التصنيفات » دراسات

القدس والأقصى على أجندة القوى والأحزاب*


عرض وتقديم
د. محمد أكرم العدلوني
رئيس لجنة العلاقات الخارجية
في مؤسسة القدس الدولية
بيروت في 
9/10/2013


مدخل: تقدير الموقف في القدس والأقصى
1. تصاعد التهويد على مختلف المستويات (الاستيطان، التهجير، تدمير قطاعات الحياة...) يؤكد عزم الاحتلال حسم هوية القدس لتكون عاصمة يهودية لكيانه. ومؤخرًا كان هناك حديث عن توسيع حدود القدس لتصل إلى 1000 كيلو متر مربع لتكون القدس الكبرى.
2. الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة للكنيست في شهر 1/2013 أفرزت تركيبة برلمانية تتبنى مواقف غاية في العدائية للقدس والأقصى وهذا سيؤثر في مسار عملية التهويد ومصير القدس ككل سلبًا.
3. هناك خشية حقيقية لإنتاج أوسلو جديد وتضييع ما تبقى من حقوق في القدس وهناك مؤشرات:
عن وضع القدس والمقدسات تحت إشراف إسرائيلي أردني فلسطيني دولي وتأجيل وضعها عشر سنوات.
تبادل لأراضي القدس التي تسيطر عليها "إسرائيل" بأراضٍ من 48.
السرية التي تحيط بالمفاوضات تشبه ما حصل 1991 من مفاوضات سرية أنتجت أوسلو 1993.

4. تقسيم الأقصى بات أمراً شبه واقع بانتظار تشريعه رسمياً في المحاكم الإسرائيلية، وهناك مؤشرات:
زمانيًّا: حيث بدأ الاحتلال فعليًّا بمنع المسلمين من دخول الأقصى في الأعياد اليهودية.
مكانيًّا: سيكون أمرًا واقعًا على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل إن بقي الوضع على حاله.

5. الاحتلال جهّز الأرضية القانونية والسياسية والدينية والأمنية لتقسيم الأقصى:
قانونيًّا: تغيُّر رأي المحاكم الإسرائيلية من منع الصلاة داخل الأقصى إلى إباحتها. وكذلك مناقشة تشريع دخول اليهود للأقصى والصلاة فيه في الكنيست، وقد صدر قرار عن محكمة الاحتلال في القدس في 23/6/2013 بالموافقة على فكرة الوجود اليهودي الأقصى.
سياسيًّا: صعود لوزراء وأعضاء كنسيت ومسؤولين إسرائيليين متطرفين إلى سدة الحكم برئاسة نتانياهو في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 1/2013. أصبحت الجماعات المنادية ببناء "المعبد" مكان الأقصى ذات تأثير فاعل على مستوى المواقع القيادية في الحكومة والبرلمان، كما زاد الدعم الحكومي لها.
ديــنـيًّا: توحيد جهود المؤسسات الداعية لبناء المعبد المزعوم وتأسيس "اتئلاف مؤسسات المعبد" في شهر 3/2013 وهو مكون من 19 مؤسسة وبرعاية حكومية، ويضغط على الحكومة من أجل بسط سيطرتها على المسجد الأقصى كجزء من السيادة الإسرائيلية على القدس. 
أمنـــيًّا: تغير دور الشرطة الإسرائيلية من منع اليهود من أداء طقوسهم التلمودية داخل الأقصى إلى حراستهم بل تشجيعهم وقد صرح مفوض شرطة الاحتلال منذ أيام قليلة بأن صلاة اليهود في الأقصى حق لا نقاش فيه ويجب على الشرطة أن تحمي هذا الحق.
6. استمرار الحفريات والبناء أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه:
الحفريات: لم تعد تقتصر في أهدافها على إيجاد آثار "المعبد" المزعوم بل تعدته إلى إنشاء مدينة يهودية كاملة تترابط بشبكة من الأنفاق في الجهات الجنوبية والغربية والشمالية للمسجد الأقصى، وقد حافظت على عددها البالغ 47 حفرية، 25 منها في الغرب، 17 في الجنوب، و5 في الشمال. 
البنــــــــــاء: الذي يهدف إلى تعزيز الوجود اليهودي في المكان، يستهدف الاحتلال، حائط البراق بجملة من المخططات التهويدية، أبرزها مخطط زاموش الذي أعيد إحياؤه، ومخطط شارانسكي الذي يقضي بإيجاد ساحة جديدة للصلاة المختلطة، ومخطط "بيت شتراوس" القاضي ببناء مركز يهودي متعدد الاستعمالات شمال ساحة البراق.  
7. تحقيق الوجود اليهودي داخل الأقصى والتدخّل المباشر في إدارته بالاقتحامات والتصريحات:
الاقتحامات: تكررت اقتحامات أعضاء في "الكنيست" والحكومة للمسجد الأقصى وتصاعدت وتيرتها مترافقة مع تصريحات تؤكد التمسك ببناء "المعبد" وبدعم الجمعيات اللاهثة وراء سرابه.
الجولات: تزايدت ما باتت تعرف بـ"جولات الإرشاد العسكرية" وبرز دور جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" في تشجيع الاقتحامات والتحريض عليها.
التدخلات: أما التدخل في إدارة المسجد الأقصى فاستمر على ثلاثة مسارات، هي: المنع من الترميم والصيانة، والتدخّل في عمل دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، وتقييد حركة موظفي الأوقاف والتحكّم في الدخول للمسجد وتقييد حركة المصلين.
التعطيلات: ومن أبرز التطورات أيضًا محاولة سلطات الاحتلال تعطيل أعمال الترميم في مدخل باب المصلى المرواني في 4/9/2012 بحجة وجود بعض قطع فخار أثرية أثناء حفر الصخر الموجود على مدخل المصلى.
القدس والأقصى على أجندة القوى والأحزاب

في ظلّ الجمود والتراجع الكبيرين اللذين تشهدهما المواقف الرسميّة ومواقف السياسيّين عمومًا تجاه المسجد الأقصى، بقي التفاعل الشعبيّ، خصوصًا في القدس والأراضي المحتلّة 1948، خطّ الدفاع الأوّل عن الأقصى، وإن تفاوت حجمه وزخمه بين البلدان أو تعرّض لفتورٍ أو ضمورٍ بين سنةٍ وأخرى. 

السنة الماضية التي كانت من السنوات الأشدّ على المسجد الأقصى من حيث الاقتحامات والاعتداءات منذ احتلاله، شهدت انسحابًا سياسيًّا رسميًّا شبه تام على المستوى العربي والإسلامي، لكنها أيضًا شهدت تفاعلاً شعبيًّا نجح بالحدّ الأدنى في إبقاء قضيّة المسجد الأقصى حاضرةً بين الجمهور رغم غيابها الإعلاميّ خصوصًا في القدس والأراضي المحتلّة عام 1948 والضفّة الغربيّة وقطاع غزّة والأردنّ ومصر.
لكن العام الماضي شهد أيضًا تكريسًا لفصل الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة عن المسجد الأقصى والتفاعل معه، بحيث بات الصراع الدائر على الأرض بين المصلّين والمرابطين من المقدسيين وفلسطينيي الـ48 من جهة والمستوطنين وجنود الاحتلال من جهة أخرى، أشبه بصراعٍ "داخليّ" بين المسلمين واليهود داخل دولة الاحتلال. وهو أمرٌ لا بد أن تتنبّه له فصائل المقاومة التي وإن كانت الظروف الموضوعيّة تمنعها من العمل المقاوم، فإنّها مطالبة على الأقل بتحريك الجماهير وتوثيق ارتباطها بالمسجد الأقصى لقطع الطريق على مثل هذا الفصل الذي بات اليوم أمرًا واقعًا.  

ولكي نسلط الضوء على موقع قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك على أجندة القوى والأحزاب سأقسم الحديث -من حيث التفاعل وردود الفعل- إلى العناوين التالية: 


 أولاً: فلسطينيو الداخل:
من جديد نجح المقدسيون وفلسطينيو الأرض المحتلةّ عام 1948 بتشكيل رادعٍ-لعله الوحيد- للاعتداءات والاستفزازات الإسرائيليّة المتكرّرة ضدّ المسجد الأقصى خلال العام المنصرم. وقد كان المدّ البشريّ المتواصل ودعوات الرباط والبرامج والأنشطة التي تضمن حضور المصلين الدائم في المسجد الأقصى الأداة الفاعلة التي تمكنوا من خلالها من مواجهة المخطط المنظم الذي تُنفذه دولة الاحتلال الإسرائيليّ للسيطرة على المسجد الأقصى.     

وقد تميّزت تحركات المقدسيين وفلسطينيي الـ48 عن غيرها بطول النفس وبطابع استباقيّ عزّز من قدرتها على المواجهة، هذا عدا عن كونهم الجهة الوحيدة التي كانت تتحرّك ميدانيًّا لحماية المسجد الأقصى بعيدًا عن البيانات والتحذيرات والإدانات المعتادة والمتكررة للجهات الأخرى.

وهنا يُمكن أن يُقال إنّهم الجهة الوحيدة القادرة على الوصول للمسجد الأقصى وبالتالي من الطبيعي أن يكونوا هم الوحيدين الذين تحركوا ميدانيّا، لكن الاستعراض السريع لأبرز المحطات التاريخيّة السابقة في تاريخ التضامن مع المسجد الأقصى كالمظاهرات التي خرجت في الدول العربيّة والإسلاميّة عند هدم تلّة المغاربة أو الانتفاضة التي اندلعت في عموم فلسطين عند اقتحام شارون للمسجد الأقصى يُثبت لنا أن التحرك الميدانيّ والفعل الشعبيّ خارج القدس بل وخارج فلسطين كان يُشكّل عامل ضغطٍ على الاحتلال وبالتالي فإنّ التحركات الميدانيّة والشعبيّة مطلوبةٌ ومؤثرة في الخارج كما في الداخل، وهي منقطعةٌ اليوم خارج القدس، متواصلةٌ فقط داخلها وفي الأراضي المحتلّة عام 1948.

وبالانتقال إلى المسار الزمنيّ للأحداث خلال العام الماضي، فقد شهدت بداية شهر أغسطس 2012 إعلان قرار بلدية الاحتلال تحويل ساحات المسجد الأقصى إلى ساحات عامّة، وتلا ذلك دعوة مجموعة من مسؤولي الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال إلى تقسيم أوقات زيارة الأقصى بين المسلمين واليهود، وقد ترافق هذان القراران مع شهر رمضان. ومع ذلك، فقد حاول الاحتلال تصعيد الاقتحامات الإسرائيليّة للمسجد الأقصى، في ما كثّف المقدسيّون وفلسطينيو الـ48 من تواجدهم في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان حيث سيّرت مؤسسة البيارق لإحياء المسجد الأقصى أكثر من 1500 حافلة خلال الشهر لنقل المصلين من مختلف مناطق الأراضي المحتلة 1948 للأقصى . وفي مواجهة دعوات ومحاولات تقسيم المسجد الأقصى زمنيّا بين المسلمين واليهود فقد كثف المقدسيّون وفلسطينيو الـ48 من حضورهم في الأوقات التي يقلّ فيها عادةً عدد المصلين في الأقصى كالوقت بين الفجر والظهر أو بين الظهر والعصر وقد كان لبرنامج مساطب العلم دورٌ بارزٌ في هذا الإطار. 

وبالتزامن مع احتفالات رأس السنة العبريّة خلال شهر سبتمبر 2012، واجه المصلّون في المسجد الأقصى الاقتحامات المتكرّرة للمستوطنين والتي كان بينها اقتحام لأحد أبرز شخصيات حزب الليكود "موشيه فيجلين" ما أدى إلى وقوع إصابات بين المصلين نتيجة لهجوم شرطة الاحتلال عليهم . وقد تكرر اقتحام "فيجلين" للمسجد الأقصى في بداية شهر تشرين أكتوبر بالتزامن مع عيد العرش اليهودي ومن جديد حاول المصلون منع المقتحمين من أداء طقوسهم الدينية داخل المسجد وقد تسبب هذا الاقتحام بتوتر متواصل أدى إلى وقوع مواجهات بين المصلين وشرطة الاحتلال الجمعة 5/10 تسببت بوقوع إصابات واعتقل خلالها جنود الاحتلال عشرات المصلين .    

ظلّت المواجهات بين المصلين والمرابطين من جهة وجنود الاحتلال والمستوطنين من جهة أخرى تتكرر طوال الأشهر اللاحقة، خصوصًا مع تصاعد محاولات إقامة الطقوس اليهوديّة الدينيّة داخل الأقصى. وقد شهدت أشهر 2013 جميعها تقريبًا اشتباكات أدت إلى إصابة واعتقال عشرات المصلين، وقد نجح المرابطون غير مرّة في منع المستوطنين من دخول الأقصى، وفي أحيان أخرى تمكنوا من عرقلتهم ومنعهم من تحقيق مرادهم، وأجبروهم على مغادرة المسجد دون إكمال جولاتهم أو أداء طقوسهم الدينية.

وإلى جانب حضورهم الفعليّ المتواصل في الأقصى فقد شارك المقدسيّون وفلسطينيو الـ48 في العديد من الفعاليات الجماهيريّة التي نُظّمت داخل الأقصى وفي مختلف المناطق، للتأكيد على مركزية الأقصى وتوثيق الارتباط به في ظلّ محاولات الاحتلال لجعله مركزًا للحياة الدينية والاجتماعيّة اليهوديّة. 

ففي 21/9/2012، شارك عشرات الآلاف من المقدسيين ومن قرى ومدن الداخل الفلسطيني في مهرجان "الأقصى في خطر"السابع عشر الذي نظذمته الحركة الإسلامية في مدينة أم الفحم ، كما خصّص خطباء المساجد في القدس والأراضي المحتلّة 1948 الجمعة 8/3/2013 لنصرة المسجد الأقصى بعد الاعتداء على أحد طالبات العلم وتدنيس القرآن داخل الأقصى من قبل أحد جنود الاحتلال . إلى جانب ذلك، أقام عشرات الشبان المقدسيين ومن فلسطينيي الـ48 مراسم عقد قرانهم في الأقصى على مدار العام، كما شارك مئات المعتمرين في أفواج حملات عمرة الإحرام من الأقصى . كما شارك آلاف طلاب المدارس من القدس والأراضي المحتلة عام 1948 في برامج الرحلات المدرسيّة إلى الأقصى التي استمرت طوال السنة، كان أكبرها مهرجان طفل الأقصى الذي نُظّم في شهر أبريل 2013 وشهد مشاركة أكثر من 10 آلاف طالب مع ذويهم داخل ساحات الأقصى .

هنا لا بدّ لنا أن نُشير أنّ التفاعل الميدانيّ المؤثّر للمقدسيّين وفلسطينييّ الـ48 مع المسجد الأقصى ساهم في إنجاحه مجموعةٌ من الشخصيّات والهيئات المقدسيّة ومن فلسطينييّ الـ48 الذين دأبوا على تحفيز الناس لزيارة المسجد الأقصى في المحافل العامّة وفي وسائل الإعلام، وهو جهدٌ ضروريّ وفاعل لا يُمكن إغفاله خصوصًا ونحن نرى مدى تأثير غياب القيادات الشعبيّة والعامّة على تفاعل الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة مع أوضاع المسجد الأقصى، كما نرى سعي مؤسّسة الاحتلال الدؤوب لمنع بروز أي قيادة أو مرجعيّة شعبيّة مقدسيّة لعلمها بمدى تأثير هذه القيادات ودورها في تحريك الناس وتحفيزهم. ويُمكن لنا أن نُسجّل هنا وبالاعتماد على مصادرنا الإخباريّة ومن باب الإشارة لا الحصر الدور البارز الذي لعبته الحركة الإسلاميّة في الأراضي المحتلّة عام 1948 ورئيسها الشيخ رائد صلاح ونائبه الشيخ كمال الخطيب، بالإضافة إلى الهيئة الإسلامية العليا ورئيسها الشيخ عكرمة صبري وأمين سرها وقاضي القضاة ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقًا الشيخ تيسير التميمي، بالإضافة إلى الشيخ ناجح بكيرات مدير المسجد الأقصى ومفتي القدس والديار المقدسة الشيخ محمد حسين. إنّ حضور هذه الشخصيّات والهيئات وغيرها والدور الذي تؤديه في تنظيم حركة الناس وتحفيزهم نحو الرباط في المسجد الأقصى والتفاعل معه هو أمرٌ أساسيّ لا بدّ من الحفاظ عليه ودعمه خصوصًا في ظلّ الهجمة التي يتعرضون لها من قبل الاحتلال لتحجيم دورهم ولتفريغ مدينة القدس من القيادات والرموز للحد من التحركات الشعبيّة، في الوقت الذي يسعى فيه الاحتلال لإيجاد قيادات ورموز لتحركات المستوطنين من الحاخامات والسياسيّين ليقودوا المطالب بتقسيم الأقصى.      

وقد شهد العام الماضي أيضًا نشاطًا لنوّاب القدس وبعض النوّاب العرب في برلمان الاحتلال تفاعلاً مع الاعتداءات المتكرّرة على الأقصى، لكنّه ظلّ في إطار التحذير والتوصيف والإدانة، ويرجع ذلك إلى إجراءات الإبعاد والإقامة الجبريّة والاعتقال التي يتعرّض لها نوّاب القدس، أمّا النواب العرب في برلمان الاحتلال فهم قادرون على لعب دورٍ أكثر فاعليّة بوصفهم شخصيّات ذات مرجعيّة شعبيّة لها القدرة على التأثير على الجمهور والتفاعل معه. ولا شك في أن محاولات الاحتلال تقييد المقدسيين وفلسطينيي الـ48 وإبعاد رموزهم عن ساحة التأثير في مسار الأحداث في الأقصى ستستمر وتتصاعد. وقد كان الحدث الأبرز في هذا السياق إقدام الاحتلال على اعتقال المفتي حسين في 8/5/2013 والتحقيق معه بتهمة "الإخلال بالنظام العام التي تضمّنت التشجيع على أعمال الشغب في الأقصى" .

 ثانياً: الفصائل الفلسطينية:
استمرّت خلال العام الماضي حالة فك الارتباط بين أوضاع المسجد الأقصى ونشاط فصائل المقاومة الفلسطينيّة، فرغم تصاعد التهديدات ووصولها حدّ الطلب علنًا بتقسيم المسجد الأقصى، وحدوث الاقتحامات والصلوات اليهوديّة الجماعيّة بشكلٍ شبه أسبوعيّ والاشتباكات المتكررة بين المصلين وقوّات الاحتلال إلاّ أنّ أيًّا من فصائل المقاومة لم يُنفذ أي عمل ميدانيّ للردّ على هذه الانتهاكات. وحالة الجمود هذه مرشحةٌ للاستمرار طالما استمرّت أسبابها الموضوعيّة ففصائل المقاومة ملاحقةٌ في الضفّة الغربيّة وغير قادرةٍ على العمل بشكلٍ فعال، وهي محكومة بمعادلة التهدئة الشاملة أو المواجهة الشاملة في قطاع غزّة، وقد فاقمت التطوّرات في مصر من تعقيد وضع فصائل المقاومة في القطاع وأضافت مزيدًا من القيود على حركتها.

هذه الأوضاع لا تُلغي واجب المقاومة تجاه المسجد الأقصى وهو يعيش أخطر المراحل في تاريخه منذ الاحتلال، لكنها تعطينا فكرةً عن قدرتها في ظلّ الأوضاع الحاليّة وعن حجم العمل المأمول منها في ظلّ هذه الأوضاع. لكن وإن كانت فصائل المقاومة غير قادرةٍ على التحرّك ميدانيًّا فإنّها لا تزال قادرةً على التأثير في جمهورها وتحفيزه للدفاع عن الأقصى وتذكيره بما كان عليه إبّان الانتفاضة، وقد بتنا نرى اليوم وضعًا أشبه بالانفصال بين المدن الفلسطينيّة وأوضاع القدس والأقصى.

كما أنّ فصائل المقاومة ما زالت قادرةً على التحرّك جماهيريًّا في مواجهة الاحتلال. وقد يُبَرَّرُ التقصير في هذا المجال بعدم رغبة الفصائل في التصعيد والدخول في مواجهةٍ مع السلطة وأجهزة أمنها، وهي التي تمنع التحركات الجماهيريّة وتقمعها، إلاّ أنّ أوضاع الأقصى اليوم بلغت درجةً من الخطر لا تنفع معه سياسة التهدئة مع الاحتلال ومن يقف حرسًا دونه ويمنع الوصول إليه، وإن لم تضع فصائل المقاومة الأقصى في هذه المرحلة على رأس سلّم أولوياتها وتُبادر في التحرك لحمايته، فإنّها ستحتاج في المستقبل إلى أضعاف الجهد لوقف مشروع تقسيمه أو إعادة الزمن إلى الوراء بعد أن يُصبح التقسيم أمرًا واقعًا.         

أوّل ردود الفعل لفصائل المقاومة خلال العام كانت دعوة فوزي برهوم المتحدث باسم حماس لتشكيل شبكة أمان لحماية الأقصى والدفاع عنه إثر إعلان بلديّة الاحتلال ساحات الأقصى كساحاتٍ عامّة تابعةٍ لها في بداية أغسطس 2012، مطالبًا السلطة الفلسطينية "برفع يدها عن المقاومة الفلسطينية كي تدافع عن شعبنا وأرضه ومقدساته" . كما هددت حماس على لسان أحد متحدثيها خلال مسيرة جماهيريّة نظمتها في شمال غزّة للتضامن مع المسجد الأقصى بانتفاضة عارمة تفتح الباب على مصراعيه أمام المقاومة الفلسطينية للرد على اعتداءات قوات الاحتلال ضد الأقصى المبارك . 

كما حذرت حركة حماس في بيان لها في 5/8/2012 الاحتلال الاسرائيلي من الإقدام على تنفيذ خطة التوقيت الزمني لدخول المسجد الأقصى ومن التداعيات الخطيرة لها، معتبرة أنها "عمل عنصري وجريمة صهيونية" تستوجب التصدّي لها ومنعها .

وقد شهد أغسطس إحدى الفعاليات القليلة التي وحّدت الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية حيث نظّمت جميع الفصائل في 17/8/2012 مسيرةً مشتركة بمناسبة "يوم القدس العالمي" الذي يصادف الجمعة الأخيرة من كل رمضان. كما شهد يوم 30/8/2012 مهرجانًا نظمته حركة حماس في غزّة للتضامن مع القدس والمسجد الأقصى.

وبالتزامن مع اقتحام "موشيه فيجلين" عضو حزب الليكود للأقصى في سبتمبر 2012، صرّح المتحدث باسم حماس فوزي برهوم بأن "الأجواء التي تخيم على الأراضي الفلسطينية بعد اقتحام من قبل الشرطة الإسرائيلية وجماعات المستوطنين تنذر باندلاع انتفاضة ثالثة" . فيما حذر عضو المكتب السياسي عزت الرشق من تبعات دعوات اقتحام الأقصى بمناسبة "عيد العرش" اليهودي. ودعت حركة فتح في بيانٍ لها "مناضليها وكوادرها وعموم الشعب الفلسطيني، لحماية المسجد الأقصى وكل المقدسات في القدس والمدن الفلسطينية" . كما استنكر النائب قيس عبد الكريم "أبوليلى" عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين اقتحام مجموعة من الحاخامات بقيادة "موشيه فيجلين" المسجد الأقصى المبارك ودعا إلى التصدي للاعتداء على المقدسات.

وفي شهر كانون أوّل/ديسمبر 2012، طالب عضو المكتب السياسي لحركة حماس، عزت الرشق، الشعب الفلسطيني بالتصدي للاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة ضد المسجد الأقصى المبارك، قائلاً إنّ "الأوان قد آن لوضع حد لجرائم الاحتلال ضد القدس والأقصى" . ودعا الرشق منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية إلى تحمّل مسؤولياتهما في حماية المسجد الأقصى". كما أصدرت حركة الجهاد الإسلامي في الشهر ذاته بيانًا حذّرت فيه الاحتلال الإسرائيلي من الاستفراد بالقدس والمسجد الأقصى، ودعت الشعوب والحكومات العربية والإسلامية إلى تحمل مسؤولياتها تجاه سياسات العدوان والتوسع المستعرة في القدس وسائر أرض فلسطين.

وفي يناير 2013، وبالتزامن مع تصريح نتنياهو الذي اعتبر فيه حائط البراق مقدسًا يهوديًّا ملكًا لدولة الاحتلال، دعت "ألوية الناصر صلاح الدين"، الذراع العسكري للجان المقاومة، إلى تصعيد العمليات الفدائية المسلحة في الضفة والقدس المحتلة دفاعًا عن المقدسات، فيما حذرت حركة حماس الاحتلال وقادته "من مغبّة الاستمرار في اقتحاماتهم المتكرّرة لباحات المسجد الأقصى المبارك".

وعلى أثر اعتداء أحد جنود الاحتلال على إحدى طالبات العلم في الأقصى وتدنيسه للقرآن الكريم في ساحات المسجد نظمت حركتا حماس والجهاد الإسلامي مسيرةً شارك فيها الآلاف"رفضًا لجرائم الاحتلال بحق الأقصى والقرآن الكريم". ودعت حركة حماس إلى انتفاضة حقيقية ثالثة في وجه الاحتلال، تحت مسمى "انتفاضة الأسرى والمسرى". وطالبت السلطة برفع يدها "الثقيلة" عن المقاومة لتترك المجال لها في مجابهة الاحتلال، كما هدد خالد البطش، القيادي بالجهاد الإسلامي، بأن "المقاومة ستفاجئ الاحتلال في الوقت المناسب وفي المقتل، ردًّا على ركل القرآن". وقال إن "ما يدور من مواجهات بالقدس، تأتي في سياق الرد المشروع ضد انتهاكات الاحتلال بحق المسجد المبارك" .

وعلى أثر إقرار برلمان الاحتلال الإسرائيليّ في قراءةٍ أولى لمشروع قرارٍ يدعو إلى تقسيم المسجد الأقصى زمنيًّا بين المسلمين واليهود في مايو 2013، أكّد عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق أنّ هذا القرار "لن يمر مهما كانت التضحيات" .

بالنظر إلى المواقف والتحركات السابقة نرى أن التحركات الجماهيريّة للفصائل انحصرت في غزّة وغابت عن الضفّة الغربيّة والقدس بشكلٍ تامّ. كما أن تكرار تهديد فصائل المقاومة بإشعال انتفاضة ثالثة للرد على انتهاكات الاحتلال بشكلٍ دوريّ أفقد هذا التهديد معناه وأضعف مصداقيّة فصائل المقاومة أمام الجمهور الفلسطينيّ والجمهور العربيّ والإسلاميّ، لأن أيًّا من هذه التهديدات لم يُترجم إلى تحركٍ جماهيريّ واسعٍ على الأرض فضلاً عن إشعال انتفاضة شاملة في كلّ المدن الفلسطينيّة.  

هذا المشهد في أداء فصائل المقاومة الفلسطينية، والذي بات مكررًا خلال السنوات القليلة الماضية، خرقته صواريخ المقاومة الفلسطينية في غزة والتي وصلت إلى المستوطنات الجنوبية للقدس إبّان الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين ثانٍ/نوفمبر 2012. ولا شك في أن القراءة السياسية لوصول صواريخ المقاومة للقدس المحتلة لا تقل أهمية عن القراءة العسكرية، حيث استطاعت المقاومة أن توصل رسالة واضحة للاحتلال بأن القدس المحتلة ومسجدها الأقصى الأسير لا يزالان يشكلان بوصلة حقيقية لها رغم كل التحديات والعقبات التي تحول دون تفاعلها الميداني المباشر مع الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على حرمة المسجد الأقصى. وفي الوقت الذي شكلت الصواريخ الفلسطينية رسالة قوية للاحتلال بمضمونها العسكري والسياسي، لقيت هذه الرسالة ترحيبًا كبيرًا من قبل المقدسيين الذين أكدوا على لسان قياداتهم المختلفة أن مثل هذه الرسائل وحدها من يستطيع أن يمنع الاحتلال من الإجهاز على الأقصى.

ثالثاً: الأحزاب والمنظمات الشعبية والأهلية:
يُعتبر التفاعل الشعبيّ مع أوضاع المسجد الأقصى أحد أهمّ أوراق الضغط على الاحتلال، ولطالما كانت دولة الاحتلال تتجنّب استفزاز الجمهور العربيّ والإسلاميّ حتى لا تُحوّل –وفق رؤيتها- الصراع من صراعٍ مع الفلسطينيين إلى صراع مع عموم المسلمين. لكن الزخم والتأثير اللذين اكتسبهما هذا التفاعل الشعبيّ خلال سنوات انتفاضة الأقصى وما تلاها بات يفتر شيئًا، ومع اندلاع ثورات الربيع العربيّ بات التفاعل أكثر فتورًا مع انشغال الجمهور العربيّ والإسلاميّ بالتحوّلات الداخليّة والتحديات التي فرضتها الثورات على بلدان هذا الربيع. 
ويعتقد البعض أن هذه الثورات قد أثرت سلبًا على التفاعل مع قضيّة فلسطين والمسجد الأقصى، فيما يرى البعض الآخر أنّ انشغال الشعوب العربيّة والإسلاميّة كلّ في شؤونه الداخليّة هو أمرٌ مرحليّ، سيتحول على المدى المتوسط والبعيد، وبعد أن تستعيد هذه الشعوب حريّتها وتؤسس لدول ما بعد الثورة إلى زخمٍ تتضامن فيه المواقف الرسميّة مع الشعبيّة في تأييد المسجد الأقصى والدفاع عنه. 
كلا الرأيين لا ينفي حدوث تراجع حاليّ في التفاعل الشعبيّ مع أوضاع المسجد الأقصى، وهو الأمر الذي انعكس سلبًا بالضرورة على وضعه، ومنح الاحتلال هامشًا واسعًا للتحرّك وقد بات يشعر أن بإمكانه الآن حسم الأمور لمصلحته وتثبيت وقائع جديدة على الأرض بينما العرب والمسلمون منشغلون عنه، وهو أمرٌ لا بد أن تتنبه له القوى الشعبيّة في دول الربيع العربيّ تحديدًا لأنّ الوقت ليس في مصلحتها، وربما يكون التقسيم قد وقع ريثما تنتهي هذه الدول من ترتيب بيتها الداخليّ.     
لكن على الرغم من الفتور الشعبيّ العام الذي شهده العام الماضي، إلاّ أن دولتين هما الأردن ومصر خرجتا عن هذه القاعدة وحافظتا على زخمٍ شعبيٍّ في التفاعل مع أوضاع المسجد الأقصى في العديد من المناسبات، وهو وإن لم يرقَ إلى مستوى التحرك الشعبيّ الضاغط على الاحتلال إلاّ أنّه حافظ على القضيّة حاضرة في المجال العام في هذين البلدين أكثر من غيرهما. 
ففي الأردن شهد العام الماضي تنظيم العديد من الفعاليات والمسيرات لنصرة المسجد الأقصى، كانت أولاها في بداية شهر آب/أغسطس 2012 حيث نظّمت الحركة الإسلاميّة مسيرة في مدينة مادبا جنوب العاصمة الأردنيّة عمّان، شارك فيها الآلاف لنصرة المسجد الأقصى واستنكار اعتداءات الاحتلال المتكررة عليه. بعدها بأيّام دعا المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، همام سعيد الحكومة الأردنيّة، إلى القيام بواجبها وولايتها على المقدسات في القدس الشريف ومواجهة التدنيس الذي تقوم به دولة الاحتلال .
وفي شهر تشرين أوّل/أكتوبر 2012، دعا حزب جبهة العمل الإسلامي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى المبادرة لطلب عقد جلسة طارئة للقمة العربية، مخصصة للبحث في أنجع السبل التي تردع سلطات الاحتلال عن الإمعان في اعتداءاتها، بما في ذلك دعوة مجلس الأمن لبحث هذه التعديات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، وإعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة معها .
وعلى أثر سقوط بعض أشجار المسجد الأقصى المبارك في 7/1/2013، دعا الوزير السابق إسحق الفرحان رئيس ملتقى القدس الثقافي الحكومة الأردنية إلى تشكيل لجنة علمية مستقلة، لفحص عينات منجذور الأشجار التي سقطت في باحات المسجد الأقصى لمعرفة الأسباب وإعلانها على الملأ.
وفي شهر مارس 2013، شارك آلاف الأردنيين في مهرجان "الأقصى في خطر" الذي أقامته الحركة الإسلامية بالقرب من دوار الداخلية بالعاصمة الأردنية عمان. وقد دعا فيه المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن الحكومة إلى اتخاذ موقفٍ حاسمٍ من انتهاكات الاحتلال وأكد عمق الارتباط مع المسجد الأقصى المبارك. 
لكنّ التطوّر الشعبيّ الأبرز الذي شهده العام الماضي في الأردن كان إعلان تأسيس الهيئة الشعبية الأردنية للدفاع عن الأقصى والمقدسات، في مايو 2013. وقد حددت الهيئة أهدافها بالسعي إلى الدفاع عن الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، ومواجهة اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته لتهويدها وتنسيق الجهود وتوحيدها لفضح هذه المخططات وإفشالها .
وفي 3/6/2013، انطلقت حملة "وينك عن الأقصى" المنبثقة عن حملة "أنا أردني والأقصى مسؤوليتي" التابعة لملتقى القدس الثقافي، وذلك ردًّا على الهجمة الشرسة التي تستهدف الأقصى المبارك من قبل قوات الاحتلال من اقتحامات تهدف إلى تقسيم المسجد، واعتداءات على المصلين ومنعهم من دخول المسجد، وتأكيدًا أن الشباب لديهم القدرة على نصرة المسجد الأقصى بما يمتلكون من أدوات مختلفة . كما شهد شهر يونيو 2013 زيارة وفدٍ برلمانيّ أردنيّ للمسجد الأقصى وتنظيم مهرجان تضامني مع مدينة القدس في العاصمة عمّان، تحت رعاية وزير الثقافة الأردني بركات عويجان.
وبالانتقال إلى مصر فقد شهدت العاصمة المصريّة القاهرة في (3/10/2012) مهرجانًا للاحتفال بذكرى التحرير الصلاحيّ للقدس نظمته مؤسسة القدس الدوليّة، وقد حضر المهرجان مجموعةٌ من الشخصيّات الرسميّة المصريّة كمستشار الرئيس للشؤون العربية، ورئيس مجلس الشورى، ومساعدة الرئيس للشؤون السياسية. وحضر كذلك مجموعة من المؤسسات العاملة من أجل فلسطين في مصر من بينها المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، ولجنة القدس في اتحاد الأطباء العرب، والائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين، ومركز الدراسات الفلسطينية في مصر، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وحركة أمناء الأقصى. وإذ أشار خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إلى اعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى واستباحتهم له ومحاولتهم تقسيمه فإنه دعا الدول العربية والإسلامية إلى التحضير لمشروع يستهدف تحرير القدس والمسجد الأقصى . أما مستشار الرئيس محمد مرسي فأكد في الاحتفالية أنه "لا يمكن أن نبيع أو ننسى قضية تحرير القدس التي ضحى من أجلها قادة وشباب المسلمين بالكثير والكثير"، كما أشاد بدفاع الشعب الفلسطيني عن المسجد الأقصى على الرغم من قلة الموارد .
وإثر الاقتحامات والاعتداءات على المصلين التي شهدها المسجد الأقصى في تشرين أوّل/أكتوبر صرّح المرشد العام للإخوان المسلمين، د. محمد بديع، في مصر بأنّ"الجهاد هو السبيل الوحيد لاسترداد القدس والمسجد الأقصى مرة أخرى من يد الإسرائيليين"، داعيًا الأمة الإسلامية إلى الاستنفار وإعلان الجهاد لتحرير بيت المقدس.
وفي شهر مايو 2013، دعت جماعة الإخوان المسلمين في مصر إلى تنظيم مليونية لنصرة القدس في جامع الأزهر وسائر محافظات مصر، وقد شارك عشرات الآلاف في مسيرات منددة باعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى في عددٍ من المدن المصريّة . وقد دعا الشيخ محمد مختار مهدي خطيب الأزهر في ذلك اليوم وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والرئيس العام للجمعية الشرعية المصرية، إلى نصرة المسلمين بالمسجد الأقصى والدفاع عنهم وحماية الأراضي المقدسة باعتبار ذلك واجبًا شرعيًا. كما صرح محمد البلتاجي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، خلال مسيرة القاهرة قائلاً: "إن هذه الفعاليات القائمة بمحيط الأزهر الشريف تؤكد أن الأمة مشغولة باستكمال مسيرة الثورة وبناء المؤسسات، وهذا لن يشغلنا عن مناصرة إخوتنا في القدس".
وبالتزامن مع الذكرى السادسة والأربعين لاحتلال كامل القدس أعلنت مؤسسة القدس الدولية في 29/5/2013 عن إطلاق الحملة العالمية "هي القدس" من القاهرة. وقد طالب رئيس مجلس إدارة المؤسسة، حميد الأحمر، في المؤتمر الصحفي لإعلان الحملة الحكومات العربية والإسلامية والشعوب بـ"إظهار الموقف الحازم في رفضهم لما تتعرض له القدس والأقصى من اعتداءات"، كما دعا إلى تبني "استراتيجية شاملة لتثبيت الوجه الحضاري العربي والإسلامي للقدس، وتثبيت المقدسيين في مدينتهم في مواجهة حملة الاقتلاع التي يتعرضون لها" . وقد أعلنت المؤسسة عن سلسلة فعاليات وزيارات في مصر وغيرها في سياق حملتها، كان من ضمنها زيارة عدد من الأحزاب والهيئات والوزارات المصرية. وتكلّلت فعاليات المؤسسة بزيارة الرئيس مرسي الذي أكد ثبات الموقف المصري من نصرة القضية الفلسطينية، ودعم الشعب الفلسطيني على جميع المستويات، حتى تنتصر قضاياه العادلة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وينال حريته .
أمّا على مستوى التفاعل الشعبيّ مع أوضاع المسجد الأقصى في سائر الدول العربيّة والإسلاميّة، فقد شهد أغسطس 2012 تنظيم مجموعة من التجمعات والمهرجانات الشعبيّة لنصرة الأقصى في كلّ من مدينة بنغازي الليبية ومدينة اسطنبول التركيّة. وفي شهر يناير 2013،  نظمت سفارة دولة فلسطين لدى السنغال مهرجانًا شعبيًّا لنصرة القدس والأقصى في مدينة كولخ، ثاني كبرى المدن السنغالية.
وفي ردّ فعل على الاعتداءات التي شهدها المسجد الأقصى في شهر مايو 2013، أصدرت مجموعة من الهيئات والمنظمات في جنوب أفريقيا بيانًا استنكرت فيه الاعتداءات والاقتحامات التي يتعرّض لها المسجد الأقصى، كما أصدرت قوى وأحزاب وشخصيات لبنانية بيانات مختلفة أدانت فيها الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية في القدس، وشددت على ضرورة دعم الشعب الفلسطيني ومساندته في مواجهة العدوان الإسرائيلي. كما شهد شهر مايو إقامة فعاليّات الأسبوع الثقافي المقدسي في العاصمة العراقيّة بغداد والذي نظمته اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، ضمن إطار فعاليات الاحتفال ببغداد عاصمة للثقافة العربية 2013.
الحدث الشعبيّ الأبرز الذي شهده العام الماضي للتضامن مع القدس والأقصى كان مسيرة القدس العالميّة التي نظّمتها اللجنة الدولية للمسيرة العالمية إلى القدس بالتعاون مع الهيئات والفعاليات المحليّة في أكثر من 40 دولة في 7/6/2013 تحت شعار "شعوب العالم تريد تحرير القدس".
أبرز المسيرات كانت تلك التي شهدتها الأراضي الفلسطينيّة بكاملها في القدس والأراضي المحتلّة عام 1948 والضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وقد اندلعت مواجهات بين المتظاهرين وقوات الاحتلال الإسرائيلي في بلدات الضفة الغربية، أصيب على أثرها العشرات. أمّا في مصر فقد شارك وزيرا الثقافة والرياضة في المسيرة التي انطلقت من مسجد رابعة العدويّة وشارك فيها الآلاف . كما شهد الأردن وتونس وموريتانيا والمغرب، وكذلك اليمن وماليزيا وباكستان وتركيا، مسيرات جماهيريّة للمشاركة في مسيرة القدس العالميّة، هذا بالإضافة لوقفات احتجاجية في عدد كبير من العواصم والمدن الأوروبية والأمريكية، خصوصًا أمام سفارات دولة الاحتلال . 
والله ولي التوفيق


ورقة عمل  لورشة عمل حول القدس على أجنة الشعوب والحكومات من تنظيم مؤسسة القدس الدولية* 















هوامش الفصل الـرابع

2013-10-22 10:58:44 | 1725 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية