التصنيفات » دراسات

كلفة الامن في اسرائيل




 
 

النفقات الامنية وتوصيات لتحديد ميزانية الامن*
بقلم: شموئيل آبن
الجزء الاول (أ)
نفقات الحاجة الامنية في اسرائيل

في هذا الجزء سيتم استعراض مفاهيم وبيانات حول الحاجة الامنية لاسرائيل(حسب تعريفها من قبل مكتب الاحصاء المركزي)، وتتيح هذه البيانات الاجابة على بعض الاسئلة مثل: كم تغيرت الحاجات الامنية؟ وجهد اسرائيل الامني في العقود الاخيرة، وما هو سلم الاولويات ؟ وغير ذلك.
الامن كمنتج
          الامن هو منتج (خدمة) توفرها الدولة لمواطنيها الذين يتطلعون الى حياة آمنة، وذلك عن طريق المنظومة الامنية، التي تتركز مهمتها على تقليص المخاطر الامنية. ويشكل الجيش الاسرائيلي الجسم الرئيسي في هذه المنظومة، ويخضع لوزير الامن عن طريق الحكومة، والى جانب الجيش تعمل جهات امنية حكومية اخرى مثل الشاباك والموساد، الخاضعة لرئيس الحكومة.
          الامن هو منتج عام يستفيد منه جميع المستهلكون (مواطنو الدولة) ويندرج الامن تحت قائمة المنتجات الاستهلاكية الجماعية، وهي المنتجات التي تخدم جميع مواطني الدولة بدون استثناء. الامن هو المنتج الذي تزوده الحكومة فقط، ولا يسمح تجزئته الى وحدات، وفقا للحاجة، لذا لا يمكن التطرق الى ثمن هذه الخدمة، كما ان مستويات الامن في الدولة مختلفة، فالتجمعات السكانية القريبة من الحدود تعاني بشكل اكبر من المخاطر الامنية، لذا فالدولة مطالبة بتقديم خدمات امنية اكبر لها.
مساهمات نفقات الامن في الاقتصاد والامن القومي
المساهمة المباشرة لنفقات الامن
          بشكل عام، الموارد المخصصة للمنظومة الامنية، تؤثر على قدرة الدولة على حماية نفسها في وجه الحروب، الارهاب، والاعمال العدائية، وعلى قدرتها على ردع الاعداء وعلى قدرتها على تقليص امد الحرب وتقليص اضرارها.
          هذا الامر تم الشعور به خلال عملية "الجرف الصامد"، فعلى الرغم من العملية، فقد اختتم الاقتصاد الاسرائيلي العام 2014، بنمو اقتصادي بنسبة 2.6 بالمئة، مقابل 3.2 بالمئة في العام 2013، وهو فرق ليس بالكبير اذا ما قيس بفترة الحرب التي امتدت على مدار 50 يوما من القتال.
          وتجدر الاشارة هنا الى ان القدرة على توفير حياة طبيعية زمن الحرب، هو ذو قيمة اقتصادية كبيرة، حيث يتاح للافراد الوصول الى اماكن العمل ومراكز التسوق، لذا فإن توفير الحياة الطبيعية للسكان زمن الحرب هي مهمة وطنية، من وجهة النظر الاقتصادية ايضا.
مساهمات غير مباشرة للامن على الاقتصاد والمجتمع
          الى جانب المساهة الامنية، يوجد هناك للمنظومة الامنية مساهمة غير مباشرة للاقتصاد والمجتمع : التوطين في المناطق الحدودية، التصنيف الاجتماعي بين فئات المجتمع، خلق فرص متساوية في السلم الاجتماعي، استيعاب المهاجرين، التعليم وغير ذلك. فهذه المساهمات تشكل اضافة مرموقة للامن القومي وفق الفهم العام، وهي لا تؤخذ بالحسبان عند احتساب ميزانية الامن.
نفقات الحاجة الامنية في اسرائيل
          الحاجات الامنية تعتبر بشكل عام نفقات مباشرة للامن في اسرائيل سنويا، اي مجموع نفقات المنظومة الامنية (الجيش، الشاباك، الموساد وغير ذلك). ولا تعتبر النفقات الامنية كمثيلاتها المدنية، فحتى النفقات ذات الطابع الاستثماري (شراء دبابات على سبيل المثال) تعتبر احتياجات، وتشمل ايضا إعداد وتأهيل افراد المنظومة الامنية.
          ووفقا لمعطيات مكتب الاحصاء المركزي (شباط / فبراير 2015) فإن الحاجات الامنية لاسرائيل في العام 2014، وصلت الى 64.4 مليار شيكل، والارقام تشير الى نمو في الحاجات الامنية الاسرائيلية، الا ان معدل النمو كان اقل بكثير بالقياس لمعدل الناتج الاجمالي المحلي.
الجهد الامني وفقا للمفاهيم الاقتصادية
          يتم قياس الجهد الامني للمفاهيم الاقتصادية، وفق مؤشرات كمية نسبية، مثل النسبة بين الحاجة الامنية للانتاج، والنسبة بين الحاجة الامنية للاستهلاك العام، هذه المؤشرات تتطلب نقاشا حول عبء الامن على الاقتصاد، فكلما كانت الحاجات الامنية اقل كان تأثير النفقات الامنية على الاقتصاد اقل. الصورة متشابهة في جميع المؤشرات: فعلى الرغم من الزيادة الحاسمة في نفقات الانتاج، فقد طرأ هبوط لعدة سنوات في الجهد الامني وفقا للمفاهيم الاقتصادية، في العقود الاخيرة، بسبب الزيادة السريعة جدا في المصادر الاقتصادية.
العلاقة بين الحاجة الامنية ومعدل الناتج المجلي الاجمالي
لقد تم تسجيل تراجع في هذا المؤشر منذ الارتفاع التاريخي في سنوات السبعينيات، الى الهبوط التاريخي في العام 2013، فقد وصل المؤشر في العام 2013 الى 5.6 بالمئة مقابل 30 بالمئة في العام 1975. وفي العام 2014 عاد المؤشر الى الارتفاع بالمقارنة مع العام 2013، ووصل الى 5.9 بالمئة، خاصة بسبب عملية الجرف الصامد، وعلى الرغم من هذا التراجع فما زالت اسرائيل تحتل المرتبة الرابعة في العالم .
النسبة بين الحاجة الامنية المحلية والناتج المحلي الاجمالي
          هذا المؤشر يتطرق للحاجة الامنية بدون الاصول العسكرية، وهو بذلك يعكس الجهد الامني للاقتصاد. ومع ذلك، فإن الاتجاه متشابه تماما، وقد وصلت هذه النسبة الى ادنى مستوى لها في العام 2013، حيث بلغت 4.6 بالمئة بعد ان كانت في العام 1975، (15.2 بالمئة) وفي العام 2014 وصلت الى 4.9 بالمئة.
النسبة بين الحاجة الامنية المحلية وبين مجموع الحاجة العامة (بدون الممتلكات العسكرية)
          هذا المؤشر وصل في العام 2014 الى 22.5 بالمئة، مقابل 21.5 بالمئة في العام 2013، في حين كانت النسبة في العام 2000 حوالي 26 بالمئة، مقابل 27 بالمئة في العام 1995.
الحاجة الامنية العامة
          هذا المصطلح يتطرق، حسب مكتب الاحصاء المركزي، الى الكلفة الاقتصادية الكاملة للاقتصاد على النفقات الامنية، والحاجة الامنية الشاملة مركبة، فبالاضافة الى الحاجة الامنية المباشرة، هناك كلفة امنية اضافية على الاقتصاد مثل الكلفة الاقتصادية للجنود النظاميين، والكلفة الاضافية لافراد الاحتياط، نفقات بناء الملاجئ، والنفقات الامنية على المؤسسات المدنية.
ووفقا لمؤشر مكتب الاحصاء المركزي، فقد وصلت الحاجة الامنية العامة في العام 2012 الى 7.0 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي، مقارنة مع 8.9 بالمئة في العام 2006.
كلفة النفقات الامنية
          تقع على كاهل المنظومة الامنية مهمة تحقيق مستوى الامن المطلوب باقل الموارد، بمعنى آخر، تخفيض الضرر الامني قدر الامكان في إطار الميزانية.  
          ووفقا لمؤشر القوة العسكرية على موقع (Global Firepower) فإن اسرائيل تندرج في المركز الـ (11) في العالم. وميزانية الامن في اسرائيل اقل منها في الدول الاخرى، حيث تندرج ايطاليا في المركز 12، والبرازيل في المركز 14، في حين تندرج استراليا في المركز 20.
          وحسب مسؤول القوى البشرية في الجيش الاسرائيلي حجاي طوبلنسكي فإنه في شباط / فبراير من العام 2015 يخدم في الجيش الاسرائيلي 600 الف جندي و400 الف في الاحتياط.
 النفقات الامنية بالنسبة للنفقات المدنية
          فيما يلي نتناول تقسيم الموارد في الدولة ما بين القطاع الامني والقطاع المدني، بواسطة بيانات الحسابات الوطنية التي اعلنها مكتب الاحصاء المركزي.
          ووفقا لبيانات الحسابات الوطنية، بالامكان تقسيم المصادر الاقتصادية في الدولة بين ثلاثة استخدامات: الحاجة المدنية (الخاصة والعامة) الحاجة الامنية، والاستثمارات المدنية (الخاصة والعامة)، والاستثمارات التي من شأنها ان تؤثر على المصادر، واستخداماتها مستقبلا. بيانات الحسابات المركزية تعرض جميع نفقات الاستهلاك والاستثمار التي تمت في الدولة وليس فقط تلك التي تمت في الوزارات الحكومية. هذا التمييز هام جدا، لان المواطن بحاجة الى التعليم، الصحة، الثقافة والاسكان عن المجالس طريق المجالس المحلية ايضا والمؤسسات العامة غير الحكومية، وتحديدا بواسطة القطاع الخاص. وفي المقابل فإن الجمهور بحاجة الى امن عن طريق الميزانية الحكومية فقط. كما ان الحكومة بإمكانها التأثير على توزيع الموارد في القطاع المدني، عن طريق سياسات فرض الضرائب، الحوافز، الحد الادنى للاجور، إطلاق موارد الارض لصالح الجمهور.
          على الحكومة ان تقدم اقصى درجة من الفائدة على المدى البعيد، وذلك عن طريق توزيع مدروس بين هذه القطاعات الثلات: الحاجات المدنية، الحاجة الامنية والاستثمار وهو ما من شأنه ان يقدم حلا لمعضلتين:
أ – كيف يمكن توزيع مجموع المصادر الاقتصادية بين الحاجات الجارية في الحاضر وفي المستقبل، اي بين الحاجات المدنية والامنية، وبين الاستثمار (الحاجات المستقبلية). ولهذا هي تزيد حصة الحاجات الجارية على حساب الاستثمار.
ب –كيف يتم توزيع الموارد المخصصة للحاجات الجارية في الحاضر بين الحاجات الامنية والمدنية، من اجل توفير الردود للحاجات الامنية المتعلقة بتقليص المخاطر الامنية من جهة ومن جهة اخرى توفير الحاجات الاجتماعية – الاقتصادية الذي من شأن تجاهلها ان يعرض للخطر الاستقرار الاقتصادي – الاجتماعي الداخلي.
          بشكل عام، التحليل الكمي يشير الى حصول تغيير في سلم الاولويات الوطني منذ سنوات التسعينيات، موارد اكثر للحاجات المدنية، واقل للامن وللاستثمار.
إجمالي واستنتاجات
          الامن هو منتج (خدمة) اجبارية تقدمها الدولة من خلال تزويدها لمواطنيها بواسطة المؤسسة الامنية، ولكن الجهد الامني في الوقت نفسه يشكل عبئا على الاقتصاد.
          يمكن القول انه ومنذ نحو عقدين من الزمن وربما اكثر من ذلك، فإن عبء الامن تناقص. وذلك في اعقاب تفضيل توزيع الموارد الوطنية على الحاجات المدنية اكثر من الامن.
وهو ما ظهر جليا على الاقل في السنوات الخمس الاخيرة، حيث ان نفقات الامن لم تعد هي المهيمنة على الصعوبات الاقتصادية – الاجتماعية في اسرائيل، كما يمكن الاشارة الى مساهمة القطاع الامني في الاقتصاد والمجتمع (الامر الذي خفف من عبء الامن).
          تحديد موازنة الامن يتطلب تحليلا اقتصاديا حول القدرات الامنية المطلوبة مقابل التهديدات ، فبدون هذا العمل، لا يمكن التوصية بتقليص موازنة الامن لصالح القطاع المدني .
          ولكن في حال زيادة الاستثمار المدني في الدولة، بنسبة واحد بالمئة فقط، فإن ذلك يتطلب تقليص خمسة اضعاف الحاجة الامنية بالعملة المحلية، ومن المشكوك فيه ان هذه النسبة قد تؤدي الى تغيير فعلي على مستوى حياة السكان، او الاستثمار، ولكن تأثيرها السلبي سوف يكون كبيرا جدا على القطاع الامني.
الجزء الثاني (ب)
عناصر النفقات الامنية
والعلاقة مع المفهوم الامني
في الجزء السابق تم عرض بيانات نفقات الامن، وتم نقاش بعض الاسئلة، مثل كم تنفق اسرائيل على الامن؟، وما هي النسبة بين النفاقات الامنية والمدنية؟، وفي هذا الجزء سيكون النقاش نوعيا سيتناول عناصر النفقات الامنية، والعلاقة بينها وبين المفهوم الامني، الذي تعمل بموجبه المؤسسة الامنية.
مصطلحات رئيسية
تصنيع القوة الامنية "العسكرية" – المقصود هنا هيكلية قوات الامن وطرق تفعيلها، وهذا يتم عن طريق القوى البشرية، راس المال، الارض والتكنولوجيا التي تخصصها الدولة لصالح المنظمات العاملة في امن الدولة، وفي مقدمتها، الجيش، الشاباك والموساد.
القدرة الامنية – هي القدرة ذات الطابع العسكري، والمخصصة لمواجهة تحدي معين، مثال القدرة على اعتراض رشقات الصواريخ من غزة طوال شهرين خلال عملية الجرف الصامد، والانتاج الامني في هذه القدرة هو النجاح في اعتراض الصواريخ.
سلة الامن – هي مجموعة القدرات العسكرية للدولة التي تتيح انجاز امني معين، وفقا لموارد معينة. ويشمل قدرة الدولة على الدفاع على ثلاث جبهات في وقت واحد. ومن اجل توفير هذه السلة من القدرات يتوجب توفير ميزانية للامن بمستوى معين على مدار سنوات، وسلة الامن من شأنها ان تربط بين كلفة الامن والانتاج الامني.
مستوى الامن – هي النفقات على الانتاج الامني الذي يخلق سلة الامن، بالاشتراك مع عناصر اخرى تساهم في الامن، مثل الاتفاقيات السياسية، التعاون مع دول اجنبية، ومستوى الامن العالي يتم التعبير عنه في فترات الهدوء الامني الطويلة، والناتجة عن عن عملية ردع الاعداء.
العناصر التي تؤثر على نفقات الامن
اهداف ومهام المؤسسة الامنية
اهداف ومهام المؤسسة الامنية هي :
        أ – الدفاع عن الدولة – السكان، النظام، المناطق الخاضعة لها، الاقتصاد والمصالح.
          ب – إحباط التهديدات لامن الدولة من الراخل والخارج.
          ج – بناء القوات الامنية واعدادها وتفعيلها.
          د – تزويد المعلومات الامنية للحكومة وللمؤسسة الامنية.
          ه – التعاون مع عناصر الامن الاجنبية (من ضمنها السلطة الفلسطينية).
          و – القيام بالمهام الاخرى التي تكلفها بها الحكومة.
التهديدات والمخاطر –
          احد العناصر التي تؤثر على نفقات الامن هي التهديدات المخاطر المحتملة والمتوقع ان تواجهها اسرائيل وهي :
          تهديدات مباشرة – فاسرائيل تواجه تهديد الجماعات الاسلامية المتطرفة التي لا تعترف بحقها في الوجود، وتتطلع الى تدميرها مثل (ايران، حزب الله، حماس، الجهاد الاسلامي الفلسطيني، تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) ومنظمات متطرفة اخرى).
        مخاطر إضافية – لا يمكن للمؤسسة الامنية ان تتجاهل المخاطر الاساسية القادمة من دول معينة، او من السلطة الفلسطينية، وهي المخاطر التي يمكن ان تتمخض عن سيناريوهات مختلفة. فسوريا ولبنان ما زالتا تعتبران اسرائيل عدوا، بالاضافة الى العديد من العناصر الاسلامية التي تسعى للسيطرة فيها.
          ومع ان توقيع مصر واسرائيل لاتفاقيات سلام مع اسرائيل، وفر عليها نفقات امنية، الا ان الدولتين ما زالتا تحتفظان بجيوش كبيرة. كما لا يمكن تجاهل القدرات العسكرية من هنا وهناك التي تتعاظم في المنطقة، والتي في حال سيطرتها على الحكم سوف توجه قوتها هذه نحو اسرائيل. كما ان السلطة الفلسطينية قد تدفع للقيام باعمال عنيفة تحقيقا لمصالحها، وقد تفقد سلطتها لصالح حماس.
          التوقعات والتغييرات في الخطر الامني- وهي الافتراضات المحتمل ان تتحقق والتي من الممكن ان تضاعف الضرر في حال تحقيقها. كأن يحقق العدو قدرة عسكرية ضد اسرائيل، مما يضاعف من تقدير الخطر المتوقع حدوثه نتيجة تحقيق العدو لهذه القدرة. ففي السنوات الاخيرة تزايدت الحوادث الامنية الناتجة عن التغييرات السريعة في المحيط الاستراتيجي لاسرائيل. وهو ما يتطلب تعزيزا اكبر للجيش وزيادة قدراته التي تمكنه من ايجاد الحلول الضرورية في المحيط المتغير.
سباق التسلح – المقصود بذلك، الوضع الذي توجد فيه الاطراف المتخاصمة المزيد والمزيد من الموارد للامن، ولكن مستوى الامن لديها لا يزيد بصورة ملموسة، ومثال صارخ على ذلك سباق التسلح الذي قامت به اسرائيل في مواجهة جيوش مصر وسوريا والاردن، لغاية سنوات السبعينيات، وكذلك التسلح في مواجهة تسلح حزب الله. حيث ضاعف الحزب من اعداد الصواريخ التي يملكها، باضعاف ما كان بحوزته خلال الحرب اللبنانية الثانية في العام 2006، لذا فإن اسرائيل مطالبة للتسلح بالمزيد من كميات المنظومة الدفاعية لاعتراض الصواريخ والقذائف.
استعدادات الحكومة لضريبة المخاطر – بشكل عام يوجد شبه إجماع في اسرائيل، تجاه التهديدات الامنية والحاجات الامنية، كما ان موضوع الامن يحظى دائما بالاولوية لدى جميع الحكومات الاسرائيلية منذ قيام الدولة. ومن الممكن ايجاد بعض الفروقات الطفيفة بين مواقف الحكومات الاسرائيلية بهذا الخصوص.
اسلوب بناء القوة وتفعيلها – بناء القوة وتفعيلها هو من العناصرالمؤثرة جدا على نفقات الامن وذلك وفقا لما يلي:
أ – توفير المال- الجيش الاسرائيلي مزود بأفضل الوسائل القتالية الحديثة والباهظة الثمن في العالم. بسبب عامل الطبيعة الديموغرافية – الكمية الحساس جدا في اسرائيل، فيما يتعلق بحياة الانسان، وبسبب التفوق التكنولوجي والاقتصادي الذي تتمتع به اسرائيل بالنسبة للخصوم، ففي المناطق المأهولة بالسكان، فإن الامر يتطلب معلومات استخبارية وتجهيزات عسكرية خاصة ودقيقة، من اجل التقليل قدر الامكان من ايقاع اصابات في اوساط المدنيين، وهو ما يجعل للمعلومات الاستخبارية والتسليح الدقيقة افضلية كبرى.
ب – رأس المال البشري بمستوى عالي وكميات مرتفعة – امتلاك جيش نوعي يتطلب، موارد كبيرة من القوى البشرية، وايجاد القوة في الموارد البشرية لدى الجيش الاسرائيلي يتم من خلال ثلاثة انظمة: الالزامي، الدائم، الاحتياط، حيث يقوم بين الثلاثة رابط وثيق. استناد الجيش الاسرائيلي على نظام الجيش الدائم والاحتياط يوفر على الجيش كلفة الاحتفاظ بجيش ضخم بشكل دائم. ويشار الى ان هناك رابط بين التوترات الامنية وبين عدد القوى البشرية في الجيش. كما ان نظام التجنيد الالزامي يتيح للجيش اختيار القوى البشرية الاكثر ملائمة.
النقص – مخزون رأس المال العسكري يعاني، من انواع النقص التي تساهم في نفقات الامن. كالنقص المادي، النقص التكنولوجي، النقص العملياتي. نوع آخر من النقص هو التغييرات التي تحصل في جانب العدو، نتيجة استخلاص العبر التي تفرض على المؤسسة الامنية ان تطور اساليب قتالية جديدة، فالكثير من الميزانية الامنية المخصصة لتغطية النقص باشكال متعددة من اجل الحفاظ على مستوى عالي من الامن. كما ان رأس المال البشري  يعاني من النقص في اعقاب فقدان المعرفة، التأهيل وفقدان الخبرة،  (خاصة في اوساط الجيش النظامي) الناتج عن تسريح الجنود وانتقالهم الى جيش الاحتياط. ولهذا فإن قسما كبيرا من اموال الميزانية يتم تخصيصه لتغطية النقص بأنواعه المتعددة من اجل الحفاظ على مستوى عالي من الامن.
المصادر الاقتصادية – النفقات الامنية في اسرائيل تعتمد بشكل اساسي على مصادر دخل الحكومة، والمساعدات الخارجية والتي يتم اغلبها بالعملة الصعبة، المخصصة لشراء المعدات العسكرية من الولايات المتحدة. والمصادر المحدودة في الاقتصاد والحكومة تجعل النفقات الامنية تتنافس مع النفقات المدنية.
السكان ونموذج التجنيد – النفقات الامنية لا تتأثر بالتغييرات السنوية الناتجة عن الزيادة الطبيعية في عدد السكان. وذلك على عكس النفقات اللازمة لتغطية الحاجات المدنية الجماعية والفردية للسكان (التعليم، الصحة، وما شابه) والتي تزداد بإضطراد مع الزيادة في عدد السكان من اجل الحفاظ على نفس المستوى من توفير الخدمات المطلوبة للفرد.
          ومع ذلك، فإنه كلما ازداد عدد السكان، فسوف يكون من الصعب الوفاء بمبدأ المساواة في العبء فيما يتعلق بالخدمة الالزامية والاحتياط، بسبب الصعوبة في استيعاب جميع ابناء الـ 18 عاما وتحقيق نظام احتياط عادل.
          التجنيد الالزامي في اسرائيل هو انتقائي لليهود (خاصة العلمانيين) وللدروز. الزيادة في عدد السكان ومحدودية ميزانية الامن تجعل من التجنيد الالزامي وتجنيد الاحتياط اكثر انتقائية.
          إلغاء التجنيد الالزامي من الممكن ان يحصل فقط في اعقاب الاعتراف بأنه من الممكن التنازل عن نظام الاحتياط الكبير والاكتفاء بجيش دائم نوعي واحتياط صغير نسبيا – وهو امر ليس بالواقعي في ظل الظروف القائمة.
الاعتماد على الولايات المتحدة – اعتماد اسرائيل على الولايات المتحدة، في المجال الاقتصادي والامني، يفسر اساسا بالمساعدة الاميركية لشراء الوسائل القتالية المتطورة، التعاون العسكري، الاتفاقيات لاستخدام السلاح الاميركي المخزون في اسرائيل في اوقات الطوارئ. وتساهم العلاقات الاستراتيجية بين البلدين بشكل كبير في دعم اسرائيل في المجالين العسكري والسياسي، كما ان لها تأثير كبير على كبح العناصر المعادية لاسرائيل.
الاتفاقيات السياسية، التعاون، والترتيبات الامنية – الاتفاقيات السياسية والتعاون مع الدول الاخرى، هي ذات قيمة امنية كبيرة، وتخفف من النفقات الامنية في اسرائيل، كاتفاقية السلام مع مصر في العام 1979، الا انه في المقابل فإن لفشل هذه الاتفاقيات ثمن باهظ ايضا.
نفقات الامن والمفهوم الامني
مفهوم الامن – هو فكرة يمكن تفسيرها على قطاعات واسعة، بدءا من مفهوم الامن بمفهومة الضيق (مفهوم الامن لدى المؤسسة الامنية) وكذلك في مفهوم الامن القومي في نطاقه الواسع، الذي يتعلق تقريبا في جميع مجالات النشاط في الدولة.
مفهوم الامن العسكري – هو مفهوم جانبي جدا بالنسبة لمفهوم الامن، الذي يتطلب من الدولة بناء قدرات امنية وتفعيل المؤسسة الامنية من اجل تحقيق مستوى عالي من الامن، وكل ذلك من خلال احتساب الموارد المتاحة لنا من اموال الضرائب، اموال المساعدات والقوى البشرية بأنواعها، الارض وما شابه.
ومن الممكن ان يؤدي مفهوم الامن العسكري الى تكوين اجراءات بناء القوة.وبشكل عام يوجد عنصرين رئيسيين في هذا المفهوم: الاول – النشاطات لمنع الحرب. والثاني – استخدام القوة حتى تحقيق المطلوب.
مفهوم الامن العسكري التقليدي – هذا المفهوم معروف في اسرائيل في الاساس بناء على عناصره: الردع، الانذار والحسم، ويستند هذ المفهوم كذلك على الترابط المتبادل بين الجيش والاقتصاد. ويعود في اصله الى الايام الاولى لتأسيس الدولة، عندما فكر رئيس الحكومة الاول في اسرائيل ديفيد بن غوريون، حول كيفية اقامة جيش كبير نسبيا مع عدد السكان المحدود، بحيث يكون قادرا على الرد على تهديدات الجيوش العربية. والحل الذي وجده ما زال ساريا حتى الآن والمتمثل بجيش نظامي صغير نسبيا، يعتمد على جيش من جنود الاحتياط الكبير الذي يتم تجنيده في اوقات الطوارئ.
عناص المفهوم الامني الاسرائيلي التقليدي الثلاثة هي :
1 – الردع – والهدف منه منع الحرب المرتبطة بضحايا بشرية كبيرة، وبدمار واسع، وبشلل الاقتصاد، فوفقا لهذا العنصر فإن الدبابة في المخزن تمنح الامن. اي الرقابة الامنية الدقيقة للمؤسسة الامنية في فترات الهدوء.
2 – الانذار – والهدف منه قرع اجراس التحذير للاعلان المسبق عن امكانية نشوب الحرب. لكي يكون هناك الوقت الكافي لتجنيد الاحتياط قبل نشوب الحرب.
2 – الحسم – الهدف منه إنهاء الحرب بسرعة وفقا للشروط التي تناسب المستوى السياسي، وتزيل التهديد القائم، وتجدد عامل الردع، وكذلك تسمح بإنتعاش الاقتصاد، وتعيد الموارد للاقتصاد (خاصة فيما بتعلق بتسريح قوات الاحتياط). والحسم يتم من خلال الهجوم الساحق على العدو في ارضه. ففي حرب الايام الستة تم خلق الحسم بتدمير سلاح الجو للعدو ووقوف الجيش الاسرائيلي على خطوط لوقف النار بعيدة عن العمق الاسرائيلي. وفي حرب اكتوبر تم تحقيق الحسم عن طريق وصول الجيش الاسرائيلي الى قرب العواصم العربية في سوريا ومصر. وفي حرب لبنان الاولى تم تحقيق الحسم عن طريق الوصول الى بيروت وطرد قيادة منظمة التحرير الى تونس.
·       الحماية – لجنة مريدور، والتي تم تعيينها من قبل رئيس الحكومة اريئيل شارون، لدراسة مفهوم الامن اوصت (في نيسان / ابريل 2006) بإضافة عنصر الحماية الى مفهوم الامن.
مفهوم الامن التقليدي، كان هو الامثل في كل ما يتعلق بنسخ مباشر لموارد الاقتصاد للجيش وبالعكس. وهو ما يسمح بإيجاد اقتصاد بنفقات امنية معقولة، وبإيجاد القوة العسكرية المطلوبة. الا انه كان هناك العديد من التقييدات والمخاطر العسكرية والسياسية، التي قيدت المفهوم العسكري التقليدي. ومن بينها الفشل في نظام الردع الحيوي في تجنيد الاحتياط، والخوف من القيام بهجوم استباقي غير مبرر يتم به دفع اثمان سياسية وامنية عالية له.
          يمكن ان يضاف لمنظومة المفاهيم التقليدية لمفهوم الامن، عنصر الاحباط، وهو النشاط المبادر بين الحروب والذي يهدف الى منعها، ولتقليص المخاطر والتقليل من الاضرار عند وقوعها.
مفهوم الامن في الحروب الجديدة – وهو المفهوم الافضل الماثل للعيان الذي تقوم به اسرائيل في قتالها امام حرب العصابات والارهاب، وإطلاق الصواريخ المكثف، كما حصل في حرب لبنان الثانية في العام 2006، والحرب ضد حماس في عمليات الرصاص المصبوب (كانون اول / ديسمبر 2008– كانون ثاني / يناير 2009 ) وعامود السحاب (تشرين ثاني / نوفمبر 2012) والجرف الصامد (تموز / يوليو – آب / اغسطس 2014) .
          محاولة تفسير النشاط الاسرائيلي في هذه العمليات هو محل خلاف وفقا للمفهوم التقليدي، والمقصود هنا مواجهات يكون العنصر المهيمن فيها هو الاستخدام الكثيف للنيران من قبل الاطراف المتقاتلة، بالاضافة الى ان هذه الاحداث تنتهي بدون حسم، ولكن بالتأكيد ليس لعدم قدرة الجيش، بل بسبب ارتفاع كلفتها من الناحية البشرية وكذلك الضرر السياسي الناتج عنها.
          عنصر التحذير في المفهوم الامني للحروب الجديدة، ليس ذو تأثير كبير فيما يتعلق بتجنيد الاحتياط، فالجيش اعتاد على اسلوب التجنيد التدريجي لقوات الاحتياط. ومعدل استدعاء الاحتياط في هذه الحروب هو اقل من تلك التي تشمل احتلال اراضي. جولات المواجهة في الحروب الجديدة تنتهي معظمها بإتقاقيات او تفاهمات غير مكتوبة، بعد ان يوقع الجيش الاسرائيلي اضرارا كبيرة في صفوف المعتدين.
نوع آخر من التهديد هو اعمال الشغب (الانتفاضة)  العنيفة والهجمات الارهابية. فالهجمات الانتحارية في الانتفاضة الثانية تسببت بضرر كبير على اداء الجبهة الداخلية المدنية، وصلت الى حد فقدان النمو الاقتصادي بين سنوات 2000-2001، والرد الاسرائيلي على الانتفاضة تم التعبير عنه من خلال نشاط الجيش الاسرائيلي لاحباط العمليات الارهابية، والذي تمثل بعملية السور الواقي (آذار / مارس – ايار / مايو 2002) في مناطق السلطة الفلسطينية، وفي بناء الجدار العازل في الضفة الغربية.
          الفرق بين الحروب الجديدة والحروب القديمة هو انه في الحروب القديمة كان الجيش الاسرائيلي يعمل بشكل مكثف بواسطة القوات البرية، داخل عمق ارض العدو، وهو الامر الذي لا يحدث في الحروب الجديدة.
وعلى ضوء ما ورد اعلاه، يدور نقاش في اسرائيل حول مسألة هل يتم الاحتفاظ بقوة برية كبيرة تعتمد اساسا على جنود الاحتياط القادرة على الدفاع عن الحدود، وعلى تنفيذ العمليات داخل عمق العدو بعشرات الكيلو مترات من اجل الردع ووقف إطلاق الصواريخ؟.
          فإذا تقرر ان لاحاجة لذلك، وان الجيش سوف يعتمد على قوات النيران الكثيفة وقوة مناورة نوعية ومحدودة، لقوات برية كبيرة، عندها سيكون من الممكن الاكتفاء بمفهوم امني لا يعتمد على قوات الاحتياط، ووفقا لهذا النظام فإنه من الممكن التنازل التدريجي عن نموذج التجنيد الالزامي.
مفهوم الامن المقبول – هو مفهوم الامن الضيق، بالاضافة الى وجهات نظر اجتماعية، اقتصادية، سياسية ترتبط مباشرة بالامن، كقدرة السكان والاقتصاد على الصمود في اوقات الطوارئ، العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، العلاقات السياسية مع الدول العربية والفلسطينيين، اي جميع المواضيع التي تندرج تحت العنوان الكبير – الخارجية والامن – التي تتصرف وفقها الحكومة الاسرائيلية ولجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست. بالاضافة للاتفاقيات السياسية ذات الاهمية الامنية، والتي لها تأثير كبير على النفقات الامنية، (مثل السلام مع مصر، الذي مكن اسرائيل من تقليص النفقات الامنية على هذاه الجبهة).  
  مفهوم الامن بمعناه الواسع- ويشمل مفهوم الامن المقبول، بالاضافة الى عناصر كثيرة، تتعلق بالامن القومي بصورة غير مباشرة، مثل نظام الحكم، العلاقات الخارجية، الاستقرار الاجتماعي، النمو الاقتصادي، الاستقرار المالي، والتطور العلمي.
          والفكرة من وراء ذلك، هي في ان الدولة الديموقراطية القومية الآمنة، هي القادرة في ان تدافع عن نفسها وتحقيق اهدافها القومية، على الاقل بمستوى الدول المتطورة، وذلك في العديد من المجالات، الامن، السياسة الخارجية، المجتمع، الاقتصاد ، الطاقة والعلم.
          على ضوء ذلك، من الضروري الاشارة الى: لماذا يجب ان نأخذ بالحسبان المساهمة غير المباشرة للمؤسسة الامنية في المجتمع والاقتصاد؟ كما ورد في الجزء (أ) وهذا بشكل خاص في اسرائيل، على ضوء مساهمة الجيش غير المباشرة المرتفعة للدولة بالمقارنة مع جيوش العالم.
نقاط الضعف والقوة في خارطة الامن القومي- المؤشرات حول مستوى الامن القومي المرتفعة نسبيا في اسرائيل هي: راس المال البشري، القوة العسكرية، العلاقات مع الولايات المتحدة، القوة الاقتصادية، المستوى التكنولوجي العالي وغير ذلك. ونقطة الضعف في مجال الامن القومي هي التهديدات الامنية والسياسية والمشاكل المتعلقة بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي على المدى البعيد. على سبيل المثال، الفوارق الاجتماعية، ضعف الجهاز التعليمي، وكذلك النمو السريع لفئة من السكان التي تكون مساهمتها ضعيفة نسبيا في الاقتصاد.
يلعب العنصر الاقتصادي دورا هاما في مفهوم الامن بمفهومه الواسع، ومع ذلك توجد هنا مشكلة معينة فيما يتعلق بنفقات الامن، فمن جانب، واجبات الامن الاجبارية، ومن جانب آخر العجز في الموارد المطلوبة للمواضيع الاخرى، مثل التعليم والنمو، التي تؤثر على الامن القومي على المدى البعيد، كما يوجد هناك العديد من الامور، الموجودة في القطاع المدني التي لها علاقة بالمفهوم الضيق للامن، مثل جودة الجهاز التعليمي، التي تؤثر على رأس المال البشري في الجيش، او الفعالية في جباية الضرائب، التي تؤثر على مصادر الميزانية الحكومية ومن بينها ميزانية الامن. 
اجمالي واستنتاجات 
          تستمر اسرائيل بالوقوف لوحدها امام التهديدات والحاجات الامنية الملحة، كما ورد اعلاه، لذلك فهي بحاجة، الى نفقات امنية مرتفعة، وهذا الامر من غير المتوقع ان يتغير في المستقبل المنظور.
          مفهوم الامن له تأثير كبير على نفقات الامن، حتى ولو كان الامر ليس مكتوبا او متفق عليه. وفي هذه الايام في اسرائيل، من الممكن تمييز مفهومين للامن يوجدان جنبا الى جنب، وهما يتطلبان سلة امنية كبيرة. الاول – مفهوم الامن القديم المعتمد على القوى البرية الكبيرة المستندة الى قوات الاحتياط. والثاني – الذي تم تشخيصه في الحروب الاخيرة (2006 -2014) والذي يعتمد اعتمادا كبيرا على الجيش النظامي ويحتاج الى قوات مقلصة نسبيا من الاحتياط.
          ولكل مفهوم من هذين المفهومين يوجد اهمية تتزايد للدفاع عن الجبهة الداخلية المدنية والعسكرية. وعلى ضوء التهديدات، ومحدودية الموارد اللازمة لتحقيق المفهومين اعلاه في سلة امنية واحدة، يتوجب على الجيش الاستمرار في الحفاظ على نموذج التجنيد الاجباري والاعتماد على جيش الاحتياط الكثيف وقوات برية كبيرة. ومع ذلك فإنه من الممكن التخفيف من عبء الخدمة كتقصير مدة الخدمة الالزامية بنصف سنة مثلا، وتفعيل منظومة الاحتياط.
          على ضوء ما تقدم اعلاه، يجب الاعتراف بسلة الامن التي تعطي ردودا على المفهومين، وتخصيص ميزانيات لها وفقا لمداها، او اتخاذ قرارات اخرى، مع الاخذ بالحسبان المخاطر المرتبطة بها، في المستقبل البعيد، ومع احتساب الموارد والتهديدات، من الممكن الانتقال الى نموذج الجيش المهني المتخصص.
            
  
الجزء الثالث (ج)
ميزانية الامن وطريقة تحديدها
يجري في القدس نقاش عام وموسع يتعلق بميزانية الامن: ما هو حجمها المطلوب، كيف يمكن تحديدها، وما الفرق بين التخطيط والواقع، وهل هناك من تأثير لمعادلتها مع الدول الاخرى، هل البيانات الواضحة والشفافة التي يطلع عليها الجمهور كافية، هل هناك رقابة كافية على النفقات، وتحديدا هل الميزانية الامنية يتم تحديدها وفق اجراء سليم،  يأخذ بالحسبان التحديات الامنية والحاجات المدنية.
وهذا الجزء سوف يتناول ميزانية الامن وطريقة تحديدها، بما في ذلك الجدل حولها بين وزارتي المالية والامن.
ميزانية الامن
وفقا لكتاب ميزانية الدولة "ميزانية الامن" في اسرائيل هي ميزانية وزارة الامن. مضافا اليها عدة بنود صغيرة. فميزانية الامن هو التعبير المالي عن خطة العمل السنوية للوزارة، وفي مقدمتها الجيش الاسرائيلي، وميزانية الامن تشمل ميزانيات الاجهزة الامنية (الشاباك والموساد). هيكلة ميزانية الامن لا تشبه هيكلة الحاجات الامنية، على الرغم من تقارب مصادرها من حيث الحجم. وتظهر في كتاب ميزانية الدولة، تصنيفات مختلفة، تؤثر على تخطيط ونقاش ميزانية الامن وهي :
أ‌-     ميزانية الامن الاصلية الصافية – يظهرفي كتاب الميزانية ميزانية الامن الاصلية، بما في ذلك المساعدات الاميركية الاصلية، وتستخدم اساسا لنقاش ميزانية السنة القادمة.
ب‌-           ميزانية الامن الاصلية الاجمالية – وتشمل الميزانية الاصلية الصافية بالاضافة الى "نفقات الدخل المشروطة" وهي التي تعتمد على المساعدات الاميركية الاضافية، وعلى المداخيل المختلفة لوزارة الامن الناتجة عن بيع التجهيزات العسكرية، الاراضي، الخدمات المختلفة وهكذا. وتضاف هذه المداخيل الى مصادر ميزانية الامن الصافية.
ت‌-           الإضافة على الميزانية – وهي الزيادة التي تقدم بشكل عام سنويا، عندما يتبين ان الميزانية الاصلية غير كافية لحاجات الامن، وهي زيادة لمرة واحدة، ولا تدخل في اساس الميزانية عند احتسابها للسنة القادمة.
مشروع ميزانية الامن للعام 2015 (من تشرين ثاني / نوفمبر 2014
          وفقا لمشروع ميزانية الدولة للعام 2015 (من تشرين ثاني / نوفمبر 2014) والتي صادقت عليها الحكومة المنتهية ولايتها، بالقراءة الاولى، بلغت (52.7 مليار شيكل) وميزانية الامن الاجمالية فيها (62.8 مليار شيكل) والمعطى الاخير يمثل 16.5 بالمئة من مجموع مشروع ميزانية الدولة الصافي. وحوالي 5.8 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي، وذلك وفقا لتوقعات وزارة المالية للعام 2015. 
النسبة بين ميزانية الامن الاجمالية للعام 2015 بدون المساعدة الاميركية (49 مليار شيكل) وبين ميزانية الدولة الاجمالية للعام 2015 بدون المساعدة الاميركية وبدون دفعات الديون والفوائد (307 مليار شيكل) هو حوالي 16 بالمئة. فيما ادعت وزارة الامن في كانون اول / ديسمبر انه ينقصها حوالي 5.6 مليار شيكل لنفقات الامن المتوقعة للعام 2015. مشروع الميزانية تم إقراره بالقراءة الاولى في الكنيست المنحلة. وخلال هذا العام ستصادق الحكومة الجديدة على ميزانية جديدة.
ميزانية الامن الفعلية
          جاء في مسودة مشروع ميزانية الدولة للعام 2015 (تشرين اول / اكتوبر 2014)، ان ميزانية الامن الفعلية في العام 2013 بلغت 68.2 مليار شيكل- اي بزيادة قدرها 10 مليار شيكل عن الميزانية المقررة للعام 2013 التي بلغت 58 مليار شيكل. ومع ذلك تبين ان مجموع الاضافات التي تم منحها لوزارة الامن خلال العام 2013 من شأنها ان تؤدي الى ميزانية بمبلغ 62 مليار شيكل فقط، اي اقل بحوالي 6.2 مليار شيكل من الميزانية الفعلية التي اعلنت عنها وزارة المالية.كيف حصل ذلك؟ تبين ان ميزانية الامن الفعلية غير واردة في ميزانية وزارة الجيش المقررة، وان المصطلحين غير متساويين.
عملية تحديد ميزانية الامن
          اعداد ميزانية الامن هو جزء من اعداد ميزانية الدولة. وفي اسرائيل، وعلى ضوء وزن ميزانية الامن في ميزانية الدولة، فان الموافقة على ميزانية الامن تكون في بداية الاجراءات وتعتبر شرطا مسبقا لتقسيم الموارد على الوزارات الاخرى. الا انه فعليا من الصعب رؤية مثل هذه الموافقة المسبقة كما سنرى لاحقا.
          على اية حال فإن حجم ميزانية الامن من الممكن ان يكون نتنيجة التقاء عاملين اثنين. الاول يعمل من الاعلى الى الاسفل، وموضوعه حجم الموارد التي تبدي الحكومة استعدادها لاقتطاعها لوزارة الامن من مصادرها. والعامل الثاني يعمل من الاسفل الى الاعلى وموضوعه الموارد التي تطلبها وزارة الامن من الحكومة.
وفيما يلي الادوار التي يلعبها الشركاء في تحديد ميزانية الامن:
          الحكومة – المسؤولة بشكل جماعي عن إدارة شؤون الدولة وعن امنها، وعليها تخصيص المصادر الاقتصادية لهذا الغرض. مع ان وزير الامن هو المكلف عن الجيش من قبل الحكومة، الا ان رئيس الحكومة هو الشخصية الرئيسية في اتخاذ القرارات. والجزء الاكثر تأثيرا في الاجراء لاقرار الميزانية هو الحوار بين الحكومة وبين المستوى الامني، فعلى الحكومة تحديد الاهداف الامنية المطلوبة وسلم الاولويات، وعلى وزارة الامن عرض طرق تحقيق ذلك والميزانية الضرورية لتحقيقها. واذا تبين خلال السنة ان الميزانية غير كافية بسبب احداث امنية معينة تتلقى وزارة الامن الزيادة المطلوبة. نظريا، المقصود حوادث استثنائية الا ان الامر تحول الى ظاهرة تتكرر كل سنة.
الكنيست – عليها المصادقة على ميزانية الدولة، ومن ضمنها ميزانية الامن، وكذلك التغييرات في الميزانية. ميزانية الامن تناقش في لجنة فرعية بالاشتراك مع لجنة الخارجية والامن واللجنة المالية. وميزانية الموساد والشاباك، يصادق عليها في لجنة فرعية لشؤون الاستخبارات مع لجنة الخارجية والامن.
الوزارات الحكومية – (وزارة الامن، وزارة المالية، مكتب رئيس الحكومة) تساعد الحكومة في اتخاذ القرارات وتطبيقها بموجب القانون. ومع انه قد يكون للمستوى المهني المتخصص من الوزارات الحكومية رأي افضل من تلك في هذه الوزارات ، الا انه يلتزم بقرارات الهيئات المنتخبة من الشعب (الحكومة والكنيست) كما هو متبع في النظام الديموقراطي.
وزارة الامن والجيش الاسرائيلي – عليها عرض خطة العمل والميزانية المطلوبة لتحقيق الاهداف الامنية التي حددتها الحكومة. وعلى الجيش ان يحدد الفجوة بين قدرته وبين مطالب الحكومة. حيث تجري هيئة الاركان ووزارة الامن سنويا تقييما للتهديدات الامنية وطرق مواجهتها. وعلى عكس الوزارت الحكومية المختلفة التي تسيطر على ميزانياتها وزارة المالية، فإن وزارة الامن يحددها سلم الاولويات الداخلي بتخصيص النشاطات الامنية.
وزارة المالية – تساعد  - في مجال مسؤولياتها – الحكومة في تطبيق سياستها. وهي المكلفة بإعداد ميزانية الدولة وتجنيد الموارد لها، وعليها تقع مهمة ادخال ميزانيات الوزارات المختلفة الى إطار ميزانية الدولة والتقدم بالاقتراحات الفعالة.
تأثير الاحداث غير المتوقعة على ميزانية الامن – بالاضافة الى وضع ميزانية الامن الذي يتطلب زيادة كل سنة، يوجد وقائع امنية قد تقع دون ان يكون مخصصا لها ميزانية مسبقة. على سبيل المثال الانتفاضة الثانية، حرب لبنان الثانية، العمليات العسكرية مع قطاع غزة من "الرصاص المصبوب" الى "الجرف الصامد". فبعد كل مواجهة تطرأ زيادة على حجم ميزانية الامن بسبب الكلفة المباشرة للحرب.
الرقابة على ميزانية الامن – في مشروع ميزانية الدولة للعام 2015 اشارت وزارة المالية، الى التحسن الذي طرأ على مجال الرقابة على ميزانية الامن. حيث اشارت ان اجراءات الرقابة تحسنت وتوسعت في السنوات الاخيرة على ايدي عناصر مختلفة في الحكومة سواء من قبل – وزارة المالية، اللجنة الوزارية لشؤون الامن القومي، مراقب الدولة ، او من قبل الكنيست او اللجنة المشتركة لميزانية الامن.
تخطيط الميزانية المتعددة السنوات – ترجمة مفهوم الامن الى اعمال يستوجب تخطيط متعدد السنوات، حيث ان بناء قوة عسكرية وصيانتها هو اجراء طويل ومعقد. فمن اجل توفير الامن فإن الامر يتطلب نفقات امنية تتناسب والعمل الجاري للجيش، وكذلك الاستثمار في راس المال البشري والمادي على مدار السنين. ومن اجل خلق امن فاعل، يجب اعداد خطة متعددة السنوات.
          ومع ذلك، فإن هناك صعوبة في التخطيط لميزانية امن بعيدة المدى. فالحاجات الامنية متعلقة بعوامل خارجية، وعدم يقين اكثر مما في الوزارات الحكومية الاخرى، ولذا من الصعب التخطيط لها. ومع ان الجيش يعمل وفق خطة خمسية، الا ان هناك عناصر تعارض ذلك، بحجة ان تحديد ميزانية الامن للمدى البعيد يقلص هامش المناورة لدى الحكومة في اتخاذ القرارات، وان من شأن ذلك ان يخلق تمييزا تجاه الوزارات الحكومية الاخرى.
الجدل بين وزارتي الامن والمالية حول ميزانية الامن – وفقا لوزارة الامن فإن ميزانية الامن الاصلية لا تكفي حاجات الجيش، مما يتطلب زيادة كل سنة عليها، بدون ربط ذلك بالاحداث الاستثنائية التي تستوجب زيادات خاصة. وفي وزارة الامن يطالبون بإخراج الميزانيات "غير العسكرية" من ميزانية لانها غير مرتبطة بتوفير الامن ، وتقترح وزارة الامن كل سنة في النقاش حول الميزانية بناء قدرة امنية اضافية، وذلك كجزء من تطلع الجيش لتوفير الامن بصورة كبيرة. لذا فإن وزارة الامن تطلب المصادقة على ميزانية امنية متعددة السنوات.
          وفي المقابل فإن وزارة المالية تأخذ على عاتقها مهمة كبح ميزانية الامن والعمل على تقليصها دائما. والانطباع السائد هو ان تدخل وزارة المالية في تحديد ميزانية الامن يتجاوز حدود صلاحياتها حول هذا الموضوع.
          ميزانية الامن هي التعبير المالي لخطة عمل الجيش الاسرائيلي، والتي لا تملك وزارة المالية الوسائل لفحصها. من هنا وطالما ان وزارة المالية لا توجد في صورة هذا الامور، فإنها تركز دائما حول موضوع الاجور والمخصصات، التي هي على إطلاع عليها من الوزارات الاخرى. الجدال بين وزارة المالية والامن من شأنه ان يخلق انطباعا خاطئا حول الرقابة الدقيقة لوزارة المالية على وزارة الامن، مع ان المقصود هو الرقابة المحاسبية فقط، التي لا يوجد لاي جهة اخرى في الدولة، فيما عدا وزارة الامن ، التعمق فيها قبل إقرارها من قبل الحكومة.
اسباب الجدل -  الجدل بين وزارتي المالية والامن هو امر اصبح تقليديا بين الوزارتين القويتين في الحكومة. فوزارة الامن تتحكم الى حد بعيد بميزانيتها، ووزارة المالية تتحكم بلا جدال بجميع بنود ميزانية الدولة الاخرى. ففيما عدا وزارة الامن، فإن باقي الوزارات الحكومية تجد صعوبة في مواجهة قوة وصلاحية وزارة المالية، ولذا لا يوجد مواجهة بينهما.
          سبب آخر للخلاف بين الوزارتين، والذي هو اكثر جوهرية، هو الاختلاف في النظرة والاهداف بين الوزارتين، حيث ترى كل وزارة صالح الدولة من وجهة نظرها. فبالنسبة لوزارة الامن فإن لامن الدولة الافضلية الاولى، لانه مجال عملها، في حين ان وزارة المالية ترى بميزانية الامن عبئا كبيرا على القطاع المدني ومصدرا للعجز في ميزانية الدولة، ولذا فهي تسعى جاهدة للتقليص منها. وعليه فإن الامر يتطلب ان يبلور الطرفان معا الامكانيات المتوفرة لدى الحكومة، من خلال استعراض الامكانيات والمخاطر، والتعاون الوثيق بين الوزارتين.
طريقة إدارة النقاش بين الوزارات –  "النقاش" المتوجب ادارته في الغرف المغلقة يدار علنا، صراحة اوعن طريق التسريبات، عبر استخدام معلومات انتقائية او متحيزة، وبالتأكيد ليس في إطار "ان على الجمهور ان يعلم". الا ان الامر تحول الى صراع، يستهدف كل طرف من وراءه احراج الطرف الآخر، او التشكيك به امام الجمهور والمؤسسة الساسية، وفي نهاية الامر الهدف منه ضغط الجمهور، الذي من شأنه ان يفسر على انه جهد إضافي لفرض وجهة نظر الجانب المهني المتخصص على المستوى السياسي المنتخب. ويشار هنا الى ان مثل هذا النقاش العلني ، لا يوجد في اي دولة اخرى.
الازمة حول ميزانية الامن للعام 2014
          النقاش التقليدي بين وزارتي الامن والمالية حول حجم ميزانية الامن تصاعد في العام 2013. في اعقاب التقليص على ميزانية الامن للعام 2014، حيث اتخذت وزارة الجيش العديد من خطوات التوفير ومن بينها إغلاق وحدات الاحتياط في القوات البرية. حيث اعلن الجيش في العام 2014 عن وقف بعض النشاطات المختلفة، ومن بينها تدريبات جنود الاحتياط وذلك بسبب النقص في الاموال. ومما زاد من حدة النقاش هو كلفة عملية "الجرف الصامد". حيث ادعت وزارة الامن ان الكلفة بلغت حوالي 9 مليار شيكل، في حين وزارة المالية قالت ان كلفتها بلغت 5 مليار فقط. وفي الاخير تم تحديد كلفة بقيمة 7 مليار شيكل.
          وبالاضافة الى كلفة العملية، فالدروس المستفادة من العملية شملت ايضا، ضرورة ايجاد الحل لمشكلة تهديد الانفاق الهجومية ولتعزيز وسائل الحماية للمعدات العسكريةـ كشراء ناقلات جند ومنظومة مضادة للصواريخ المضادة للدروع، ومن اجل تنفيذها فإن الامر يتطلب تمويلا.
          وفي تشرين اول / اكتوبر من العام 2014 اقرت الحكومي زيادة على ميزانية الامن بقيمة 6 مليار شيكل للعام 2015، وعلى الرغم من هذه الزيادة ، نشب نقاش في المجلس الامني المصغر بعد ان كشف وزير الامن ان الزيادة هي لمرة واحدة، وان الزيادة التي وافقت وزارة المالية على تمويلها تم تسجيلها في مشروع قانون الموازنة للعام 2015.
لجان لفحص ميزانية الامن – قامت الحكومة بتشكيل لجان لفحص ميزانية الامن، كنتيجة للخلاف بين الوزارتين حول حجم ميزانية الامن، ونظرا للصعوبة التي واجهتها الحكومة في اتخاذ قرار حول المسألة. وفي منتصف العام 2014 بدأت لجنة عملها من اجل تحديد الخطوط العريضة لميزانية الامن على المدى البعيد.حيث كان القرار بتشكيل هذه اللجنة قد اتخذ في العام 2013 من قبل المجلس الوزاري المصغر نظرا لاستمرار الخلاف بين وزارتي الامن والمالية، ومن المقرر ان تعرض لجنة لوكر توصياتها خلال الاشهر القريبة القادمة، والتي من شأنها ان تؤثر على تحديد ميزانية الامن للعام 2016 وما بعد ذلك.
إجمالي واستنتاجات – في صلب اعداد ميزانية الامن، يوجد النقاش بين وزارتي الامن والمالية . والنقاش ناجم عن عدم وجود توافق بين الطرفين فيما يتعلق بصلاحيتهما. الاشكالية في ان وزارة المالية تطمح دائما الى التقليص من ميزانية الامن بدون ان يوجد لديها وسائل ومسؤولية في مجال الامن.
          الجهد الواجب في مجال تحديد ميزانية الامن، هو في ايجاد اسلوب منتظم، يتم من خلاله تحديد نفقات الامن بعقلانية وحكمة. على ان تأخذ العملية بالحسبان جميع الاحتياجات الامنية وحاجات الجمهور، من خلال ان تأخذ الحكومة على عاتقها مسؤولية المخاطر المحسوبة، وعدم ترك الساحة للخلاف بين وزارتي المالية والامن .
          وبهدف تحديد ميزانية الامن، فإن الامر يتطلب عمل معمق من قبل طاقم متخصص من خلال تقدير تحديد القدرات في مواجهة التهديدات وبعد ذلك تتخذ الحكومة قرارها بناء على سلم الاولويات لديها: حول ما الذي يمكن التنازل عنه وما هي المخاطر التي يمكن اتخاذها. وعلاوة على ذلك، فإنه يتوجب الحفاظ على القدرات التي تستوجب زيادة تدريجية على الميزانية، وفقا للتهديدات والخاضعة لحجم الموارد الاقتصادية.   
الجزء الرابع (د)
نظرة عبر البحار
من اجل عقد مقارنة بين ميزانية الامن في اسرائيل، وبين ميزانيات الامن في دول اخرى، تم اختيار عشرة دول: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، المانيا، ايطاليا، بولندا، روسيا، تركيا، اليابان واستراليا. هذه الدول هي ذات قدرة عسكرية متطورة، واغلبها متطورة وديموقراطية.
تحليل السياسة الامنية ونفقات الامن لاسرائيل وللدول الاخرى التي تم فحصها، يشير الى سلسلة من المؤشرات المؤثرة على حجم الميزانية وطرق تحديدها. هذه المؤشرات تشمل: المصالح الوطنية، التهديدات الامنية، التحالفات بين الدول، حجم الانتاج، اسعار العملات، طريقة الحكم، تركيبة الجهاز السياسي. ومضمون هذه المؤشرات يختلف من دولة الى اخرى.
بشكل عام يوجد صعوبة للمقارنة بين الدول المختلفة في مجال بيانات ميزانية ونفقات الامن، لكون عناصرها ليست دائما واضحة ومن الممكن ايجاد بيانات مختلفة لنفقات الامن في نفس الدولة. بالاضافة الى ان، اسعار العملات، لا تعرض دائما القيم الحقيقية للميزانيات.
وكما رأينا بالنسبة لاسرائيل، فإن الامر كذلك بالنسبة للدول الاخرى، فميزانية وزارات الامن (او الدفاع) ليست متشابهة في تركيبتها في انفاق الحاجات الامنية. اولا لأن وزارات الامن ليست الوحيدة التي تتعاطى مع الامن، وكما هو الحال في اسرائيل فإنه يوجد في الدول الاخرى هيئات امنية اضافية فيما عدا الجيش ووزارة الامن، كالمنظمات الاستخبارية والامنية، التي يتم تخصيص ميزانياتها في اماكن اخرى في إطار ميزانية الدولة وفي العديد من الحالات تكون سرية. كما ان ميزانية وزارات الامن من شأنها ان توجد ميزانيات ليست عسكرية، مثل تقاعد من تسرحوا من الجيش، تأهيل المعاقين، الذين لا يتم شملهم في الحاجات الامنية.
تأكيدات في تحليل بعض الدول
الولايات المتحدة
          الولايات المتحدة هي الدولة الاقوى في العالم ونفقاتها الامنية هي الاعلى. وهذا الوضع نابع من كونها الدولة العظمى الوحيدة في العالم. ففي العام 2013 وصلت النفقات الامنية للولايات المتحدة حوالي 640 مليار دولار (608 مليار دولار لوزارة الدفاع لوحدها) اي ما يعادل 3.8 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي. والرئيس الذي هو القائد الاعلى للجيش، وتوكل له مهمة تشكيل وتحديد ميزانية الامن، ومع ذلك فإن للكونغرس دورا حاسما في المصادقة على تفاصيل الميزانية وبلورتها بشكل نهائي. يستغرق اجراء إعداد الميزانية وإقرارها في الولايات المتحدة حوالي 18 شهرا، وهي لاكثر من سنة واحدة. الاشهر التسعة الاولى تخصص لاعداد الميزانيات من قبل الوزارات الحكومية المختلفة قبل عرضها امام الكونغرس، والاشهر التسعة الاخرى تخصص للنقاش وإحداث التغييرات على مستوى الرئيس والكونغرس.
بريطانيا
          تقدر ميزانية الامن في بريطانيا بحوالي 58 مليار دولار للعام 2013 – وهو ما يعادل 2.3 بالمئة من الناتج الاجمالي المحلي, والميزانية الرسمية لوزارة الدفاع البريطانية للعام المالي 2014- 2015 تبلغ 38 مليار جنيه استرليني – اي 2.3 بالمئة من الناتج الاجمالي المحلي. إعداد الميزانية في بريطانيا شبيه بما في اسرائيل. فالحكومة البريطانية تحول مشروع القانون الى البرلمان البريطاني، وبعد إقرارها من المجلسين تتحول الى قانون يسمح لوزارة المالية بتطبيقه.
فرنسا
          النفقات الامنية لفرنسا تقدر بحوالي 61 مليار دولارللعام 2013 – حوالي 2.2 بالمئة من الناتج الاجمالي المحلي. وبلغت الميزانية الرسمية لوزارة الدفاع الفرنسية للعام 2014 حوالي 42 مليار يورو. وفي العام 2013 تبنت فرنسا خطة ميزانية طويلة الامد لسنوات 2014-2019.
          النظام السياسي في فرنسا يقوم على النظام الرئاسي، والرئيس هو القائد الاعلى للجيش. وعلى الرغم من حجم ميزانية الامن في فرنسا الا انها ليست موضوعا للنقاش العام في فرنسا.  
المانيا
          النفقات الامنية لالمانيا للعام 2013 تم تقديرها بحوالي 49 مليار دولار – حوالي 1.4 بالمئة من الناتج الاجمالي المحلي. وميزانية الامن لسنوات 2014-2015 هي 33.26 مليار يورو.
          المانيا هي جمهورية اتحادية. وتقوم وزارة الدفاع الالمانية ببلورة مشروع قانون ميزانية الامن، وبعد المصادقة عليها بالقراءة الاولى من البرلمان، تحول الى لجنة الميزانية في البرلمان التي تقوم بفحص كل المخصصات وتقرر التغييرات.
ايطاليا
          النفقات الامنية لايطاليا تم تقديرها بحوالي 33 مليار دولار للعام 2013- حوالي 1.6 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي. والنظام السياسي في ايطاليا هو نظام جمهوري يقف على رأس الهرم فيه الرئيس، ومنصب الرئيس ليس تنفيذيا، ولكن من صلاحياته فرض اشخاص لدى تشكيل الحكومة، التي يتولى رئيسها السلطات التنفيذية.
          دائرة اعداد الميزانية في ايطاليا تبدأ داخل الحكومة، ثم الى لجنة تنسيق التمويل العام، الى البرلمان ومجلس الشيوخ.
بولندا
          النفقات الامنية لبولندا قدرت في العام 2013 بحوالي 9.3 مليار دولار – وهو ما يعادل 1.8 بالمئة من الناتج المحلي. وميزانية الامن لبولندا للعام 2014 وصلت الى 10.5 مليار دولار. 
بولندا هي جمهورية برلمانية عضو في حلف شمال الاطلسي. ووفقا للقانون البولندي فإن وزير الدفاع هو الممثل الرئيسي للسلطة التنفيذية حول شؤون الدفاع الوطني. وميزانية الدفاع هي جزء من الميزانية الوطنية لبولندا، ووفقا للدستور البولندي يعرض مجلس الوزراء على البرلمان مسودة الميزانية، ويتبنى البرلمان الميزانية للسنة المالية . ومن حق مجلس الشيوخ ان يقدم تعديلات على الميزانية خلال 20 يوم، وبعد توقيع الرئيس عليها بعد عرضها عليه خلال 7 ايام من اعداد التعديلات، يتم الاعلان عنها رسميا.
تركيا
          النفقات الامنية لتركيا قدرت بحوالي 19 مليار دولار في العام 2013، وهو ما يمثل 2.3بالمئة من الناتج الاجمالي المحلي. اما ميزانية الامن للعام 2014 فقد بلغت حوالي 15.6 مليار دولار.
          تركيا نظامها السياسي برلماني في طريقه للتحول الى نظام رئاسي. ووزارة الدفاع مكلفة بامن البلاد ويخضع اليها الجيش والمنظمات الامنية الاخرى، والذي يشرف عليها جميعا مجلس الامن القومي.
          اعداد الميزانية في تركيا يبدأ بدعوة رسمية من رئيس الحكومة، ومن ثم يتم صياغتها من قبل الوزارات المختلفة، ومن ثم تحول الى (وزارة المالية، البنك المركزي ومكتب رئيس الوزراء). وبعد نقاشها يتم التوقيع في شهر تشرين اول / اكتوبر على مشروع الميزانية، بعد ذلك نقاشها داخل البرلمان لمدة 55 يوما لتتم المصادقة الحكومة عليها بعد ذلك.
روسيا
          النفقات الامنية في روسيا بلغت في العام 2013 حوالي 88 مليار دولار، وهو ما يعادل 4.1 بالمئة من الناتج الاجمالي المحلي. اما ميزانية الامن الرسمية الروسية للعام 2014 فقد بلغت حوالي 69.3 مليار دولار.
          النظام السياسي يتركز بيد الرئيس، الذي هو القائد الاعلى للجيش ولباقي المنظمات الامنية في البلاد. يتم تحديد ميزانية الامن في روسيا كجزء من الميزانية العامة، وتصبح الميزانية قانونا بعد اقرارها من قبل البرلمان والرئيس . ويلعب الرئيس والادارة الرئاسية دورا في تحديد الميزانية في روسيا.
اليابان
          النفقات الامنية اليابانية للعام 2013 تم تقديرها بحوالي 49 مليار دولار – اي ما يعادل 1 بالمئة من الناتج الاجمالي المحلي. اما ميزانية الامن اليابانية الرسمية للعام 2014 فكانت 45.5 مليار دولار.
اليابان هي امبراطورية دستورية يقف على رأسها الامبراطور. فيما يشكل رئيس الوزراء رئيس السلطة التنفيذية في البلاد. ووزارة الدفاع هي المسؤولة عن الجيش، وعن قوات الامن الاخرى.
          ميزانية الامن في اليابان تنبع من المفهوم الامني الياباني. وحجمها محدود وفقا للالتزامات اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية بعدم إقامة جيش كبير بإمكانه العمل خارج الحدود. وتشكل الميزانية الامنية جزءا من ميزانية الدولة العامة. وتبدأ اجراءاتها في حزيران / يونيو من العام وتنتهي بالقراءة الاولى في الاول من شهر نيسان / ابريل. بحيث تبدأ في الحكومة ومن ثم في الوزارات المختلفة ومن ثم نقاشها في وزارة المالية مع كامل الوزارات على مدار اسبوع وبعد الاتفاق يتم تمريرها الى البرلمان لنقاشها ومن ثم المصادقة عليها لتصبح رسمية.
استراليا
          تقدر النفقات الامنية في استراليا للعام 2013 بحوالي 24 مليار دولار – اي حوالي 1.6 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي.
          استراليا هي فيدرالية مكونة من 6 دول واقليمين. والنظام السياسي فيها هو برلماني، ورئيس الوزراء هو رئيس السلطة التنفيذية.
          حجم الميزانية هو من صلاحية الحكومة. ويتم إقتراح إطار الميزانية من قبل مكتب رئيس الحكومة ووزارة المالية ووزارة النقد، وعلى لجنة لفحص النفقات الحكومية ان تقرر الاهداف والاستراتيجيات الكبرى برئاسة رئيس الحكومة. وبعد ذلك تعرض على البرلمان حيث تقرر لجنة التقديرات فيه اقرارها . 
العناصر التي تحدد النفقات الامنية في الدول الاخرى بالمقارنة مع اسرائيل
·       المصالح القومية ومفهوم الامن – في اسرائيل وفي دول اخرى، فإن الدفاع عن الدولة ومواطنيها هو الهدف الاول الاسمى، الا انه في دول اخرى يوجد هناك اهداف اخرى.  والاولى من بين هذه الدول هي الولايات المتحدة، التي تشمل مصالحها، تأمين التجارة والممرات الملاحية الدولية والاجواء. اما في اسرائيل فهى لا ترى بنفسها تعمل في الاماكن البعيدة. والاستثناء في ذلك هو ذراعها الطويلة ضد الارهاب والتهديدات غير التقليدية.
·       التهديدات وتبعاتها – تقدير التهديدات هو العنصر الرئيسي للنفقات الامنية في الدول المختلفة، ومن بينها اسرائيل.
·       نموذج الخدمة العسكرية – على العكس من اسرائيل، فإن معظم الجيوش في الدول التي تم ذكرها بهذا الملخص تعتمد على الجنود النظاميين، وكذلك على مخزون من جنود الاحتياط، الصغير نسبيا، بالمقارنة مع اسرائيل.
·       التعاون والتحالفات الدفاعية – وهي عناصر رئيسية في المفهوم الامني للعديد من الدول. بشكل عام فإن التحالفات تسمح لكل مجتمع منها التقليل من الجهود الامنية بسبب الدعم الذي تلقاه من حلفائها.كما هو الحال لدى معظم دول الناتو. في حين ان اسرائيل ليست عضوا في حلف امني، وعليه فهي تتحمل العبء الامني لوحدها.
·       الموارد الخاضعة لخدمة الدولة – الناتج الجمالي المحلي والمصادر المالية للحكومة هي ذات تأثير كبير على حجم ميزانية الامن. فالدول التي يوجد فيها الناتج الاجمالي المحلي مرتفعا، بإمكانها ان تتحمل ميزانية امنية كبيرة بجهد خفيف.
·       الحاجات القومية الاخرى – في الوقت الذي تزيد التهديدات الامنية النفقات الامنية، فإن هناك عناصر اخرى تخفف منها. فعلى سبيل المثال فإن التحديات الامنية – الاجتماعية في اوروبا حاليا تشكل تهديدا على الامن القومي لهذه الدول اكثر من التهديدات العسكرية، وتتطلب ميزانيات اكبر للقطاع المدني.
·       الاستعدادات لتحمل المخاطر الامنية – المقصود استعداد الحكومة او الرئيس لاتخاذ القرارات المحسوبة التي توفر الرد على المخاطر الامنية. في الدول التي تم ذكرها في هذا الملخص، فإن المعضلة لديها اقل مما لاسرائيل على ضوء الفارق بالتهديدات الامنية الملحة.
·       طريقة تحديد ميزانية الامن في الدول الاخرى – طريقة الحكم وطبيعة النظام السياسي تؤثر بشكل دقيق على طرقة تحديد الميزانية، وادارتها والرقابة عليها، سواء في اسرائيل او في الدول الاخرى. في جميع الدول فإن ميزانية الامن هي مركب من مركبات الميزانية العامة للدولة، ويتم تحديدها وتدار كجزء منها. في بعض الدول كالولايات المتحدة فإن عملية إعداد الميزانية طويلة ومراقبة اكثر مما في اسرائيل. بالاضافة الى وجود فرق آخر وهو وجود خطط لسنوات متعددة لوزارة الدفاع الامر غير الموجود في اسرائيل. كما انه يوجد هيئات متخصصة ومهنية من داخل البرلمان في بعض الدول تساعد البرلمانيين وهو غير موجود في اسرائيل ايضا.
إجمالي واستنتاجات
          توجد اسرائيل على رأس قائمة الدول في كل ما يتعلق بالجهد الامني. ولاسرائيل ايضا اهداف امنية محاذية لحدودها، على عكس الدول الاخرى التي تعمل بعيدا عن اراضيها، مثل الولايات المتحدة، بريطانيا ، فرنسا وروسيا.
النفقات الامنية لاسرائيل هي اقل من 9 من بين الدول الاخرى التي تم استعراضها، على الرغم من انها تتعرض لتهديدات اخطر مما تعرض له هذه الدول. بالاضافة الى ذلك، فإن الوضع الاقتصادي لاسرائيل هو افضل من وضع العديد من الدول على الرغم من الجهد الامني الاستثنائي لها. 
في العديد من الدول، تم إهمال التجنيد الالزامي، او انها تتبع تجنيدا إلزاميا لفترة قصيرة، وجيش الاحتياط لديها كبير ويتم تمويله بصورة اقل (بالنسبة للجيش النظامي ) مما هو في اسرائيل .
في دول اخرى من التي تمت دراستها يوجد خطط متعددة السنوات، في حين انه لا يوجد للجيش الاسرائيلي خطط لعدة سنوات سارية المفعول.
النقاشات العلنية بين الجهات المتخصصة لوزارة المالية والامن في اسرائيل حول حجم ميزانية الامن، غير معروفة في الدول الاخرى. ومن المفضل ان تمتنع اسرائيل عنها وان تشجع النقاش بين الاطراف داخل الغرف المغلقة. 
الجزء الخامس (ه)
توصيات لاسرائيل
بعد تحليل ميزانية الامن لاسرائيل وطريقة اعدادها، وبعد المقارنة مع الدول الاخرى، فيما يلي التوصيات الاساسية للحكومة التي تتعلق بتحديد ميزانية الامن في دولة اسرائيل.
التوصية رقم 1. العمل على تحسين شامل لطريقة بلورة وادارة ميزانية الدولة، والتي تعتبر ميزانية الامن جزء لا يتجزأ منها.
نماذج لتطبيق هذه التوصية :
أ – مناقشة ميزانية الوزارات المختلفة بطريقة مناسبة اكثر. هذا العمل متوجب على ضوء حقيقة ان نفقات الامن تحظى بإلاهتمام الاكبر، في حين ان اساس النفقات العامة هي مدنية.
ب- تحديد نقطة التوزيع بين ميزانية الامن والميزانيات المدنية، من خلال الفهم العميق والمناسب لكامل اهداف الدولة، سلم الاولويات الوطني، الحاجات الامنية والاجتماعية حاضرا ومستقبلا، وكذلك العلاقة الاجمالية بين مختلف العناصر. ومن المفضل تحديد وقت اطول منذ بداية العملية لنقاش وبلورة التعليمات التي تقدمها الحكومة للوزارات. ولهذا الغرض يتوجب ايجاد جهاز مهني متخصص داعم لهذا الغرض. ومثل هذا الاجراء من شأنه ان يقلص الخلافات عند المصادقة على ميزانية الدولة.
التوصية رقم 2. التعريف الدقيق لمهام المشاركين في إعداد ميزانية الامن
كل طرف من الاطراف المشاركة في إعداد ميزانية الامن هو صاحب دور :
أ – الحكومة مسؤولة عن تحديد ميزانية الدولة، وبضمنها ميزانية الامن. ميزانية الامن يجب ان تراعي مستوى المخاطر الامنية، والحاجات الامنية الاخرى. وهذه ليست مهمة وزارة الامن وبالتأكيد ليس وزارة المالية، بل هي مهمة الحكومة بكاملها.
ب – المؤسسة الامنية مسؤولة عن عرض البيانات، التقديرات، الاقتراحات والبدائل امام الحكومة، من خلال تفصيل كامل لسلم الاولويات.المؤسسة الامنية لا تلم بكامل الصورة حول مداخيل الدولة وحاجات مواطنيها، لذا عليها تقبل إمكانية عدم الموافقة على بعض من مطالبها.
ج – وزارة المالية بدورها ان تكون مسؤولة عن التركيز على إعداد ميزانية الدولة، وتقدير مدخولاتها وعرض تأثير العجز في الميزانية ومراقبة تطبيقها. والوزارة ليست مسؤولة عن حجم ميزانية الامن ومركباتها. وعلى الطاقم المتخصص في الوزارة ان يميز بين مسؤوليته المهنية وبين معرفته بتوزيع موارد الدولة، الذي هو شأن سياسي.
د – هيئة الامن القومي. اقتراح بان يقوم مجلس الامن القومي بمهمة التركيز على إعداد النقاش حول ميزانية المؤسسة الامنية استعدادا لعرضها على امام الحكومة.
ه – الكنيست، اقتراح بزيادة القدرات المهنية للجان ذات العلاقة بالرقابة على اعداد الميزانية وتطبيقها.
التوصية رقم 3. الامتناع عن النقاشات العلنية بين المستويات المتخصصة لوزارتي الامن والمالية .
مثل هذه النقاشات، بالاضافة الى التسريبات الى وسائل الاعلام، غير مألوفة في الدول الاخرى وتتسبب بضرر كبير للحكم في اسرائيل، وللمؤسسة الامنية ولوزارة المالية. ومع ذلك يجب تشجيع التعددية والانتقاد في النقاشات الداخلية. ومع ذلك يمكن تزويد الجمهور ببيانات معتمدة لغرض النقاش العام المعمق حول الميزانية، ضمن حدود امن المعلومة.
التوصية رقم 4. خلق صلة وثيقة بين نقاش الموازنة وبين مضمونها – ولتخصيص الموارد بنجاعة لصالح القدرة الامنية لاسرائيل .
          المقصود من هذه التوصية هو:
أ -   نقاش الميزانية في المؤسسة الامنية (الحاجات الامنية) من خلال النظر الى تعاظم القوة العسكرية لاسرائيل. وبهذا الصدد يجب عدم التطلع الى الجيش فقط، بل الى جميع المنظمات الامنية الحكومية: الجيش، الشاباك، الموساد وغيرها.
ب- الامتناع عن عرض مشترك لوزارة الامن ووزارة الامن الداخلي (الموجودة حاليا في ميزانية الدولة)، وكأن الحديث يدور عن سلة امنية لاسرائيل. فميزانية الامن الداخلي تشمل ميزانيات ذات طابع اجتماعي، كالسلامة على الطرق، محاربة الجريمة والحرب ضد المخدرات والكحول وغير ذلك.
ج – اعتبار ميزانية الجيش داخل ميزانية وزارة الامن لضرورة  نقاش نشاطات وتعاظم قوات الجيش. 
د – النقاش المنفرد للميزانيات غير العسكرية في وزارة الامن – ميزانيات التقاعد وميزانية تأهيل ودعم عائلات قتلى الجيش – وفقا لاعتبارات ذات الصلة.
التوصية رقم  5. تحديد لغة ومنهج متفق عليهما لبلورة ميزانية الامن ولارسائها في الادارة 
          لغرض تطبيق التوصية هذه يجب العمل وفق ما يلي :
 أ – تحديد لغة مشتركة مكتوبة لادارة العمل. ويجب الحرص على تحديد مصطلحات واضحة. وقاعدة بيانات متفق عليها لنقاش الميزانية. وكذلك يجب تبسيط عرض ميزانية الامن في ميزانية الدولة .
ب – تعريف تصنيفات لتحديد ميزانية الامن. على سبيل المثال، انه يجب تحديد ان الحكومة تستند في قراراتها على تقدير وضع المخاطر الامنية والطرق الفاعلة لحلها.
ج – اختيار مؤشرات متفق عليها ومتتابعة لعرض الثمن النسبي للامن لضرورة نقاش ميزانية الدولة. كقياس النسبة بين ميزانية الامن المحلية الصافية وبين احد العناصر التالية: الانتاج، مجموع ميزانية الدولة وميزانية الدولة الحرة. وان تقوم المالية بعرض هذه المؤشرات امام الحكومة.
د – الامتناع عن تحديد صيغة محددة لتحديد حجم ميزانية الامن على المدى البعيد. فالميزانية بحاجة الى تقييم للوضع المستند على التغييرات الكثيرة التي تؤثر على نفقات الامن، مثل المحيط الامني الصعب للتبنؤ على المدى البعيد.
ه – الامتناع عن المقارنة مع الدول المتطورة الاخرى. فوضعها الامني يختلف عما في اسرائيل سواء من حيث مستوى التهديدات، او بسبب عضويتها في الاحلاف العسكرية.
التوصية رقم 6 . نقاش مفهوم الامن ومهام الامن وعلاقتهما بالاقتصاد.
          في إطار هذه التوصية يجب نقاش مهام قوات الامن، وبشكل خاص مستقبل القوات البرية. ويجب التحذير من الاستمرار في تآكل هذه القوات وبقدراتها بناء على ضغوطات الميزانية الجارية، وليس وفقا قرارات مهنية وادارة للمخاطر على المدى البعيد.
التوصية رقم 7. عرض سلال الامن المختلفة كوسائل لاتخاذ قرارات الحكومة.
          في هذا الاطار:
أ – على المؤسسة الامنية ورئاسة الاركان ان تعرضا على الحكومة البدائل لمستوى ميزانية الامن المطلوبة عن طريق سلال الامن الممكنة (على سبيل المثال ضرب المواقع النووية الايرانية، القدرة على إدارة المعركة مع حزب الله وحماس في آن واحد). فيجب ان يتم الايضاح بان كل سلة امنية ان تعطي الرد الكامل اوالرد الجزئي، او انه لا تعطي هذا الرد اطلاقا، وما هي كلفته  كل سنة.
ب – تختار الحكومة السلة الامنية المناسبة وفقا لسلم اولوياتها. وذلك إنطلاقا من فهمها لحاجات الامن واستعدادها لتحمل عبء المخاطر. فهذا الاسلوب يفرض على الحكومة ليس فقط تحديد حجم الميزانية بل ايضا مضمونها.
ج – نقاش معمق تجاه مكونات الميزانية الامنية بهذا الاسلوب يتوجب ان يكون ولو مرة في السنوات الثلاث، على عكس ما هو حاصل حاليا.
التوصية رقم 8 . العودة الى التخطيط بعيد المدى.
التخطيط على المدى البعيد يجب ان يشمل: 
أ – إعداد وتعديل خطة متعددة السنوات تعتمد على مهوم واضح للامن. القدرة على التخطيط على المدى البعيد بسبب التغييرات الجيو سياسية في المنطقة والتطورات التكنولوجية السريعة في العالم.
ب – فحص إمكانية الانتقال لمرحلة انتقالية من ثلاث سنوات ( بدلا من الخطة الخمسية التي لم تصادق عليها الكنيست). فمن اجل منح صانعي القرارات المزيد من الليونة يتم ترتيب القرارات حسب سلم الاولويات لملائمة الحاجات بالموارد.
التوصية رقم 9. تحديد ميزانية واقعية سلفا لتقليص الحاجة الى المطالبة بزيادة على ميزانية الامن خلال العام.
          يجب ان يتم سلفا تقدير وتعريف ما هي الظروف التي يستوجب ان يحصل فيها الجيش على زيادة في الميزانية. كما انه من المفضل ان تشمل ميزانية الدولة ميزانيات احتياطية تقلص الحاجة الى فتح ميزانية الدولة مجددا خلال السنة المالية على كل حادث امني كبير.
التوصية رقم 10 . تحسين النقاش بتبسيطها وتنفيذها
          التوصية لاتخاذ خطوات في مجال الفعالية تشمل الخطوات التالية: 
أ – الفصل بين النقاش حول حسم الميزانية وبين التبسيط بخصوصها. فالتبسيط لا يتطلب الحسم، بل اجراءات من التخطيط، وضع الاهداف، التنفيذ والرقابة، التي يجب القيام بها باسلوب مهني وممنهج.
ب – زيادة التعاون بين المؤسسة الامنية. ويجب الالتزام بالتعاون بين المنظمات الامنية المختلفة في اسرائيل والتنسيق بين خطط عملها.
ج – زيادة التعاون الامني قدر الامكان مع الدول الاخرى. فمن الممكن توفير بعض الموارد من خلال هذا التعاون في مواجهة التهديدات المشتركة. كما تفعل ذلك دول اخرى.
د – اتباع اجراءات تبسيطية في القطاع المدني بأكمله. فالقطاع الامني يعادل جزءا صغيرا من القطاع المدني .
التوصية رقم 11 . الاخذ بالحسبان كلفة العمليات والحروب
          في هذا المجال نعاود التأكيد:
أ – على المستوى السياسي ان يأخذ بالحسبان لدى اتخاذه القرارات حول العمليات العسكرية او الحرب، الكلفة المباشرة وغير المباشرة للاقتصاد وللسكان في المستقبل.
ب – عملية واسعة ليس بالامر الاستثنائي او المفاجئة في الواقع الامني الحالي لاسرائيل، وعليه يجب الاخذ بعين الاعتبار زيادة حجم الاحتياطي في الميزانية للاحداث الاستثنائية في الجبهة الداخلية.
التوصية رقم 12 . رؤية النظرة الاجتماعية – الاقتصادية بالعلاقة لميزانية الامن
          هذه التوصية تستوجب تفحص القضايا ذات العلاقة بالقطاع الاجتماعي الاقتصادي في دولة اسرائيل، ومنها :
أ -  فحص مدى مساهمة المؤسسة الامنية للاقتصاد وللمجتمع في اسرائيل: التعليم، التكامل، المبادرات، المساواة في الفرص، التكنولوجيا، التشغيل، النمو وغير ذلك. هذه القنوات المباشرة تقلل من عبء ميزانية الامن على الاقتصاد.
ب – فحص ميزانية الامن ومسألة المساواة في العبء. فاسرائيل تعتبر سلبية جدا فيما يتعلق بالمسواة في العبء بالمقارنة مع دول العالم، بخصوص الخدمة العسكرية.
ج - فحص مدى تأثير التغييرات في ميزانية الامن على السكان في مناطق التماس ومدن التطوير. ففي هذا المجال يجب فحص مدى تأثير الميزانية على التطوير والتشغيل في الضواحي، وكذلك مستوى الامن الموفر للسكان في مناطق التماس، الذين يعانون من مستوى امني منخفض بالنسبة لسكان المركز.
*      *


*مركز بحوث الامن القومي، جامعة تل أبيب، نيسان 2015.
 
 
 
 



2015-06-22 12:45:27 | 12854 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية