التصنيفات » ندوات

التهديدات الناعمة وسُبل مواجهتها (التيار التكفيري نموذجاً) - الباحث الإيراني الدكتور محمد حسين الياسي




عقِدت في مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية في بيروت، بتاريخ 19/12/2016، ندوة سياسية ـ فكرية، بعنوان (التهديدات الناعمة وسبل مواجهتها: التيار التكفيري نموذجاً)، للأستاذ الجامعي الإيراني، الدكتور محمد حسين الياسي.
وقد عقِدت الندوة برعاية مشتركة من مركز باحث للدراسات والمستشارية الثقافية الإيرانية في بيروت، واللقاء الإعلامي العربي المقاوم، وذلك بحضور نخبة من الباحثين والمختصّين، الذين تقدّمهم رئيس مركز باحث للدراسات الدكتور يوسف نصرالله والمستشار الثقافي الإيراني الدكتور محمد مهدي شريعتمدار.
ومن المشاركين في الندوة: الدكتور عبد الملك سكّرية، الدكتورة صفيّة أنطون سعادة، الدكتور بلال اللقيس، الدكتور مصطفى اللدّاوي، الأستاذ علي نصار، الأستاذ بلال عبد الساتر، الأستاذ علي قصير، الشيخ محمد السمناوي، الإعلامي عبد الرحمن عزّ الدين، والأستاذ حسّان فرحات.
بداية، عرّف الأستاذ محمد أيوب بالمحاضِر وموضوع الندوة حول سبل مواجهة التهديدات الناعمة للأعداء، مقدّماً عرضاً مسهباً حول مفهوم الحرب الناعمة، ضمن الأطر الثلاثة المعروفة للقوى الثلاث التي تحقّق السيطرة المطلقة لأي دولة، وهي: القوّة الصلبة العسكرية، والقوّة الاقتصادية، والقوّة الناعمة.
والحرب الناعمة هي كأيّ حرب، لها استراتيجياتها وتكتيكاتها وأسلحتها. وهي ليست فكرة أو مذهباً، بل هي حالة قائمة بذاتها.
وبعدما عدّد أهداف هذه الحرب والوسائل التي تعتمدها الدول لتحقيقها، دعا المحاضِر للكلام حول تهديدات الحرب الناعمة وسُبل مواجهتها، وبالأخصّ من قِبل جماعات التيار التكفيري حالياً.




بدأ الدكتور محمد حسين الياسي محاضرته بالإشارة إلى تجربة أجراها أحد علماء النفس ليؤكد أهمية المصداقية في كسب ثقة الرأي العام، من قِبل وسائل الإعلام تحديداً. وهذه الأهمية ترتبط أيضاً بما يسمّى التنويرية وعدم الارتباط بخلفيات معيّنة؛ مع الإيحاء المدروس من قِبل الوسيلة الإعلامية بأنها تقرأ الحدث بشكل موضوعي، ومن كلّ أبعاده.
ولفت الدكتور الياسي إلى وجود (صيغة ذهبية) للتهديدات الناعمة في هذا العصر، تحت مسمّى: القدرة الناعمة، التي تعني فرض الإرادة على الآخرين، عن طريق الإقناع (الجاذبية) بشكل أساسي.
أما عوامل هذه القوّة الناعمة، بحسب العالم جوزيف ناي، فهي:
ـ الدبلوماسية العامة.
ـ الإيديولوجيا الجذّابة.
ـ القِيم الثقافية الجاذبة (من خلال وسائل الإعلام خصوصاً).
وأضاف المحاضِر: هناك ثلاثة مستويات للتهديد الناعم:
1 ـ استراتيجي (بعيد المدى).
2 ـ عملاني (محدّد زمنياً وضمن شروط).
3 ـ تكتيكي (محدود جداً).
واعتبر أن أيّ زيادة في قوّة هذه العوامل تكون لصالح طرف على حساب الطرف المتناقض معه، من حيث فرض إرادته (هيمنته) عليه، والعكس صحيح [الصراع بين أميركا وإيران كنموذج].




وبعدما لفت إلى أن أميركا تخطّط على مدى خمسين سنة وأكثر لتحقيق أهدافها في العالم، تحدث المحاضِر عن معادلة دقيقة تحكم الحرب الناعمة التي تخوضها الأطراف المتصارعة ضدّ بعضها، والتي مثّلها على الشكل التالي:
ـ R1: وتعني الاستدلال من خلال معلومات أو معطيات مقبولة لدى الرأي العام (منطقية). وهذه تدخل ضمن ما يُسمّى التلاعب بالعقول (الحرب الفكرية).
ـ R2: وتعني الدراسات والأبحاث التي تعتمد على الإحصاءات والأرقام (سواء كانت حقيقية أم مزوّرة أم مجازية).
وقدّم د. الياسي القناة الأميركية الأكثر شهرة (CNN) كنموذج على وسيلة إعلامية ترتكز في تقاريرها على تقديم هكذا إحصاءات تكون "موثوقة" لدى الناس.
ـ R3: وتعني عرض الخبر أو الحدث أو الواقعة بشكل مؤثّر وجاذب (تكرار من مصادر مختلفة)، وذلك بهدف تحقيق الجذب المطلوب لدى الطرف المستهدف.
وعرض الدكتور الياسي، من خلال رسوم تشبيهية، لكيفية تعامل عقل الإنسان مع الوقائع والمعطيات التي يتلقّاها بشكل دائم، بواسطة ثلاثة أنظمة محدّدة لمعالجة هذه المعطيات.
وشدّد على أن البعد العاطفي مؤثّر جداً في إيصال الرسالة الإعلامية، مقدّماً نموذج السيّدة الكويتية التي قدّمت معلومات مضلّلة خلال حرب الخليج الأولى (غزو الكويت من قِبل الأميركيين وحلفائهم)، حول ارتكاب القوات العراقية لجريمة حرب بقتل عشرات الأطفال في حواضنهم؛ وهو ما ثبت كذبه لاحقاً، وأن تلك السيّدة (المدنية) لم تكن سوى زوجة سفير الكويت في الولايات المتحدة.
وبمعنىً آخر، فإن أميركا قد اختارت بعد حرب فييتنام عدم التدخل العسكري في العالم إلاّ بعد ضمان تأييد 75% من الرأي العام في البلد المستهدف، لتفادي أيّ حرب استنزاف ضدّ قواتها الغازية لهذا البلد.
وهذا ما كان يرصده ـ وما يزال ـ معهد غالوب الأميركي للاستطلاعات، ويقدّمه إلى وسائل الإعلام المؤثّرة وإلى صنّاع القرار ومستشاريهم، لاتخاذ الخطوات التي تؤدّي إلى التغيير المطلوب في الرأي العام، داخل هذا البلد أو ذاك، بغضّ النظر عن الأسلوب أو الوسيلة التي توصل إلى هذا الهدف!
والكذب هنا يمثّل الوسيلة الفضلى لإيصال الرسالة المحدّدة (الكذبة الكبرى حسب غوبلز).
ـ R5: وتعني التأثير الإيجابي والعملي للرسالة، أي الجائزة التي تقدّم للوسيلة الإعلامية الأكثر صلة بالواقع.
ـ R6: وتعني معاينة الواقع من قِبل الوسيلة الإعلامية لتحديد اللغة الأنسب الموجّهة للمخاطب، بهدف ضمان تقبّله الرسالة المقصودة وتأثّره بها.




وعليه، فإن كان حاصل مجموع تلك العوامل أقلّ من اللازم، تُعتبر النتيجة سلبية، حيث يبرز تأثير العامل السابع (R7)، الذي يمثّل قوّة الرفض والمقاومة لدى الطرف المتلقّي للرسائل الموجّهة إليه، بالكيفية المحدّدة آنفاً؛ والعكس يعني أن الذهنية باتت مقولبة وجاهزة لتقبّل أيّ شيء يُعرض عليها.
ورداً على مداخلات بعض المشاركين في الندوة، شبّه د. الياسي المقاومة بالتقنيّة النوويّة، التي يمكن أن تكون سلمية وتخدم الإنسانية، أو عسكرية تدميرية. فالمقاومة تتبع أهدافها ووسائلها الواقعية، إن كانت خيّرة أو شريرة.
فمقاومة جماعة (داعش) الإرهابية لأعدائها هي مقاومة شرّيرة، ولا تخضع لأية قِيم أو ضوابط دينية أو أخلاقية، فيما المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني لفلسطين وجنوب لبنان أو ضدّ التدخّل الأميركي في بلدان المنطقة هي مقاومة خيّرة وتلتزم بقِيم وضوابط دينية وأخلاقية وإنسانية؛ ومن ضمنها وسائل مخاطبة الرأي العام والتأثير الإيجابي فيه، بأساليب مشروعة وأخلاقية..
وبينما يتعرض عناصر (داعش) لعمليات غسل دماغ مكثّفة قبل وبعد التحاقهم بهذه الجماعات الإرهابية، تمهّد لتنفيذهم المهام المطلوبة منهم دون اعتراض، فإن أفراد القوى المقاومة يدخلون باختيارهم في هذا المسار، ويظلّون فيه حتى النهاية، من دون أيّة ضغوط أو إغراءات.




فالوسيلة الإعلامية الخيّرة تهدف إلى توعية الرأي العام وتقوية المناعة الذاتية والثقافية لديه بوجه الرسائل الإعلامية المضلّلة أو التهديدات الناعمة، فيما تسعى وسائل إعلام القوى العدوّة (الأجنبية أو التكفيرية) إلى خداع الرأي العام وتضليله والتحكم فيه، ممّا يدفع في النهاية الدول والقوى المقاومة والممانعة لخوض حرب إعلامية مكافئة لحروب الآخرين ضدّ أمتنا وشعوبنا، في سياق الحرب مختلفة الأبعاد، الدائرة حالياً على امتداد ساحات المنطقة والعالم.






2016-12-21 10:55:54 | 6629 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية