التصنيفات » مقالات سياسية

مستوطنة في رام الله وسراب حل الدولتين


لا يبشّر عهد الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة (دونالد ترامب) بالخير لفلسطين والفلسطينيين والمنطقة العربية. فإدارة الرئيس (ترامب) تدعم وتساند الكيان الصهيوني على كافة المستويات، وتؤيد سرقة وتهويد الأرض الفلسطينية وإقامة المستوطنات عليها.
قبل أيام أعلن الكيان الصهيوني، ولأول مرّة منذ 25 عاماً، عن نيّته إقامة مستوطنة جديدة في شمال مدينة رام الله المحتلة، حيث وافقت الحكومة (الإسرائيلية) الخميس الماضي على بناء مستوطنة جديدة شمال غرب رام الله، في منطقة يُطلق عليها (شيلو)، قرب الموقع القديم لبؤرة عمونا الاستيطانية العشوائية، لتكون أول مستوطنة جديدة تُبنى بقرار صهيوني حكومي منذ عام  1992م؛ وهي نتيجة عملية لزيارة رئيس الوزراء الصهيوني (نتنياهو) للرئيس الأمريكي، حيث حصل (نتنياهو ) على الضوء الأخضر من إدارة ( ترامب ) لمواصلة سرقة الأراضي الفلسطينية وبناء البؤر الاستيطانية. لكن هذه المرّة بات الاستيطان يهدّد قلب الضفة المحتلة: مدينة رام الله.
 وبحسب المراقبين، فإن المستوطنة الصهيونية الجديدة تمثّل موقعاً استراتيجياً مميزاً يقع في عمق الضفة الغربية المحتلة، ويهدف إلى تقسيم الضفة وتفتيتها. وقد كشف (نتنياهو) أمام المجلس الصهيوني  الوزاري الأمني المصغّر( الكابينت)، أنه تمّت المصادقة على تنفيذ بناء نحو(2000) وحدة سكنية استيطانية من أصل (5700 ) سبق أن صادقت على إنشائها الحكومة الصهيونية قبل شهرين. وقال (نتنياهو) في تصريحات إعلامية  "إن دولة (إسرائيل) أعلنت عن نحو(900) دونم من الأراضي في الضفة الغربية على أنها أراضي دولة، وهي أراضٍ في مناطق محيطة بمستوطنات: (عادي عاد )، (جفعات هريئل)، و(علاي)"؛ فيما صادقت الحكومة الصهيونية على تشكيل طاقم ليعمل على إنشاء مستوطنة صهيونية جديدة لمستوطني (عامونا) الذين تم إجلاؤهم في الأول من شباط/ فبراير الماضي من البؤرة الاستيطانية التي كانت تحمل ذات التسمية، حيث رفضت الحكومة الصهيونية إنشاء هذه المستوطنة  على أراضٍ فلسطينية بملكية خاصة .
من هنا، فإن تعهد الإدارة الأمريكية بوقف الاستيطان لمساعدة الفلسطينيين على تنفيذ وهم بل سراب  (حل الدولتين) هو تعهد كاذب. وما تصريحات الرئيس الأمريكي (ترامب) في هذا الصدد إلاّ لذرّ الرماد في العيون، كونه لا يريد أن يؤجّج غضب العالم عليه وهو في بداية حكمه الجديد. بل إن الإدارة الأمريكية دافعت كذباً عن القرار (الإسرائيلي)، بزعمها أن إقامة هذه المستوطنة في رام الله هو عبارة عن تحقيق لوعدٍ قطعه (نتنياهو) على نفسه في عهد الرئيس الأمريكي السابق (أوباما) .
إن ما يحدث في الكيان الصهيوني، من مواصلة سرقة وتهويد الأراضي الفلسطينية في الضفة المحتلة والقدس، وبناء الآلاف من البؤر الاستيطانية، يؤكد على أن الكيان الصهيوني والأمريكان لا يرغبون بالتوصل إلى حلول حقيقية مع المفاوضين الفلسطينييين ونتساءل هنا: ماذا بقي من أراضٍ في الضفة المحتلة لإقامة دولة عليها وهي أصبحت محاطة بجدار الفصل العنصري وبآلاف الوحدات الاستيطانية.
إن بناء مستوطنة صهيونية في قلب مدينة رام الله المحتلة يمثّل تحدّياً صارخاً لكافة المواثيق والشرائع الدولية التي تندّد بالاستيطان، ورسالة للمجتمع الدولي الذي أصدر قبل أشهر قليلة قراراً بإدانة الاستيطان في فلسطين. فقد تبنّى مجلس الأمن بأغلبية ساحقة، ولأول مرّة منذ 36 عاماً، قراراً يدين الاستيطان ويطالب بوقفه في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وقد استغربت الأمم المتحدة، التي تدعم الكيان، العنجهية الصهيونية في إنشاء مستوطنة جديدة قرب في رام الله، حيث أعرب (ستيفان دوجاريك)، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة عن "خيبة أمله واستيائه من مواصلة الاستيطان الصهيوني على أرض فلسطين، قائلاً: "هذه الخطوة أظهرت أن حكومة (إسرائيل) ماضية في "سياساتها المنهجية المتعلقة بالاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري والتطهير العرقي، وهو ما يدل على تجاهل تام وصارخ لحقوق الإنسان الفلسطيني".
إن القرار الصهيوني بإنشاء مستوطنة على جزء أساسي من أراضي (حلّ الدولتين) يمثل ضربة قوية للزعماء العرب والقمّة العربية الأخيرة، ويؤكد لهم على أن مبادرة "السلام" العربية هي مبادرة واهية ولا تساوي الورق والحبر الذي كُتبت به. واليوم، يفوق عدد المستوطنين الصهاينة في الضفة المحتلة (500 ) ألف مستوطن يعيشون وسط 2.6 مليون مواطن فلسطيني. 
إن القرار الصهيوني بإقامة مستوطنة في رام الله اتخِذ في ذكرى أليمة حيث يحتفل الفلسطينيون بيوم الأرض، حين ثاروا على قرار سرقة الأراضي الفلسطينية وتحويلها إلى مستوطنات وتنفيذ مخططات تهويد الجليل الفلسطيني. وليت المفاوض الفلسطيني يتذكّر اليوم لاءات  القمّة العربية بالخرطوم، بعد نكسة يونيو/ حزيران 1967م وهزيمة العرب أمام الكيان الصهيوني - حيث احتلّت القوات الإسرائيلية خلالها الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء-  ويومها أعلن الزعماء العرب في قمّة الخرطوم اللاءات الثلاث: "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل".
والواقع أن الكيان الصهيوني لا يحسب أي حساب للعرب أو المجتمع الدولي أو الإدارة الأمريكية الجديدة، وهو يسير في تنفيذ مشاريعه الاستيطانية وفي تهويد القدس والمسجد الأقصى المبارك بغير حسيب ولا رقيب. وما على العالم الحر والمجتمع الدولي إلاّ أن يضع رأسه في التراب خجلاً كونه استسلم أمام غطرسة الكيان وتهويده الأرض الفلسطينية. 


غسان مصطفى الشامي
كاتب فلسطيني







2017-04-06 10:38:54 | 4263 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية