التصنيفات » ندوات

السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط






بتاريخ 25/6/2013، إستضاف مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية في بيروت، الدكتور ملحم سلمان، الديبلوماسي السابق والخبير في البنك الدولي سابقاً، والذي تحدّث عن سياسات أمريكا الحالية في الشرق الأوسط، وتجاه القضية الفلسطينية تحديداً.
كلمة تقديم لمدير المركز، الأستاذ وليد محمّد علي، الذي قال إن الولايات المتحدة بعد أن أُجبِرت على التراجع في المنطقة، بفعل المقاومة، تسعى عبر أدواتها للتقدّم نحو الأمام، من خلال تغذيتها العصبيات التي تجتاح مجتمعاتنا. وتحدّث د. ملحم سلمان فقال: أنا ابن القضية الفلسطينية، وأتشرّف بوجودي في هذا المركز. وسوف أحاول (كما سواي) مواجهة المسألة المطروحة من خلال تحليل جدّي كي نفهم تاريخنا أكثر، وكيف تمّ حرف البوصلة، حتّى صرنا في المكان الخطأ، بناءً على تزوير الآخرين المحكم لتاريخنا.
وأوجز بداية في لمحة تاريخية أنه بعد سقوط الدولة العثمانية والتيّارات السياسية التي كانت سائدة، تمّت ولادة كيانات قبل موعدها؛ وهنا بدأ البعد الطائفي الذي لم ننتهِ منه حتّى اليوم!  فكلّ الكيانات التي ولِدت بعد سايكس-بيكو كان لها بُعد ديني، وإمارة شرق الأردن كانت أوّل تقسيم لفلسطين، ولبنان كان أوّل دولة كبرى مارونية، مع محاولات لخلق دولة درزية وأخرى علوية رفضتها قيادات الطرفين؛ فضلاً عن دور الهاشميين في العراق والأردن.

أضاف: من ظواهر تلك الفترة أيضاً بروز فكرة القومية العربية. لكنّنا بدل بناء المؤسسات لإنضاج هذه الفكرة، أخذتنا العواطف! وفي ذات الوقت حصلت ولادة الكيان العنصري اليهودي، فيما أنه مع أوّل اكتشاف للنفط في السعودية تمّت سيطرة الأميركيين المباشرة عليها.


وتحدّث د. سلمان عن محمّد أسد، اليهودي الذي اعتنق الإسلام وعمل على تكبيله على الطريقة التوراتية من خلال نشر الوهابية في السعودية. وانتقد عدم استيعابنا لمرحلة الدخول الأمريكي إلى المنطقة الذي كان ينافس الاستعمار الفرنسي والإنكليزي آنذاك. فالدخول الأمريكي كان إمبريالياً بفكر جديد لم نكن نعرفه، مع العلم أن الاتحاد السوفياتي كان سبّاقاً في الاعتراف بإسرائيل عام 1948 قبل أمريكا.
كما انتقد الأنظمة العربية التي ابتلينا بها منذ عقود بالرغم من الشعارات البرّاقة التي رفعتها؛ فهي لم تحترم بناء المؤسسات الاقتصادية أو  التربوية ولا مبدأ حقوق الإنسان، إلخ...
وتابع: لقد حرقنا مرحلة البناء تحت مظلّة القومية العربية ولم ننتبه إلى الصراع الذي اخترعوه لنا ما بين أيديولوجي ووطني، فكان الضحية الأوّل هو المواطن العربي.
أضاف : في هذا الجوّ، كان الأمريكي يراقبنا في النفط وقناة السويس وقبلهما إسرائيل، ووصف السياسة الأمريكية باللاأخلاقية لجهة حصرها على تأمين مصالحها فقط، لافتاً إلى أن الاخوان المسلمين هم في الأصل تربية الإنكليز!

وكشف المحاضِر أن اللوبي الخليجي في أمريكا يفشِل دوماً أيّ محاولة عربية أو فلسطينية تعمل لمصلحة فلسطين. وتحدّث عن محاولات من جمال عبد الناصر ومصدّق في إيران لإنشاء سياسات مستقلّة، لكنّ المخابرات الأمريكية أسقطت مصدّق في حينها بسرعة بسبب اكتشاف النفط في إيران! .




أضاف: عندما كان الشاه حليف أمريكا لم تكن هناك من مشكلة مذهبية، مؤكّداً أن الصراع كان في حقيقية بين خطّين: الاستقلالية أو الانبطاح. وأبدى مخاوفه من استمرار التفتيت داخل مجتمعاتنا بما يمنع تأسيس دور قوي لنا في الاقتصاد على الأقلّ، بحيث يتعذّر علينا التصدّي لهذه الهجمة الامبريالية الشرسة علينا.

عن العلاقة بين النفط وإسرائيل وأمريكا، كشف د. سلمان أن اللوبي النفطي واللوبي الصهيوني والأنظمة النفطية العربية شكّلوا قوّة واحدة ضدّ إبراز الحقّ العربي في فلسطين.
ورأى أنه في المواضيع الكبرى لا يوجد خلاف حقيقي بين أمريكا وإسرائيل ، ولكن الأخيرة تتدخّل في التفاصيل، ولديها جهاز مخابرات ضخم الحجم والاهتمامات؛ وإذ وصف العراق بألمانيا العرب، أشار إلى تغيير نظام صدّام البوصلة من فلسطين إلى حروب دموية عبثية مع الأكراد ومع إيران، مع خلق بعبع اسمه العدوّ الفارسي، ممّا ساعد في خدمة المصالح الغربية في المنطقة.
ولفت المحاضِر إلى استيعاب الحضارات التي دخلت على الإسلام كالفارسية، والتي أعطت عمقاً لهذا الإسلام المنفتح.
وأكّد أنه بعد 2018 لن تبقى إسرائيل كما هي، خاصّة بعد تجربتها الخاسرة مع المقاومة في لبنان، حيث لم تعد حروبها ضدّ العرب مجرّد نزهة.

وكشف أن 700 ألف إسرائيلي موجودون حالياً في نيويورك (هجرة معاكسة)، متحدّثاً عن تآكل الطبقة الوسطى في الكيان، وأن إسرائيل تسير في اتجاه أكثر  تحجّراً، مُبدياً أسفه للتعاون الأمني المستمرّ بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل،  ولافتاً إلى أن بعض التيّارات الإسلامية الثورية أوجِدت كي تضرب التيّار الوطني الفلسطيني.

وأكّد د. سلمان أنه لو وافق الرئيس بشّار الأسد  على إبرام سلام مع إسرائيل، لما حصل ما يحصل اليوم في سوريا. وعن إيران، قال إنها تجربة استقلالية أدخلت أخلاقية للفكر الإسلامي وأوجدت نظاماً يُعتبر أفضل من أيّ نظام عربي. ومشكلة إيران اليوم ليست في السلاح النووي وإنما في عدم قدرة الغرب على تركيعها.

وشدّد على أهمّية امتلاكنا الحكمة والحنكة، لافتاً إلى أن تجربة إيران المستقلّة الجديدة المنفصلة عن الغرب هي تجربة مميّزة جداً. ولذا نشهد استمرار المحاولات لتطويقها، مرّة باتهامها بالمذهبية ومرّة أخرى بالفارسية..!
وعن تركيا، قال المحاضِر إنها خدمت الغرب منذ البداية، لكن الأوروبيين يرفضون حتّى اليوم قبولها في الاتحاد الأوروبي. ولإعطائها جائزة ترضية طلبوا منها الاهتمام ببلدان المشرق مؤكّداً أن العلاقة بين إسرائيل وتركيا ما تزال قوية جداً، كاشفاً أنه حين كان مسؤولاً عن ملف تركيا (في إطار البنك الدولي) قد عاش مرحلة انتعاش الاقتصاد التركي بسبب طرد ألمانيا لمليوني عامل تركي مع أموالهم في حينه!

أضاف: لقد أوجدوا دوراً لتركيا لموازنة الدور الإيراني، واصفاً السياسة التركية بالغباء لناحية علاقاتها مع محيطها العربي والإسلامي.
 




ونبّه إلى خطورة التفتيت الحاصل في البلدان المحيطة بإسرائيل. وأضاف إيران فيها رجال دولة، ولا أنكر أنه لولا إيران  سوريا لما انتصرنا على إسرائيل؛ وعلينا الاعتراف بالاستقلال  الذاتي والسياسي، والبناء الصناعي في إيران، لافتاً أن المنطقة إما تذهب إلى حرب أو إلى تسوية شاملة، ملمحاً إلى محاولات جدّية من تحت الطاولة لتفتح واشنطن علاقات مع إيران، حيث تسارع إسرائيل دائماً إلى منعها؛ وامتدح حنكة إيران والنضوج السياسي لدى قادتها ما جعلها في حالة عدم خسارة بسبب الاحتلال الأمريكي للعراق.

وعن القرار الحربي في أمريكا، فإن الرئيس يتّخذه توقيعاً، ولكنّ البنتاغون هو المقرّر الفعلي، مشيراً إلى سيطرة اللوبيات الصناعية والنفطية والمصرفية، إضافة إلى اللوبي الإسرائيلي، مع وجود خلافات عميقة داخل اللوبي اليهودي نفسه.

وأضاف أن الكونغرس يستطيع التأثير في استمرار  الحرب وليس في اتخاذه قرارها.
ولفت إلى امتصاص أمريكا لعدد كبير من مثقّفي النخب العربية، وبالأموال العربية، باعتبارها  أدوات لتنفيذ سياساتها عبر جمعيات ومؤسسات تعمل لديها، سرّاً أو علناً.
 
ونقل المحاضِر عن كيسنجر كيف كان يحتقر القادة العرب باستثناء حافظ الأسد.  وأشار إلى أن حجم الرأسمال الأجنبي مرتفعٌ في تركيا، وقد حصل سحب محدود للاستثمارات بعد أحداث "تقسيم"، ولكن تركيا لديها بنية صناعية قوية.
 
وعن الأزمة المالية عن أمريكا، قال د. سلمان أن بإمكان الصين إفلاس أمريكا، لكنّ ترابط المصالح الاقتصادية بين البلدين صار ضمانة للبلدين معاً.
أضاف: أمريكا لم تعد لوحدها ضعيفة، وهي تتأقلم مع جديد لها بعد أن كانت النقطة المركزية، في حين أن روسيا والصين ودول البريكس بدأت تأخذ دورها العالمي الجديد.
 
وتابع: ضعف أميركا الاقتصادي جعلها تنكفئ عن خوض حروب خارجية؛ لكن هذا لا يعني أنها لن ترسل بضعة جنود ومخابرات إلى الأردن ولبنان وتركيا وغيرها؛ أي أنها تعتمد سياسة إيجاد من يخدم مصالحها بكلفة أقلّ عليها .

وكشف أن الصين وروسيا هي دول غنية أكثر ممّا يتوقّعون في الغرب، والهند صارت من الدول القوية وعن محمّد أسد، قال د. سلمان: كنت أحاضر في رام الله وبيرزيت، وحصلت يومها على كتاب عن "مساهمة اليهودية في الإسلام"، وفيه أن شخصاً من النمسا اعتنق الإسلام  وصار اسمّه محمد أسد، ثمّ ذهب إلى الخليج والهند، وأسهم في إعلان استقلال باكستان وصار ممثّلاً لها في الأمم المتحدة!  فضلاً عن أنه كان حاخاماً في نيويورك!

 وأضاف: محمّد أسد أتى في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي إلى السعودية مع اكتشاف النفط فيها، وعمل على نشر الوهابية على طريقته (!) ... وكان لديه 17 كتاباً، وترجم القرآن الكريم إلى الإنكليزية. وأوضح المحاضِر أخيراً أن أمريكا لا تتردّد في استخدام ما يخدم مصلحتها، مثل ضرب الإسلاميين بالقوميين والعكس، وهي تخطّط لإجهاض أيّ خطر يتهدّدها! وتساءل د. سلمان: هل بات "الجهاد" في سوريا أولوية لنا قبل قضية تحرير القدس؟


2013-06-29 11:17:08 | 2356 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية