التصنيفات » مقالات سياسية

"حزب الله" والميدان السوري

أكبر من مقاومة وقوّة عابرة للحدود وخبرات هائلة 

 د. علي دربج

لطالما حرص القادة الصهاينة على إظهار سعادتهم بتدخل عدوّهم الأول والأخطر في العالم " حزب الله" في الحرب السورية، عبر الترويج لنظرية الاستنزاف التي تستهلك قدراته البشرية والعسكرية والمادية.
هذا في العلن. أما في الميزان العسكري والأمني الإسرائيلي، فالأمر مغاير تماماً.
هنا لا مجال للتنظير. فثرثرات السياسيين والعسكريين الصهاينة عن غرق الحزب في الوحل السوري لا قيمة لها، قياساً على الجدوى الاستراتيجية التي عادت على المقاومة بنتيجة هذه التجربة. وحدهم قادة الجبهات الإسرائيلية الذين خاضوا مواجهات مباشرة مع رجالات المقاومة من يعي هذه الحقيقة الجارحة.
 فهؤلاء يدركون الأخطار والانعكاسات الاستراتيجية لهذا "التدخل" على مستقبل الكيان في المدى المنظور. لذا، هم يحاذرون الدخول في هكذا جدال صريح وعلني. صحيفة "النيويورك تايمز" وصفت مقولة الاستنزاف هذه بالسطحية والنظرية الوردية. والواقعية الصهونية في تعاملها مع التهديدات المحدِقة ب"الدولة العبرية" توصلت إلى حقيقة صادمة: "حزب الله" أكبر من مقاومة، ويفوق قدرة بعض الجيوش. وبتعبير إدق: قوّة عابر للحدود.
لا غرابة إذاً من الحملة العالمية والإقليمية  المركّزة على "حزب الله"، والتي تشكّل فيها دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً السعودية وبعض القوى اللبنانية، رأس الحربة. الجميع يحملون مطلباً واجدةاً وهو:"خروج حزب الله من سوريا".أما مفتاح كلمة السرّ لهذا الهدف المشترك فيمكن اختصارها بعبارة "أمن إسرائيل أولاً وآخراً ".
وبعيداً عن المبالغة أوالمغالاة في قراءة التجربة العسكرية لحزب الله في سوريا، وارتباطها بالمواجهة المفتوحة بين المقاومة "وإسرائيل"، يمكن الخروج بالآتي:
أولاً: على المستوى البشري: صحيح أن "حزب الله" فقد عدداً من خيرة قيادييه
 (آخرهم الشهيد مصطفى بدر الدين ذو الفقار) وعناصره، في معارك عدّة في سوريا، وخصوصاً في مدينة القصير وحلب وغيرها من المدن السورية؛ لكن بالمقابل، فإن نسبة الالتحاق "بالحزب" والانضمام الى صفوف المقاومة قد ارتفعت بشكل كبير، خصوصاً من قِبل الفئات العمرية ما بين 18 و24 عاماً. فبحسب مصادر أمنية، هناك أعداد كبيرة  من الشباب الذين تقدّموا  بعد معارك القصير بطلبات انتساب، سواء إلى "الحزب" مباشرة أو إلى "سرايا المقاومة". وقد فاقت نسبهم هذه أعداد الذين انضمّوا إلى "حزب الله" في أعقاب حرب تموز 2006. 
ثانياً: بخلاف ما تُروّجه بعض وسائل إلاعلام المحلّية والعالمية عن وجود تململ وحالات تمرّد بين عناصر "حزب الله"، واندلاع جدل واسع بين قياداته بسبب "التدخل" في الحرب السورية والجدوى منها ووجوب حصر المواجهة مع "إسرائيل" فقط. فإن الواقع وسط البيئة الحزبية حتى الحاضنة منها، يناقض هذه الأخبار والشائعات تماماً. 
وعناصر "الحزب" يتوقون لقتال التكفيريين، الذين أتوا من كلّ  حدب وصوب إلى سوريا. وتدبّ الحماسة بينهم أكثر مع كلّ إنجاز ميداني. ولأن الذهاب الى سوريا محصور  فقط بالمقاتلين، فإن بعض العناصر العاملة في الوحدات الاجتماعية  والثقافية، وحتى اللوجستية، لجأت إلى الوساطة مع قيادات "الحزب" للعسكرية للسماح لها بالمشاركة في قتال "آكلي الأكباد وشاقّي الصدور".  
والعثور على عنصر من "الحزب" يجادلك بمشروعية أو عدم مشروعية تدخل الحزب في سوريا، يقع في درجة المستحيلات. فإيمان أعضاء حزب الله بأحقّية حربهم سوريا ودفاعهم عن المقدّسات وعن أهلهم في لبنان،  راسخ في وجدان كلّ  واحد منهم؛ فهم يؤمنون أن فكرة إقامة مشروع تكفيري في سوريا،  الهدف منه أولاً وأخيراً ضرب مشروع المقاومة؛ وهو النسخة الجديدة لمشروع (الشرق الأوسط الجديد) الذي بشّرت به وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس أثناء عدوان تموز 2006، والذي كان  يهدف إلى رسم خارطة جديدة للمنطقة تقوم ركيزتها  الأساسية على فكرة واحدة، وهي اجتثاث وجود المقاومة وتفتيت بيئتها الحاضنة.  
 وبالتالي، إن وجود حزب الله في سوريا يشكّل ضربة استباقية للتصدّي لأدوات هذا المشروع  القديم الجديد، وفرصة لا تُفوَّت للتأهيل العسكري لمقاتليه والاستعداد الميداني للدخول إلى الجليل في أيّ مواجهة مقبلة مع "إسرائيل".
ثالثاً: اكتسب عناصر "الحزب" جرّاء الحرب السورية، خبرات قتالية وتكتيكية وعسكرية هائلة، لم تكن مُتاحة لهم من قبل، وذلك انطلاقاً من عدّة محاور:
1.  تنفيذ جميع المقاتلين  فور انتهائهم من الدورات عسكرية  التي خضعوا لها،  لمناورات حيّة في الميدان. أي الانتقال من إلاطار النظري إلى الشقّ العملياتي المباشر. فقد أتاح هذا الأمر لكلّ مقاتل فرصة حقيقية لخوض معارك حرب المدن، والتي ُتعدّ من أصعب أنواع الحروب في العالم؛ هذا من جهة. أما من جهة أخرى، فالخصم الذي يواجهه المقاتل من "الحزب"، لا يقلّ تدريباً وشراسة عن عناصر قوات النخبة الإسرائيلية، خصوصاً وأن معظم هؤلاء التكفيريين الذين يتولّون قيادة المعارك في سوريا هم من المرتزقة العالميين، الذين شاركوا في  كلٍ من حروب: أفغانستان، أثناء الاحتلال السوفياتي، البوسنة والهرسك، كوسوفو، أفغانستان في العام 2001، العراق، وسوريا وبالتالي، فالاصطدام مع الجندي الإسرائيلي سيكون أكثر سهولة بالنسبة لمقاتلي الحزب.
2. من المتعارف عليه أنه في المناورات والتدريبات العسكرية التي يخضع لها عناصر الحزب، يوجد عدد محدّد من الذخائر مسموح استعمالها لكلّ واحد منهم. وبالمقابل، أدّت مشاركتهم الميدانية في سوريا إلى تحطيم أرقام قياسية   في الرماية. وتتحدث مصادر مخابراتية عن مخازن  استراتيجية موضوعة بتصرّف عناصر "الحزب، وهي تضم مختلف أنواع الأسلحة، سواء الخفيفة أو المتوسطة وحتى الثقيلة منها.  وقد ساهمت الصعوبات والعوائق التي تعترضهم أحياناً، لاسيّما استخدام التكفيريين للمدنيين كدروع بشرية، في تطوير قدرة عناصر الحزب الاحترافية على التصويب والتهديف على نقاط العدو، بحيث بات كلّ عنصر يتمتع بمهارة فائقة في إصابة الأهداف بدقة، خصوصاً قذائف الهاون من مختلف الطرازات والمديات.
وقد أضيفت هذه التجربة إلى سجلّهم  الحافل بالإنجازات الميدانية في تموز 2006. ومن الطبيعي أن توظّف قيادة المقاومة هذه القدرات والمهارات مستقبلاً،  إذ إن طواقم  وحدات الإسناد المحترفة في المقاومة،  أضحت اليوم على أهبّة الاستعداد لوضع كافة الخبرات المتراكمة لديها لاستهداف كافة المراكز والمنشآت العسكرية الإسرائيلية داخل كلّ نقطة في فلسطين المحتلة.
3.  على مستوى القيادة والسيطرة، يسجِّل الخبراء العسكريون للحزب نجاحه اللافت في خوض المعارك، بعقيدة الجيوش الكبيرة، رغم أنه يُعدّ منظمة عسكرية صغيرة. فالحدّ الأقصى لعناصر الوحدة  العسكرية العاملة في الميدان التي كان يتولّى مسؤوليتها  القادة العسكريون للحزب ما قبل الحرب السورية، كان يبلغ ما بين 70 إلى 80 مقاتلاً. اما الآن فمسؤولو الوحدات يقودون  حوالي 700 مقاتل. 

رابعاً: للمرّة الأولى في تاريخها، تتّخذ المقاومة وضعية الهجوم، بعدما كانت استراتيجياتها العسكرية إبّان الاحتلال الإسرائيلي للبنان، تعتمد التكتيك الدفاعي حصراً. والنقطة المهمة في هذا الإطار نجاحها في السيطرة على مساحات جغرافية واسعة في بيئة معادية( منطقة القصير وبعض مناطق محافظة حمص). وقد أدهش الأداء القتالي العالي للمقاومة، ونجاحها بالسيطرة على منطقة القصير وريفها في فترة قياسية نسبياً، أجهزة المخابرات الغربية والإسرائيلية، لاسيّما قدرتها على التكيّف مع منطقة جغرافية مجهولة بالنسبة لعناصرها من جهة، وتفوّقها العسكري  من خلال دمجها بين تكتيك الجيوش النظامية وحربي العصابات والمدن والخنادق من جهة أخرى. 
هذه النجاحات وّلدت لدى القيادة الأمنية الإسرائيلية  قناعة بجديّة تنفيذ تهديدات الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصر الله، باجتياح الجليل في أيّ حرب مقبلة. والحديث أصبح يدور في مجالس عناصر الحزب عن "الحرب النزهة" التي ستواجههم عن دخولهم لمنطقة الجليل؛ وسرّ هذا الاطمئنان يعود إلى أن الجبهة الخلفيّة ستكون حاضنة لهم وظهورهم محميّة في آن، بعكس ما هو قائم في سوريا، حيث أن "الحزب" يضطرّ إلى القتال في معظم الأحيان في بيئة عدائية. 
ولا شك أن حزب الله لن  يتخلّى في المدى القريب على المناطق المحاذية للبقاع الشمالي، خشية عودة المسلّحين التكفيريين إليها، واستخدامها ثانية كنقطة انطلاق للقيام بعمليات أمنية ضدّ المقاومة. لذا، فإن ما يخشى منه العدو الإسرائيلي أن تتحوّل هذه المساحات إلى رقعة جغرافية إضافية للمقاومة  تعطيها هامشاً كبيراً في المناورة عند اندلاع أيّ حرب جديدة مع "إسرائيل".






2016-05-16 16:43:10 | 1249 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية