التصنيفات » المجلة الفصلية

العدد 47 سنة 2014







الافتتاحية

تعوّد شارعنا العربي والإسلامي، منذ عقود، وتحديداً منذ نشأة الكيان الغاصب في فلسطين أواسط القرن الماضي، على سماع أو ترداد مقولة : المرحلة حسّاسة وخطيرة وتاريخية؛ إن فيما يتعلّق بتداعيات ما جرى في فلسطين على شعوب المنطقة عموماً، أو فيما يخصّ السياسات الأمريكية المتماهية مع تلك الصهيونية التي ملأت بلادنا دماً ودماراً ودموعاً، سواء بأدواتها العسكرية والسياسية والإعلامية والثقافية المباشرة، أو عبر أدواتها التابعة أو "الغبية" من أحزاب وهيئات ومؤسسات وحتى كيانات سياسية حاكمة، كما نشهد حالياً في آخر تجلّيات وإبداعات تنظيمات دينية إرهابية متطرّفة، تسعى لتحقيق أهداف الولايات المتحدة (والغرب عموماً) والكيان الإسرائيلي العنصري، وإن أعلنت (زوراً وبهتاناً) أنها تريد إقامة دولة الخلافة الإسلامية مجدّداً، وإزالة أنواع الكفر والظلم والفساد، في المنطقة وفي العالم حتى!!

 

التحليل الثاقب لخلفيات ما جرى ويجري في فلسطين والمنطقة في هذه الأيام يكشف عن ارتباط حقيقي ومتين بين التطوّرات والتحوّلات الكبرى المتسارعة، سواء في فلسطين (العدوان الصهيوني على غزّة خصوصاً) أو في سوريا والعراق واليمن وغيرها من البلدان التي ابتليت بداء التكفير والتطرّف الأعمى الذي أصاب كلّ مكوّنات الأمّة وبدأ يفتك بها شيئاً فشيئاً، ليحقّق المتطرّفون الجهلة أهداف المستعمر الغربي والمحتلّ الصهيوني اللذين عجزا عن الوصول إليها طيلة العقود الماضية، بعد ما أفشل نهج الممانعة والمقاومة كلّ أساليب ووسائل هذا الحلف الشيطاني البغيض.

 

وعليه، فقد قسّمنا هذا العدد الجديد من دورية (دراسات باحث) إلى ثلاثة أقسام تكمِل بعضها، من الناحية السياسية، وهي:

1- الكيان الصهيوني، حيث تنشغل نخبه، كما قادته السياسيون والأمنيون، في هذه المرحلة بمتابعة التحوّلات أو التحدّيات الإقليمية الناتجة عن الصراعات المستمرّة في الجوار الإقليمي (القريب أو البعيد) للكيان، كما بقراءة آفاق النزاع المتمادي مع الشعب الفلسطيني، وكيفية مواجهة أية مخاطر مستقبلية قد تنتج عن فشل خيار التسوية والتفاوض، على واقع الكيان ومشاريعه التوسّعية. 

2- قضية فلسطين التي لم تعدّ – مع الأسف- قضية العرب والمسلمين المركزية (وتباعاً حكومة الوفاق الفلسطيني الجديدة)، بفعل الأحداث والتطوّرات الخطيرة التي نجمت عن ما سمّي (الربيع العربي)، مع أن مختلف الأطراف (وحتى الكيانات الحاكمة) لم تعلن عن تلك الخطيئة علناً، ما عدا التنظيمات المتطرّفة التي تزعم أن راية "الجهاد" ضدّ الصهاينة لن تُرفع في هذه المرحلة، بحسب أولويات غريبة وضعتها تلك التنظيمات على أجندتها الدموية، منذ أن برزت إلى العلن قبل سنوات، ما يؤكّد ارتباط هذه التنظيمات، أو تماهيها بالحدّ الأدنى، مع المشروع الغربي-الصهيوني الجديد- القديم لتفتيت المنطقة وإغراقها في "الفوضى البنّاءة"، بعدما عجز قادة ومخطّطو هذا المشروع الخطير عن السيطرة على شعوب ومقدّرات تلك البلاد بصورة مباشرة.

3- في المحور الثالث، وارتباطاً بما سبق ذكره، قراءات مختلفة لجذور وخلفيّات جماعات "داعش" وغيرها من القوى الإرهابية المتطرّفة، وتأثير التوسّع المفاجئ (أو الطفرة) التي حصلت على المستويين العسكري والإعلامي-النفسي لهذه القوى المتعطّشة للدماء، على الصورة أو المشهد الاستراتيجي العام في المنطقة والتي، ستزول أو تُستأصل في وقت قريب، مهما بلغ حجم الدعم (الإقليمي أو الغربي) السرّي أو العلني لها، في وقت قريب .. وما ذلك على الله ببعيد!

 

تبقى ملاحظة أن العدد القادم سيخصّص لقراءات وتحليلات أكاديمية وموضوعية على عدّة صعد، لأبعاد وتداعيات العدوان الصهيوني الجديد على قطاع غزّة المقاوم (والمستمرّ حتى تاريخه)، والذي أسقط ما يزيد عن ألفي شهيد وشهيدة، جلّهم من النساء والأطفال، ودمّر القطاع المحاصر؛ سواء على مستوى ترسيخ المقاومة لوجودها ودورها الاستراتيجي بمواجهة هذا الكيان العنصري، أو على مستوى المكاسب والخسائر والآثار التي نجمت عن العدوان لدى الكيان المنهزم، أو بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي لم –ولن- يتراجع عن مواصلة القتال هذه المرّة لتحقيق أهدافه المشروعة في التحرير والاستقلال والعيش الكريم.

 

 

2016-03-24 13:42:40 | 1783 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية