التصنيفات » ندوات

تحوّلات البيئة الاستراتيجية في «إسرائيل» الأستاذ محمد خواجة

عقِدت في مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية ندوة سياسية بتاريخ 26/05/2016، حاضر فيها الباحث الأستاذ محمد خواجة، حول (تحوّلات البيئة الاستراتيجية في «إسرائيل»)، بحضور جمع من الباحثين والناشطين السياسيين والإعلاميين.



في البداية، قدّم للمحاضِر، رئيس مركز باحث للدراسات، الدكتوريوسف نصرالله، بلمحة عامة حول التحوّلات والمتغيّرات التي أطاحت بشبكة الأمان التي كان يتنعّم بها الكيان الإسرائيلي منذ عقود، بفضل «النظام العربي» الرسمي، والدعم الأميركي المطلق له؛ فضلاً عن سياسات وحروب الكيان العدوانية التي أمّنت له إمكانات وقدرات مادّية واقتصادية هائلة، على حساب الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة. وأبرز التحوّلات التي أقلقت قادة الكيان هي المقاومة في فلسطين ولبنان، التي تمكّنت من تغيير قواعد اللعبة معه، وأجبرته على إعادة النظر في استراتيجياته العدوانية والهجومية واتباع استراتيجية الإنهاك، والتي نشهد تمظهراتها في ما يجري من نزاعات وحروب داخلية على امتداد العالم العربي، ليست «إسرائيل» وراعيتها الولايات المتحدة الأميركية ببعيدةٍ عنها.
كما أن صعود إيران الإسلامية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، قبل وبعد إنهاء ملفها النووي المزعوم، كان من أبرز أسباب خوف الكيان على مصيره، وكون إيران هي الداعم الأول لحركات المقاومة في المنطقة، والتي تشكّل العدو الحقيقي للكيان والمانع له من تنفيذ مخطّطاته التوسعية.

كذلك، فإن تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، بعد فشلها الذريع على كلّ المستويات، في أفغانستان والعراق وسورية بالخصوص، أدّى إلى اهتزاز في قدرة الردع (العدوان) الإسرائيلية، والتي كانت (وما تزال) مرتبطة بالتدخل الأميركي المباشر (كما حصل في حرب 1973، والذي لا يوجد عنه بديل بالنسبة للكيان، خلال 20 سنة القادمة).

في المقابل، «إسرائيل» لا تزال على تعنّتها برفض أيّ تسويات، وهي تتّجه لاستغلال الواقع العربي من أجل فرض تصوّرها وأهدافها في فلسطين (الطابع اليهودي للكيان وتهويد القدس)، مع سعيها لنسج تحالفات جديدة مع ما يُسمّى محور (الاعتدال العربي) بهدف ضرب محور المقاومة، الذي بات يشكّل الخطر الوجودي الأول عليها، برغم انشغال دول وقوى هذا المحور بمواجهة الجماعات التكفيرية التي تتلقّى دعماً وتمويلاً مباشراً على مختلف الصعد من دول «الاعتدال» العربي وحلفائها الغربيين والأتراك!

وتصرّ «إسرائيل» أيضاً على أهمية الاحتفاظ بالأرض (غور الأردن/الضفة الغربية والجولان) لضمان ما يُسمّى أمنها من أيّ هجوم عربي، حتى بعد غياب خيار الهجوم التقليدي ضدّها منذ عقود، وخصوصاً بعد التطورات الأخيرة في المنطقة (استنزاف جيوش سورية ومصر والعراق ـ زوال الجبهة المشرقية).

ويقول قادة وخبراء الكيان إن التكنولوجيا المتطوّرة لم تغيّر من أهمية الأرض (الفلسطينية والعربية المحتلة) بالنسبة للكيان، والذي يفتقد إلى العمق الاستراتيجي ويواجه محيطاً عدائياً لديه الكثير من مقوّمات الصمود والاستمرار. هذه المتغيرات سيقرؤها بشكل دقيق ومعمّق الأستاذ الباحث محمد خواجه.




بدأ المحاضِر كلمته بتقديم لمحة تاريخية موجزة حول البيئة الاستراتيجية المحيطة بالكيان، وهي متحركة باستمرار، وذلك منذ ما قبل نشأة هذا الكيان وحتى اليوم..

لقد اعتمد المشروع الصهيوني قبل إقامة الكيان على الهجرة (اليهودية) والاستيطان والتوسع. وهو ارتكز على استخدام القوّة المفرطة لاحتلال الأرض وتطويع أو إخضاع أعدائه، مع تغيير استراتيجية (السور والبرج) التي اعتمدها قبيل احتلال فلسطين إلى استراتيجية الهجوم والحرب، في ظلّ توافر مخزون بشري هائل لديه، مقابل هزالة وضعف المخزون البشري العربي، قبيل احتلال فلسطين تحديداً، بمواجهة العصابات الصهيونية.

بعد إقامة «إسرائيل»، ازدادت مخاوف قادة الكيان على مصيره، مع بروز تهديدات وتحدّيات جديدة، كانت المقاومة الفلسطينية في طليعتها، سواء في داخل فلسطين أم في الدول العربية المجاورة للكيان، أو بسبب عدم تسليم شعوب المنطقة بوجوده الشاذ، مع العلم بأن حرب 1967 قلّصت مخاوف الكيان على وجوده، من دون أن تلغيها (احتلّ أكثر من ثلاثة أضعاف ما احتلّه في فلسطين في غضون ستة أيام)، فيما زادت حرب 1973 من قلق الكيان بعد تقدّم الجيش المصري والجيش السوري وظهور احتمال هزيمة الكيان عسكرياً أثناء تلك الحرب.

ومقابل تحوّل مصر من ضفة إلى أخرى بعد حرب تشرين 1973، بتوقيع أنور السادات لمعاهدة كمب ديفيد مع الكيان، برز خطر إيران الثورة الإسلامية التي انتصرت في العام 1979، والتزمت بقضية فلسطين وإزالة الكيان الإسرائيلي، الذي بات يحسب لإيران ألف حساب منذ ذلك الوقت، وغيّر في استراتيجياته العسكرية ـ الأمنية على هذا الأساس، بالتناسب مع المتغيرات المذكورة في البيئة الجيوـ استراتيجية المحيطة به.

وكانت المقاومات التي بدأت بالتصدّي للكيان، في فلسطين ولبنان بالخصوص، قد أحدثت تحوّلاً هائلاً في استراتيجية الكيان العدوانية، الذي عرف أول هزيمة حقيقية على يد المقاومة (التي تطورت بسرعة من تنفيذ عمليات بسيطة إلى عمليات مركّبة فعمليات منظّمة)، بدءاً من العام 1978 في جنوب لبنان، وحتى اندحار الجيش الصهيوني عن لبنان في أيار 2000، وصولاً إلى انتصار المقاومة على آلة الحرب الإسرائيلية في تموز 2006، والتي لم تلقَ الاهتمام البحثي والتحليلي المعمّق واللازم من قِبل الخبراء والمحلّلين الاستراتيجيين في منطقتنا!

فقد خاضت مجموعات المقاومة (بضعة آلاف من الرجال) معارك ناجحة دفعت جيش الاحتلال، وضمن رقعة صغيرة من الأرض (نسبياً)، لطلب وقف الحرب، من دون أن يستطيع احتلال أيّ مساحة جغرافية (باتت عبئاً عليه)، على عكس ما جرى في حرب حزيران 1967، حين هزم عدّة جيوش عربية واحتلّ مساحات شاسعة من الأراضي العربية، فضلاً عن الضفة الغربية وغزة، في غضون بضعة أيام فقط. وقد أدّت انتصارات المقاومة في لبنان وفلسطين إلى تداعيات شعبية وسياسية وأمنية كبيرة في المنطقة زادت من مخاوف الكيان، والذي بدأ يعاني من مظاهر ضعف وتخلخل في ركائزه التي يستند في ضمان استمراريته إليها، مثل تراجع الحافزية للقتال والحرب لدى الجنود، وتزايد نسب التهرّب من الخدمة العسكرية، فضلاً عن تصاعد التطرّف الديني في أوساط المجتمع والقيادات والنخب، وتأثيرات العولمة السلبية في هذا المجتمع الصهيوني الهجين.




لقد طغى مسار جديد داخل الكيان، هو مسار القِيم الاستهلاكية على حساب مسار الاستعداد الدائم للحرب واستخدام القوّة المفرطة ضدّ أعداء الكيان، بموازاة التغيّر الجوهري الحاصل في دور هذا الكيان الوظيفي لصالح راعيته الولايات المتحدة الأميركية؛ واليوم يعيش الكيان بين تناقضي الاعتماد المطلق على القوّة العسكرية والضعف الداخلي الذي ينهش في جسم الكيان ويعرّضه للمخاطر.

وختم المحاضِر بالتأكيد أن فلسطين ليست ملكاً للشعب الفلسطيني وحده، بل هي ملك كلّ العرب والمسلمين وكلّ أحرار العالم، ولا يستطيع أحد التنازل عن أيّ شبر منها لصالح الكيان الغاصب، باتفاقٍ أو بغيره، وأن المقاومة في فلسطين وخارجها باتت قادرة على كبح جماح العدو وتحرير الأرض، مهما طال الزمن وكبرت التحدّيات أمامها، كما يحصل حالياً عبر المواجهة المفتوحة في المنطقة بين ما يُسمّى محور (الاعتدال العربي) وبين محور المقاومة والممانعة، في ساحات سورية والعراق واليمن..


ورداً على مداخلات واستفسارات من بعض المشاركين في الندوة، أجاب الباحث محمد خواجة كما يلي:

ـ بما يخصّ مسألة المزاوجة بين السيادة والمقاومة، فإن الاعتبارات السياسية ما تزال تعيق تطبيق هذا المبدأ، خاصة في لبنان، فضلاً عن حيثيات عسكرية وفنيّة مختلفة، مع أنه مبدأ واقعي ومطلوب لتحقيق انتصار على العدو في أيّ مواجهة قادمة.

ـ المقاومة في غزّة (عبر تجارب وحروب عديدة) لعبت دوراً جوهرياً، كما المقاومة في لبنان، في فرض تنازلات على العدو، وإحداث تغيّرات مهمة في عقيدته الهجومية والعدوانية، بلحاظ قلّة إمكانات المقاومة في غزّة ومحدودية المساحة التي تتحرّك فيها ومحاصرتها من كلّ الجهات.

وهذا المسار التراكمي للمقاومة بدأ منذ معركة الكرامة في العام 1968، وحتى قبل ذلك بكثير؛ أي قبل احتلال الكيان لفلسطين وبعد ذلك، في عدّة محطات كبرى، شهد لها العدو قبل الصديق، وصولاً إلى حرب تموز 2006 التي قلبت معادلة موازين القوى بيننا وبين العدو بشكل كامل.

ـ يجب على العرب (الشعوب تحديداً)، دراسة نقاط الضعف والثغرات التي يعاني منها كيان الاحتلال، وكذلك مجتمعاتنا العربية، في النواحي الفكرية والسياسية والاجتماعية والمادية كافة، بهدف ابتكار استراتيجيات جديدة للمواجهة مع الكيان، على قاعدة وقف الصراعات والنزاعات الداخلية وتطوير وسائل الحكم والإدارة في البلدان العربية، واستراتيجياتها العسكرية والأمنية.

ـ «داعش» هي جزء من المشروع الغربي ـ الصهيوني لمواجهة وتفتيت مجتمعات المقاومة، والتي استطاعت تعبئة واستيعاب وتضليل قسم كبير من أبناء شعوب المنطقة، وتحويل وجهة الصراع (ولو مؤقّتاً) نحو مواقع أخرى غير الصراع مع العدو الصهيوني، الذي كان وسيظلّ العدو الأوحد لهذه الأمّة حتى زواله.

ـ (النوع) العربي تمكّن في حرب تموز 2006 من الانتصار على (الكم) الإسرائيلي، ليعكس القاعدة التقليدية السابقة (النوع الإسرائيلي يهزم الكم العربي)؛ وهذا المسار يجب أن يُبنى عليه من قِبل الدول والمقاومات والشعوب في المواجهات المستقبلية؛ وتحديداً دور النخب الفكرية والعلمية.

ـ الجيش الصهيوني طويل الباع لكنه قصير النفس. وهذه الثغرة مكّنت المقاومة من الانتصار عليه في عدّة محطّات، وهذا ما يتكرّر في المستقبل، لأن الكيان ما زال يعاني من هذه العقدة أكثر من أيّ وقتٍ مضى.

ـ الدور الإسرائيلي التخريبي في سورية موجود لكنه محدود، ويجب التصدّي له من قِبل محور المقاومة، كما يتم التصدّي للأدوار الغربية والخليجية في هذا البلد، وفي غيره من البلدان المستهدفة من المحور المعادي (العراق ـ اليمن...).


 

2016-05-27 15:27:14 | 8625 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية