التصنيفات » دراسات

على حبل دقيق - اسرائيل والهند وايران*



بقلم: يفتاح ش. شبير
 مقدمة:
 منذ نشأت العلاقات الدبلوماسية بين اسرائيل والهند أخذت تقوى العلاقات بين الدولتين، العلاقات الاقتصادية والامنية. فالهند هي أكبر زبونة للصناعة الامنية الاسرائيلية، واسرائيل هي ثاني أكبر مزودة للهند بمنظومات السلاح. ومع ذلك لم تنجح اسرائيل في التوصل الى مقدار من القرب كان يمكن ان يُتوقع مع شريكة مهمة كالهند.
 وللهند ايضا علاقات وثيقة بايران. وقد مرت هذه العلاقات بزعزعات وتغييرات على مدى السنين تراوحت بين اقتراب وابتعاد، ولكن لهذه العلاقات أساسا صلبا وجوانب كثيرة – تاريخية وثقافية واقتصادية بل أمنية. وعلى ذلك فان اسرائيل والهند لا تتفقان على رؤيتهما لحصول ايران على القدرة الذرية، وعلاقات ايران بالهند من أبرز العقبات في وجه تقدم العلاقات بين اسرائيل والهند.
 ستحلل هذه المقالة منظومة العلاقات بين الهند وايران وستحاول الفحص عن تأثيراتها في علاقات الهند باسرائيل في المستقبل.
 الهند وايران – تاريخ صلات
 بين الهند وايران تراث موثق من صلات منذ آلاف السنين، ففي القرن السادس قبل الميلاد احتل داريوس (الاول) الهند. وبعد الفتوح الاسلامية أصبح الدين الاسلامي وثقافته عامل ربط جديدا.
 كانت العلاقات بين الدولتين باردة في اثناء الحرب الباردة، فقد كانت لايران علاقات حميمة بالولايات المتحدة. وفي مقابلها التزمت الهند بسياسة عدم الانحياز كانت مصحوبة بمذهب اشتراكي قربها من الاتحاد السوفييتي. وأيدت ايران باكستان وأفصح عن ذلك التأييد مساعدة سياسية ومادية في اثناء الاحداث العنيفة بين الهند وباكستان، ولزوم موقف صارم مضاد للهند بشأن كشمير. ومع ذلك لم تتميز العلاقات بين ايران والهند بعداوة شديدة. وعلى مر السنين تمت زيارات متبادلة لاشخاص كبار، بل إن ايران منحت الهند دعما سياسيا زمن حربها للصين في سنة 1962.
 غيرت الثورة الاسلامية في ايران وجه هذه العلاقات، لكن العلاقات بين الدولتين في العقد الاول من عقود الجمهورية الاسلامية كانت ما زالت باردة. تركت ايران في الحقيقة التوجه الموالي لامريكا وانضمت عضوا الى منظمة دول عدم الانحياز، لكن الهند أرابها جهود ايران لتصدير الثورة الى جميع أنحاء العالم الاسلامي، واستمرت ايران ايضا في السر في التعاون مع باكستان على مساعدة المجاهدين في افغانستان.
 طرأ التحول على العلاقات بين الدولتين بعد انتهاء الحرب الباردة بزمن قصير. وكانت نقطة التحول البارزة زيارة رئيس وزراء الهند آنذاك ف – و – نرسيمها راو، لطهران في ايلول 1993. وجاءت على آثارها زيارات رفيعة المستوى اخرى.
 منذ سخنت العلاقات بين الدولتين في 1993 أصابها ارتفاع وانخفاض راوح بين فترات توثيق العلاقات وفترات علاقات باردة وتنديد متبادل وتجميد مشاريع مختلفة.
 وهكذا انتقلت منظومة العلاقات بين الهند وايران من نقطة الذروة وهي توقيع اتفاقات تعاون (اعلان طهران في نيسان 2001 واعلان دلهي في كانون الثاني 2003) الى حضيض على أثر توثيق العلاقات بين الهند والولايات المتحدة وتصويت الهند المعارض لايران في قضية برنامجها الذري في اطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2005 و2006. وبدأ في السنتين 2007 – 2008 تحسن للعلاقات مرة اخرى وأصبحت العلاقات اليوم في حضيض مرة اخرى بسبب نظام العقوبات الذي يزداد شدة على ايران.
 وسبب ذلك منظومة علاقات متعددة الوجوه. ويوجد عدد كبير من الموضوعات في قلب منظومة العلاقات وتتناقض المصالح في هذه الموضوعات احيانا وتتداخل احيانا اخرى. وتتعلق منظومة العلاقات ايضا بعدد كبير من اللاعبات للطرفين بها علاقات مركبة. فكل حادثة في منظومة علاقات يؤثر في جميع المنظومات الاخرى.
 أهمية ايران الاستراتيجية
 إن معظم أهمية ايران مواردها من المحروقات، فهي تملك نحوا من 10 في المائة من احتياطي النفط الخام الثابت في العالم، ونحو من 15 في المائة من احتياطي الغاز الطبيعي الثابت في العالم. وموقع ايران على ساحل الخليج الفارسي يُمكنها من سيطرة على مضيق هرمز والتهديد بوقف النقل البحري منه. ولايران ايضا قوة من أكبر القوات المسلحة في المنطقة – مع قدرات بحرية كبيرة وقدرات مميزة في المنطقة من الصواريخ البالستية.
 وهناك عامل آخر يؤثر جدا في العلاقات بين الطرفين وهو أهمية ايران باعتبارها دولة مسلمة بالنسبة للهند التي يوجد فيها 160 مليون مسلم. والى ذلك فان الهند كما يبدو هي ثاني دولة من حيث عدد السكان الشيعة في العالم.


 الطاقة
 إن استيراد النفط من ايران يُذكر في احيان متقاربة بأنه أهم عامل في احتياج الهند الى علاقات طيبة بايران. فالهند منذ عشرين سنة في مسار نمو مُسرع وهي متعطشة الى الطاقة. ولا يوجد لنحو من 600 مليون من سكانها قدرة على الحصول على الكهرباء، ويُقدر مسؤولون هنود كبار انه كي تتبوأ الهند مكانتها المناسبة في رأيهم في اقتصاد العالم يجب عليها أن تزيد إمدادها من الطاقة بثلاثة أضعاف أو أربعة وإمدادها من الكهرباء بستة أضعاف.
 استوردت الهند من ايران في السنوات الاخيرة نحوا من 12 في المائة من استهلاكها نفطا خاما. ومن جهة ثانية بقي لايران القليل جدا من زبونات النفط (وهي في الأساس الصين وكوريا الجنوبية والهند واليابان).
 إن الهند ايضا تحت ضغط دولي للتقليل من اطلاق غازات الدفيئة ولذلك تبحث هي ايضا عن مصادر أنقى كالغاز. وكان هذا هو السبب للمبادرة الى مشروع انبوب النفط آي.بي.آي – الذي خُطط له لينقل غازا من آبار في منطقة فارس في ايران الى الهند عن طريق باكستان. وهذا المشروع مجمد اليوم (جرى في الاشهر الاخيرة التوقيع على اتفاق بين ايران وباكستان على انشاء الجزء الايراني الباكستاني من الانبوب). وبدأت الهند في هذه الاثناء تظهر اهتماما باقتراحات بديلة.
 ان العقوبات المستعملة على ايران أحدثت انخفاضا تدريجيا لقدرتها على الانتاج ويوجد نقص خطير من القدرة على التصفية. وهكذا في حين استوردت الهند من ايران نفطا خاما صدرت اليها مكررات النفط ولا سيما البنزين للسيارات. وايران ايضا تعوزها تقريبا تماما تقنية استغلال الغاز الطبيعي ولا سيما المنشآت المطلوبة لانتاج غاز طبيعي سائل.
 أصبح من الصعب أكثر على الهند في السنتين الاخيرتين ان تستورد نفطا من ايران. ففي كانون الاول 2010 استجابت الهند لطلب الولايات المتحدة وحظر البنك المركزي الهندي على شركات هندية ان تدفع عن شراء نفط خام عن طريق نظام الدفع "إي.سي.يو". وسُد بذلك المسار الرئيس للدفع عن استيراد النفط الخام من ايران.
 واضطرت العقوبات المستوردين الهنود الى البحث عن مسارات اخرى للدفع. ويضطر الايرانيون اليوم الى الحصول على جزء من المدفوعات بالروبية التي ليست هي عملة دولية. ويتميز مسار التجارة هذا بعدم التوازن بين الهند وايران. ففي حين يبلغ الاستيراد الهندي من ايران نحوا من 11 مليار دولار في السنة، يبلغ التصدير الهندي الى ايران نحوا من مليار دولار فقط. إن علاقات الطاقة اليوم بين الهند وايران على شفا ازمة، فالهند تحت ضغط سياسي ثقيل من اجل وقف الاستيراد تماما لكن سيصعب عليها ان تجد مصادر بديلة عن هذا النفط الخام، في النوعية وتكاليف النقل ايضا.
 جيو – استراتيجية
 إن ايران بالنسبة للهند جسر بري الى الدول في جبل القفقاس والى دول وسط آسيا، ومنها الى شمال اوروبا ومركزها. منذ كانت قسمة شبه القارة بين الهند وباكستان سُد أمام الهند الوصول المباشر لا الى وسط آسيا فقط بل الى افغانستان ايضا، وأصبحت ايران هي الجسر الوحيد الذي يُمكن الهند من الوصول الى افغانستان اقتصاديا وأمنيا ايضا.
 وكانت عدة مشاريع كبيرة خُطط لها ترمي الى تلبية حاجة الهند هذه أهمها ميناء تشابهار و"الممر الشمالي الجنوبي". إن ميناء تشابهار يقع في جنوب شرق ايران على ساحل المحيط الهندي على مبعدة 70كم عن حدود ايران مع الباكستان، وهو مخصص ليكون ميناء نقل للسلع الموجهة الى افغانستان ومنها الى دول وسط آسيا. وأهميته عظيمة بالنسبة للهند، وبادرت مع ايران الى عدد من المشاريع المشتركة تتعلق بتطوير الميناء وطرق النقل البري اليه.
 إن "الممر الدولي الشمالي الجنوبي" (آي.ان.اس.تي.سي) هو اتفاق متعدد الاطراف لتطوير النقل في ممر بري على في طول ايران ويمتد الى داخل روسيا عن طريق بحر قزوين (في مسار بحري) والى سواحل بحر قزوين في مسار بري، ويوجد مسار آخر نحو القوقاز. وتشارك اليوم في الاتفاق وتطويره 11 دولة. لكن كامل الطاقة الكامنة للخطتين بعيد عن التحقق لاسباب أمنية وبسبب مخاوف الايرانيين من مواقف الهند الحقيقية منهم.
 الهند – ايران – قضايا في العلاقات المشتركة
 باكستان:
 منذ حصلت الهند على استقلالها في سنة 1947 ومنذ كان تقسيم شبه القارة كانت علاقاتها الخارجية تمليها علاقاتها بباكستان. فقد ولدت العداوة بينهما ثلاث جولات مواجهة مسلحة وما لا يحصى من الحوادث وعمليات التفجير التي نسبت الى باكستان، ومركزا دائما للاختلاف الشديد على الاراضي (كشمير). وفي فترة الحرب الباردة أيدت ايران باكستان بصورة بارزة. فكلتاهما دولة مسلمة وكلتاهما كانت حليفة للولايات المتحدة. ولذلك منحت ايران باكستان دعما سياسيا وماديا في اثناء مواجهاتها المسلحة مع الهند وأيدت على الدوام موقف باكستان من كشمير.
 كشفت الثورة الاسلامية في ايران بصورة سافرة عن فروق في العلاقات بين ايران وباكستان التي استمرت في علاقاتها بالولايات المتحدة وكانت لها علاقات وثيقة وتعاون مع العربية السعودية. وهنا بدأت تظهر لاول مرة خطوط الازمة بين ايران الشيعية وباكستان (والعربية السعودية) السنيتين. لكن ايران ظلت باعتبارها جمهورية اسلامية تؤيد مواقف الباكستان من كشمير بل أيدت منظمة حزب الله في كشمير (ينبغي التفريق بينها وبين المنظمة اللبنانية ذات الاسم المشابه).
 مع تحسن العلاقات بين ايران والهند بعد 1993، حاولت ايران ان تسير على حبل دقيق للحفاظ على مصالحها مع الهند مع استمرار معارضتها المبدئية لمواقف الهند من شأن كشمير.
 افغانستان:
 هناك شأن استراتيجي مهم آخر في العلاقات بين ايران والهند وباكستان وهو افغانستان. فقد وجدت ايران نفسها في منافسة قوية مع الباكستان في مناطق التأثير في افغانستان. يوجد في هذه الدولة المتعددة الطوائف مناطق تتكلم الفارسية وسكان شيعة لا يستهان بهم. وقد حاولت ايران في بدء الطريق التعاون مع باكستان لكن وجدت ايران والهند أنفسهما سريعا جدا تتعاونان على مساعدة تحالف المنظمات في شمال افغانستان (من المتحدثين باللغة الطاجيكية والفارسية) في مواجهة طالبان البشتونية التي تؤيدها باكستان. وحينما قويت سلطة طالبان حدث سبب لسخونة العلاقات بين ايران والهند. وزادت هذه العلاقات سخونة حتى في مجال المساعدة الامنية ولا سيما بعد دخول قوات امريكية الى افغانستان في 2001 واسقاط نظام طالبان.
 وتجتمع اليوم مرة اخرى مصالح ايران والهند مع الاستعدادات لانسحاب قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي من افغانستان في سنة 2014. ان للهند مصالح ملحوظة في افغانستان وهي تنفق مئات ملايين الدولارات على مشاريع اقتصادية في هذه الدولة. ولايران كما قلنا آنفا مصالح مشابهة، وهي كالهند تخشى ايضا ازدياد قوة طالبان بعد مغادرة الولايات المتحدة.
 الولايات المتحدة:
 كانت علاقات الهند بالولايات المتحدة باردة الى نهاية الحرب الباردة. وتغير هذا الوضع في مطلع تسعينيات القرن الماضي في موازاة التغيير الذي طرأ على علاقات الهند باسرائيل وبايران ايضا.
 تتفق الهند والولايات المتحدة على موضوعات كثيرة بل يوجد تماثل مصالح في عدد كبير من الموضوعات. ان الهند كالولايات المتحدة ديمقراطية ولها عناية كبيرة بالحفاظ على نظام عالمي يشمل حدودا مفتوحة لانتقال السلع والبشر. وللهند والولايات المتحدة مصلحة متشابهة في الحفاظ على أمن طرق الملاحة في المحيط الهندي والوصول الى الخليج الفارسي وفيما يتعلق بمحاربة الارهاب الدولي ايضا. وتوجد مصلحة اخرى لا تذكر علنا على نحو عام وهي خوف الدولتين من ازدياد قوة الصين. كلتاهما معنية بالحفاظ على استقرار العلاقة بالصين وتتجنبان اغضابها لكنهما تستعملان سياسة "تسوير" الصين. ولذلك كان متوقعا ان تطور الدولتان علاقات استراتيجية قريبة. وقد قويت العلاقات حقا منذ انتهت الحرب الباردة وزادت التجارة المتبادلة بمئات الدرجات المئوية وتم جهد لتعاون في مجالات عسكرية ايضا (بحرية في الأساس).
 إن أبرز خطوة خطتها الولايات المتحدة نحو الهند كانت اتفاق التعاون في مجال الطاقة الذرية الذي تم التوقيع عليه في آب 2008. ان هذا الاتفاق شاذ لانه يناقض مناقضة حادة سياسة الولايات المتحدة لأن الهند فضلا عن انها لم توقع على ميثاق منع انتشار السلاح الذري كانت منذ ايار 1998 دولة سلاح ذري معلن. وقد أملت الهند في اطار الاتفاق ان تكتسب من الولايات المتحدة قدرة على انتاج الكهرباء الذرية تبلغ 25 ألف ميغاواط الى سنة 2020.
 واليوم، بعد توقيع الاتفاق بـ 4.5 سنوات لم توقع الى الآن عقود محددة لانشاء محطات طاقة ذرية، ويوجد في الولايات المتحدة من يشكون في جدوى الاتفاق الذري. وفي المجال الامني ايضا لم تتقدم الامور كما أملت الولايات المتحدة. ان الهند تشتري اليوم معدات عسكرية امريكية لكن لم تتحقق صفقات سلاح واسعة النطاق أملت شركات امريكية الحصول عليها.
 إن موضوع ايران من الموضوعات المؤلمة في نظام العلاقات بين الهند والولايات المتحدة التي أملت موافقة الهند الكاملة على سياسة امريكية تطمح الى عزل ايران قدر المستطاع. ولم تحجم ايضا عن استعمال تهديدات صريحة كثيرا. وحاولت الهند من جهتها ان تفصل منظومتي علاقتيها بعضهما عن بعض وان تكون لها علاقات بايران كأنه لا علاقة لها بالولايات المتحدة، وعلاقات بالولايات المتحدة وكأن ايران غير موجودة. ولم تنجح هذه السياسة نجاحا خاصا، وأثرت ضغوط الولايات المتحدة تأثيرا غير قليل في علاقات الهند بايران لكنها بقيت تتعوج. فقد صوتت الهند من جهة تعترض على ايران في اطار مجلس مديري الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ايلول 2005، ومرة اخرى في شباط 2006 – وكان تصويتا أفضى الى سوء العلاقات بين الهند وايران. ولم تحجم الهند من جهة اخرى عن الاشارة الى الولايات المتحدة بنيتها ادارة سياسة مستقلة مع ايران. وكانت الواقعة البارزة هي زيارة سفينتي الاسطول الايراني اللتين مكثتا في ميناء هندي زمن زيارة رئيس الولايات المتحدة جورج دبليو بوش في شهر آذار 2006 – وهو ما نُظر اليه انه لطمة للولايات المتحدة.
 قبلت الهند على نفسها العقوبات التي فرضها مجلس الامن لكنها عارضت مبدئيا العقوبات من طرف واحد التي فرضتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي على ايران، لكنها استجابت آخر الامر الى طلبات الولايات المتحدة وفرضت عقوبات من طرف واحد تشتمل على عقوبات أضرت ايضا بشركات هندية.
 الذرة الايرانية
إن بروز البرنامج الذري الايراني في جدول العمل الدولي في 2003 أحدث للهند مشكلة صعبة. فالهند غير معنية بجارة ذرية اخرى. لكن يصعب عليها باعتبارها دولة ذرية هي نفسها أن تعظ دولة تطمح الى وضع ذري. وليس للهند من جهة سياسية أي اهتمام بالصدام مع ايران ولا حول الشأن الذري ايضا.
 كان تأكيد الهند في تصريحاتها هو دعم جميع نشاط التطوير الذري الايراني مع طلب من ايران أن تفي بجميع التزاماتها التعاقدية مع المجتمع الدولي (أي طلب الوفاء بالتزاماتها لميثاق منع انتشار السلاح الذري واخضاع كل منشآتها للرقابة).
 وطمحت حكومة الهند الى فصل منظومات علاقاتها الثنائية بعضها عن بعض – وكأنه ليس لعلاقات الهند بايران صلة بعلاقات الهند بالولايات المتحدة أو باسرائيل. لكن الواقع لطمها وكلما زادت الازمة الدولية حول برنامج ايران الذري حدة زادت الضغوط من الولايات المتحدة. وفي نهاية الامر غيرت الهند سياستها واضطرت الى ان تصوت في الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤيد قرارات مضادة لايران.
 علاقات الهند باسرائيل
 بدأت تتطور علاقات الهند باسرائيل كعلاقاتها بايران وبالولايات المتحدة بعد سنة 1992 فقط، ومنذ ذلك الحين قويت في مجالات اقتصادية كثيرة. في سنة 2012 بلغ حجم التجارة المتبادلة بين اسرائيل والهند (ولا يشمل هذا الماس) نحوا من 2.15 مليار دولار (وتتضاءلت التجارة منذ سنة 2010 بسبب تأثيرات الازمة الاقتصادية العالمية).
 ويبرز بصورة خاصة التعاون الامني – الذي يشمل شراء منظومات سلاح خاصة ونقل تقنية عسكرية وتطويرا مشتركا لمنظومات سلاح. ويتم التباحث اليوم بين اسرائيل والهند في صفقة لشراء طائرة اخرى للانذار الجوي المبكر ولتطوير مشترك لمنظومات صواريخ ارض – جو مختلفة.
 أصبحت اسرائيل ثاني أهم مزودة بالسلاح للجيش الهندي أما الهند فأصبحت الزبونة الكبرى للصناعة الامنية الاسرائيلية. ومع ذلك لم تتطور العلاقات بين اسرائيل والهند الى اليوم لتصبح تعاونا استراتيجيا. ويصعب الحديث ايضا في واقع الامر عن تعاون في الجوانب السياسية الدولية.
 كان موضوع ايران مطروحا للبحث في العلاقات بين اسرائيل والهند من أول الطريق. وعادت اسرائيل وعبرت عن عدم رضاها عن العلاقات المشتركة بين الهند وايران ولا سيما العلاقات الامنية التي تمت بين ايران والهند (واشتملت على التدريبات البحرية المشتركة). وعبرت اسرائيل ايضا على مسامع الهنود عن مخاوف من تسرب تقنية اسرائيلية الى الايرانيين.
 وفي مقابل ذلك وفي منظومة العلاقات بين الهند وايران لم يصدر عن الايرانيين على نحو عام تحفظات من علاقات الهند باسرائيل وفضلوا تجاهل الامر. وكان الامر الشاذ البارز في كانون الثاني 2008 حينما أطلقت الهند القمر الصناعي الاسرائيلي "تكسار". ففي الوقت الذي  عُرضت فيه صفقة الاطلاق في الهند على أنها صفقة تجارية وفضلوا تقليل الحديث عن الحدث نُشر في اسرائيل أمر اطلاق القمر الصناعي وعُرض القمر الصناعي على أنه قمر تجسس يرمي الى تعقب شؤون ايران. وفي تلك الحال ردت ايران بالتعبير عن "قلقها" لدى حكومة الهند دون ان تذكر اسم اسرائيل.
 الخلاصة
 كان انتهاء الحرب الباردة نقطة تحول في علاقة الهند بالعالم. ولم يكن عرضيا ان غيرت الهند في تلك السنوات حقا توجهها نحو الولايات المتحدة وايران واسرائيل. وأصبح للهند منذ ذلك الحين منظومات علاقات خارجية تسير على حبل دقيق. ولم ينجح طموح الهند طول تلك السنوات الى إحداث تفريق بين منظومات علاقاتها المتبادلة لكن يبدو أنها ما زالت لم تترك هذا الأمل.
 لكن منظومة علاقاتها بايران في المقابل أُصيبت بهزات – فكانت فترات تقوية علاقات وفترات تباعد كانت على نحو عام بسبب ضغوط جهات خارجية على العلاقة المشتركة ولا سيما الضغوط التي نبعت من علاقاتها بالولايات المتحدة مثل الضغوط التي نبعت ايضا من النظام الدولي بعامة كقرارات مجلس الامن، وأصبحت علاقات الهند بايران اليوم في حضيض جديد، وقد أخذ يتضاءل استيراد النفط بسبب العقوبات وأخذت الهند توافق المجتمع الدولي على عزل ايران بسبب الشأن الذري.
 ومع ذلك بقيت على حالها العوامل العميقة الجغرافية السياسية والجغرافية الاستراتيجية التي هي في أساس علاقات الهند بايران. يصعب على ايران اليوم استخراج نفطها وغازها وأخذ الانتاج يتضاءل لكن احتياطيها الكبير سيبقى زمنا طويلا. وفي مقابل هذا فان الهند متعطشة للطاقة وسيزيد الطلب مع الوقت. ولذلك ينبغي ان نتوقع في نهاية الامر تجدد علاقات الطاقة بين ايران والهند.
 وبقيت كذلك الاعتبارات الجغرافية الاستراتيجية، فللهند مصالح في افغانستان وما بقيت باكستان المعادية تفصل بين الهند وافغانستان فستظل ايران هي الطريق الوحيد. وستظل ايران ايضا تسيطر على مضيق هرمز وستظل لها بسبب ذلك حرية الملاحة في هذا المضيق. وستظل ايران ايضا بالنسبة للهند الطريق الى دول وسط آسيا وهي أسواق اخرى لانتاجها ومصدر آخر للطاقة ايضا. وهو ايضا الطريق البري الممكن الى شمال اوروبا. إن الحركة في هذا الطريق اليوم صعبة وليست آمنة دائمة، لكنه سيظل الطريق الوحيد.
 وقد نجحت الهند في مجال علاقتها باسرائيل خاصة في الحفاظ على فصل بين منظومات علاقاتها. فقد كانت علاقاتها باسرائيل في العقد الاخير مستقرة برغم علاقاتها بايران. وقد أخذت تتسع صفقات السلاح وزادت من حيث المقدار ومن حيث التعاون التقني. ومع ذلك بقي التعاون في المجالات الاقتصادية. إن مصلحة الهند بالنسبة لاسرائيل تقنية لا استراتيجية أو سياسية.
 إن نظرة الى منظومة العلاقات بين الهند وايران ولا سيما العوامل الثابتة فيها وهي التاريخ والثقافة والطاقة والجغرافيا تُبين ان هذه العلاقات كانت وستظل مهمة لها أكثر من علاقاتها باسرائيل. وإن حقيقة ان العلاقات بايران اليوم في حضيض حالة مؤقتة ويجب علينا في اسرائيل ان نفهم ذلك.
 ستظل علاقات اسرائيل بالهند متعلقة بقدرة الهند على السير على حبل دقيق بين منظومات علاقاتها. فاذا أرادت اسرائيل ان تحافظ على علاقاتها الطيبة بالهند فعليها ان تحرص ايضا على السير على حبل دقيق كهذا بأن تستمر في تقوية العلاقات بالهند وتحرص على عدم المس بمنظومة العلاقات هذه – وألا تمس مع ذلك بها بالضغط على الجانب الهندي في نقاط مؤلمة.   * * * 

2013-09-03 10:44:20 | 2245 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية