يهدد بتصعيد لا مفرّ منه،
(3) إذا تشكلت حكومة وحدة وطنية فلسطينية، تصبح أرجحية التوصل إلى اتفاقية وضع دائم ضعيفة. وفي ظل غياب مثل هذه الحكومة، تتآكل شرعية العملية السياسية وتتراجع احتمالات المصادقة على الاتفاقية،
(4) كيف يمكن لإسرائيل أن تتملّص من مسؤوليتها عن غزّة بدون فتح المعابر الحدودية والسماح لحماس بالتالي ببناء قدرات عسكرية ضخمة؟
(5) إلى أي حد ينبغي التعامل مع صفقة شاليط على أنها قضية استراتيجية، مقارنة بصفقة تكتيكية لتبادل الأسرى؟
(6) ما مدى واقعية مبدأ نزع الأسلحة إذا كانت غزّة مدججة بالسلاح؟
 الأزمة المؤسساتية والسياسية الفلسطينية. التصدي لهذه المشكلة شرط أساسي لأية عملية سياسية تشترط في نهاية المطاف مصادقةً فلسطينية على اتفاقية أساسية يتم التوصل إليها مع "إسرائيل" . وفي هذا السياق، يوجد خياران: إعادة بناء الوحدة من خلال حكومة وحدة وطنية فلسطينية، أو إقامة كيان سياسي ودستوري مؤقت بالضفة الغربية يمكن أن طرفاً وشريكاً لإسرائيل وللمجتمع الدولي بناء على الافتراض بأن الانقسام بين الضفة الغربية وغزّة لا يمكن لأْمه في المستقبل المنظور.
 العلاقات بين غزّة والضفة الغربية. لطالما كان المبدأ الذي يقول بأن غزّة والضفة الغربية يشكلان وحدة إقليمية واحدة واحداً من أركان العملية السلمية "الإسرائيلية" الفلسطينية. على أن سيطرة حماس على غزّة أوجدت بحكم الأمر الواقع وحدتين منفصلتين على الصعيدين الإقليمي والسياسي. وأي اتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية يرجّح أن يعيد التأكيد على هذا المبدأ ويعيد توحيد الكيانين، مما يقوّض بالتالي من احتمال السماح بإحراز تقدم حقيقي بالضفة الغربية.
 إطار العمل القانوني ووضعية الاتفاقية المؤقتة (9/1995). ما هو إطار العمل القانوني لعلاقات "إسرائيل" مع السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية؟ تآكل في السنين الأخيرة العديد من الافتراضات المساعِدة للاتفاق المؤقت، والتي تحدّ من سمات السيادة للسلطة الفلسطينية. ولذلك، ربما تختار "إسرائيل" تجاوز هذا الاتفاق بالضفة الغربية عبر النقل المنهجي للسلطات والمسؤوليات إلى السلطة الفلسطينية أو عرض إبرام اتفاق مؤقت جديد.
 "السلام الاقتصادي". يسود اتفاق واسع على أن التنمية الاقتصادية الجوهرية تكتسي أهمية فائقة بالنسبة إلى الاستقرار السياسي. وهذا ما يمكن تحقيقه عبر "إيماءات" مثل إزالة الحواجز وتسهيل اتفاقيات التنقل، والتشجيع على الاستثمار، إلخ، وعبر تعزيز المؤسسات والسلطات والقوى القائمة لسلطة الفلسطينية بالضفة الغربية ضمن إطار عمل الاتفاقات القائمة، أو عبر رفع مستوى قدرات السلطة الفلسطينية ومسؤولياتها بحيث تتجاوز المستوى الرمزي الحالي المستند إلى الاتفاقية المؤقتة (راجع أعلاه).
 المراكز الأمامية والمستوطنات. إن القدرة الاستيعابية للحكومة "الإسرائيلية" محدودة على صعيد قدرتها على الحدّ من النشاط الاستيطاني. وبالتالي فإن الالتزام "الإسرائيلي" الصادق بالعملية السياسية ربما يطعن في الحكمة من مواجهة "إسرائيل" حول هذه القضية.
7- يوجد ثلاث استراتيجيات ممكنة للعملية السياسية "الإسرائيلية" الفلسطينية. يحدد معهد ريئوت ثلاث استراتيجيات ممكنة (يمكن الجمع بينها أيضاً):
- السعي إلى اتفاقية وضع دائم شاملة (مقاربة أوسلو وأنابوليس). تهدف هذه المقاربة إلى التوصل إلى اتفاقية وضع دائم شاملة غايتها حل كافة القضايا العالقة والإعلان عن انتهاء الصراع وإنهاء المطالب. سيؤدي مثل هذا الاتفاق إلى إقامة دولة فلسطينية ذات حدود دائمة كخطوة نحو الاتفاق على وضع دائم بين "إسرائيل" والفلسطينيين.
- السعي إلى إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود مؤقتة عبر التوصل إلى اتفاق (مقاربة خريطة الطريق). تدعو هذه المقاربة إلى التوصل إلى اتفاق على إقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة تخدم كنقطة انطلاق نحو صياغة وضع "إسرائيل" ي فلسطينية دائم، وذلك بالاستناد أساساً إلى علاقات بين دولة ودولة وإلى اتفاقات بين "إسرائيل" وفلسطين.
- رفع مستوى الوضع السياسي للسلطة الفلسطينية بالضفة الغربية إلى مستوى الاعتراف بها كدولة بحكم الأمر الواقع. تسعى هذه المقاربة إلى الالتفاف على ضرورة مصادقة الجانب الفلسطيني وذلك بالرفع المنهجي لمستوى سلطات السلطة الفلسطينية ومسؤولياتها إلى المستوى الذي يجعل الاعتراف بها كدولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة أمراً ممكناً. وبعد ذلك، يصار إلى صياغة الوضع الدائم بناء على علاقات بين دولة ودولة وعلى اتفاقات تُعقد بين "إسرائيل" وفلسطين.
للاطلاع على مزيد من التفاصيل، راجع الجدول في آخر ورقة العمل.
8- الالتفاف على الأزمة المؤسساتية الفلسطينية تحدّ أساسي عند تصميم العملية السياسية. إنها أزمة إيديولوجية ومؤسساتية وسياسية عنيفة عميقة الجذور في الانقسام السياسي والحكومي بين الضفة الغربية وغزّة.
9- بالنظر إلى الأزمة المؤسساتية، ينبغي للعملية السياسية تفادي "لحظة الحقيقة"، فضلاً عن "اتفاق مرجأ التنفيذ" يتم التوقيع عليه لكن بدون المصادقة عليه. على ضوء الأزمة، يوجد أرجحية عالية بأن يتم التوقيع على اتفاق مع "إسرائيل" بدون أن تتم المصادقة عليه أو تكون نتائج عملية المصادقة محل نزاع مرير لدرجة تقويض أسس السلطة الفلسطينية أو التسبب في انهيارها. ومثل هذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى إعادة الجيش "الإسرائيلي" إلى قلب المراكز السكانية بالضفة الغربية وإلى زوال السلطة الفلسطينية وحل الدولتين.
وفي نفس الوقت، يوجد خطر عظيم في التوقيع على اتفاقية مرجأة التنفيذ لا يتم المصادقة عليها من قبل الهيئات التشريعية ذات الصلة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية بحيث تبقى معتمدة على التوقيع الشخصي لأبي مازن. وهذا وضع خطير يشبه اتفاقية السلام التي تم التوصل إليها بين "إسرائيل" ولبنان في سنة 1982 والتي أصبحت غير ذات فائدة مع اغتيال بشير الجميّل.

التوصية المقترحة لتطوير استراتيجية التعاطي مع الفلسطينيين
على ضوء التحليل المتقدم، يخلص معهد ريئوت إلى أن الاستراتيجية الأنجع للعملية السياسية "الإسرائيلية" الفلسطينية ينبغي أن تستند إلى المبادئ الآتية:
 مبدأ وجود دولتين لشعبين. يوفر "حل الدولتين" الدعامة المتينة للعملية السياسية "الإسرائيلية" الفلسطينية.
 تجديد كلا الطرفين التزامه بالاتفاقات القائمة –منها عملية مدريد، واتفاقات أوسلو، وخريطة الطريق- التي ترسي العملية التي ترمي إلى إنهاء سيطرة "إسرائيل" على السكان الفلسطينيين مع معالجة هواجسها الأمنية.
 استمرار البناء المنهجي لأجهزة السلطة الفلسطينية وقدراتها بالضفة الغربية. وسيتم تحديد المسؤوليات والمدى المناطقي لهذه الأجهزة بما ينسجم والاتفاقية المؤقتة وتوسيعها بطريقة منهجية.
 عندما تتهيأ الظروف، ستصبح السلطة الفلسطينية دولة من خلال اتفاقية "إسرائيل" ية فلسطينية أو من خلال اعتراف "إسرائيل" ي أو أميركي بوضعيتها السياسية الجديدة.
 إقدام رئيس السلطة الفلسطينية على تعديل الهيكلية المؤسساتية للسلطة الفلسطينية بالضفة الغربية وسنّ قوانين جديدة لانتخاب سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية للضفة الغربية. وستسمح "إسرائيل" للسلطة الفلسطينية بإجراء انتخابات بناء على القوانين الجديدة بالضفة الغربية والقدس الشرقية بهدف تشكيل هيئة تمثيلية مؤقتة للضفة الغربية إلى حين حل النزاع مع حماس.
 تجميد "إسرائيل" لبناء المراكز الأمامية وتوسيع المستوطنات الحالية.
 يمكن أن توفر الولايات المتحدة أفقاً سياسياً إذا دعت الحاجة إلى وجود مثل هذا الأفق (شبيه بأفكار كلينتون، أو خريطة الطريق، أو خطاب بوش الذي ألقاه بحديقة البيت الأبيض).
 سيصار إلى صياغة الوضع الدائم عبر سلسلة اتفاقات على القضايا الهامة (الاقتصاد، الأمن، المياه، إلخ) بين "إسرائيل" والدولة الفلسطينية المستقبلية.
 برغم أنه سيصار إلى التعامل مع القضايا التي تؤثر في الشعب الفلسطيني بعامة من قبل "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية، ستبدأ الدولة الفلسطينية بحل قضية اللاجئين ضمن أراضيها.


 

1. إعادة تقييم العلمية السياسية مع الفلسطينيين: إما أن تَقود أو أن تُقاد

مقدمة وخلفية: إما أن تقود وإما أن تُقاد
1- تهدف ورقة العمل هذه إلى شرح المآزق الرئيسية للعملية السلمية بين "إسرائيل" والفلسطينيين كأساس لتحديث الاستراتيجية "الإسرائيلية". على أن ورقة العمل لا تستفيض في مناقشة أي من القضايا التي عولجت في القسم التالي، كما أنه لا يحلل السياق الإقليمي للعملية السياسية "الإسرائيلية" الفلسطينية ولا أية ناحية على صلة بسياسة الولايات المتحدة ووضعيتها بالمنطقة.
2- إن إعادة تقييم العملية السياسية "الإسرائيلية" الفلسطينية أمر ملحّ للأسباب الآتية:
 أعطت عملية أنابوليس والسياسة "الإسرائيلية" تجاه غزّة في السنين الثلاث الماضية نتائج ضعيفة مقارنة بالتوقعات. نمت قدرات السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية على صعيد القوى والإمكانات منذ تموز 2007، ولم تصل العلاقات "الإسرائيلية" الفلسطينية إلى حدّ الانهيار، والسلطة الفلسطينية لم تنفجر من الداخل، وحل الدولتين يبقى إطار عمل واقعياً، وموقف "إسرائيل" لدى بعض الدول العربية قد تحسّن.
على أنه برغم الجهود الكبيرة التي بذلتها حكومة أولمرت، لم يتم التوصل إلى اتفاقية وضع دائم بحلول كانون الأول 2008، وتراجعت حظوظ حل الدولتين، وتواصل إطلاق الصواريخ من غزّة، وقويت سيطرة حماس على غزة وقوي موقفها الدولي.
 تثير الحكومةُ "الإسرائيلية" الجديدة مخاوف لدى المجتمع الدولي حيال التزامها الصادق بعمليةٍ سياسية. ذلك أن غياب مثل هذا الالتزام ربما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي في النهاية، وبخاصة بمصر والأردن، وإلى تعزيز موقف إيران والجهات الفاعلية الراديكالية الأخرى بالمنطقة.
جرى الإفصاح عن هذه المخاوف من خلال مطالب ثلاثة مختلفة: تأييد الاتفاقات القائمة، والاعتراف بحل الدولتين بوصفه إطار العمل للعملية السياسية ومواصلة عملية أنابوليس. من الواضح أن هذه المطالب متمايزة بطبيعتها: فالأول واجب قياسي بحكم القانون الدولي، والثاني يتعلق بمبدأ مهيمن يشكل الأساس لبعض الاتفاقات القائمة ولخريطة الطريق على الخصوص، والثالث يرتبط بعملية محددة (راجع الفقرة التالية).
 إن مقاربة "السلام الاقتصادي" التي يقترحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شرط ضروري ولكنه ليس كافياً لتحقيق الاستقرار والتقدم. وبالإضافة إلى ذلك، يتوقع المجتمع الدولي بروز أفق سياسي وتحقيق تقدم ملموس. يقبل المجتمع الدولي بفكرة أن التنمية الاقتصادية بالضفة الغربية عنصر ضروري للتوصل إلى استقرار سياسي وتحقيق تقدم. على أن إيجاد "أفق سياسي" وإحراز تقدم سياسي أكيد عنصران هاماً أيضاً لإضفاء الشرعية على السلطة الفلسطينية، وعلى رئيس الوزراء الفلسطيني فياض وعلى الرئيس أبي مازن. كما أنهما ضروريان من أجل مواصلة بناء قوات الشرطة الفلسطينية التي تُعتبر نشاطاتها بموجب تعليمات الجنرال دايتون إحدى الإنجازات الوحيدة للولايات المتحدة في الحلبة "الإسرائيلية" الفلسطينية في السنين الأخيرة.
 تعيد الإدارة الأميركية تقييم سياستها الشرق أوسطية أيضاً، فضلاً عن سياستها تجاه العملية "الإسرائيلية" الفلسطينية.
3- من سيقود: "إسرائيل" أم الولايات المتحدة؟ مأزق "إسرائيل" : إما أن تقود وإما أن تُقاد - يُنبئنا تاريخ العملية السياسية بأنه ما من مرّة استطاعت فيها "إسرائيل" تصميم استراتيجية وعرضها، بحيث تتضمن أهدافاً وهيكلية وجدولاً زمنياً واضحاً وثيق الصلة بالمصالح الأميركية، إلاّ وكانت قادرة على التأثير بقوة في السياسات وفي الأجندة والأولويات الأميركية. وبالعكس، عندما تتبنّى "إسرائيل" موقفاً أكثر انفعالية وسلبية، أو مواقف تبدو أنها متعارضة مع المصالح الأميركية، تجد نفسها في وضع متوتر مع واشنطن لتُجبر في نهاية المطاف على دخول عملية سلمية لا هي صممتها ولا هي أحبّتها.
في حين أن هذا الزعم خاضع للنقاش، نجد في عملية أوسلو (9/1993-9/1995)، ومفاوضات كامب دافيد، والانسحاب الأحادي من لبنان والمفاوضات مع سوريا (7-1999/1/2009)، فضلاً عن فك الارتباط بغزّة الذي قامت به حكومة شارون (12/2003-8/2005)، أمثلة على حالات استطاعت فيها "إسرائيل" التأثير في الولايات المتحدة.
والأمثلة على الفترات التي اقتيدت فيها "إسرائيل" ربما تتضمن قمّة وعملية مدريد في أيام حكومة شامير (10/1991)، ومذكّرة واي ريفر (10/1998) في أيام حكومة نتنياهو الأولى، أو حكومة شارون الأولى (إلى حين الإعلان عن خريطة الطريق).

تفاقم المأزق "الإسرائيلي"
4- يستمر مأزق "إسرائيل" المتعلق بسيطرتها على الفلسطينيين:
 إن استمرار سيطرة "إسرائيل" على السكان الفلسطينيين بالضفة الغربية يهدد طابع دولة "إسرائيل" . يمكن للمرء المجادلة بأن "إسرائيل" كانت طوال أغلب الفترات في السنين العشرين الماضية شريكاً نداً أو حتى شريك ثانوي في العملية السياسية "الإسرائيلية" الفلسطينية. وهذا ناجم عن حقيقة أن أكثر "الإسرائيليين" والصهاينة يدركون أن استمرار سيطرة "إسرائيل" على السكان الفلسطينيين يهدد الطابع اليهودي والديمقراطي لإسرائيل. وبالتالي يُنظر إلى إنهاء "الاحتلال" على نحو يعالج الهواجس الأمنية "الإسرائيلية" بشكل مناسب على أنه مصلحة وجودية.
 ينبع الشعور الملحّ الذي يساور "إسرائيل" من تلاقي ميول قوية في السياسة والدبلوماسية والقانون الدولي بحيث تتحدى الشرعية الأساسية لدولة "إسرائيل" بسبب استمرار حالة "الاحتلال". وفي حين أن إعادة سيطرة "إسرائيل" على غزّة سيزيد هذه المشكلة حدّة، من شأن إقامة دولة فلسطينية أن يضعف من هذه المخاطر.
 ومن ناحية أخرى، هناك مقاربة "الأرض مقابل الإرهاب". نتج عن الانسحابات "الإسرائيلية" من الأراضي الفلسطينية زيادة في عمليات إطلاق الصواريخ، فضلاً عن موجات من الإرهاب التي باتت تشكل هواجس أمنية قومية حقيقية [أثناء عملية أوسلو وفي أيام حكومتي رابين وبيريز في 7/1995-3/1996، وأثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2002-2004) وفي محيط غزّة (منذ 8/2005)]. وربما يؤدي الانسحاب من الضفة الغربية إلى تهديد العمق الاقتصادي لإسرائيل.
 يضاف إلى ما تقدم أن سيطرة "إسرائيل" على الضفة الغربية عبارة عن "احتلال فاخر": فمن ناحية، تُعتبر "إسرائيل" "دولة احتلال" في نظر المجتمع الدولي بسبب تواجدها العسكري بالضفة الغربية وسيطرتها على محيطها. ومن ناحية أخرى، أدى وجود السلطة الفلسطينية وقدراتها ونشاطاتها إلى عدم تولّي "إسرائيل" كامل المسؤولية الاقتصادية والإدارية والأمنية والدبلوماسية عن السكان الفلسطينيين بموجب سيطرتها عليهم. وهذا هو المنطق الذي حمل العديد من الفلسطينيين على المطالبة بحلّ السلطة الفلسطينية من أجل تعميق مأزق "إسرائيل" .
5- يتعين في أية استراتيجية جديدة استيعاب التطورات الرئيسية التي حدثت في السنين الأخيرة:
 الأزمة السياسية والمؤسساتية الفلسطينية التي تسبب بها الانتصار الذي حققته حماس في الانتخابات (1/2006)، والتي تفاقمت مع الانقلاب الذي قامت به الحركة بغزّة (6/2007) والذي قوي بسبب فشل المحاولة الجديدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية (راجع الفقرة التالية).
 إحكام حماس سيطرتها على السلطة بغزة عبر استخدام القوة، وممارسة حكم فاعل نسبياً وتسلل الاعتراف الدولي بحكمها، إضافة إلى فشل "إسرائيل" في شلّها على الرغم من الجهود المتواصلة التي بلغت ذروتها أثناء عملية الرصاص المصبوب.
 زيادة قدرة السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية على الحكم من خلال تعزيز مؤسساتها، وبناء شرطة فلسطينية بقيادة الجنرال دايتون والنمو الاقتصادي السريع. كما انخفض مستوى الفساد وحازت السلطة الوطنية بالضفة الغربية على الثناء بسبب أدائها المالي.
 اصطباغ الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني بالصبغة الإيرانية. حوّلت إيرانُ قطاعَ غزّة وحكومةَ حماس إلى مرْكبتين للحرب التي تشنّها بالوكالة على "إسرائيل" . وسعى حزب الله باستمرار إلى إيجاد موطئ قدم له بغزّة والضفة الغربية.
 فشل آخر في التوصل إلى اتفاقية وضع دائم بأنابوليس برغم الالتزام من جانب حكومة أولمرت وأبي مازن وإدارة بوش بذلك. ربما تكون أسباب هذا الفشل قابلة للنقاش وربما تتضمن الثغراتِ المستمرة في القضايا العالقة فضلاً عن الأزمة المؤسساتية الفلسطينية.
 تقويض مبدأ حل الدولتين. كان حل الدولتين في الماضي –والذي يثبّت الاعتراف الدولي بإسرائيل "كدولة يهودية"- إطار العمل المفاهيمي الوحيد المقبول للعملية السياسية. لكن هذا المبدأ أصابه الوهن الشديد اليوم بدون إيجاد أي بديل جديد متفَق عليه. وهناك تخوف حقيقي الآن من أن هذا المبدأ ربما يسقط بالكامل إذا ما حُلَّت السلطة الفلسطينية وأعادت "إسرائيل" بسط سيطرتها الكاملة على الضفة الغربية أو غزّة.
 الانتقادات الحادّة للأعمال التي يقوم بها الجيش "الإسرائيلي" وتراجع موقف "إسرائيل" على الساحة الدولية. ولّدت عملية الرصاص المصبوب موجات من الانتقادات لإسرائيل ونزع الشرعية عنها من ناحية، وأوجدت دعماً متنامياً للفلسطينيين ولحماس من ناحية أخرى.
 

2. تسعة قضايا أساسية في أي استراتيجية جديدة

6- حدد معهد ريئوت مآزق رئيسية تسعة ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند تصميم الحلقة التالية من العملية السياسية "الإسرائيلية" الفلسطينية.
7- إطار العمل: حل الدولتين هو إطار العمل الوحيد المتاح: يبقى حل الدولتين في الوقت الحالي برغم نقاط ضعفه الكثيرة إطار العمل المفاهيمي الوحيد لإدارة العملية السياسية "الإسرائيلية" الفلسطينية للأسباب التالية:
 لا يوجد نموذج بديل واقعي وقابل للنجاح. نشير إلى أن كافة الأفكار الأخرى التي طُرحت مؤخراً –طائفة من الخيارات التي تعتمد على "السيطرة أو "الوجود" أو "الإشراف" أو "الإدارة" الأردنية للضفة الغربية- ليست أكثر واقعية أو ليست أنضج من حل الدولتين ولا توفر شركاء طبيعيين لدى الفلسطينيين ولا في العالم العربي ولا لدى المجتمع الدولي.
 إن طرح مفهوم بديل سيكون مشروطاً بدفع ثمن سياسي باهظ. ستكون قدرة "إسرائيل" على طرح مفهوم بديل لحل الدولتين –حتى وإن كان ذلك ممكناً- مشروطة بدفع ثمن سياسي باهظ على شكل التزامات سياسية ملموسة.
 ربما تتحول محاولة التملّص من حل الدولتين إلى سيف ذي حدّين. يثبت هذا الحل في صيغته المطروحة فكرة الدولة اليهودية أيضاً. وبالتالي فإن نبذ هذا الحل يقوض في الوقت نفسه الشرعية الأساسية لفكرة الدولة اليهودية التي تتعرض للهجوم أصلاً.
 تتوفر طرق عدة لتنفيذ حل الدولتين. فمن ناحية، يبدو أن تبني إطار حل الدولتين يضمن، على المدى الطويل، القبول بمجموعة من المبادئ العامة التي تصف الوضع الدائم (ربما على نحو شبيه بأفكار كلينتون). ومن ناحية أخرى، يوجد طرق عدة يمكن تطبيق هذه المبادئ من خلالها. وبالتالي فإن تأييد حل الدولتين لا يعني تبنّي مجموعة من الترتيبات المحددة.
8- كيف يمكن الوصول إلى وضع دائم (ضمن نموذج حل الدولتين)؟ يرى معهد ريئوت أن هذه المسألة تشكل قضية أساسية في تصميم العملية السياسية. وفي هذا السياق، يحدد المعهد مقاربتين أساسيتين:
 مقاربة أوسلو - أنابوليس التي تسعى إلى التوصل إلى اتفاق لوقف الصراع وإنهاء المطالب. تهدف هذه المقاربة إلى التوصل إلى اتفاقية وضع دائم تحلّ كافة القضايا العالقة بين الجانبين، وتُنهي بشكل رسمي الصراع والمزاعم القائمة، وتشترط إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود دائمة وترسي مبادئ للعلاقات المستقبلية بين "إسرائيل" وفلسطين. وبتنفيذ اتفاقية الوضع الدائم نتوصل إلى الوضع الدائم.
نقطة الضعف الأساسية في هذه المقاربة هي ”دينامية التوصل إلى كل شيء أو عدم التوصل إلى أي شيء". هناك مبدأ أساسي في هذه المقاربة وهو أنه "لا شيء يُتفق عليه إلاّ بعد الاتفاق على كل شيء". وبالتالي يتوقف التقدم في النواحي التي يتوفر فيها مجال لإحراز تقدم محتمل في ظل غياب اتفاق شامل. وبعبارة أخرى، ربما يتداعى حل الدولتين في ما تُبذل جهود صادقة "لإنقاذه".
كما أن حماس تعارض هذه المقاربة مبدئياً وإيديولوجياً. فهي ترفض أية فكرة تتحدث عن إنهاء الصراع أو الاعتراف بإسرائيل.
 مقاربة إقامة دولة فلسطينية أولاً. تهدف هذه المقاربة، التي أيدتها خريطة الطريق، إلى إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود مؤقتة ثم صياغة وضع دائم على أساس اتفاقات بين دولة ودولة بشكل أساسي (مثل التوصل إلى اتفاقات بشأن الاقتصاد والأمن والمياه). وستحل هذه الاتفاقات محل فصول من اتفاقية الوضع الدائم مما يسمح بتجاوز "دينامية التوصل إلى كل شيء أو عدم التوصل إلى شيء" كما تنصّ مقاربة أوسلو وأنابوليس. وبالتالي فإن إقامة دولة فلسطينية ستنهي "الاحتلال" وتزيل مسؤولية الضفة الغربية عن كاهل "إسرائيل" قبل حلّ كافة القضايا العالقة. تتميز هذه المقاربة بتركيزها على إزالة الاحتلال والتشجيع على إحراز تقدم تدريجي وثابت ومنهجي نحو حل الدولتين، وهو ما يعاكس تراجع حظوظ هذا الحل. هذا برغم حقيقة أن هذه المقاربة تُبرز مشكلات إضافية نابعة من حقوق السيادة على الأرض والجو والبحر بموجب إقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة.
يضاف إلى ذلك أن قضية اللاجئين ربما يتم تخفيفها ضمن إطار عمل الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة قبل التوصل إلى اتفاقية وضع دائم. يمكن تحقيق ذلك عبر ضمان حقوق شاملة ومتساوية للاجئين ضمن دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة، ونقل سلطة الأونروا إلى الدولة الفلسطينية أو إلى فتح قناة مباشرة لتعويض اللاجئين عن أملاكهم التي خسروها.
على أن العقبة الرئيسية في هذه المقاربة تبقى القوى المعارضة لفتح برغم أنه يبدو أنها معارضة تكتيكية أكثر منها إيديولوجية ويمكن التصدي لها جزئياً في حال تم تحديد "أفق سياسي". وربما تقبل حماس بهذه المقاربة لأن مثل هذه الدولة يمكن أن تخدم من منظورها كقاعدة لمواصلة الصراع المسلّح ضدّ "إسرائيل" .
9- "الأفق السياسي"/باراميترات الوضع الدائم/ مبادئ اتفاقية وضع دائم: "الأفق السياسي" عبارة عن مجموعة من مبادئ تصف الوضع الدائم والعملية الكفيلة ببلوغه –مثل أفكار كلينتون أو خطاب بوش الذي ألقاه في حديقة البيت الأبيض، أو عملية أوسلو أو خريطة الطريق- والتي تُعتبر شرطاً أساسياً لشرعية السلطة الفلسطينية وللاستقرار بالضفة الغربية. يحدد معهد ريئوت مقاربات أساسية ثلاث لتحديد مثل هذا الأفق السياسي:
 اتفاق بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية يتم التوقيع والمصادقة عليه. على أن المحاولات الرامية إلى التوصل إلى مثل هذا الاتفاق فشلت بشكل متكرر بسبب الفجوات في القضايا العالقة، وتنامي المشاعر لدى الفلسطينيين بأن الوقت في صالحهم، والضعف السياسي المؤسسات الذي يعتري "إسرائيل" ، والأزمة المؤسساتية الفلسطينية منذ كانون الثاني 2006، والضعف السياسي الذي أصاب فتح، والمقاومة الدائمة والعنيفة لأي تقدم سياسي من جانب إيران وحماس وحزب الله وحتى من جانب أجنحة تنتمي إلى فتح.
 "اتفاقية مرجأة التنفيذ" يوقع عليها بالحروف الأولى رئيس وزراء "إسرائيل" ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، لكن لا يصادق عليها البرلمان لدى أي من الطرفين. بناء على هذه المقاربة، يتفاوض كبار المسؤولين التنفيذيين "الإسرائيليين" والفلسطينيين على اتفاق ويوقعون عليها بالحروف الأولى، من غير أن يصار إلى عرضه على الكنيست أو على المجلس الوطني الفلسطيني في منظمة التحرير.
إذا افترضنا أنه يمكن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، تُبرز هذه المقاربة مشكلات على صعيدين. على الصعيد الأول، ربما يكون هذا العمل مخالفاً لدستور "إسرائيل" . وعلى الصعيد الثاني، ربما يهدد السلامة الشخصية للقيادة الفلسطينية مما يهدد بالتالي استقرار السلطة الفلسطينية.
 تولّي الولايات المتحدة مسؤولية تحديد أفق سياسي. بناء على هذه المقاربة، ينبغي للولايات المتحدة تحديد الباراميترات الخاصة "بأفق سياسي" وبناء تحالف دولي من أجل الترويج له. وبعد ذلك، يُطلب من الجانبين "الإسرائيلي" والفلسطيني الردّ على هذا "الأفق السياسي" بطريقة تشبه العملية التي تلت عرض أفكار كلينتون (12/2000).
تدل التجارب السابقة على أنه لكي تحقق مبادرة جديدة نجاحاً، ينبغي لها الوفاء بعدد من الشروط. ينبغي أن تعتمد على الأداء لا على الوقت، وينبغي إطلاقها في الأيام الأولى للإدارتين "الإسرائيلية" والأميركية، وينبغي أن تكون محددة بما فيه الكفاية لتقوية أبو مازن وأن تكون عامة في الوقت نفسه للمحافظة على استقرار الحكومة "الإسرائيلية"، وأن تحظى بمساندة دولية وآليات رقابية وأن تتضمن سلة من الحوافز من جانب المجتمع الدولي لكلا الطرفين.
10- الأزمة المؤسساتية الفلسطينية: نشأت هذه أزمة مع الانتصار الانتخابي الذي حققته حماس (1/2006) وتفاقمت عندما سيطرت الحركة على غزّة (6/2007)، وهي أزمة إيديولوجية (بين وجهات نظر الإسلاميين والعلمانيين الوطنيين في فتح)، ومؤسساتية (بسبب الصراع الدائر حول المؤسسات التشريعية والقوانين الانتخابية)، وسياسية (صراع على السلطة، والموارد والمسؤوليات) سعّرها سفك الدم الذي حدث مؤخراً.
نتيجة لهذه الأزمة، باتت وضعية منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" قوقعة سياسية فارغة. تسعى حماس إلى الاستيلاء على منظمة التحرير الفلسطينية والحلول محل فتح بوصفها المنظمة السياسية الرائدة داخل الحركة الوطنية الفلسطينية. وهي تطعن بشكل مباشر في شرعية المجلس الوطني الفلسطيني في تركيبته الحالية وفي قيادته، وتطالب بالانضمام إليه. وبالتالي، لا يوجد في الوقت الحالي جهة فلسطينية يمكنها اتخاذ القرارات وتنفيذها نيابة عن الشعب الفلسطيني بأكمله بالضفة الغربية وقطاع غزّة (برغم وجود مثل هذه الجهة بغزّة –حكومة حماس- وبالضفة الغربية –السلطة الفلسطينية).
وبالتالي تمثل هذه الأزمة تحدياً حرجاً للعلمية السياسية "الإسرائيلية" الفلسطينية. كانت وضعية منظمة التحرير الفلسطينية وتركيبتها، بالإضافة إلى قيادة عرفات ووضعيته، بمثابة منصة للعملية السياسية "الإسرائيلية" الفلسطينية. فقد كان الجميع يسلّم بقدرة عرفات والقيادة الفلسطينية على المصادقة على اتفاق يتم التوقيع عليه مع "إسرائيل" .
واليوم، لم يعد ممكناً التسليم بقدرة القيادة الفلسطينية على المصادقة على اتفاق. وكما ذكرنا آنفاً، باتت شرعية المجلس الوطني الفلسطيني عرضة للطعن المباشر من جانب حماس. كما أنه من شأن تنظيم استفتاء إبراز تعقيدات جديدة: فإجراء هذا الاستفتاء لن يكون عسيراً وحسب، بل ومن المرجح أن يتم الطعن في نتائجه إلى حدّ زعزعة أركان السلطة الفلسطينية.
وبناء على ذلك، ربما يكون تأطير هذه الأزمة بأنها "قضية فلسطينية داخلية" أمراً سهلاً، لكنه لن يكون مناسباً. إن التصدي لهذا المأزق عمل جوهري لإنجاح العملية السياسية.
في مقابل هذه الخلفية، يرى معهد ريئوت بديلين مبدئيَّين:
 حل سياسي: حكومة وحدة وطنية فلسطينية. بناء على هذه المقاربة، ستسمح هذه الحكومة لأبي مازن بوصفه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بالتفاوض على اتفاق وعرضهِ على الشعب الفلسطيني للموافقة عليه بطريقة يتم التوافق عليها.
على أننا نشك في إمكانية تشكيل مثل هذه الحكومة. وحتى لو تشكلت هذه الحكومة فهي لن تكون فاعلة. وكما أشرنا سابقاً، يوجد شروخ إيديولوجية ومؤسساتية وسياسية عميقة بين حماس وفتح ومن غير المرجح أن يكون لأْمها أمراً ممكناً. ففيما عدا الإيديولوجيا، يوجد قضايا عملية ربما لا تكون قابلة للحل منها وضعية الاتفاقات المعقودة أصلاً مع "إسرائيل" ، والاعتراف بإسرائيل، واستخدام العنف والإرهاب، وحق الإشراف على القوى الأمنية والمحاكم، والميزانية والأموال الدولية، والقوانين الانتخابية المستقبلية، وتركيبة منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة السلطة الفلسطينية إلى غزّة، أو حتى المواقف من المفاوضات مع "إسرائيل" وتشكيلة فريق التفاوض.
يضاف إلى ذلك أن "إسرائيل" والولايات المتحدة هما "الطرف الثالث" في هذه العملية، ومواقفهما تشكل عنصراً حاسماً في نجاح هذه المفاوضات. وعلى سبيل المثال، ما هي الشروط التي يمكن للولايات المتحدة بموجبها مواصلة تقديم دعمها المالي لهذه الحكومة، وبناء على أية شروط ستوقف "إسرائيل" نشاطاتها العسكرية ضدّ حماس بالضفة الغربية؟
ونشير أخيراً إلى أن حكومة وحدة وطنية في حال تشكيلها ستفرز موقفاً صعباً على العملية السياسية. إن منطق الجهود الدولية الرامية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية قائم على إضفاء طابع الشرعية على عمليةٍ سياسية هدفها التوصل إلى اتفاقية وضع دائم. وفي الوقت الحالي، يستطيع أبو مازن، في ظل إقصاء حماس عن العملية، التفاوض مع "إسرائيل" على اتفاقية وضع دائم، لكنه لن يستطيع المصادقة عليها ولا تنفيذها إلاّ في الضفة الغربية. وفي حال إشراك حماس، ربما تملك منظمة التحرير الشرعية اللازمة للتفاوض مع "إسرائيل" ، لكنها شرعية لن تشمل إبرام اتفاقية وضع نهائي.
وبالتالي نحن نجد أن هذه المقاربة ستعود بنتائج عكسية على أية عملية سياسية.
 حل دستوري مؤقت: تدعيم كيان سياسي بالضفة الغربية. تفترض هذه المقاربة أن الفصل بين الضفة الغربية وغزّة لا رجعة عنه في المستقبل القريب. ولذلك يتعين إجراء تعديلات دستورية بالضفة الغربية لبناء منصة لعملية سياسية تركز على هذه المنطقة. واستناداً إلى هذه المقاربة، ربما يستخدم أبو مازن على سبيل المثال سلطته كرئيس للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية في صياغة قوانين انتخابية جديدة وإجراء انتخابات بغرض تشكيل حكومة بالضفة الغربية تمثل سكانها إلى أن تُحلّ الأزمة الدستورية.
ستقضي هذه الخطوة إذعاناً وتعاوناً "إسرائيل" ياً، بالإضافة إلى صياغة أجندة العملية السياسية. وهذا لن يمنح تفويضاً بالخروج عن الاتفاقية المؤقتة ويقتضي تعاوناً "إسرائيل" ياً في إجراء انتخابات بالضفة الغربية وحسب، بل وسيحصر أجندة المفاوضات بالقضايا المرتبطة بالعلاقات بين "إسرائيل" والكيان الفلسطيني بالضفة الغربية.
11- الربط بين غزّة والضفة الغربية: هذه القضية على ارتباط وثيق بقضية الأزمة الدستورية. كانت اتفاقات كامب دافيد الموقعة بين "إسرائيل" ومصر في سنة 1979 قد أقرّت المبدأ الذي يقول بأن الضفة الغربية وغزّة يشكلان وحدة إقليمية واحدة. وأعيد التأكيد على هذا المبدأ في اتفاقات أوسلو. وعلى الرغم من أن كلاً من فتح وحماس يبقى مخلصاً لمبدأ الوحدة الإقليمية، لكنّ سيطرة حماس على غزة (6/2007) أوجدت بحكم الأمر الواقع وحدتين إقليميتين وسياسيتين منفصلتين.
تمثل هذه القضية مسألة صعبة أخرى أيضاً: صحيح أن أي اتفاق "إسرائيل" ي فلسطيني سيقتضي تجديد المصادقة على هذا المبدأ، لكن صياغة استراتيجية قائمة على مقاربتين منفصلتين في التعاطي مع غزة ومع الضفة الغربية لا يمكن إرساؤها بطريقة رسمية في الاتفاقات.
يضاف إلى ذلك أن الواقع الحالي يولّد نموذجين متمايزَين يحملان رسالة واحدة إلى العالم. يوجد بغزة التي تسيطر عليها حماس صعوبات. ومن ناحية أخرى، تنعم الضفة الغربية في ظل السلطة الفلسطينية باستقرار وأمن وتنمية اقتصادية نسبية، وحتى تقدم سياسي.
12- نزع الأسلحة (في ما غزّة مدججة بالسلاح): لطالما كان نزع سلاح الدولة الفلسطينية –أو أي صورة من هذه القبيل- أحد مرتكزات الوضع الدائم. لكن غزة أضحت منذ أن سيطرت عليها حماس مدججة بالسلاح على نحو يتعذر التخلص منه في هذه اللحظة.
وبالتالي، سيكون أمراً بالغ التعقيد صياغة اتفاق يقرّ بهذا المبدأ العام من ناحية، وينصّ على وجود اختلاف بين غزّة والضفة الغربية من ناحية أخرى، وبخاصة إذا كان سيصار إلى إعادة تشكيل الوحدة السياسية بين غزّة والضفة الغربية.
13- وضعية الاتفاقية المؤقتة (9/1995): تشكل الاتفاقية المؤقتة (9/1995) إطار العمل المتفق عليه والذي يصوغ العلاقات "الإسرائيلية" الفلسطينية بالضفة الغربية (في ما يتعلق بهذا المنظور القانوني). جرى تصميم هذه الاتفاقية بناء على مجموعة من الافتراضات العملية التي هدفت إلى تجريد السلطة الفلسطينية من سمات السيادة إلى حين إبرام اتفاقية الوضع الدائم وإقامة دولة فلسطينية.
تلاشى العديد من هذه الافتراضات العملية منذ أن أجريت المفاوضات بناء على ذلك. وعلى سبيل المثال، لم يكن يوجد في سنة 1995 أية حدود حسية بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، في حين أن يوجد حدود الآن؛ وفي سنة 1995، بدا أن الاتفاق على وضع دائم كان وشيكاً (كان من المقرر التوقيع عليه في 5/1995) في حين أنه يبدو اليوم بعيداً؛ وفي سنة 1995، عارضت "إسرائيل" رموز السيادة في السلطة الفلسطينية ورفضت فكرة الدولة الفلسطينية، لكن حتى هذا الموقف تغيّر اليوم.
بناء على ما تقدم، فرضت الاتفاقية المؤقتة العديد من القيود على قدرات السلطة الفلسطينية وعلى سلطاتها ورموزها في المجالات الأمنية والاقتصادية والمدنية. وعلى سبيل المثال، حُظر على السلطة الفلسطينية فتح السفارات، أو سكّ العملة، أو نيل عضوية في المنظمات الاقتصادية الدولية أو التمتع بنظام مستقل للجمارك.
وبالتالي، يوجد حالياً مقاربتان رئيسيتان تتعلقان بوضعية الاتفاقية المؤقتة وقدرات السلطة الفلسطينية وسلطاتها بالضفة الغربية وتُستنبطان منها:
- ستبقى الاتفاقية المؤقتة إطار العمل الأساسي المتفَق عليه والذي يحدد العلاقات بين "إسرائيل" والضفة الغربية إلى أن تُستبدل باتفاقية وضع دائم أو باتفاقية جديدة.
- آن الأوان لتغيير باراميترات الاتفاقية المؤقتة من أجل رفع مستوى السلطة الفلسطينية إلى مصافّ دولة من خلال اتفاقية جديدة أو على أساس تفاهمات يتم التوصل إليها بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية.
14- "السلام الاقتصادي": انتُخبت حكومة نتنياهو بناء على برنامج انتخابي، بالإضافة إلى جملة من الأمور الأخرى، عنوانه "السلام الاقتصادي" الذي طالب بعمل "إسرائيل" ي حاسم لتسريع التنمية الاقتصادية بالضفة الغربية. وكما ذكرنا آنفاً، يوجد اتفاق واسع في ما يتعلق بالحاجة إلى مكونة سياسية في السياسة "الإسرائيلية" برغم أنه لا أحد يجادل بشأن أهمية التنمية الاقتصادية في تحقيق الاستقرار والتقدم السياسي. ومع ذلك، ربما تشتمل سياسة السلام الاقتصادي على طبقات ثلاث:
- "الإيماءات". وهي خطوات لا تؤثر في إمكانات السلطة الفلسطينية ولا في مسؤولياتها ولا في قدراتها –مثل إزالة العوائق من الطرقات، أو تيسير ترتيبات التنقل أو تشجيع الاستثمارات.
- "تقوية" المؤسسات القائمة لدى السلطة الفلسطينية وإمكاناتها وقدراتها بالضفة الغربية ضمن إطار عمل الاتفاقات المعقودة.
- "رفع مستوى" السلطة الفلسطينية عبر نقل الإمكانات والسلطات بطريقة منهجية في نواحي التنمية الاقتصادية إلى مستويات تفوق تلك المحددة في الاتفاقية المؤقتة (راجع أعلاه). وعلى ضوء ذلك، ربما يكون ممكناً أيضاً تطوير ترتيبات معينة وتنفيذها وتكون بمثابة علاقات اقتصادية ناضجة ندّية بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية مثل العلاقات التي تجمع بين الدول مثل الترتيبات التي جرت مناقشتها في عملية كامب دافيد أو أنابوليس.
15- المراكز الأمامية والمستوطنات: ربما تصبح هذه القضية نقطة احتكاك بين "إسرائيل" والولايات المتحدة في السنين القادمة. تشير التجارب الماضية إلى أنه في حال التزمت "إسرائيل" بصدق بالعملية السياسية، يتراجع ميل الولايات المتحدة إلى التصادم معها بشأن قضايا تُعتبر تكتيكية مثل تفكيك المراكز الأمامية والمستوطنات. وفي هذا السياق، العكس هو الصحيح أيضاً.
 

3. التعاطي مع حركة حماس

16- السياسة التي تنتهجها "إسرائيل" منذ آذار 2006 لم تحقق أهدافها: التزمت "إسرائيل" بحزم منذ الانتصار الانتخابي الذي حققته حماس (1-2006) بسياستها القائمة على مطالب ثلاثة هي الاعتراف بإسرائيل، وتأييد الاتفاقات المعقودة، ووقف الإرهاب كشرط مسبق لرفع المقاطعة والحصار عن غزّة. ولذلك، كانت اتفاقات وقف إطلاق النار غير مستقرّة بينما كان رفع الحصار مطلباً رئيسياً لحماس في حين رفضت "إسرائيل" القيام بذلك.
في حين طمحت هذه السياسة إلى الإطاحة بحماس أو تغيير إيديولوجيتها بشكل جذري، فقد وضعت لنفسها سقفاً زجاجياً بما أنه لا نية لدى "إسرائيل" في إعادة احتلال غزّة. وبالتالي كان مقدراً لهذه السياسة أن تفشل منذ استهلالها، على الرغم من نجاح "إسرائيل" في بناء تحالف دولي يتمحور حول هذه المطالب الثلاثة وفي التوصل إلى تفاهمات متقاربة مع الإدارة ومع الكونغرس الأميركي.
كانت عملية الرصاص المصبوب حصيلة لا مفرّ منها لهذه السياسة. بما أن "إسرائيل" رفضت رفع الحصار والاستجابة للمطلب الرئيسي لحماس، كان مقدراً لأي اتفاق لوقف إطلاق النار ألاّ يعمّر إلاّ قليلاً. وأخيراً، وعلى الرغم من توغل الجيش "الإسرائيلي" عميقاً داخل غزّة أثناء عملية الرصاص المصبوب، بقيت وضعية حماس تتعزز بعد ذلك (على الرغم من أن شهيتها للدخول في مواجهة مع "إسرائيل" قد تراجعت لفترة من الوقت).
17- لا يوجد خلاف داخل حماس بشأن رفض حق "إسرائيل" في الوجود: ترفض حماس الحق اليهودي في تقرير المصير بإسرائيل وتدعو إلى إقامة دولة فلسطينية إسلامية مكانها. وفي نفس الوقت، يوجد أعضاء داخل حماس على استعداد للاعتراف بحقيقة وجود "إسرائيل" . وكلا الفريقين يستخدم الصراع المسلح والسياسة في خدمة قضيته. وهناك مقاربتان داخل حماس لتحقيق هذا الهدف:
- المقاربة المرحلية: دفع "إسرائيل" إلى الداخل. تزعم هذه المقاربة أن العبء الديموغرافي والسياسي والعسكري والاقتصادي الناجم عن السيطرة "الإسرائيلية" على السكان الفلسطينيين ربما يؤدي في الواقع إلى انهيار "إسرائيل" (أسوة بجنوب أفريقيا أو الاتحاد السوفياتي). وبناء على ذلك، ترمي هذه المقاربة إلى إفشال أية عملية سياسية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب "إسرائيل" وترى في إعادة "إسرائيل" فرض سيطرتها على غزّة رصيداً استراتيجياً للكفاح الفلسطيني الوطني.
- المقاربة المرحلية/دفع إسرائيل إلى الخارج. تنسجم هذه المقاربة مع الخطة المرحلية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي ترمي إلى إخراج إسرائيل على مراحل إلى حين التحرير الكامل لفلسطين. وهي تعترف بحقيقة وجود إسرائيل وربما "تسمح" بإقامة دولة فلسطينية على جزء من "فلسطين التاريخية" وحتى التوصل إلى وقف لإطلاق النار طويل المدى مع إسرائيل (هدنة). واستناداً إلى هذه المقاربة، تمثل حدود الرابع من حزيران 1967 حدوداً مؤقتة وتمثل خطوط وقف إطلاق النار.
18- المآزق التي سببتها حماس تجعل اعتماد نهج عسكري أو سياسي متماسك صعباً على "إسرائيل" : ولذلك، لم يستطع الجيش "الإسرائيلي" ترجمة تفوقه العسكري أثناء عملية الرصاص المصبوب إلى إنجازات سياسية مماثلة. وهذه هي المآزق الرئيسية:
 إيجاد بديل لنظام حماس. سترغب "إسرائيل" في رؤية سقوط حماس، لكن "إسرائيل" لا تملك خياراً معتدلاً موثوقاً ويمكنه الاستمرار للحلول محل حماس. فإسرائيل لا تريد احتلال غزّة من جديد، ومصر لا تريد التدخل في ذلك، والسلطة الفلسطينية لا تريد استعادة سيطرتها على غزّة انطلاقاً من "إسرائيل" ، وتعزيز سلطة حماس خير من الفوضى التي ستنشأ بعد سقوطها.
 وقف إطلاق النار. تريد "إسرائيل" من ناحية أن تتوصل إلى وقف مستقر لإطلاق النار في محيط غزة. ومن ناحية أخرى، سيسمح وقف إطلاق النار هذا لحماس بتعزيز قدراتها السياسية إلى حدّ تحدّي فتح، وفياض، وأبي مازن بالضفة الغربية، وبتعزيز قدراتها العسكرية إلى حدّ تهديد المزيد من "الإسرائيليين" في حال تجدد الصراع.
 المشاركة في العملية السياسية (راجع الحديث الذي تقدم عن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية). تشكل حماس جزءاً مكمّلاً، وأصيلاً وقوياً من المجتمع الفلسطيني وهي ترفض مبدأ العملية السياسية "الإسرائيلية" الفلسطينية وهو ما يشكل خرقاً للاتفاقات المعقودة. إن مشاركة الحركة في الانتخابات ليس شرطاً لنيلها الشرعية وحسب، بل وعلى الأرجح أن يكون جزءاً مكمّلاً لأي كيان حكم فلسطيني منتخَب.
 المسؤولية عن غزّة. تدّعي "إسرائيل" رسمياً أنها ليست مسؤولة عن غزّة. وبالرغم من ذلك، فهي تمتنع من فتح المعابر الحدودية لغزّة وهي مسؤولة في نظر المجتمع الدولي بحكم الأمر الواقع.
 جلعاد شاليط. ما هو إطار صفقة جلعاد شاليط وما هو سياقها. هل هي تبادل سجناء/أسرى حرب أم أنها جزء من سلة أكبر من القضايا الاستراتيجية مثل المعابر الحدودية أو وقف لإطلاق النار؟
19- استراتيجيتان منفصلتان للتعاطي مع حماس: يوجد بالتالي حاجة إلى صياغة سياسات متسقة وواضحة تجاه حماس. وفي هذا السياق، يبدو أنه يوجد مقاربتان:
 الخيار العسكري: عمل حاسم لإسقاط حماس بالطرق العسكرية والسيطرة على غزّة مع هدف نهائي هو نقل السلطة إلى كيان آخر على الأرجح أن يكون السلطة الفلسطينية عندما تصبح الظروف مناسبة. واستناداً إلى هذا المنطق، ينبغي لإسرائيل السعي إلى الدخول في أعنف مواجهة مع حماس للقضاء على حكومتها وعلى بنيتها التحتية.
 الخيار السياسي: "ممرّ القرارات الصعبة". تستند هذه المقاربة إلى الاعتراف بحقيقة سيطرة حماس على غزّة وانتهاج استراتيجية سياسية لعزل الحركة وإضعافها إلى أن تنهار بفعل الديناميات السياسية والاجتماعية الداخلية. واستناداً إلى هذه السياسة، ينبغي لإسرائيل والولايات المتحدة إيجاد سلسلة من التحديات أمام حماس تزيد من حدة مآزقها الداخلية والخارجية.
 

4. ثلاث استراتيجيات رئيسية لإدارة العملية السياسية مع الفلسطينيين

20- على ضوء التحليل المتقدم، يحدد معهد ريئوت ثلاث مقاربات رئيسية للعملية السياسية:
 محاولة الوصول إلى اتفاقية وضع دائم تضع نهاية للصراع وتنهي المطالب (إعادة صياغة أوسلو وأنابوليس). بناء على هذه الاستراتيجية، الهدف هو إبرام اتفاق يضع نهاية للصراع وينهي المطالب بين "إسرائيل" والفلسطينيين. وهذا الاتفاق سيؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية وإلى حل كافة القضايا العالقة بين "إسرائيل" والفلسطينيين.
لهذه الاستراتيجية مزية رئيسية ذات حدّين.
- فهي تقبل في المقام الأول بنموذج يقتضي القليل من التفسير.
- كما أنها تدعو إلى تحديد "سلّة" تجمع كافة القضايا العالقة ذات الترابط الشديد في ما بينها.
تعاني هذه المقاربة من عيوب رئيسية هي:
- وجود فجوات كبيرة بين الطرفين في ما يختص بالقضايا العالقة؛
- والأزمة المؤسساتية الفلسطينية ربما تمنع من المصادقة على الاتفاق (راجع ما قلناه سابقاً)؛
- وهذه مقاربة قائمة على تحقيق كل شيء أو عدم تحقيق أي شيء ربما تؤدي إخفاقاتها المتكررة في مرحلة معيّنة إلى مزيد من التدهور للسلطة الفلسطينية أو حتى انهيارها وسقوط حل الدولتين.
 الاتفاق على دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة بالضفة الغربية. استناداً إلى هذه المقاربة، الهدف هو إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود مؤقتة بالضفة الغربية قبل التوصل إلى اتفاقية وضع دائم وبالتالي "إزالة الاحتلال" بالضفة الغربية كما كان متصوَّراً في المرحلة الثانية من خريطة الطريق (بعد تعديلها بما يراعي الحقائق الجديدة). وسيصار إلى حل القضايا العالقة عبر مفاوضات تتم بين دولة ودولة.
الميزات الرئيسية لهذه المقاربة هي:
- صلتها بالحقائق القائمة المتمثلة في الشرخ السياسي والمادّي بين غزّة والضفة، فضلاً عن تركيزها على الإزالة السريعة للاحتلال بالضفة الغربية وعلى ترسيخ حل الدولتين.
- لا ينتج عن هذه المقاربة الدخول في مواجهة مباشرة مع إيديولوجية حماس. في الواقع، ساند المتحدثون باسم الحركة التوصل إلى هدنة طويلة في مقابل الحصول على دولة ضمن حدود العام 1967.
المشكلات الرئيسية التي تعاني منها هذه المقاربة هي:
- أن أبو مازن يعارض علناً في الوقت الحالي إقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة بعد أن وصفها بأنها "مصيدة" (2/2005)، برغم أنه لا يبدو أن لاعتراضاته أسس إيديولوجية.
- والمشكلة الثانية هي أن اتفاقاً على دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة لا يقل تعقيداً عن اتفاقية وضع دائم بما أنه يقتضي مثلاً صياغة اتفاق يوازن بين الهواجس الأمنية "الإسرائيلية" والسيادة الفلسطينية.
- ولذلك يتبين أن هذه المقاربة معرّضة لتداعيات الأزمة المؤسساتية في الجانب الفلسطيني.
 رفع مستوى السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية إلى مصافّ الاعتراف بها كدولة. بناء على هذه المقاربة، سيتحقق التقدم أساساً من خلال جهد منهجي لبناء طاقات السلطة الفلسطينية وقدراتها ومسؤولياتها بالضفة الغربية إلى أن تصل إلى مستوى يمكن عنده الاعتراف بها "كدولة".
تم القيام بخطوات هامة في هذا الاتجاه أصلاً في السنة الماضية في ميادين الشرطة، والتخطيط والبناء، والصرف الصحي، والتعليم، والنقل، والنظام القضائي والصحة. لكن تحويل هذه النشاطات إلى "رفع لمستوى" السلطة الفلسطينية يقتضي القيام بعمل حاسم من جانب "إسرائيل" والولايات المتحدة لأنه يفترض تخطي منطق الاتفاقية المؤقتة وصياغتها (راجع ما قلناه سابقاً). وعلى سبيل المثال، يمكن أن تُسقط "إسرائيل" اعتراضاتها على سك عملة فلسطينية، وعلى إقامة نظام مستقل للجمارك الفلسطينية، وعلى فتح سفارات أجنبية برام الله وبالمكاتب التمثيلية التابعة للسلطة الفلسطينية بالخارج، وعلى عضوية السلطة الفلسطينية في المنظمات الدولية.
المزية الفريدة لهذه المقاربة هي أنها تركز على تجاوز الأزمة المؤسساتية الفلسطينية. فهي لا تشترط التوصل إلى اتفاقات رسمية وتقع بالكامل ضمن صلاحيات الفرع التنفيذي لدى كل من الطرفين.


 اتفاقية وضع دائم/ إنهاء الصراع/ إنهاء المطالب (أوسلو وأنابوليس) دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة أولاً (العودة إلى خريطة طريق معدلة) رفع مستوى السلطة الفلسطينية
كيفية الوصول إلى وضع دائم تعتمد هذه المقاربة على المخطط التمهيدي لخريطة الطريق/أنابوليس: التوصل إلى اتفاقية وضع دائم أولاً لحل كافة القضايا العالقة. ينتج عن تنفيذ الاتفاق إقامة دولة فلسطينية، وإنهاء "الاحتلال" وصياغة وضع دائم. تعتمد هذه المقاربة على المخطط التمهيدي لخريطة الطريق: يتوصل الطرفان إلى اتفاق على إقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة. وسيصار إلى صياغة وضع دائم من خلال مفاوضات بين دولة ودولة بشكل أساسي. تشير هذه المقاربة إلى مخطط تمهيدي جديد للتوصل إلى وضع دائم: يتم رفع مستوى السلطة الفلسطينية عبر البناء المنهجي لقدراتها ومسؤولياتها. وعندما تصبح جاهزة، يتم الاعتراف بها كدولة. وبعد ذلك، يصار إلى صياغة وضع دائم من خلال علاقات بين دولة ودولة بشكل أساسي.
كيفية إيجاد أفق سياسي من خلال اتفاق ثنائي إما من خلال اتفاق ثنائي أو عبر تحديد الولايات المتحدة لهذا الأفق. الأمر نفسه: إما من خلال اتفاق ثنائي أو عبر تحديد الولايات المتحدة لهذا الأفق.
متى ستُحل القضايا التاريخية وكيف سيتم ذلك؟ حل مفصّل لكافة القضايا في اتفاقية الوضع الدائم. سيصار إلى حل القضايا التاريخية بمرور الوقت، ومن خلال اتفاقات بين دولة ودولة أساساً بين "إسرائيل" والدولة الفلسطينية. وسيتم استيعاب قضية اللاجئين ضمن الدولة الفلسطينية.  الأمر نفسه: سيصار إلى حل القضايا التاريخية بمرور الوقت، ومن خلال اتفاقات بين دولة ودولة أساساً بين "إسرائيل" والدولة الفلسطينية. وسيتم استيعاب قضية اللاجئين ضمن الدولة الفلسطينية.
كيفية التعامل مع الأزمة المؤسساتية الفلسطينية؟ يمكن أن تكون هذه المقاربة واقعة وممكنة فقط إذا تم التصدي للمشكلة المؤسساتية الفلسطينية (ربما ضمن حكومة موحدة) لأنه يتعين المصادقة على مثل هذا الاتفاق. الأمر نفسه: يمكن أن تكون هذه المقاربة واقعة وممكنة فقط إذا تم التصدي للمشكلة المؤسساتية الفلسطينية (ربما ضمن حكومة موحدة) لأنه يتعين المصادقة على مثل هذا الاتفاق. تتلافى هذه المقاربة الحاجة إلى التصدي للأزمة المؤسساتية كشرط مسبق للعملية السياسية. وبالمقابل، يمكن التركيز على إيجاد ترتيبات مؤسساتية مؤقتة بالضفة الغربية.
العلاقة بين قطاع غزة والضفة الغربية ستعتمد هذه المقاربة على مبدأ وحدة غزّة والضفة الغربية على الرغم من حقيقة الانفصال بين غزة والضفة الغربية. ولذلك من غير الواضح كيف سيتم تعديل هذا المبدأ بما ينسجم والواقع الحالي. ستعتمد هذه المقاربة على مبدأ وحدة غزّة والضفة الغربية. غير أن هذه المقاربة تسمح بالتركيز على إقامة دولة فلسطينية ذات حدود آمنة بالضفة الغربية. تميّز هذه المقاربة من حيث المبدأ والتطبيق بين غزّة والضفة الغربية في الوقت الحالي.
السياسة تجاه حماس بغزّة تخوّل هذه المقاربة انتهاج سياسة تدمج بالتدريج بين الضفة الغربية وغزّة على الصعيد السياسي وكذلك في الواقع العملي. وبخلاف ذلك، أي اتفاقية وضع دائم ستكون فاقدة المفعول. تتطلب هذه المقاربة صياغة اتفاق يراعي كلاً من غزّة والضفة الغربية.
من الناحية العملية، يمكن تبنّي سياسات منفصلة في التعاطي مع غزّة والضفة الغربية لأن هذه المقاربة تركز على بناء دولة فلسطينية ذات حدود آمنة بالضفة الغربية. تسمح هذه المقاربة بتبنّي سياسات مختلفة من حيث المبدأ والممارسة تجاه غزّة والضفة الغربية.
وضعية الاتفاقية المؤقتة تبقى الاتفاقية المؤقتة سارية إلى حين استبدالها باتفاقية وضع دائم. تبقى الاتفاقية المؤقتة سارية إلى حين استبدالها باتفاقية جديدة ينتج عنها إقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة. بناء على هذه المقاربة، يمكن إعداد مجموعة منفصلة من الترتيبات الاقتصادية بناء على تفاهمات يتم التوصل إليها بين السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية وإسرائيل حتى بدون التوصل إلى أية اتفاقات رسمية جديدة.
المراكز الأمامية والمستوطنات من شأن بذل جهد جادّ للتوصل إلى اتفاقية وضع دائم إرجاء قضايا تفكيك المراكز الأمامية والمستوطنات إلى حين تطبيق اتفاقية الوضع الدائم. الأمر نفسه: من شأن بذل جهد جادّ للتوصل إلى اتفاقية وضع دائم إرجاء قضايا تفكيك المراكز الأمامية والمستوطنات إلى حين تطبيق اتفاقية الوضع الدائم. سيتعين على "إسرائيل" وقف بناء المراكز الأمامية وتوسيع المستوطنات وربما تُضطر إلى تفكيك بعض منها من جانب واحد لإقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة بالضفة الغربية.
المشاركة الدولية (الولايات المتحدة، اللجنة الرباعية، مصر، الأردن) سيتم التوقيع على الاتفاق بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية. على أن المشاركة الدولية ستكون ضرورية لتنفيذ هذا الاتفاق. الأمر نفسه: سيتم التوقيع على الاتفاق بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية. على أن المشاركة الدولية ستكون ضرورية لتنفيذ هذا الاتفاق. المشاركة الدولية ضرورية لرفع مستوى السلطة الفلسطينية. وربما توفر الولايات المتحدة الأفق السياسي.
 

5. الأزمة المؤسساتية الفلسطينية: تلافي لحظة الحقيقة

21- إن الأزمة المؤسساتية الفلسطينية هي الاعتبار المكوّن في تصميم العملية السياسية: حتى في حال التوقيع على اتفاق، ربما لا تتم المصادقة عليه وربما ينهار حل الدولتين. كما ذكرنا سابقاً، كان النظام المؤسساتي والسياسي الفلسطيني مستقراً في ما مضى بحيث كان يدعم أي افتراض بأنه سيصار إلى المصادقة على أي اتفاق موقَّع عليه وتنفيذه (كما حصل أثناء عملية أوسلو). على أن هذه النظام يعاني من أزمة حادّة في هذه الأيام، وهو ما يجعل إمكانية المصادقة على اتفاق موقَّع عليه ثم تنفيذه محل شك كبير.
22- ستبرز لحظة حقيقة عندما يُطلب المصادقة على اتفاق يوقَّع مع "إسرائيل" . هناك احتمال كبير بألاّ تتم المصادقة على العملية –من خلال استفتاء أو تصويت في المجلس التشريعي الفلسطيني- أو تتعرض للعرقلة إلى حدّ زعزعة استقرار السلطة الفلسطينية وحتى انهيارها جملة واحدة. وبعبارة أخرى، يمكن أن تؤدي عملية تهدف إلى إرساء حل الدولتين إلى القضاء على هذا الحل.
23- تمثّل هذه الناحية نقطة الضعف الرئيسية في عملية أنابوليس. فتركيبة هذه العملية تتجاهل هذه القضية تماماً.
24- ينبغي أن يحقق تصميم العملية السياسية الانسجام بين قدرات المُحاور الفلسطيني ومسؤولياته وإيديولوجيته من ناحية، وبين أجندة العملية السياسية من ناحية أخرى. وفي ظل غياب هذا الانسجام، تصبح احتمالات النجاح ضعيفة وربما تنفجر الهيكلية السياسية من الداخل. وكما بيّنا سابقاً، لم يكن يوجد مثل هذا الانسجام في عملية أنابوليس كما أنه لا يوجد اليوم.

توصية استراتيجية
25- بناء على ما تقدم، ينبغي بناء تصميم أية عملية سياسية في المرحلة المقبلة على ثلاث دعائم:
 معالجة الأزمة المؤسساتية الفلسطينية بهدف إيجاد تداخل بين قدرات المُحاور الفلسطيني ومسؤولياته من ناحية، وبين أجندة المفاوضات من ناحية أخرى. وكما أشرنا، يوجد في هذا السياق خياران هما حكومة وحدة فلسطينية تضفي شرعية على المفاوضات مع "إسرائيل" أو التشجيع على فصل مؤقت للكيان السياسي بالضفة الغربية ليتم رفعه إلى مصاف الدولة.
 تقوية السلطة الفلسطينية كحكومة تعمل بفاعلية بالضفة الغربية.
 عدم المصادقة. إذا كان هدف العملية السياسية ترسيخ حل الدولتين، لا ينبغي عرض الاتفاق على المجلس التشريعي الفلسطيني للمصادقة عليه إلى حين الوفاء بالشروط المتقدمة.


6. الاستراتيجية المقترحة:
رفع مستوى السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية إلى مصاف الدولة

26- على ضوء التحليل المتقدم، يخلُص فريق معهد ريئوت إلى أن الاستراتيجية الأوفر حظاً للنجاح من أجل العلمية السياسية ""الإسرائيلية"" الفلسطينية ينبغي أن تستند إلى المبادئ الآتية:
 يوفر مبدأ وجود دولتين لشعبين –حل الدولتين- الركيزة الأساسية للعلمية السلمية "الإسرائيلية" الفلسطينية.
 تجديد كل من الطرفين التزامه بالاتفاقات المعقودة – منها عملية مدريد، واتفاقات أوسلو، وخريطة الطريق- التي ترسي العملية الرامية إلى إنهاء سيطرة "إسرائيل" على السكان الفلسطينيين مع معالجة هواجسها الأمنية.
 مواصلة البناء المنهجي لقدرات السلطة الفلسطينية وسلطاتها بالضفة الغربية. وسيتم الاتفاق على مسؤوليات السلطة وصلاحياتها المناطقية بناء على الاتفاقية المؤقتة وتوسيعها بطريقة منهجية.
 ستصبح الدولة الفلسطينية عندما تتهيأ الظروف دولة من خلال اتفاق "إسرائيل" ي فلسطيني أو من خلال اعتراف "إسرائيل" ي أو أميركي بوضعيتها السياسية الجديدة.
 تعديل التركيبة الدستورية من قبل رئيس السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية وسنّ قوانين جديدة لانتخابات المجلس التشريعي والهيئات التنفيذية بالضفة الغربية. وستسمح "إسرائيل" للسلطة الفلسطينية بإجراء الانتخابات وفقاً للقوانين الجديدة بالضفة الغربية والقدس الشرقية لتأسيس كيان تمثيلي مؤقت للضفة الغربية إلى أن يُحلّ الصراع مع حماس.
 تجميد "إسرائيل" بناء المراكز الأمامية وتوسيع المستوطنات القائمة.
 بما أنه لا يوجد سبب في الوقت الحالي للتفاوض على اتفاقية وضع دائم، يمكن للولايات المتحدة تحديد أفق سياسي في حال دعت الحاجة إليه (يكون مشابهاً لأفكار كلينتون أو خطاب بوش الذي ألقاه بحديقة البيت الأبيض).
 صياغة الوضع الدائم من خلال سلسلة اتفاقات حول القضايا العالقة (الاقتصاد، الأمن، المياه، إلخ) بين "إسرائيل" والدولة الفلسطينية المستقبلية.
 على الرغم من أن معالجة أية قضايا تؤثر في الشعب الفلسطيني بأكمله ستتم من قبل "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية، ستبدأ الدولة الفلسطينية بحل قضية اللاجئين ضمن أراضيها.

تم...

2009-06-09 11:57:53 | 1889 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية