التصنيفات » مقالات سياسية

إطلاق حلف عربي -إسلامي بقيادة إيران




ناصر دمج (*)

يمكن القول بأن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" للبيت الأبيض، يوم 15 شباط 2017م، شكّلت بداية لموسم مختلف من الحصاد الإسرائيلي - الأمريكي في المنطقة العربية. ولعلّه يتّسم بطول الأجل بسبب خلوّ المنطقة من المخاطر التقليدية التي كان يخشاها الجانبان. لهذا سيكون وافر الغلال كثير الثمار، في ضوء ما طرحه الحريق (العربي/العربي) المتواصل من فرص نادرة نضجت على مراجل نيران المدن التي أشعلتها القنابل والصواريخ المنهمرة فوقها من كلّ حدب وصوب، تمهيداً لهذه اللحظة.
وهذه المرحلة استُهلّت بعودة الجمهوريين إلى واجهة المشهد السياسي الأمريكي. وهم أصحاب نظرية الفوضى الخلاّقة القائمة على تدمير أرض الخصم، ومن ثمّ ترتيبها من جديد وفقاً لمشيئة المنتصر، ومن يمسك بمبضع التقسيم، تقسيم أوصال الديار وشعوبها؛ وهي مكمّلة لمرحلة العمل الأمريكي بالقفازات الحريرية خلال فترة الرئيس الأسبق "أوباما" في المنطقة العربية وإيران. وإذا ما سلّمنا بأن الفوضى العاتية التي أطاحت بتماسك العديد من الدول العربية (العراق، سورية، اليمن، ليبيا)، قد صمِّمت لخدمة (إسرائيل)، فإن عودة الجمهوريين ستكون مكرّسة لاستكمال ما بدؤوا به بعد غزو العراق في العام 2003م.

مرحلة ما بعد العرب
وهي مرحلة بائسة تتّسم بغياب أيّ تاثير للعرب فيها. لا بل استخدامهم على نحوٍ مثير للسخرية والعار، وهم يُساقون بلا إرادة منهم للتضحية بأوطانهم من أجل (إسرائيل)، وهم يعتقدون بأنهم يحمون تلك الأوطان من خطر التقسيم الذي تمسك بمشرطه (إسرائيل)؛ ومن فوق يدها يد الولايات المتحدة الأمريكية.
إن عودة الجمهوريين رسمت لنفسها ملامح واضحة، من أهمها أنهم لا يريدون أيّ حضور أو أيّ دور للشعوب العربية في تقرير مصيرها. وقد أخبر " دونالد ترامب " مؤيّديه، في غير مرّة خلال حملته الانتخابية، بأنه يريد نفط العراق بأيّ ثمن، وليأخذ الروس الساحل السوري، وليحصل الصينيون على ممرّات آمنة لتجارتهم عبر البحرين الأحمر والمتوسط.
يحدث ذلك لأن الغرب، وفي المقدّمة الولايات المتحدة الأمريكية، معتنق لفكرة أن العرب هم أمّة بلا إرادة، وبلا قيم جامعة. وهي فكرة أسّس لها المفكّر والمستشرق الأمريكي "برنارد لويس Bernard Lewis"، الذي وضع نظرية جديدة لتقسيم الوطن العربي تعادل اتفاقية "سايكس- بيكو" الأولى عام 1916م.
وكان ذلك في عام 1978م، خلال فترة الرئيس جيمي كارتر (من 1977م إلى 1981م). ويعود لهذا المفكّر "الفضل" في إقناع المحافظين الجدد بغزو أفغانستان والعراق، تمهيداً لزراعة بذور التقسيم والانشطار الذاتي من خلال إذكاء نارٍ النعرات الإثنية والعِرقية والطائفية داخل بلدان المنطقة العربية، مُضافاً إليها دول الجوار الإسلامي مثل باكستان وإيران، لتصبح (52) دويلة، بحيث تختفى الأمّة العربية ومعها خريطة الوطن العربى لمصلحة نظام إقليمي جديد تصبح فيه (إسرائيل) الدولة الكبرى المهيمنة والقائدة. وقد وصفت جريدة (وول ستريت جورنال)، في افتتاحيتها صباح 21 أيلول 2004م، برنارد لويس "بأنه مزوّد إدارة جورج بوش الابن بما يلزمها من الذخيرة الإيديولوجية حول حربها ضدّ الإسلام في الشرق الأوسط". وبهذا اعتُبر لويس بلا منازع منظّر وباعث فكرة (الحرب على الإرهاب) التي ظهرت بعد تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك في 11 سبتمبر 2001م.
وتعتمد نظرية لويس على فكرة "أن العرب والمسلمين قوم فاسدون ومفسدون وفوضويون لا يمكن تحضيرهم. وإذا تُركوا لأنفسهم فسوف يُفاجئون العالم المتحضّر بموجات بشرية تدمّر الحضارات وتقوّض المجتمعات. ولذلك، فإن الحلّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم وتطبيقاتها الاجتماعية؛ وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور، فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان".!
لقد اعتُبرت أفكار "برنارد لويس" مشروعاً تنفيذياً للرؤية الصهيونية الحالمة بتقسيم الوطن العربي على أسس مذهبية وإثنية، لأنه بذلك تتوفر الظروف الجيوسياسية والديمغرافية التي تسمح بتقبّل (إسرائيل) كدولة إثنية صافية لليهود، وخاصة بعد موافقة الكونغرس الأمريكي على مخطّطه بالإجماع في جلسة سريّة عُقِدت في ربيع عام 1983م. وقد تمّ تقنين المشروع وإيداعه ضمن الملفات السريّة الخاصة بالأمن القومي الأمريكي.
لهذا السبب يمكن اعتبار زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" للبيت الأبيض في هذا الوقت، ولقاؤه الرئيس الأمريكي الجديد "دونالد ترامب"، إعلاناً تنفيذياً لعهد جديد من عهود الاستعمار الحديث.

استنتاج
يعتقد الإسرائيليون، ومعهم الأمريكان، بخلوّ المنطقة العربية اليوم من أيّ عدو، وأنها باتت كعجينة جاهزة يمكن العمل على تشكيلها بما يخدم استراتيجياتهم لسنوات طويلة. ولهذا قد نشهد خلال السنوات الأربع القادمة ما يلي:

1-    التلويح بإعلان الحرب على إيران إذا ما وقفت أمام عودة الأمريكان للعراق، لتنفيذ مخطّط "ترامب" في نهب نفطه وخيراته، والكف عن دعم قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
2-    ستقوم (إسرائيل) بتجاوز آليات العمل الاستيطاني بشكله الحالي لتنتقل إلى مرحلة (الاستيطان الكلّي الإحلالي) المستدام، وطيّ كلّ ما يتعلق به من ذيول قانونية وتشريعية، وستضم الضفة الغربية بالكامل وستُخضعها للقانون الإسرائيلي. وبعد ذلك سيعلن عن قيام ما يُسمّى (دولة إسرائيل) على كامل التراب الوطني الفلسطيني.
3-    إنشاء حلف عربي- إسرائيلي عسكري، مترافق مع تطبيع عربي -إسرائيلي كامل للعلاقات الدبلوماسية والتجارية والسياحية.
4-    تصفية السلطة الفلسطينية، وفسح المجال لسكان منطقة الضفة الغربية بالتعامل المباشر مع الإدارات المدنية والعسكرية الإسرائيلية.
5-    منح سكان الضفة الغربية بطاقات هوية تتلاءم مع الوضع الجديد لهم، والسماح لهم بالخدمة في الجيش والشرطة الإسرائيلية، وسيتحول متغيّر الخدمات التي يقدّمها سكان الضفة الغربية لإسرائيل إلى معيار منحهم الجنسية الإسرائيلية من عدمه.

ردود الفعل الفلسطينية والعربيةالمتوقعة

أمسى مؤكداً أن (إسرائيل)، ومعها الولايات المتحدة الأمريكية، على اعتاب مرحلة (عَلنية) العلاقة العربية- الاسرائيلية، والعمل على مأسستها وهيكلتها، في خطوةٍ من الممكن اعتبارها بأنها أبلغ من علاقات السلام التقليدية والتعاون بين الدول. وهو ما دعا إليه "ترامب" على هامش زيارة نتنياهو للبيت الأبيض.
كما يَطلب ترامب من قادة الدول العربية المحيطة بإسرائيل، ومن تونس والمغرب، تدشين حلف عسكري جديد بينهم، يحاكي أهداف حلف شمال الأطلسي. ويمكن القول بأنه قد يكون بديلاً له، على قاعدة أن حركيات الصراع التاريخية متركزة الآن في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك احتمالات التصادم الغربي مع إيران أو الصين أو روسيا.
يعني ذلك بأن محور المتغيّر الكلّي للصراعات الكونية قد انتقل من أوروبا ومياه الأطلسي إلى عمق البحر الأبيض المتوسط وسواحل البحر الأحمر والخليج؛ وجميع هذه الممرّات هي ممرّات استراتيجية شديدة الأهمية بالنسبة للتجارة الصينية والإيرانية، وواحدة من أهم أركان الاستراتيجية العسكرية الروسية والأمريكية الحديثة.

وبناءً عليه، فإن مصالح الولايات المتحدة و(إسرائيل) تستدعي رمي ثقلهما العسكري والاستراتيجي في أرض الاستثمار الأمثل. لماذا ؟ لأن أيّ عمل عسكري رأسمالي هو في الحقيقة بمثابة جهد اقتصادي صافٍ، يتطلع لكسب المزيد من الأرباح من خلال الآلة العسكرية.
والأهم من بين الاستخلاصات الإسرائيلية التي عرضها "نتنياهو" أمام "ترامب" ، " أن العرب باتوا لا يرون في إسرائيل عدواً بل حليفاً، داعياً لحلٍ إقليمي معهم قائم على التعاون والشراكة؛ وهذا يعني ترتيب الاصطفاف العربي- الإسرائيلي ضدّ إيران، وتجاوز الحالة الفلسطينية كمعيق أول في وجه التعاون الإسرائيلي- العربي (الرسمي) لمواجهة "الخطر" الذي يستهدف الوجود المشترك للأنظمة العربية و(إسرائيل).
وهذا يعني أيضاً أن القضية الوطنية الفلسطينية تواجه خطر الإبادة منفردة دون ظهير عربي أو إسلامي، وهو ما سيسهّل مهمة (إسرائيل) في تحقيق كامل مآربها المتحصلة من المحرقة (العربية/العربية) المستمرة.
إن اللجوء الفلسطيني (الرسمي) لإسرائيل أو الولايات المتحدة لن يفيد في ثنيهما عن تحقيق ما أصبح متاحاً لهما بكلّ يُسر. وهذه حقيقة يجب أن تدفع باتجاه بناء خريطة تحالفات جديدة في المنطقة، قائمة على الفرز بين من يؤيّد مساعي شطب القضية الوطنية الفلسطينية مقابل النجاة بالروح والامتيازات الوهمية، وبين من يعارض مخطّط شطب القضية المركزية وحذفها.

خلاصة

عند البحث عن من لديه الاستعداد للانخراط في هذا الحلف الجديد، لن نجد الكثير منهم؛ لكن سنجد من بيده القدرة على بلبلة المخطّط المعادي وطرحه أرضاً. وهي فصائل العمل الوطني والإسلامي، فيما لو قرّرت العودة للخيار العسكري؛ وسنجد إلى جانبها حزب الله اللبناني والجمهورية الإسلامية في إيران والجمهورية الجزائرية وروسيا والصين. ومجموع هذه الدول قادر على رصّ صف جديد متّسق قادر على مواجهة العدوان الأمريكي- الصهيوني المتجدّد والتصدي له.
وعليه، يمكن القول بأن ناتج ردود الفعل العربية والفلسطينية الرسمية تقترب من الصفر المئوي. لكن بمقدور الفلسطينيين الانخراط في حلف عربي- إسلامي بقيادة إيران يعيد ترسيم ملامح استراتيجية المواجهة مع (إسرائيل) والولايات المتحدة، وبوساطة كلّ السبل التي يشرّعها القانون، وفي مقدمتها العمل الدبلوماسي.

*باحث ومؤرّخ، مختص في الصراع العربي- الإسرائيلي، وقضية الأسرى الفلسطينيين العرب والأسيرات، وله العديد من المؤلفات المنشورة، ومئات الأبحاث والدراسات السياسية.



2017-03-01 12:32:59 | 3444 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية