التصنيفات » ندوات

التحولات الدولية والإقليمية وأثرها على القضية الفلسطينية




ملخص الندوة السياسية الدورية:

التحولات الدولية والإقليمية وأثرها على القضية الفلسطينية

(العميد وليد سكّرية)

 

عقِدت في مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية، بتاريخ 13/1/2016، ندوة سياسية حاضر فيها النائب والعميد المتقاعد وليد سكّرية، حول تأثير الصراعات الدولية والنزاعات الإقليمية المحتدمة على القضية الفلسطينية.

بعد تقديم من مدير مركز باحث الأستاذ وليد محمد علي، بدأ العميد سكّرية محاضرته بإطلالة عامة على الصراع الدولي المستمر بوتائر وأشكال مختلفة بين الأقطاب الأقوياء، وخاصة بين روسيا ـ وريثة الاتحاد السوفياتي السابق، وبين الولايات المتحدة الأميركية، على الموارد والثروات ومناطق النفوذ في العالم، والذي انعكس وينعكس على مختلف قضايا المنطقة، وبالأخص منها قضية فلسطين التي يعاني شعبها من الاحتلال والتشريد والقتل منذ عقود، والذي لحقت به خلال السنوات الأخيرة العديد من شعوب المنطقة، بفعل ما سُمّي ثورات (الربيع العربي)!


 



وشرح المحاضِر تطوّر الصراع بين القطبين الأقوى، في مرحلة الحرب الباردة التي نشأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث هدف كلّ قطب إلى تحقيق أهدافه الاستراتيجية على مستوى العالم، من خلال تأمين الردع النووي للخصم أو استنزافه في حروب هنا وهناك، أو من خلال الأحلاف العسكرية والاقتصادية الكبرى، بهدف إخضاع هذا الخصم أو دفعه للتراجع.

ومن المسائل التي اعتمدها هذان القطبان: تعظيم القوى البحرية وتفعيل قوات التدخل السريع وإقامة قواعد عسكرية كبرى في مناطق بعيدة، وصولاً إلى إنشاء منظومات صاروخية أو منظومات ضدّ الصواريخ العابرة للقارات ونشوء ما سمّي حرب النجوم.

لكن استنزاف الولايات المتحدة عسكرياً وبشرياً واقتصادياً من خلال حربي أفغانستان والعراق بالخصوص، وقبلها حرب فيتنام، قابله استنزاف الاتحاد السوفياتي عسكرياً في أفغانستان (1979 ـ 1989) واقتصادياً ومالياً داخل عقر داره، ما أدّى إلى انهيار الاتحاد السوفياتي وإلى محاولة أميركا تزعّم العالم باعتبارها القطب الأوحد الذي يجب على الجميع الخضوع له والتمثل به على كافة المستويات!

في هذا السياق كانت لأوروبا أدوار مؤثّرة لصالح تغليب القوّة الأميركية الطاغية على القطب السوفياتي، لاعتبارات أمنية واقتصادية وإيديولوجية عديدة، بعد محاولاتها الفاشلة للاستقلال عنها.

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي سعى الأميركيون لتوسيع نفوذهم على حسابه في شرق أوروبا وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وصولاً إلى دول القارّة الآسيوية... وهم نجحوا في مناطق وأخفقوا في أخرى، مثل محاولة تشكيل ما سمّوه (الشرق الأوسط الكبير) الذي يعني تسيّد حليفتهم «إسرائيل» فيه بشكل كامل، وذلك بفعل المقاومة العسكرية والسياسية والشعبية لهذا المشروع، في لبنان وفلسطين وسوريا وصولاً إلى إيران، بموازاة تعنت صهيوني في رفض تقديم تنازلات جوهرية لإنجاح مسار تسوية سياسي في المنطقة يؤمّن نجاح مشروع الشرق الأوسط الكبير، والذي يمتدّ من الصين إلى موريتانيا (يشمل العالم الإسلامي كلّه ما عدا إندونيسيا وماليزيا)، والذي يرتكز على أسس أمنية واقتصادية تصبّ في خدمة الأهداف الأميركية الكبرى على المستويين الإقليمي والدولي.



 



أما عن موقع أوروبا في هذا الصراع، فتحدث العميد سكّرية عن رؤية أوروبية بشأن العالم العربي باعتباره مجالاً حيوياً لأوروبا، وبالأخص فيه فلسطين التي تشكّل ـ كدولة عربية وإسلامية قوية ـ تهديداً للأمن الأوروبي؛ من هنا كان الدور البريطاني الأساسي (والغربي عموماً) في إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية.

وبعد إشارته إلى فشل أميركا في فرض الأحادية القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وخصوصاً بعد تسلم فلاديمير بوتين رئاسة الاتحاد الروسي وتبنّيه سياسة التوازن والردع والمواجهة غير المباشر مع الأميركيين، عرض المحاضِر لمسارات التنافس والتعاون بين القطبين الأعظم، لجهة خفض الترسانات النووية لكليهما (معاهدات ستارت) مقابل تصعيد الحروب بالواسطة بينهما، وتطوير منظومات الصواريخ العابرة للقارّات والصواريخ المضادة لها (الدرع الصاروخي) وتحديث أسلحة القوات البرّية والبحرية والجوّية وإقامة القواعد العسكرية ومنظومات الرادار والاتصالات في أهم المناطق الاستراتيجية بالنسبة لكلا القطبين.

على المستوى السياسي والعسكري، عادت أميركا إلى حضن حلف شمال الأطلسي، بعد إخفاقها في التصدي لمحاولات التمدّد الروسي في الشرق الأوسط، وفي فرض أجندتها في هذه المنطقة، مع اعتمادها (أميركا) لوسائل ذكية وأكثر تطوراً في مواجهة القطب الروسي والقطب الصيني الصاعد، وربما بمواجهة أقطاب أخرى قد تبرز مستقبلاً لتهدّد هيمنتها العالمية، مثل الهند والبرازيل (وحتى إيران)، وذلك من خلال القواعد البحرية الضخمة التي تنشئها الولايات المتحدة للسيطرة على الممرّات والمضائق والمحيطات البحرية الكبرى في العالم (المحيط الهادي ـ المحيط الأطلسي ـ المحيط الهندي...)؛ مع إشارة المحاضِر هنا إلى عودة أوروبا القسرية إلى الحلف الأطلسي أيضاً بعد فشل دولها في إيجاد وحدة أوروبية كاملة وقوّة عسكرية موحّدة بمواجهة القوى العظمى الأخرى...

أما روسيا التي خسرت دول حلف وارسو وتراجعت في البرّ الأوروبي بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، فتتجه اليوم إلى تعظيم قدراتها البحرية، بالاستناد إلى القواعد التي تبنيها في المحيط المتجمد الشمالي (بنت 16 ميناء و13 مطار و10 محطات رادار للدفاع الجوّي والبحري و10 محطات للبحث والإنقاذ على طول سواحل روسيا...)، وقرب حدود فنلندا، وفي الشرق قرب آلاسكا والجنوب الشرقي قرب اليابان (جزر الكوريل).

كما تسعى روسيا لتعزيز التعاون الاستراتيجي مع الصين في المحيط الهادي ومع الهند في المحيط الهندي؛ وكذلك في البحر المتوسط (عبر الحضور البحري والجوّي في سورية) لمواجهة أوروبا تحديداً.

أما اقتصادياً، فأعادت روسيا هكيلة شركاتها الكبرى، وهي دخلت في مجموعة دول البريكس وتجمع شنغهاي لمواجهة تحكم الولايات المتحدة باقتصاد العالم.



 



في موازاة ذلك، تُحدّث روسيا قواتها العسكرية وقدراتها الاستراتيجية بهدف تثبيت الثنائية القطبية (مع أميركا) من خلال:

1 ـ امتلاك قدرة الردع النووي (الصواريخ على أنواعها ـ الغوّاصات النووية ـ منظومات الدرع الصاروخي...)

2 ـ مواجهة العقوبات الغربية الاقتصادية وعدم الانجرار إلى حروب استنزاف، والاستعانة بالصين عند اللزوم.

وعن انعكاسات كلّ ما يجري دولياً على المنطقة المسمّاة بالشرق الأوسط، أشار العميد سكّرية إلى فشل أميركا في فرض مشروعها التسووي بفعل مقاومة حزب الله في لبنان والمقاومة في فلسطين والعراق وإيران وسوريا، بالتزامن مع فشل الإخوان المسلمين خلال ثورات ما يُسمّى الربيع العربي في التحكم بمصائر شعوب تونس ومصر وغيرها، رغم تلقّيهم الدعم غير المعلن من قِبل الأميركيين في تلك المرحلة، والذي كان يهدف إلى عزل روسيا عن المنطقة، وكذلك عزل «الإسلام السنّي المتطرّف»، وعزل إيران، وفرض سلام مع الكيان الإسرائيلي عبر ما سمّي حلّ الدولتين!

وتطرّق المحاضِر إلى النزاع السوري الذي تحوّل إلى صراع إقليمي ـ دولي، من دون أن تتمكن أميركا (والغرب والدول العربية المتحالفة معه إضافة إلى تركيا) من تحقيق أي انتصار في هذا البلد وإسقاط النظام الممانع فيه، بفعل المقاومة المذهلة التي واجهت المشروع الغربي ـ العربي، من قِبل أطراف محور الممانعة والمقاومة في المنطقة، لنصل اليوم إلى مرحلة التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية، والذي أعاد خلط الأوراق والتوازنات في المنطقة والعالم عموماً.

ومعروف أن للتدخل الروسي أهداف أمنية وسياسية واقتصادية كبرى، بمواجهة أهداف الدول الأخرى المتورطة في الصراع السوري، بدءاً من أميركا وأوروبا، وصولاً إلى تركيا والسعودية وقطر، على الصعيد الإقليمي وتتمحور الأهداف الروسية حول الحفاظ على الوجود العسكري الروسي في الساحل السوري، والسيطرة على مناطق (الجزيرة) في سورية لمنع مدّ أنابيب غاز من قطر إلى تركيا فأوروبا.

إن روسيا تسعى عبر سياساتها الجديدة (على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي) إلى مواجهة القطب الأميركي بالخصوص، وتأمين مناطق نفوذ حيوية لها، في الشرق الأوسط وآسيا وعبر المحيطات.


 


وبعدما أشار سكّرية إلى الفشل الأميركي في العراق، سياسياً وعسكرياً، ونجاح قوى المقاومة في دحر داعش والتنظيمات الإرهابية في العديد من المناطق الهامة في سورية والعراق وصولاً إلى اليمن، أكد أن فلسطين التي انكفأ الحديث عنها والاهتمام بها بعد (الربيع العربي) تعلّق آمالها بالتحرير على إمكانية نجاح مشروع (الكوريدور المقاوم)، المنطلِق من إيران فالعراق وسورية الأسد، إلى لبنان المقاومة، وصولاً إلى غزة والضفة المنتفضة على الجلاّد الصهيوني. وبدون نشوء توازن عسكري واستراتيجي يمكن أن يتطور لاحقاً، لا يمكن لفلسطين أن تتحرّر من براثن هذا الكيان الصهيوني المسلّح حتى أسنانه، بمختلف أصناف ومستويات التسلّح النووي والتدميري الشامل.

أما الحلول التسووية التي تنطلق في كلّ مرحلة، من هنا وهناك، فيبدو برأي العميد سكّرية أنها ستلاقي مصير سابقاتها في الفشل، ليس بسبب المقاومة الشرسة لها فقط، بل بسبب استمرار الذهنية الصهيونية ـ الغربية التي ما تزال تعمل لتحقيق أهدافها التوسعية والعنصرية على حساب الشعوب والدول الضعيفة والصغيرة، في الشرق الأوسط تحديداً، وفي العالم عموماً، بالاستناد إلى القوّة والقدرات العسكرية والتدميرية، وتهميش القوانين والقيم الإنسانية وحقوق الشعب.

 

2016-01-18 12:19:58 | 6187 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية